صحيفة إسبانية: البحرين مرآة صغيرة لحالة عدم الاستقرار العربي

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إسبانية الضوء على كتاب حديث عن البحرين يتضمن سردا للأخبار السياسية وعادات البلد، يجعل منه مرجعا جيدا للمهتمين بالعالم العربي.

وأزاح مؤلف الكتاب، الصحفي إميليو سانشيز ميديافيلا، الستار عن أسرار البلاد بسرد دقيق يسلط الضوء على خصائص هذه الجزيرة الصغيرة ذات القيمة الإستراتيجية الكبيرة في الشرق الأوسط.

وقالت صحيفة "بوبليكو" إن "الانتفاضات العربية لعام 2011 وضعت البحرين في مركز أهدافها، واستقرت منذ ذلك الوقت في هذا البلد".

وتعد البحرين دولة ذات مساحة صغيرة، تعادل مساحة جزيرة مينوركا الإسبانية، ويبلغ عدد سكانها 1.5 مليون نسمة، أكثر من نصف السكان هم من العمال الأجانب، وتتمتع البحرين بخصائص معينة تتفرد بها، ولكنها في نفس الوقت "مرآة" لدول المنطقة.

قادة طائفيون

وأوردت الصحيفة أن كتاب "الداتشا في الخليج"، للصحفي سانشيز ميديافيلا، الحائز على جائزة "أنجراما دي كرونيكا"، يصور تاريخا ثاقبا لحياة ذلك البلد المفتوح للأجانب، ولكن لا يزوره من الغربيين إلا القليل.

وتابعت: "يستقر في البلد أغلبية شيعية مضطهدة بشكل أو بآخر، وتحكمها سلالة سنية تعود أصولها إلى السعودية، ويحيط بها السنة في دوائر السلطة".

ونقل الصحفي سانشيز ميديافيلا عن أحد محاوريه، وهو شاب شيعي له أقارب مسجونون، لكنه منهك من قضية الهوية المرهقة التي أصبحت رائجة في جميع أنحاء العالم، أن: "القادة طائفيون سواء كانوا شيعة أو سنة، لا أؤمن بحكومة أغلبية، أنا أؤمن بحكومة الحكماء".

وأضاف التقرير أنه "بالنسبة لهذه الشخصية العقلانية، من المحتمل أن تفعل الحكومة الشيعية نفس الشيء الذي تفعله أي حكومة سنية… وستعمل على قمع الأقلية في المقدمة، أي السنة، وهو ما تفعله (حكومات الهوية) الشائنة، مهما كانت طبيعتهم".

وبشكل عام، يبدو أن هذه الشخصية تعتبر أنه "لا توجد قيادة رشيدة في البحرين أو في أي مكان آخر".

وذكرت الصحيفة أن كتاب "الداتشا في الخليج" يحتوي على وصف حي لأعمال الشغب التي شهدتها البلاد عام 2011، والتي كانت حاضرة للغاية من البداية إلى نهاية الانتفاضة، وتتخللها الدعوات إلى جميع المهووسين الذين يمكن تخيلهم، والمغتربين - غالبا من السياح الغربيين - الذين يجهلون مستقبلهم أو سجناء الذكريات رغم صغر سنهم.

وأوردت الصحيفة أن هذا الكتاب "يكشف أنه في جميع البلدان العربية، هناك مستعمرة غريبة من المغتربين الأسرى لماضيهم، يتم جرهم مثل قوقعة الحلزون، يتفاعلون مع بعضهم البعض، ويلاحظون السكان الأصليين بغرابة عالم الحشرات". 

غالبا ما توجد في هذه البلدان مستعمرة متحللة منتشرة من أجل كسب المال، وهذا يتناقض مع "التخلف الاجتماعي" للسكان الأصليين، دائما من المنظور الغربي بالطبع.

وكتب سانشيز ميديافيلا أنه خلال عامين قضاهما في البحرين، التقى بالعديد من الأجانب، لكن لم يدرس أي منهم اللغة العربية، لقد جربها دون الكثير من الاقتناع وتمكن من نطق بضع كلمات وتلاوة الأرقام، وهو ما يمكن أن يكون مفيدا في الظروف القصوى؛ لأن العديد من الأشخاص في هذا البلد يجيدون اللغة الإنجليزية بشكل أو بآخر. 

ونقلت الصحيفة أن "الكتاب يصف جلسة صوفية، وهي حركة دينية غير سياسية بشكل واضح، ظهرت من العصور الوسطى، رغم أن أتباعها يؤرخونها إلى زمن النبي محمد، وأدانتها الوهابية ومعظم السنة على أنها بدعة".

