العدوان الإسرائيلي على غزة.. كيف يؤثر على أسعار النفط والممرات التجارية؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بينما تستمر الهجمات الإسرائيلية على غزة بكل عنف لتدخل شهرها الثاني، وفي وقت تُفتَح أمام أعين العالم كل يوم صفحة مؤلمة جديدة من المأساة الإنسانية في فلسطين، فإن القضية الفلسطينية في صعيد آخر أيضاً من حيث آثارها الاقتصادية.

ونجد أن الاقتصاد العالمي قد تعرض تارةً لضغوط شديدة بسبب وباء كوفيد-19، وتارة بسبب الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتارة أخرى بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والآن بسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفق ما تقول وكالة الأناضول التركية.

وأضافت في مقال للكاتب ألتاي أتلي أنه كما الحال في كل أزمة تشهدها منطقة الشرق الأوسط، فإن السؤال الأول الذي يتبادر إلى الأذهان بطبيعة الحال هو: "ماذا سيحدث لأسعار النفط؟".

مسار النفط

فمنذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي ظهرت توقعات عديدة بناءً على سيناريوهات مختلفة فيما يتعلق بمسار أسعار النفط.

وبحسب التوقعات التي نشرتها المنظمات الدولية ووكالات الأنباء، فإن اقتصار الصراع على إسرائيل وفلسطين فحسب سيؤثر على أسعار النفط بشكل محدود.

ولكن إذا تطور الأمر إلى حرب إقليمية تشمل دولًا منتجة للنفط مثل إيران فقد يرتفع سعر البرميل من مستواه الحالي من 80 إلى 150 دولارًا.

وحسب قول الكاتب، فإن هذا الأمر من شأنه أن يوجه ضربة قوية للاقتصاد العالمي الهش، والذي يمر حالياً بفترة تضخمية صعبة.

وتابع أن أيا من هذه السيناريوهات ليست مستبعدة الحدوث اليوم. ولا تزال هناك العديد من الشكوك فيما يتعلق بمسار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وعلى الرغم من أنّ احتمال نشوب حرب كبرى في الشرق الأوسط تشارك فيها دول إقليمية مثل إيران بشكل مباشر ضئيل، فإن مصير غزة لا يزال مجهولاً.

ولكن بات من الواضح للعيان أنه لن يكون هناك سلام حقيقي في الشرق الأوسط دون التوصل إلى حل في غزة. وفي ظل هذه الظروف، يمكن التنبؤ بنشوء ضغط على أسعار النفط. 

ذكر الكاتب أن سعر برميل النفط الخام، الذي كان 84.58 دولارًا عند بدء الحرب في 7 أكتوبر، قد عرض في السوق بـ 82.73 دولارًا في 14 نوفمبر.

كما أشار إلى أن الأسعار قد وصلت إلى 93.79 دولارًا في 20 أكتوبر كحد أقصى، وإلى 79.20 دولارًا في 8 نوفمبر كحد أدنى خلال الـ 37 يوماً الماضية.

ثم أردف: وبمعنى آخر، فإن أسعار النفط تظل مستقرة كما هي وإن كان هناك تقلبات.

وبغض النظر عن التطورات الأخرى التي قد تحدث في جانب العرض والطلب، فإن تأثير الصراع القائم على أسعار النفط سيستمر بهذا الاتجاه حسب توقعات الكاتب.

في حين نجد أنّه بعد حرب يوم الغفران عام 1973، تضاعفت أسعار البترول في الأسواق العالمية أربع مرات نتيجة الحصار الذي فرضته الدول العربية الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) على الدول الغربية التي دعمت إسرائيل في الحرب.

ويُطرَح السؤال هنا "هل سيحدث موقف مماثل مرة أخرى؟" مجيبا: "يبدو أنّه بالنسبة للماضي الوضع اليوم مختلف تماماً".

فبعد مرور 50 عاماً على ذلك، نرى أنه لا يوجد لدى أعضاء أوبك موقف مشترك وواضح كما كان الحال في ذلك الوقت، وينسب الكاتب هذا إلى اختلافات الرأي فيما بينهم.

