لعبة إماراتية.. ماذا وراء دخول المجلس الانتقالي على خط أزمة البحر الأحمر؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

في خطوة أثارت جملة من التساؤلات، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، المدعوم من دولة الإمارات، إدخال عدد من الآليات الجديدة التابعة للقوات البحرية للخدمة، بالتزامن مع استهداف جماعة الحوثي للسفن المرتبطة بإسرائيل.

ومن جملة التساؤلات المطروحة حيال ما أقدم عليه المجلس الانتقال الجنوبي، هو إلى أي مدى يمكن أن تضعف هذه الخطوة من سطوة وسيطرة الحوثيين في منطقة البحر الأحمر، وهل تعدّ هذه مواجهة غير مباشرة لدولة الإمارات مع الجماعة المدعومة من إيران؟

"تأمين الممرات"

في 10 مارس/ آذار 2024، أفاد بيان المجلس الانتقالي الجنوبي المنشور على موقعه الإلكتروني، بأن عيدروس الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي دشن عددا من القطع البحرية للخدمة، بحضور وزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري، وقائد القوات البحرية الفريق الركن عبدالله النخعي.

وأوضح الزبيدي خلال عملية التدشين أن "هذه الخطوة تكتسب أهمية كبيرة في مساعدة القوات البحرية على القيام بمهامها، في ظل ما تشهده المياه الإقليمية من تصعيد مستمر من الحوثيين في استهداف خطوط الملاحة الدولية".

ودعا رئيس المجلس الانتقالي اليمني "قيادة قوات التحالف العربي والتحالف الدولي، إلى دعم قواتنا البحرية، في جانب التدريب والتأهيل، وتعزيزها بالإمكانات لتكون عنصرا فاعلا في التحالف الدولي ضد الإرهاب، وحماية خطوط الملاحة الدولية".

ونقل البيان أيضا عن وزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري، أن "إدخال هذه القطع الجديدة إلى القوات البحرية، يأتي في إطار جهود الوزارة لتعزيز الجاهزية القتالية للقوات البحرية، والدفاع الساحلي".

وأكد الفريق الداعري أن "لدى قواتنا البحرية ما يكفي من القادة والكوادر الفنية التي تمكنها من استعادة دورها الريادي في حماية المياه الإقليمية وتأمين خطوط الملاحة الدولية بكل كفاءة واقتدار".

وتشن جماعة الحوثي هجمات على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إضافة إلى أنها استولت على سفينة "جالاكسي ليدر"، المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في 20 نوفمبر، وذلك ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وردا على ذلك، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2023، تشكيل قوة عمل بحرية باسم "حارس الازدهار" تضم 20 دولة بهدف مواجهة الهجمات في البحر الأحمر.

وشنت واشنطن ولندن وحلفاء لهما سلسلة متتابعة من الضربات جوية على مواقع الحوثيين في اليمن منذ فجر 12 يناير 2024، والتي ردّت عليها الجماعة المدعومة من إيران بهجمات أخرى استهدفت العديد من السفن، لا سيما الأميركية والبريطانية منها.

أهداف إماراتية

وبخصوص مدى إضعاف خطوة الانتقالي من سيطرة الحوثيين البحرية، قال المحلل السياسي اليمني، عبد الباقي شمسان، أن "نشر قطع بحرية، له منافع سياسية لأن الإمارات الوكيل الإقليمي للوكيل المحلي (المجلس الانتقالي)، إذ تقوم الأولى على المستوى المعلن، بتسويق الأخير ككيان يمكن أن يقوم بدور وظيفي".

وأضاف لـ"الاستقلال" أنه "على المستوى غير المعلن، فإن الإمارات هي من تقدّم ذاتها إلى الدول المهيمنة (الغربية) بأنها تستطيع أن تلعب دورا في الأمن والسلامة بالبحر الأحمر من خلال الوكلاء المحليين لها تماما كما تفعل إيران، التي تقلق الملاحة الدولية عبر وكلائها".

ورأي الخبير اليمني أن "الإمارات تريد أن تحقق بعض الأهداف من خلال تحريك وكلائها، أولها تغييب وجود الدولة والسلطة اليمنية باعتبارها الطرف الذي ينبغي أن يجري التحاور معه من المجتمع الدولي للقيام بمهامه في حماية الملاحة الدولية".

الأمر الآخر، يضيف شمسان، أن "الإمارات تقدّم كيانات تستهدف السلطة الشرعية أيضا وتغييبها، وتجعل من البلد عبارة عن مجموعة من الفواعل غير الدولة  الموجودة في البلاد، وهذا يؤدي إلى المزيد من التدخل الدولي وإنهاء حظوظ استعادة الدولة".

ولفت إلى أن "الإمارات هي من تقدّم ذاتها باعتبارها يمكن لها أن تلعب دورا في مواجهة الحوثيين، وذلك بوضع المجلس الانتقالي في المواجهة كونه هو من سيواجه، لكن عمليا هي من تدير هذه المسألة".

وأشار شمسان إلى أننا "نحن أمام إستراتيجية إيجاد الحاجة الوظيفية للإمارات ضمن إعادة صياغة المعادلة في المنطقة من خلال استخدام الوكلاء المحليين لتحقيق ذلك".

وأردف: "ينبغي أن يكون هناك موقف من السلطة الشرعية اليمنية، والسعودية، لأن هذا يعني أنه لا يوجد في الجمهورية اليمنية دولة موحدة، وإنما نحن أمام كيانات عسكرية ومليشياوية تختلف عن الحوثيين".

