من أجل حياة كريمة في مصر.. ما الحد الأدنى المطلوب للأجور؟

طارق الشال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مطلع يوليو/تموز 2021، يبدأ سريان قرار مجلس الوزراء المصري بشأن الحد الأدنى للأجور للموظفين والعاملين لدى أجهزة الدولة والهيئات العامة الاقتصادية.

ونصت المادة الأولى من القرار، الذي تقدم بمشروعه رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، على أن يكون الحد الأدنى لإجمالي الأجر الشهري الذي يستحق للموظف/العامل، بدءا من أول يوليو 2021، للدرجة الممتازة أو ما يعادلها 8400 جنيه (535 دولار)، وصولا للدرجة السادسة بأجر 2400 جنيه (153 دولار).

وتشمل زيادة الرواتب نحو 5 ملايين عامل وموظف بالجهاز الإداري للدولة، ورفع الحد الأدنى للأجور من 2000 إلى 2400 جنيه بنسبة 20 بالمئة، بالإضافة إلى زيادة قيمة المعاشات بنحو 13 بالمئة.

غير كاف

وتأتي هذه الأرقام بأقل من الحدود الدنيا التي تخلق حياة كريمة أو توفر المتطلبات الأساسية للأسرة المصرية.

وبحسب الخبير الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، فإن الحد الأدنى للأجور في مصر لا يرتبط حتى بحد الفقر المحدد من قبل البنك الدولي والمقدر بنحو 1.9 دولار في اليوم، وبالتالي في حال وجود أسرة مكونه من زوج وزوجة وطفلين من المفترض أن يكون دخلهم يعادل 3500 جنيه (223 دولار).

وأضاف الصاوي لـ"الاستقلال"، أن تحديد الحد الأدنى لأجور العاملين في الحكومة المصرية عند 2400 جنيه لا يمكن أن يلبي الاحتياجات الأساسية للأسرة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن والانتقالات، فضلا عن العلاج والتعليم وكثير من الأمور الأخرى.

وأكد أنه لا تزال هناك فجوة كبيرة بين الأجر المحدد من قبل الحكومة ومتطلبات الحياة الكريمة التي يجب أن يتمتع بها المواطن المصري.

وتزامن ذلك مع عودة معدلات التضخم إلى الارتفاع، حيث بلغ معدلها في مايو/أيار 2021، نحو 4.9 بالمئة.

من جانبة، قال أستاذ الاقتصاد أحمد ذكرالله، إن الحد الأدنى من الأجور غير آدمي حتى بعد هذه الزيادة.

وقال إنه "بقسمة 2400 جنيه على 16 يكون الدخل الشهري بالدولار نحو 150 دولار وبتوزيع هذا المبلغ على 5 أفراد من أسرة واحدة يكون نصيب الفرد دولار واحد فقط في اليوم وهذا أقل من الحد العالمي المقبول".

وأضاف ذكرالله، لـ"الاستقلال"، أنه على الرغم من تحكم الإدارة المصرية إلى حد ما في معدلات التضخم خلال الفترة الماضية، إلا أنه لا يمكن القول بأن هذا سيستمر للأبد نتيجة لوجود موجة من ارتفاع الأسعار عالميا".

ووصل معدل التضخم العالمي إلى أعلى مستوياته منذ عام 2008 في أبريل/نيسان 2021 بنسبة 3.3 بالمئة، بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وأكد أستاذ الاقتصاد، أنه لولا التدافع على الديون أو زيادتها بصورة غير مسبوقة في مصر، كان يمكن للنظام المصري أن يزيد ولو قليلا من الحد الأدنى للأجور بصورة أكثر من 2400 لتصل إلى حدود الـ 3000 جنيه، "حتى نتمكن للوصول بالمواطن إلى حدود الـ1.25 دولار في اليوم على الأقل".

وتظهر أرقام سابقة لوزارة المالية المصرية، أن الدين العام الخارجي المستحق على البلاد، بلغ 129.2 مليار دولار حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، بنمو 14.7 بالمئة على أساس سنوي، بينما بلغت قيمة الدين العام الداخلي قرابة 200 مليار دولار.

ويرى ذكر الله، أن النظام المصري يتعمد هذه الحدود الدنيا من أجور العاملين، لكي يستطيع السيطرة على عجز الموازنة بالدولة، في سبيل إرضاء صندوق النقد الدولي على حساب المواطن المصري.

واقترضت مصر من صندوق النقد الدولي منذ عام 2013 نحو 3 قروض بقيمة تصل إلى 20 مليار دولار، وتحصل البلاد على هذه القروض شريطة تطبيق مجموعة من الأمور التي يفرضها الصندوق، منها خفض عجز الموازنة وتعويم العملة المحلية وخفض الدعم.

هيكلة الأجور

لكن مع اتساع الفجوة التمويلية بموازنة البلاد، وتآكل معظم الإيرادات نتيجة فوائد وأقساط الديون، يتساءل البعض عن مدى قدرة الميزانية على استيعاب تلك الزيادات في الأجور.

ويرى الصاوي، أنه رغم ما أقرته الحكومة من حوافز مالية وتحسين الحد الأدنى في الأجور والمعاشات، فإن بند الأجور في موازنة هذا العام لم يتعد أكثر من 20 بالمئة وكان الوضع الطبيعي أن يزيد بنسبة 10 بالمئة.

