قلق إسرائيلي أميركي.. ما سر توقيت الاتفاقية الشاملة بين طهران وبكين؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تكللت خمس سنوات من المباحثات بين الصين وإيران بتوقيع اتفاقية تعاون شاملة تمتد إلى ربع قرن، وصفها المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده بأنها "خارطة طريق متكاملة وذات أبعاد اقتصادية وسياسية".

وعقب توقيعها في طهران من قبل وزير خارجية إيران، جواد ظريف ونظيره الصيني، وانغ يي، في 27 مارس/آذار 2021، قال زاده، إن الاتفاقية تركز على "الأبعاد الاقتصادية التي تعد المحور الأساس لها ومشاركة الجمهورية في مشروع الحزام والطريق" وهي الخطة الصينية الضخمة لإقامة مشاريع بنى تحتية تعزز علاقات بكين التجارية مع آسيا وأوروبا وإفريقيا.

وأشار المسؤول الإيراني إلى أن مشروع الاتفاقية يعود إلى زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى طهران في يناير/كانون الثاني 2016، حين قرر مع الرئيس حسن روحاني تعزيز العلاقات بين البلدين.

تفاصيل الاتفاقية

على الرغم من عدم إعلان طهران وبكين عن تفاصيل الاتفاقية الشاملة بينهما، فإن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، نشرت تقريرا في 27 مارس/آذار 2021 تطرقت فيه إلى تسريبات عن الاتفاقية.

وقالت الصحيفة إن "معاهدة التعاون الاقتصادي والإستراتيجي، التي وقعتها كل من الصين وإيران، قد تعمق النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، وتقوض الجهود الأميركية لإبقاء إيران في عزلة".

ونقلت عن خبراء قولهم إن تفاصيل المعاهدة لم تتغير كثيرا عن تلك التي سربت تفاصيلها في مسودة من 18 ورقة عام 2020.

وكانت الصحيفة قد نشرت تفاصيل الاتفاقية، والتي شملت 400 مليار دولار استثمارات صينية في عدد من المجالات، بما في ذلك، الصرافة، والاتصالات، والموانئ، والسكك الحديدية، والرعاية الصحية، وتكنولوجيا المعلومات، لمدة 25 عاما قادمة.

وبحسب المسودة، فإن الصين ستحصل على إمدادات نفطية إيرانية، مخفضة للغاية، وبشكل منتظم، وفقا لمصادر إيرانية. ودعت أيضا إلى تعميق التعاون العسكري بين الجانبين، بما في ذلك التدريبات والبحوث المشتركة، وتطوير الأسلحة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

وروج المسؤولون الإيرانيون للاتفاقية مع بكين باعتبارها اختراقا، لكنها قوبلت بانتقادات داخل إيران، تقول إن الحكومة تقدم الكثير للصين.

ولفت التقرير إلى زيارة مسؤولين من الصين لعدد من خصوم إيران الإقليميين، مثل السعودية، وتركيا، ومن المقرر إجراءها زيارات لكل من الإمارات، والبحرين، وعمان.

ويعلق تقرير "نيويورك تايمز" قائلا: "إن الصين مستعدة حتى، لاستضافة المحادثات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في تلميح إلى أن الهيمنة الأميركية في المنطقة أعاقت السلام والتنمية".

كما ذكر التقرير تعليق محلل اقتصادي إيراني على الاتفاقية الإيرانية-الصينية، قال إنه "لفترة طويلة جدا في ما يخص تحالفاتنا الإستراتيجية، وضعنا كل بيضنا في سلة الغرب، ولم تسفر عن نتائج، الآن إذا حولنا السياسة ونظرنا إلى الصين، فلن يكون الأمر سيئا للغاية".

وقبل ذلك، كشف الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، في يونيو/ حزيران 2020، جزءا من الاتفاقية التي وصفها بـ "السرية".

وقال نجاد إن "الأمة الإيرانية لن تعترف باتفاق سري جديد مدته 25 عاما بين إيران والصين"، محذرا من أن أي عقد يتم توقيعه مع دولة أجنبية دون أن يعرف الناس عنه، سيكون باطلا.