ثم أضاف: "فضلاً عن ذلك، فإن بقية العالم أصبح أقل اعتماداً على نفط الشرق الأوسط مما كان عليه قبل خمسين عاماً".

ممرات النقل

ولفت إلى أن تأثير الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على الاقتصادات الإقليمية والعالمية متعلق أيضاً بممرات النقل.

فقبل أسابيع قليلة من بدء العدوان الإسرائيلي، طرحت فكرة مشروع في قمة مجموعة العشرين (G-20)، مفادها إنشاء ممر اقتصادي الهندي الأوروبي الشرق أوسطي.

يبدأ الممر المذكور من الهند ويصل إلى إسرائيل عابراً البحر وشبه الجزيرة العربية ومن ثم يتوزّع على الأسواق الأوروبية عابراً البحر الأبيض المتوسط.

ومع أن هذا المشروع قد جرى طرحه كمنافس لمبادرة الحزام والطريق الصينية، فقد تأجل الآن بسبب الحرب الدائرة في غزة.

وبالمثل، يمكن القول إن فكرة الصين المتمثلة في إنشاء بديل لقناة السويس من خلال ربط موانئ إسرائيل على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط ​​بخط للسكك الحديدية، صارت دون صلاحية مع الصراع الدائر في المنطقة.

وبالنظر إلى وضع إسرائيل الحالي، لم يتبق هناك أي موانئ آمنة لها على طول شرق الأبيض المتوسط بدءاً من مرسين في تركيا ​​وحتى بورسعيد في مصر.

وحسب رأي الكاتب، فإن هذا يشكل عائقًا كبيرًا للاقتصادات الإقليمية بما في ذلك تركيا. 

آثار العدوان

نوه الكاتب بأنه لا تزال هناك العديد من الشكوك بشأن مسار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما أن توسع الحرب وتورط دول أخرى فيها سيؤدي إلى تعميق آثارها السلبية على الاقتصاد. 

واسترسل: بما أن حديثنا عن الاقتصاد، فإن السؤال الرئيس الذي يجب على العالم كله أن يطرحه على نفسه ليس متعلقاً بسعر برميل النفط.

وإنما "كيف يمكن توفير الفرص الاقتصادية للأشخاص المتضررين من الحرب بعد إخمادها ليتمكنوا من إعادة بناء حياتهم بعد ذلك؟".

ولفت الكاتب إلى تقرير نشرته الأمم المتحدة أخيرا، مفاده أن 400 ألف شخص في غزة والضفة الغربية قد هبط تصنيفهم دون خط الفقر في الشهر الأول من الحرب، وأن 660 ألف شخص آخرين سيتقاسمون نفس المصير إذا استمرت الصراعات في القطاع لشهرين أو ثلاثة.

ومن الجدير بالذكر أن 61 بالمئة من فرص العمل الحالية في غزة و24 بالمئة منها في الضفة الغربية قد اختفت، وحلت مكانها البطالة.

وبالنظر إلى الاقتصاد الفلسطيني، فإن حرباً ستدوم لثلاثة أشهر ستقضي على 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين.

وحتى خلال أشد فترات الحرب قسوة في سوريا، فقد كانت خسارتها الشهرية من الناتج المحلي الإجمالي السوري هو 1 بالمئة فقط.

في حين كان تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الناتج المحلي الإجمالي الأوكراني هو خسارة تبلغ 1.6 بالمئة في المتوسط ​​شهرياً.

وقد تبدو الإحصائيات المذكورة عقيمة ولا تأثير لها؛ ولكنّ هذه الأرقام تحمل خلفها أشخاصاً فقدوا منازلهم ويعانون من الجوع ولا يستطيعون حتى تلبية احتياجاتهم الأساسية.

وعبر الكاتب عن أسفه الشديد قائلاً إن الحرب مستمرة ولا يمكن قياس الخسائر البشرية بأي وحدة قياس اقتصادية.

واختتم مقاله بالقول: "آمل أن أتمكن من الحديث عن الاقتصاد ذات يوم في أوقات أكثر عدلاً، حيث لا يموت الأبرياء ولا يحرم الأطفال في الحضّانات من فرصهم في الحياة بسبب عدم توفير الكهرباء للمستشفيات".