"تثبيت الردع".. هكذا نجحت حماس في فرض معادلة جديدة على إسرائيل

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع انقشاع غبار معارك القدس وغزة في 21 مايو/أيار 2021، ظهرت معادلة "ردع جديدة"، نجحت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وفصائل غزة في فرضها على الاحتلال الإسرائيلي، عنوانها الأبرز "القصف مقابل الاعتداء على الأقصى وأهالي القدس".

معالم هذه المعادلة ظهرت منذ تحديد المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام "أبو عبيدة"، مهلة للاحتلال حتى الساعة السادسة من مساء 10 مايو/أيار 2021، لسحب جنوده من المسجد الأقصى المبارك وحي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة "وإلا فقد أعذر من أنذر!".

بعد ساعتين من انتهاء مهلة تهديد "القسام"، انهمرت صواريخ المقاومة وبدأت بالقدس لتنقل "رسالة ردع جديدة" إلى إسرائيل.

المعادلة الجديدة التي سعت المقاومة لتثبيتها، مكسب كبير، لأن التوازن السابق، عقب حروب غزة المتعاقبة، كان قاصرا على "صاروخ مقابل صاروخ"، بالنسبة لغزة فقط، لكنه الآن يطبق على القدس.

صاحبة القرار

هول ما جرى، جعل الصحفي الإسرائيلي، بن كسبيت، يقول: "هذه المرة الأولى منذ قيام الدولة، التي يقوم فيها تنظيم فلسطيني بإنذار إسرائيل بوقت محدد، بشأن قصف القدس، وينفذ إنذاره بجدوله الزمني".

"بن كسبيت" قال عبر صحيفة "معاريف" في 11 مايو/أيار 2021 إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعد حين تولى السلطة عام 2009 بأنه سيطيح بحكم "حماس" في غزة.

وتابع: "الآن وبعد 12 عاما، صواريخ حماس على القدس أدت إلى إخلاء الكنيست، وتعطيل يوم القدس (استعراض المستوطنين لاقتحام الأقصى)".

واعترف خبراء ومحللون إسرائيليون بنجاح مقاومة غزة في فرض "المعادلة الجديدة"  على دولة الاحتلال، أي "وقف الاعتداء على القدس مقابل وقف صواريخ المقاومة".

وقالوا إن نتنياهو سعى لكسر هذه المعادلة عقب توقف القتال بالسماح باستئناف اقتحام الأقصى، وإخلاء أحياء عربية في القدس، لكن "حماس" لا تزال تهدد بالعودة ومواصلة قصف القدس بصاروخها الجديد A120 الذي افتتحت به القصف".

الخبير العسكري، مايكل ميلشتاين، أكد عبر موقع "إسرائيل ديفينس" 6 مايو/أيار 2021 أن "حماس تقيم معادلة جديدة مع إسرائيل".

وقال ميلشتاين: "تسعى حمـاس لتقديم نفسها كمدافع عن المصالح الوطنية والدينية الفلسطينية، وأبرزها الدفاع عن القدس، وتصل صواريخها مباشرة لمدننا".

مراسل القناة "13" العبرية، تسيفي حزكيلي، أكد أن "حماس حققت إنجازا كبيرا ونجحت في فرض نفسها كمسؤولة عن القدس وصاحبة القرار وسيد البيت، عبر ربطها الأحداث بما يجري في المسجد الأقصى وهذا إنجاز كبير لحماس".

هذا ما دفع مراسل الشؤون الفلسطينية، في موقع "ويللا" العبري، آفي إيسسخاروف، للقول في 11 مايو/أيار 2021، إن "حماس قادت مواجهة القدس وغزة باقتدار".

واعتبر أن "هتافات آلاف المصلين في المسجد الأقصى شجعها على ذلك (يا قسام يا حبيب.. اضرب اضرب تل أبيب)، وهم يلوحون بالأعلام، ونجحوا في مهمتهم"، بحسب إيسسخاروف.

من جهته، قال الجنرال الإسرائيلي عموس جلعاد لإذاعة "إف إم 103" العبرية في 11 مايو/أيار 2021 إن "الحكومة الإسرائيلية فشلت وحركة حماس باتت تحاول إملاء شروطها علينا".

تثبيت معادلة القدس

رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، أكد بدوره تثبيت "معادلة القدس الجديدة" بقوله: "لقد رسخت القدس ميزان قوة جديد سياسيا وجماهيريا وميدانيا على المستوى الداخلي والخارجي وإرادة شعبنا تنتصر".

وقال خلال تصريح صحفي في 10 مايو/ أيار 2021 أن "معادلة ربط غزة بالقدس ثابتة ولن تتغير، فعندما نادت القدس لبت غزة النداء".

وأوضح هنية أن "الحركة قررت الاستمرار في مجابهة الاحتلال الإسرائيلي ما لم يوقف كل مظاهر العدوان والإرهاب في القدس والمسجد الأقصى المبارك".

أهم ما في تصريحات قادة "حماس" وكتائب "القسام" تركيزهم على العاصمة القدس، وأن المقاومة تحركت لنصرة الأقصى وحي الشيخ جراح وأي تهدئة "يجب أن تبدأ منهما".

معادلة "حماس" أجبرت الاحتلال على وقف اقتحامات المستوطنين للأقصى لمدة 18 يوما متواصلة بعدما أعلنت جماعات متطرفة تنفيذ "اقتحام كبير" للأقصى يوم 28 رمضان الماضي بمناسبة "يوم القدس" أي احتلالها عام 1967.