واستبعد الخبير اليمني أن "تدخل الإمارات في مواجهات مع الحوثيين، كونها تخشى مواجهة إيران بشكل مباشر، وإنما أبو ظبي تتلاعب من خلال الوكلاء المحليين لتحقيق حضور لها في الجغرافيا اليمنية".

ورأى شمسان أن "ما تقوم به الإمارات، يضر بالأمن والسلم الدوليين، ويعطي مسوغات لاستمرار الوجود الدولي في ممرات الملاحة الدولية، إضافة إلى أنها تسمح بوجود عسكري غير حكومي في الجغرافيا اليمنية مستقبلا، وهذا يؤدي إلى ظهور جماعات متطرفة، يتم التحكيم بها خارجيا".

وخلص الخبير اليمني إلى أن "أبوظبي تحقق مصالحها على حساب الأمن القومي العربي، وعلى حساب الدولة اليمنية وسيادتها، وبالتالي هذه العملية سياسية جيوإستراتيجية، وأن الإمارات تقوم بدورها المعتاد كدولة وظيفية وخادمة للدول المهيمنة على صناعة القرار الدولي".

"ردع الحوثيين"

وفي المقابل، قال السياسي اليمني المقرّب من المجلس الانتقالي أوسان بن سدة، إن "الأخير يفهم اللعبة التي يديرها الحوثيون عبر تسويق أنفسهم على أنهم مناصرون لغزة، وجمع الكثير من الموارد لذلك، ما يضر كثيرا بالوضع الإنساني في اليمن".

ولفت ابن سدة في تصريح لوكالة "سبوتنيك"، الروسية في 13 مارس، أن "الانتقالي تحدث من البداية أنه ليس مع الفوضى التي يحدثها الحوثي في البحر الأحمر، وهي لا تخدم غزة ولا الوطن العربي بشكل عام، وتضر بمصر والسعودية وجميع الدول المطلة عليه، والإضرار بالعالم والمجتمع الدولي، وهو ليس معها وسيقف ضدها".

وأشار إلى أن "قيام الانتقالي بالدفع بقطع بحرية لتأمين الملاحة لا يعني تأييدا لإسرائيل، لكنه يحاول إزالة اللبس عمن يحاولون استثمار محنة أهلنا في غزة لصالحه سياسيا، وأن المجلس أدان منذ البداية الهجمات التي قام بها الحوثيون".

وشدد ابن سدة على أن "الجنوب له موقف ثابت من القضية الفلسطينية ليس من الآن، بل منذ ستينيات القرن العشرين، وشارك في حرب ثلاثة وسبعين بإيقاف ومنع مرور السفن الإسرائيلية أو الداعمة لها، فإذا كانت هناك حرب عربية وموقف عربي متكامل، بكل تأكيد سنكون جزءا من هذا الموقف العربي ولن نتوانى".

وأردف: "لكن يجب أن نكون واضحين أن الحوثي يستثمر فقط لصالحه، ولم يضر التجارة في ميناء إيلات أبدا، بل تسبب بالضرر لقناة السويس والموانئ السعودية واليمنية المطلة على البحرين الأحمر والمتوسط، لذا فإن المواطن العربي هو المتضرر الأول، بل لم تتضرر إسرائيل لا من صواريخ الحوثي ولا من استهدافه للسفن في البحر الأحمر".

وأشار ابن سدة إلى أن "الموقف السياسي للجنوب كان واضحا منذ البداية والمتمثل في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، علاوة على موقفه الواضح من القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين".

وتابع: "سنكون مناصرين لفلسطين متى ما تطلب الأمر، وليس بالطريقة العبثية التي يقوم بها الحوثي، والذي سنردعه ونقطع عليه ما يقوم به من استثماره لما يحدث، حتى لو وصل الأمر إلى الصدام المسلح معهم في عرض البحر الأحمر، إذا استمر في استثماره لأوجاع أهلنا في غزة استثمارا سياسيا لملفات داخلية يمنية".

وفي 12 ديسمبر، 2023، نشرت وكالة "بلومبرغ" الأميركية تقريرا، قالت فيه إن جهود واشنطن لمواجهة مليشيا الحوثي اليمنية في البحر الأحمر "تصطدم بعقبة رئيسة" هي خلاف بين والإمارات والسعودية، حليفتي الولايات المتحدة.

وقالت الوكالة إن "اثنتين من أهم الجهات الفاعلة المشاركة في الحرب طويلة الأمد في اليمن، وهما السعودية والإمارات، تدعمان الفصائل المتنافسة ضد الحوثيين وتفضلان طرقا مختلفة للتعامل معهم".

وأشارت إلى أن "دولة الإمارات تضغط من أجل تنفيذ عمل عسكري ضد الحوثيين، بينما تدعم السعودية جارة اليمن نهجا أكثر اعتدالا؛ خوفا من اندلاع حرب".

وبعد انقلاب جماعة الحوثي على السلطة الشرعية في اليمن والسيطرة على صنعاء عام 2014، دخلت الإمارات إلى البلاد تحت مظلة "التحالف العربي" الذي شكلته السعودية عام 2015 لإيقاف تقدم الحوثيين، والذين لا يزالون يتحكّمون في عدد من المدن اليمنية.

ورغم إعلان الإمارات سحب قواتها من اليمن عام 2019، لكنها لا تزال تتحكم بأذرعها التي سلحتها ودربتها في جنوب البلاد، ومن أبرزها "المجلس الانتقالي الجنوبي" بقيادة عيدروس الزبيدي، والذي يسعى إلى الانفصال وإعلان دول جنوب اليمن.