الطريق الساحلي الليبي.. لماذا لم تفلح الجهود الدولية في فتحه حتى الآن؟

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تبذل الحكومة الليبية المؤقتة برئاسة عبدالحميد الدبيبة جهودا حثيثة من أجل الإسراع في فتح الطريق الساحلي الواصل بين شرق البلاد وغربها أو ما يعرف بطريق سرت مصراتة. 

لكن ثمة عقبات أعلنت الحكومة واللجنة العسكرية المشتركة 5+5  (5 أعضاء من الحكومة الشرعية و5 من مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر) عن وجودها. 

وفي نهاية اجتماعات استمرت 5 أيام، هددت اللجنة العسكرية في 29 أبريل/نيسان 2021 في بيان بتسمية من يعرقل فتح طريق مصراتة سرت الساحلي وإعلان الأسباب لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيالهم في حال تعذر فتح الطريق. 

واعتبرت السفارة الأميركية في بيان أن إعادة فتح هذا الطريق يمثل خطوة أساسية لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020. 

ورغم مطالبات أغلب الأطراف الفاعلة في ليبيا لفتح الطريق بمن فيهم المبعوث الأممي يان كوبيس والسفارة الأميركية في طرابلس ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي والحكومة برئاسة الدبيبة واللجنة العسكرية المشتركة، فإنه ما زال مغلقا وهو ما يطرح التساؤل حول من يعيق فتح الطريق الساحلي؟ 

الأهمية والمعوقات   

للطريق الساحلي الليبي أهمية كبيرة كونه يمتد من الحدود الليبية التونسية إلى الحدود الليبية مع مصر ويربط بين شرق البلاد وغربها مرورا بمدينة سرت. 

فالطريق الذي تم الانتهاء من تعبيده في عام 1937 خلال فترة الاحتلال الإيطالي لليبيا ويبلغ طوله نحو 1822 كيلو مترا يعتبر الشريان الرئيس للبلاد.  

ويتركز النزاع الحالي في ليبيا على المنطقة بين مدينتي سرت ومصراتة حيث تسيطر مليشيات حفتر على نحو 40 كيلو مترا من الطريق غرب سرت فيما تسيطر القوات الحكومية على 60 كيلو مترا شرق مصراتة. 

وتم إغلاق الطريق منذ أبريل / نيسان 2019 خلال هجوم مليشيات حفتر على العاصمة طرابلس، وهو ما دفع المدنيين لعبور طرقات خطيرة وبديلة تجعل رحلتهم تطول في بعض الأحيان إلى ثلاثة أضعاف ما يقطعونه من خلال الطريق الساحلي. 

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020 بدأت المباحثات الليبية لإعادة فتح الطريق تنفيذا لبنود اتفاق جنيف لوقف إطلاق النار الدائم الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2020.

 وتم تشكيل فرق هندسية بالتعاون مع الأمم المتحدة والأجهزة الاستخباراتية لتنظيف الطريق من الألغام التي زرعتها مليشيات حفتر خلال انسحابها باتجاه الغرب الليبي.

  

يشكل حل الملف العسكري أولوية قصوى للأطراف المحلية وشركائهم الدوليين، وهو ما زال يمثل عقبة أمام جميع الأطراف بسبب عدم التزام مليشيات حفتر ببنود اتفاق جنيف. 

وفي ختام مباحثات الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة في مدينة سرت التي انطلقت في 27 أبريل/نيسان واستمرت لخمسة أيام، هددت اللجنة في بيانها الختامي بتسمية المعوقين لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيالهم فيما يتعلق بفتح الطريق الساحلي. 

وأشارت إلى أنه سيتم اختيار قيادة القوة العسكرية المشتركة وتكليفها بالبدء في المهام الموكلة لها واختيار مقر لقيادة القوة في سرت على أن تتمركز القوة في المنطقتين المحددتين من قبل اللجنة.

ويؤكد المتحدث باسم مبادرة القوى الوطنية الليبية محمد شوبار أن معوقات فتح الطريق الساحلي الرابط بين مدينتي مصراتة وسرت هو الوجود الأجنبي على الأراضي الليبية سواء كانو مرتزقة أو قوات نظامية أجنبية "فهي اليوم من تحتل أماكن عدة في ليبيا وتتحكم في اتخاذ القرار السياسي". 

وأضاف شوبار في حديثه لـ "الاستقلال": "وجود مجموعة فاغنر التي تتبع الحكومة الروسية أصبحت تشكل خطرا كبيرا ليس على ليبيا فقط بل لكل دول إفريقيا".

 ولعل مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي على أيدي المعارضة بدعم غير مباشر من مجموعة فاغنر هو أكبر دليل على ذلك، وفق قوله. 

وأشار إلى أن فتح الطريق الساحلي سيخفف المعاناة عن الليبيين ويجسد الوحدة ويتيح للشركة العامة للكهرباء البدء في صيانة المحطات لدخولها للشبكة وهو الأمر الذي سيساهم في تحسين تقديم خدمة الكهرباء للمواطنين.

شروط ثلاثة

في ظل استمرار التحشيدات العسكرية من مليشيات حفتر والتي كان آخرها تحرك رتل من مرتزقة فاغنر مدجج بالعتاد والعدة جنوب غربي البلاد مطلع مايو/أيار 2021 ترفض غرفة عمليات سرت الجفرة فتح الجانب الغربي من الطريق قبل تنفيذ شروط ثلاثة. 

الشروط كما أعلنها آمر غرفة عمليات سرت والجفرة إبراهيم بيت المال هي وقف إطلاق النار، وإزالة الألغام التي زرعتها مليشيات حفتر.