وكان هدف عدوان الاحتلال، على المسجد الأقصى إظهار "السيادة الإسرائيلية" على المدينة المقدسة، فأفشلت مقاومة غزة ذلك وفرضت معادلة جديدة للسيادة.

الحرب التي أشعلتها "حماس" بالرد على الاعتداءات في الأقصى والقدس جاءت في إطار "معركة السيادة على القدس"، بحسب وكالة الأناضول 10 مايو/ أيار 2021.

فإسرائيل سعت للظهور وكأنها صاحبة "السيادة" على المدينة، بما في ذلك المسجد الأقصى، لكن فلسطينيي الداخل وغزة نجحوا في فرض صورة أخرى مفادها أنها مدينة واقعة تحت الاحتلال والقمع، وفق محللين للوكالة.

وقال الكاتب الفلسطيني محمد أبو علان، للأناضول، إن "إسرائيل لا تفوت فرصة في محاولة تعميق سيطرتها على مدينة القدس، وما جرى كان معركة للسيطرة على المدينة".

المحرج للاحتلال هو أن الأحداث أظهرت هشاشة "السيادة الإسرائيلية" على القدس، وأنها ليست تحت "سيادتها" وإنما "احتلالها المباشر".

انتفاضة 48

ما أزعج الاحتلال الإسرائيلي أكثر هو امتداد انتفاضة القدس والأقصى إلى كل أطراف فلسطين المحتلة عامي 1948 و1967 وغزة وخارج فلسطين أيضا وتوحدهم لأول مرة.

دخول فلسطينيي الداخل على خط المواجهة مع الاحتلال بهذا الحجم، شكل تحولا هائلا في معادلة الصراع، وأظهر قدرة الجماهير على التأثير بشكل كبير وعميق على نسق الحياة في "الكيان الغاصب".

كما أن المواجهات العنيفة التي اجتاحت الداخل المحتل من الجليل إلى النقب، شكلت انتفاضة أقوى مما حصل في هبة أكتوبر/تشرين الأول 2000 و"يوم الأرض" 1976.

هذه الانتفاضة الداخلية تؤسس لمرحلة جديدة يكون فيها الداخل المحتل جزءا أساسيا في المواجهة مع الاحتلال من الآن فصاعدا.

وقال المحلل الفلسطيني، صالح النعامي: إن "أكثر ما أربكهم هذه المرة وزاد حالة انعدام اليقين التي تعيشها القيادة الصهيونية، هو دخول فلسطينيي الداخل على خط المواجهة ما قلب الموازين".

وأضاف مغردا أن " الحديث يدور عن قطاع وطني فلسطيني يعيش بشكل لصيق مع الصهاينة والاحتكاك بين الجانبين يمكن أن يحول إسرائيل إلى فضاء تعمه الفوضى".

وحاول الاحتلال، عقب هبة القدس، عزل باقي الفلسطينيين في الضفة وغزة عن فلسطينيي 48، تحقيقا لسياسته "تقسيم المقسم"، و"تجزئة المجزأ"، لكن حجم التفاعل الشعبي بدد التطلعات الإسرائيلية.

ربيع جديد

جرأة حماس هذه المرة نابعة من أن القدس تبقى هي البوصلة، وأن الربيع العربي قد يعود من الأرض المحتلة هذه المرة، وتتحرك الشعوب بعد توحدها على شيء لا يفرقها وهو المسجد الأقصى.

فما جرى في القدس ثورة بكل المعايير، كانت تبث على الهواء مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، استعادت روح الشعوب العربية، ولكن هذه المرة للحفاظ على المقدسات والأرض، وأحرجت الأنظمة المطبعة والثورات المضادة.

ورغم التعتيم العربي والتضليل الغربي، تفوق النشطاء الذين يبثون مباشرة على تطبيق "إنستغرام" من خارج وداخل القدس، على كل الإعلام الذي لم يمنح القدس الحيز الذي تستحقه في نشراته، وكرروا نفس دور نشطاء ثورات الربيع العربي.

"هبة القدس" كشفت أننا على أبواب انتفاضة شاملة جديدة، ففكرة التمرد على المحتل والمستبد والديكتاتور تتجسد فيها كل معاني العزة والكرامة وتوحد الأجيال الجديدة التي حاول إعلام التطبيع والثورة المضادة "غسيل مخها".

وكان الاعتقاد السابق أن الحكومات العربية ستحاصر إسرائيل وتحرر الأرض، أما اليوم فأصبح الاعتقاد هو أن "إسقاط هذه الأنظمة أصبح شرطا لنهضة الأمة وتحرير أرضها".

وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة الإمارات، يوسف خليفة اليوسف: إن "الفلسطيني سيمثل الشرارة الأولى في تحرير أرضه وتعبئة الشعوب العربية لإسقاط أنظمة".

وأكد في تغريدة عبر تويتر أن "تطور أحداث القدس والأقصى أنها لم تترك أصداءها في غزة فقط، بإطلاق الصواريخ، ولكن أيضا في كل الدول العربية، وفجرت العاطفة الدينية التي تزايدت قوتها بفعل شهر رمضان".

"حماس" أجهضت مخطط إسرائيل لفرض السيادة على القدس في ذكرى مرور 54 عاما على احتلالها وتوحيدها كعاصمة لهم، ووضعت معادلة توازن ردع جديدة مع المحتل، وباتت "هبة القدس" تهدد أيضا الأنظمة العربية بـ"ربيع جديد" وليس المحتل فقط.