"عودة للأضواء".. ما مستجدات العلاقات المتوترة بين المغرب وإيران؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

العلاقات المتوترة بين المغرب وإيران، والتي ترجع لعقود من الزمن، عادت إلى الأضواء الأممية، خاصة المواقف المتبادلة بشأن قضية إقليم الصحراء الغربية.

وأوضحت مجلة "جون أفريك" الفرنسية أن “إيران، خلال مناقشات في الأمم المتحدة، أعادت تأكيد دعمها لجبهة البوليساريو”، مشيرة إلى “المغرب كقوة احتلال لإقليم الصحراء الغربية”. 

ولفتت الانتباه إلى أن "التوترات لا تتعلق فقط بالسياسة الخارجية، ولكن أيضا بالاختلافات الأيديولوجية، حيث يمثل المغرب دولة ملكية ذات أغلبية سنية، بينما تمثل إيران جمهورية شيعية".

علاوة على ذلك، أبرزت المجلة أن "هذه العداوة الطويلة بين المغرب وإيران تتغذى على مواقف سياسية وجيوسياسية متباينة وتداخلات إقليمية معقدة".

معسكر مختلف 

في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، استغلت إيران نقاشا نُظم في مقر الأمم المتحدة لتأكيد دعمها لجبهة البوليساريو. 

وخلال مداخلتها أمام اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، نددت ممثلة الدبلوماسية الإيرانية لدى الأمم المتحدة، زهرة إرشادي، بـ"قوة محتلة"، دون أن تسمي المغرب بشكل مباشر.

ومتماشية مع مواقف الجزائر، دافعت إيران عن "حق تقرير المصير للإقليم"، ودعت إلى "إنهاء استغلال الموارد الطبيعية في المنطقة". 

وتأتي هذه التصريحات بعد نحو أسبوعين من إلغاء محكمة العدل الأوروبية لاتفاقيات الصيد والزراعة بين الرباط وأوروبا، على أساس أنها أُبرمت "دون موافقة شعب الصحراء الغربية".

وهذا ليس بالأمر الجديد، على حد قول المجلة، ففي يونيو/ حزيران 2024، كانت إيران قد أعربت عن نفس الموقف خلال اجتماع اللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة. 

ولكن من الناحية الجيوسياسية، ذهبت المجلة إلى أن "تصريحات زهرة إرشادي الأخيرة تأتي في إطار حرب المحاور في الشرق الأوسط، حيث لا تنتمي إيران والمغرب إلى نفس المعسكر". 

وبدأت قضية الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول النزاع بين المغرب وجبهة "البوليساريو" إلى نزاع مسلح استمر حتى 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.

ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير ‪‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

وتسعى الأمم المتحدة إلى تفاهمات بمشاركة المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة "البوليساريو" بحثا عن حل نهائي للنزاع بشأن الإقليم، منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.‪

وبوصفها دعم طهران للبوليساريو بأنه "ليس مفاجئا على الإطلاق"، ذكرت المجلة أن إيران تعترف منذ 27 فبراير/ شباط 1981 بما يسمى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، التي أسستها جبهة البوليساريو عام 1976. 

وأكدت أنه "رغم التغيرات في الحكومات أو التحولات الجيوسياسية، بقي الموقف الإيراني ثابتا بشأن هذا الملف".

ولكن بالنظر إلى التاريخ، لفتت "جون أفريك" إلى أن "شاه إيران كان حليفا وصديقا للملك الحسن الثاني، حتى إن الأخير حاول القيام بوساطة مع الثوار الإيرانيين لتجنب سقوط الملكية".

وأردفت: "وعندما أُطيح بالملكية وحلت محلها جمهورية، لم يكن الملك المغربي راضيا عن هذا التغيير، خاصة أن الإمام الخميني كان يطمح دائما لتصدير (ثورته)". 

اتجاهات متعاكسة

وفي ذلك الوقت، قالت المجلة إن "الحسن الثاني وصف آية الله الخميني بـ(المبتدع)، رغم أنه أرسل له رسالة تهنئة على (نجاح ثورته)". 

علاوة على ذلك، في عام 1979، وبدافع من التضامن، منح الملك اللجوء للشاه، الذي أُجبر على المنفى. 

وهذه اللفتة -بحسب المجلة- تفسر جزئيا اختيار الخميني دعم الجزائر والبوليساريو.

ومن ناحية أخرى، لفتت المجلة النظر إلى أنه "على الورق، كل شيء يظهر التناقض بين إيران والمغرب". 

واستطردت: "فبدءا من طبيعة نظاميهما؛ نجد أن إيران جمهورية والمغرب ملكية". 

وبالنظر إلى تأثير كل منهما في "العالم الإسلامي"، أبرزت المجلة أن "إيران هي الدولة الوحيدة التي يعد فيها المذهب الشيعي دين الدولة منذ القرن السادس عشر، وتسعى لحماية الأقليات الشيعية، المنتشرة بشكل كبير في لبنان وحتى في الممالك الخليجية، وغالبا ما تتعرض للاضطهاد من قبل السنة". 

وتابعت: "أما في المغرب، يمتلك الملك سلطة دينية لا جدال فيها، حيث يُعد (أمير المؤمنين) ويتبنى إسلاما سنيا على المذهب المالكي". 

علاوة على ذلك، أشارت المجلة إلى أن "النظامين لا يحملان نفس التوجهات السياسية والجيوسياسية".

وقالت "جون أفريك" إن "إيران، بعد ثورتها، اتجهت بطبيعة الحال نحو كتلة الدول غير المنحازة والدول المناهضة للإمبريالية". 