تكامل إستراتيجي

وتعليقا على دلالات اختيار توقيت توقيع الاتفاقية بين بكين وطهران، قال أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية جمال واكيم، خلال تصريحات صحفية في 27 مارس/آذار 2021 إن "الشراكة مع الصين تتيح لإيران أن تدعم اقتصادها جدا".

ولفت إلى أن "الشراكة الإيرانية الصينية تتيح إغلاق قلب أوراسيا أمام التغلغل الأميركي"، مشيرا إلى أن "الموانئ البحرية أساسية للسيطرة على طرق الملاحة والتجارة الدولية".

ولفت واكيم إلى أنه "يوجد تكامل إستراتيجي بين إيران والصين وروسيا في المسائل الجيوسياسية"، منوها إلى أن "مشكلة واشنطن أنها تريد الهيمنة المطلقة على مسار الأمور في العالم".

من جهته، قال الخبير السياسي خالد صفوري، خلال تصريحات صحفية في 27 مارس/آذار 2021 إن "واشنطن تخشى من التوسع الصيني"، موضحا أن "أميركا تخشى أن يتحول التقدم الاقتصادي الصيني إلى نفوذ سياسي".

ونوه إلى أن "الصين شريك اقتصادي أساسي للولايات المتحدة لا تستطيع التخلي عنها بسهولة"، معتبرا أن "النفوذ الصيني الذي بدأ يدخل مناطق النفوذ الأميركي يجعل الصدام بين الطرفين قريبا".

وفي السياق ذاته، قال رئيس تحرير صحيفة "إيران ديبلوماتيك" عماد أبشناس، خلال تصريحات صحفية في 27 مارس/آذار 2021 إنه "إذا تم توقيع الاتفاق الروسي الصيني يوجد أمل أن يصبح التحالف ثلاثيا مع طهران"، لافتا إلى أن "تشكيل التحالف الثلاثي الصيني الإيراني الروسي سيكون مصدر خطر لأميركا".

وبين ابشناس أنه "بحسب الاتفاقية ستكون إيران قلب التجارة بين الشرق والغرب، وأن الاتفاقية تنص على قيام الصين بإنتاج الكثير من البضائع في طهران"، مشدد على أنه "إذا أرادت واشنطن الاستمرار بسياسة فرض إرادتها على العالم ستخسر الكثير".

قلق أميركي

في أول تعليق عليها، أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن في 29 مارس/ آذار 2021 عن قلقه حيال اتفاقية التعاون الإستراتيجي الشامل، إذ قال ردا على سؤال أحد الصحفيين حول قلقه من الشراكة بين الصين وإيران: "لقد كنت قلقا بشأن ذلك منذ سنوات".

من جهته، قال الكاتب الفلسطيني، عبد الباري عطوان، خلال مقال نشرته صحيفة "رأي اليوم" إن الدوافع الكامنة وراء هذا الاتفاق الذي جرى التفاوض حوله بين البلدين منذ سنوات عديدة ومعقدة قد تتجاوز مجرد مواجهة واشنطن، إلى آفاق مستقبلية تجارية وعسكرية أعمق.

أبرزها حصول الصين التي تزيد احتياجاتها النفطية الخارجية عن 6 ملايين برميل يوميا على حصة الأسد من النفط الإيراني، وتأمين سوق خارجي ضخم للبضائع الصينية، وتعزيز مشروع "الحزام والطريق" الاقتصادي الإستراتيجي العابر للقارات، وفق قوله.

ورأى عطوان أن "الإيرانيين أدركوا أن ميزان القوى العالمي يتغير في غير صالح أميركا التي تفرض عليهم عقوبات منذ أكثر من 40 عاما، واستغلوا فرصة التنافس الصيني الأميركي الحالي من أجل مواجهة كسر الحصار، وتعزيز مصالحهم الاقتصادية والسياسية على المديين القريب والبعيد بالدخول في تحالف مع الصين وروسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا في مواجهة حلف الناتو".

وأشار إلى أن "الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018، وتلكؤ دول الاتحاد الأوروبي عن مساعدة إيران وتخفيف العقوبات الأميركية عنها، وفرت فرصة ذهبية للصين للدخول إلى الشرق الأوسط عبر البوابة الإيرانية".