وأوردت أن "نتيجة جولات الكاتب في مثل هذه المنطقة الصغيرة تلخصت في كتاب يحكي قصصا تقليدية لهذا البلد، ولكنها لم تكن قصصا من القرن الـ19، بل كانت من القرن الـ21، مع تضمين أيديولوجية الوعي بالقضايا الاجتماعية".

وبشكل عام، كان الدافع المتكرر في كل صفحة تقريبا هو القمع الذي تعاني منه الأغلبية الشيعية على يد الحكومة السنية، وهو قمع يتجلى يوميا في القرى الشيعية، حيث غالبا ما تدفعها الأصولية الدينية، وفق "بوبليكو".

قمع سياسي

ورغم كونها دولة صغيرة، إلا أن البحرين تحظى بمكانة جيوإستراتيجية كبيرة، وفي سماء هذا البلد الصغير، لا تلوح في الأفق أي ثورة في الوقت الراهن، وهو أمر لن تسمح به السعودية، كما حدث بالفعل عام 2011، ومن المتوقع أن تستمر حالة عدم الاستقرار في هذا البلد الخليجي.

من جانب آخر، نقل الكاتب في "الداتشا في الخليج" بذكاء وانفتاح المشاكل المشتركة بين دول المنطقة، وركز بشكل فردي على الجدل الداخلي حول الإسلام بين السنة والشيعة.

كما يصف أحلك ملامح النظام الملكي المطلق الذي يحكم هناك، والذي وصفه على أنه "مجرد من أي ميزة دستورية". 

وبعد أن عاش في البلاد لمدة عامين، يقدم المؤلف معلومات مباشرة عن حياة وعادات السكان وينتقد، بين السخرية والاستنكار، انفصام الشخصية في مجتمع يسوده الفخامة الغربية والإعجاب بهوليوود، لكنه يتبنى عادات القرون الوسطى التي تشمل القمع السياسي الشديد.

أفضل ما في الكتاب هو الوصف التفصيلي للثورة الشعبية لعام 2011، والتي مثلت نقطة فارقة في مستقبل النظام السياسي للبحرين.

ولعدة سنوات، نفذت سلطات البحرين، وفي مقدمتها الملك، سياسة الانفتاح التي لم تشمل فقط الطيف السياسي، ولكن أيضا الطيف الديني وغيره.

وأصدرت منظمة "العفو الدولية" تقريرا يمتدح نسبيا الوضع في البلاد، الذي يعتقد البعض أنه يمكن أن يكون نموذجا لتنمية المنطقة، ثم رحبوا بالسياحة وتنازلوا عن أساليب الحياة الغربية قبل الجارة دبي، واعترفوا بالتصويت للنساء، وبدأ الاعتراف بالمعارضة السياسية إلى حد ما.

لكن أحداث الربيع العربي، شكلت نقطة تحول لا تزال بصماتها حية، حيث حل حزب المعارضة الرئيس، وغلق الصحيفة المتحدثة باسمه، واضطهدت المعارضة وسجلت انتهاكات لحقوق الإنسان.

وقد حدث كل هذا تحت درع الأسطول الأميركي الخامس الذي يوجد مقره في البحرين، وحماية السعودية المجاورة التي تتصرف كقوة استعمارية جديدة تقريبا في المنطقة.

كما يروي سانشيز ميديافيلا، "انهيار آمال السنة المعتدلين وتراجعهم بحثا عن ملجأ في ظل استبداد الحكومة في مواجهة ظهور الراديكالية بين الشيعة". 

وبهذا الشكل، أنهى القمع ضد الربيع العربي في البحرين عملية التحرير التي مرت بها البلاد. كما هو الحال في مصر أو ليبيا، فإن الوضع ليس الأفضل بالنسبة لمواطنيها أو للديمقراطيات الغربية، التي كانت ذات يوم مستعمرة. وبحسب الكاتب، هناك مقولة عربية تقول "نصف ثورة تقضي على أمة".

وختمت الصحيفة قائلة: "غالبا ما تفعل الثورات الكاملة نفس الشيء، وكأن هذا لم يكن كافيا، فإن الميراث الذي تركته الإمبراطورية البريطانية في المنطقة، والذي لا يزال على قيد الحياة على أيدي المستشارين القانونيين والبنوك الاستثمارية، لا يزال أحد الأسباب الرئيسة لعدم الاستقرار في الخليج العربي".