وفي هذا السياق، أقام النظام الإيراني "علاقة معقدة ومميزة" مع الجزائر.

علاقة فوضوية

ومن جهة أخرى، ذكرت المجلة أنه "بعد استقلاله، تحالف المغرب مع الغرب -الولايات المتحدة وأوروبا-، ولم يغفل كذلك عن العلاقات مع إسرائيل، العدو اللدود لآيات الله". 

وأضافت: "وبعد سقوط شاه إيران، التقى عدة معارضين مغاربة للحسن الثاني بالإمام الخميني للحصول على دعمه". 

وفي هذا الصدد، خلصت المجلة إلى أن "تلك الاتصالات لم تؤدِّ إلى تعاون ملموس، لكنها أسست نمط العلاقات بين المغرب وإيران".

ووفقا للخبير في شؤون الشرق الأوسط، ديفيد ريغوليه-روز، فإن "العداء بين المغرب وإيران أدى إلى علاقة (فوضوية)، كما أدى إلى عدة انقطاعات دبلوماسية". 

حيث كان الانقطاع الأول في بداية الثمانينيات، قبل استئناف العلاقات عام 1991. 

ثم وقع حادث جديد في 22 فبراير/ شباط 1999، عندما صرح الملا علي أكبر ناطق نوري، الذي يُعد مستشارا مقربا للمرشد علي خامنئي، بأن "البحرين، المملكة الخليجية الصغيرة، ليست في الحقيقة سوى (المقاطعة الرابعة عشرة لإيران)".

جدير بالذكر هنا أن إيران كانت قد اعترفت بالبحرين كدولة ذات سيادة ومستقلة عام 1971. 

وأثارت هذه التصريحات -بحسب ما نقلته المجلة- غضب معظم الدوائر الدبلوماسية "العربية"، وقرر المغرب قطع علاقاته مع طهران مُجدِّدا للتعبير عن دعمه لملك البحرين.

ولفت ريغوليه-روز إلى أن "الدبلوماسية المغربية في تلك الفترة كانت تتهم نظام طهران بنشر (التبشير الشيعي) عبر سفارته في الرباط، في المملكة التي يعيش فيها بضعة آلاف من الشيعة، معظمهم من العراقيين أو اللبنانيين المغتربين، بالإضافة إلى البهائيين الذين يشكلون أقلية ضئيلة للغاية". 

وفي ذلك الوقت، بحسب ما أشار إليه الخبير، أدانت وزارة الشؤون الخارجية المغربية علنا ما وصفته بـ"التدخلات الإيرانية" و"التشكيك في الوحدة الإسلامية والمذهب السني المالكي في المغرب". 

ثم في فبراير/ شباط 2014، أعادت الدولتان أخيرا علاقاتهما، إلى أن حدثت القطيعة الثالثة والأخيرة وحتى الآن في مايو/ أيار 2018، بحسب ما ورد عن المجلة الفرنسية.

عداء مستمر 

وبإلقاء نظرة تفصيلية على الانقطاع الأخير، أفادت "جون أفريك" بأنه "في 1 مايو 2018، توجه وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، إلى طهران لإبلاغ نظيره آنذاك، جواد ظريف، بقرار المملكة الأحادي بقطع العلاقات". 

والسبب وراء هذا القرار كان "الدعم العسكري المزعوم من إيران للبوليساريو عبر حزب الله والجزائر". 

وحينها، أكد بوريطة أنه يمتلك "أدلة دامغة" تفيد بأن "إيران وحزب الله قد درّبا مقاتلي البوليساريو وزوداهم بالأسلحة عبر الجزائر، رغم أنه لم يُكشف عن هذه الأدلة علنا"، وفق ما ذكرته المجلة. 

وفي الخلفية، يعزز اعتقال البلجيكي المغربي قاسم محمد تاج الدين بمدينة الدار البيضاء في مايو/ أيار 2017، والذي يُعد "ممول حزب الله في إفريقيا" والمطلوب من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الفرضية القائلة إن "إيران قد تدعم البوليساريو عسكريا بدافع (الانتقام) والشعور بالضغينة".

ومع ذلك، وباستثناء تحقيق نشرته صحيفة "دي فيلت" الألمانية المحافظة، نوّهت المجلة أن "واشنطن أو أي وزارة خارجية غربية لم تؤكد هذه الادعاءات، لكن الفكرة لا تزال قائمة".

وعلى جانب آخر، نقلت المجلة الفرنسية عن العديد من المتخصصين أن "الصحراء ليست أولوية بالنسبة لإيران، على الأقل منذ عامي 2011-2012". 

وزعم المتخصصون أنه "رغم أن هذه القوة الإقليمية تسعى لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط وإفريقيا، ولكن لعرقلة نفوذ إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما في هذه المناطق، فإن الصحراء لم تعد ضمن أولوياتها الرئيسة". 

وفي الوقت نفسه، ترى المجلة أنه "لتخفيف عزلتها على الساحة الدولية، قد تميل إيران إلى تعزيز علاقاتها مع الجزائر وعدة دول في منطقة الساحل". 

وأما بالنسبة للمغرب، تعكس المجلة أن "قطيعة 2018 أظهرت رغبة واضحة في تعزيز علاقاته مع واشنطن والسعودية والإمارات". 

وفي هذه المرحلة، ختمت "جون أفريك" بالتأكيد على أن "العداء بين المغرب وإيران سيستمر لفترة طويلة".