بالإضافة إلى انسحاب المرتزقة ورجوع مليشيات حفتر إلى منطقة الرجمة (مقر قيادة حفتر في بنغازي) وهو ما يعني العودة إلى المناطق التي كانت تتمركز فيها ما قبل الرابع من إبريل / نيسان 2019 تاريخ هجوم الجنرال على العاصمة طرابلس. 

ونفى بيت المال في تصريحات لوكالة الأناضول في 30 أبريل/نيسان 2021 وجود أي أجنبي بين قواته وقال إنه "من أراد التأكد بإمكانه أن يأتي ويرى بنفسه".

وحتى الآن تم تنفيذ الشرط الأول عبر تثبيت وقف إطلاق النار كما انتهت اللجنة العسكرية من إزالة الألغام من الطريق خلال الأسابيع الأخيرة، ليظل الشرط الثالث عالقا في ظل استمرار حشد المرتزقة في شرق ليبيا لدعم حفتر. 

ويرى موالون لحفتر أن الشروط التي يتمسك بها "بيت المال" هي من تعيق فتح الطريق إلا أن آمر غرفة عمليات سرت الجفرة أكد أن هذه الشروط جاءت كرد فعل على عدم انصياع الطرف المقابل لأي اتفاقات ونقضه كافة العهود السابقة. 

واعتبر المحلل السياسي الليبي السنوسي إسماعيل أن مسألة فتح الطريق الساحلي طالت كثيرا وأصبحت معقدة بالنسبة للمواطنين الليبيين. 

وفي تصريحات لقناة "فبراير" الليبية مطلع مايو/أيار 2021 اعتبر السنوسي أن العراقيل الموجودة ربما تكون من طرفي الصراع وليست من طرف واحد. 

وأضاف: "هناك طرف ربما يشترط بشروط معينة (يشير إلى القوات الحكومية) وطرف آخر لم يقم بما عليه من ناحية الجوانب الفنية خاصة فيما يتعلق بإزالة الألغام وأيضا إبعاد كل التشكيلات المسلحة بعيدا عن الطريق الساحلي بمسافة لا تقل عن 5 كيلو مترات" (في إشارة إلى حفتر ومليشياته). 

ويرى السنوسي أن الأمر معقد وله أبعاد دولية وأنه ربما يكون هناك إمكانية على الأقل لفتح الطريق حاليا وعدم ربط الخطوات وبنود الاتفاق ببعضها. 

ورغم  أن خروج التشكيلات المسلحة من سرت والجفرة أمر متفق عليه في اللجنة العسكرية إلا أن السنوسي يطالب بعدم ربط الخطوات ببعضها.

وقال: "على الأقل نتقدم شيئا فشيئا. فتح الطريق وخروج التشكيلات المسلحة وسحب المرتزقة والقوات الأجنبية هي أمور مهمة ولكن هذه الخطوات في اعتقادي على الأقل لا يمكن أن نربطها ببعضها، نحاول تنفيذ بنود الاتفاق على حسب ما يمكن لكي لا يضيع الوقت والمواطن". 

واعتبر السنوسي أن المواطن هو المتضرر الوحيد من الأزمة الحالية. وتساءل ما ذنب المواطن المسافر من طرابلس إلى بنغازي الذي يقطع مسافة زائدة بسبب إغلاق الطريق الساحلي بمسافة تزيد على 500 كيلو متر وربما أكثر. 

في المقابل يرى شوبار أنه بعد تعثر الحكومة في تنفيذ اتفاق جنيف المبرم في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020 تحولت مسألة تنفيذه من شأن محلي إلى دولي بوضع بنود الاتفاق تحت بند الفصل السابع بقرار من مجلس الأمن الدولي رقم 2570 في 15 أبريل/نيسان 2021. 

وفي منتصف أبريل/نيسان 2021 قرر مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إنشاء آلية مراقبة دولية لوقف إطلاق النار في ليبيا عبر إرسال فريق مكون من 60 مراقبا دوليا. 

ودعا مجلس الأمن كافة الدول الأعضاء بالأمم المتحدة وعددها 193 دولة إلى دعم وتنفيذ الاتفاق بما في ذلك انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد من دون تأخير.

واعتبر شوبار أنه بهذه الخطوة انتهت مرحلة العمل السياسي والدبلوماسي المتعلق بتنفيذ اتفاق جنيف فأصبح عامل الاستجابة من عدمها لتنفيذ الاتفاق والقرار المشار إليهما غير مجد لأنه أمر ملزم للجميع سواء لحفتر أو القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودين في جنوب وشرق وغرب ليبيا.

وقال شوبار إن حفتر وغالبية المجموعات المسلحة أصبحت أدوات تستخدمها القوى الأجنبية وأن هذه القوات والمرتزقة على كامل التراب الليبي جنوبا وشرقا وغربا لا تزال تتلقى دعما خارجيا من دول عدة. 

ودلل على ذلك بهبوط طائرة من نوع يوشن محملة بالذخيرة بقاعدة القرضابية قادمة من روسيا خلال الأيام الماضية.

كما حذر الأستاذ بالجامعة الأميركية في واشنطن ويليام لورانس من استمرار وجود المقاتلين الأجانب في ليبيا، مؤكدا أنهم يمثلون عقبة رئيسة أمام نجاح حكومة الوحدة. 

وقال لورانس في تصريحات تلفزيونية لقناة تي آر تي وورلد التركية: "ما زالوا هناك، ولن يذهبوا إلى أي مكان، طالما هؤلاء المخربون موجودون، يمكن أن تندلع الحرب مرة أخرى".