 وها هي الصين، وبعد توقيع الاتفاق الإستراتيجي مع إيران، تتقدم بمبادرة للسلام لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وهي التي أهملت هذا الصراع لعقود سابقة، بحسب قوله.

وبرأي عطوان فإن "التقارب الإستراتيجي بين إيران والصين هو أحد أسباب تشدد موقف الحكومة الإيرانية تجاه العرض الأميركي باستئناف المفاوضات للعودة إلى الاتفاق النووي، فالبقاء خارجه يناسبها أكثر في ظل تصعيدها لمعدلات تخصيب اليورانيوم (20 بالمئة حاليا) وتقليص شبه كامل لتعاونها مع المفتشين الدوليين، مما يقربها أكثر من أي وقت مضى لامتلاك أسلحة نووية لو أرادت".

وبحسب الكاتب، فإن "إدارة بايدن بدأت تعي هذا التحول في الموقف الإيراني، وتخلت عن معظم شروطها، وأبرزها التفاوض على اتفاق بديل جديد يشمل الترسانة الصاروخية الإيرانية وتجاربها، وأكدت اليوم أنها لم تعد تطالب إيران بالالتزام أولا ببنود الاتفاق النووي القديم".

 ولهذا يعتقد أن إيران، وبعد الاتفاق الصيني، ستزيد من صلابة موقفها، خاصة أن الانتخابات الرئاسية فيها باتت بعد شهرين (حزيران/ يونيو 2021)، "وكل المؤشرات تؤكد أن رئيسا متشددا مقربا من خامنئي المرشد الأعلى وجناحه سيخلف حسن روحاني المعتدل".

رؤية إسرائيلية

من جهتها، قالت صحيفة "هآرتس" العبرية في تقرير للخبير الإسرائيلي عاموس هرئيل، إن "قرار طهران التوقيع على الاتفاق مرتبط كما يبدو بالضغط الاقتصادي الكبير الذي استخدمه دونالد ترامب (الرئيس الأميركي السابق) على إيران، وتوقع أن تؤدي العقوبات إلى استسلام الجمهورية والعودة إلى الاتفاق النووي بشروط مشددة أكثر، وهذا لم يتحقق".

وأضافت: "من المشكوك فيه، ما إذا كان النظام الإيراني قريبا من الانكسار، مثلما أمل ترامب وصديقه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ولكن الآن الدمج بين العقوبات وتعمق الأزمة الاقتصادية بسبب تفشي وباء كورونا دفع الإيرانيين إلى التوقيع مع الصين".

وبحسب ما نشر، فإنه "يتضمن الاتفاق تعهدا إيرانيا بأن توفر للصين النفط بأسعار رخيصة طيلة الـ 25 سنة القادمة.

ومقابل ذلك، ستقود  الصين مشاريع واسعة للبنى التحتية في إيران تشمل: استثمارات في شق الطرق، بناء الموانئ، إنشاء شبكات اتصالات متطورة، "ويبدو أن في الاتفاق مكونا عسكريا يشمل، تعاونا عسكريا وتطويرا لسلاح مشترك"، بحسب هرئيل.

وأفادت "هآرتس" بأن "الاتفاق يضمن لإيران مساعدة اقتصادية حاسمة طويلة المدى في فترة مقلقة بشكل خاص".

وأوضحت أن "بكين ترى ذلك بصورة مختلفة، فالاستثمارات في إيران هي فقط جزء صغير من إستراتيجية الصين الكبرى التي تسمى الحزام والطريق، والتي أساسها ضمان النفوذ، وقنوات مفتوحة لنقل البضائع الصينية من شرق وسط آسيا إلى الشرق الأوسط وأوروبا".

ونوهت إلى أن "الصين تستغل بذلك العداء بين طهران وواشنطن، لكن أيضا هناك مقاربة أميركية شاملة، تفضل تقليص اهتمامها بالشرق الأوسط".

وأشارت إلى أن "الإعلان عن توقيع الاتفاق، جاء بعد وقت قصير من لقاء بين الصين وأميركا سادت فيه أجواء متوترة بين ممثلي الدولتين، في الوقت الذي تولد فيه الانطباع بأن إدارة جو بايدن ستقود خطأ متصلبا تجاه بكين".