وأشار إلى أن بند الأجور ليس هو الأكبر في مخصصات الإنفاق بالموازنة المصرية، وأن الفوائد التي تدفعها الحكومة عن الدين العام بشقيه الداخلي والخارجي هي البند الأكبر.

ويتوقع أن يبلغ إجمالي حجم الأجور في موازنة العام المالي القادم 2021/2022 نحو 361 مليون جنيه (23 مليون دولار) وهو ما يمثل نحو 19.6 بالمئة من قيمة الموازنة.

وأوضح الصاوي أن هناك مشاكل كثيرة تتعلق بهيكلة الأجور، حيث لا يزال الراتب الأساسي يمثل 20 بالمئة فقط من قيمة ما يحصل عليه العامل المصري وباقي الراتب وهو الـ80 بالمئة يكون عبارة عن مكافآت وبدلات.

وهو ما يفتح الباب للمجاملات الشخصية والمحسوبيات والفساد، كما تتفاوت الأجور بين العاملين في الدولة من قطاع إلى آخر ومن مؤسسة إلى أخرى.

وبالتالي فإن زيادة الأجور في الموازنة العامة بنسبة 20 بالمئة لن يكون بالأمر المرهق للموازنة في ظل الأوضاع الموجودة حاليا فيما يتعلق بالدين وما يتطلبه، وفق تعبيره.

وتراجعت مصر للمركز 117 بين 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد العالمي لعام 2020، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية بعد أن كانت في المركز 106 عام 2019، والمركز 105 عام 2018.

بدوره، أوضح ذكر الله، أن الموازنة العامة أصبحت لا تتحمل أي إنفاق، مشيرا إلى أن أغلب الإيرادات العامة للدولة تذهب إلى سداد فوائد وأقساط الديون بنحو يصل إلى 90 بالمئة.

وبالتالي فإن الحديث عن أي زيادة في الأجور أو الاستثمار أو الخدمات لن تتحملها الموازنة.

وأشار إلى أن هذا لا يعني أبدا أن نترك المواطن في حالة من الفقر المدقع، لما لذلك من آثار اجتماعية واقتصادية سلبية خاصة في ظل تردي الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن الفقير.

وكان البنك الدولي قد أصدر بيانا في مايو/أيار 2019، قال فيه إن نحو 60 بالمئة من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر.

ليست عبئا

في خضم ذلك، يتبادر إلى ذهن المواطن أن الرواتب تمثل عبئا على موازنة الدولة، على اعتبار أن الهيكل الاقتصادي السليم يتطلب خلق مناخ مناسب للقطاع الخاص بحيث يكون هو المحرك الأساسي للعمالة.

لكن لا يمنع ذلك ضرورة توظيف الدولة جزءا من العمالة لتوفير الخدمات اللازمة للمواطنين وبخاصة أن الأجور تمثل فقط نحو 20 بالمئة من الموازنة.

في هذا السياق، يرى الصاوي، أنه على الرغم من أن الأجور في الموازنة العامة تقترض من مخصصات الدعم لكنها أقل بكثير من مخصصات فوائد الديون.

وهنا يجب على الدولة رفع إنتاجية العاملين في القطاع العام بحيث يكون لهذه الرواتب مردود وقيمة مضافة في الخدمات التي تقدمها الحكومة.

فالحكومة مطالبة بالنظر إلى ملف الأجور كل عام في إطار معالجة كلية تتمثل في زيادة الإنتاجية وإعادة التأهيل والتدريب وحسن الإدارة في مؤسساتها، وليس من منطلق القيمة التي تتحملها الموازنة.

ووفق دراسة أعدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية (مستقل)، في يونيو/حزيران 2019، فإن أهم التحديات التى تواجه الجهاز الإداري للدولة هو تضخم العمالة وسوء توزيعها وارتفاع تكلفتها وانخفاض إنتاجيتها وعدم رضا المواطنين عن الخدمات التي يقدمها الجهاز.

وأشارت الدراسة إلى وجود نحو 6.4 مليون درجة وظيفية ممولة بالجهاز الإداري، وهي نسبة ضخمة جدا تعادل نحو موظف لكل 15 مواطنا، لتؤكد سوء إدارة منظومة تنمية المهارات للموظفين بالجهاز الإداري للدولة.

من جهته، قال ذكر الله، إنه لا يمكن التخلص من الأجور لأنها تعد الشاحن الرئيس للاستهلاك المحلي الذي يعد هو أيضا المحرك الرئيس للإنتاج والاستيراد الخارجي.

 وبالتالي يعتقد أن دورة الإنتاج في مصر تتوقف بشكل كبير على الأجور المحلية التي يتقاضاها الموظفيون العموميون.

كما سيتأثر المستثمر الأجنبي الذي ينظر إلى السوق المصرية كسوق واعد كونها تضم نحو 100 مليون مواطن أو مستهلك.

ففي حال تراجع معدل استهلاك الفرد نتيجة تدني الأجور فسيبحث هذا المستثمر عن سوق آخر.

لذا يجب على الدولة رفع الأجور بشكل يسمح للمواطن بالعيش الكريم، مع ضبط شهوة الحكومة المفتوحة على الاقتراض لتقليل آثارها على موازنة الدولة، والعمل على توفير بيئة لتأهيل العامل العمومي ورفع كفاءته، والتخلص من الفساد المالي والإداري للحفاظ على المال العام، بحسب رؤيته.