مبادرة لإنهاء حرب اليمن.. لماذا طرحتها الرياض ورفضتها "الحوثي"؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع أن المملكة العربية السعودية تعد طرفا أصيلا في الحرب باليمن، إلا أنها حاولت مؤخرا أن تظهر كـ"وسيط" بين أطراف الصراع، وذلك عبر بمبادرة تقدمت بها، دعت من خلالها إلى إنهاء الحرب.

وفق مراقبين، فإن المبادرة السعودية التي جاءت بعد 6 سنوات من إطلاق الرياض عملية "عاصفة الحزم" العسكرية في اليمن 26 مارس/آذار 2015، تأتي في ظل ضغوط خارجية هائلة تواجهها الرياض.

فمنذ تولي الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه في البيت الأبيض 20 يناير/كانون الثاني 2021، وهو يضع ملف الرياض واليمن على قائمة أولوياته، وأعلن في أكثر من مناسبة أنه سيوقف بيع السلاح للمملكة، ويحاسبها على انتهاكاتها.

وأعلن التحالف العربي في 9 أبريل/نيسان 2020 وقفا شاملا لإطلاق النار في اليمن لمدة أسبوعين، لمواجهة تداعيات تفشي فيروس كورونا، وتم تمديده أكثر من مرة قبل أن تتهم المملكة الحوثين بـ"خرقه".

وفي 18 مارس/آذار 2021، دعا مجلس الأمن الدولي، جميع الأطراف إلى العمل مع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، دون شروط مسبقة من أجل وقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية.

"مؤتمر المبادرة"

في مؤتمر صحفي عقده بالرياض 22 مارس/آذار 2021 قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود: "استمرارا لدور المملكة الداعم لليمن (..) فإنها تعلن مبادرة لإنهاء الأزمة والتوصل لحل سياسي شامل".

وأضاف: "تتضمن (المبادرة) وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية للسفن والمشتقات النفطية من ميناء الحديدة (غربي اليمن) بالبنك المركزي".

وتشمل أيضا "فتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية، وبدء مشاورات بين الأطراف المختلفة برعاية الأمم المتحدة"، وفق فرحان.

وأوضح أن مبادرة المملكة تقديرا لجهود المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ، ومبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث، والدور الإيجابي لسلطنة عمان.

ودعت المملكة، الحكومة اليمينية والحوثيين للقبول بالمبادرة، ليتم تنفيذها تحت إشراف ومراقبة الأمم المتحدة.

وحول توقيت سريان المبادرة، أضاف فرحان: "المبادرة الآن سارية ولكن تتعلق بقبول الحوثي بما طرح (ليبدأ التنفيذ)". وأعرب عن أمله في استجابة الحوثيين للمبادرة "صونا للدماء اليمنية وإتاحة الفرصة للحل السياسي".

وأكد أنه "تم التنسيق مع الحكومة (اليمينة) وكافة دول التحالف وإحاطتهم بما ستعلنه المملكة والمبعوث الأممي والمبعوث الأميركي ونتطلع لقبول الحكومة ونتمنى أن نرى تجاوبا من مليشيا الحوثي".

وأردف فرحان، أن وقف إطلاق النار سيساعدنا في الوصول للحل السياسي باليمن، وأن الإطار الزمني لإتمام ذلك سيبدأ (عقب موافقة) الحوثيين. وتوقع أن تدعم الولايات المتحدة وشركاء المملكة (لم يسمهم) هذه المبادرة، مشددا على استمرار التعاون مع واشنطن حال تمنع الحوثيون عن قبولها.

من جانبها، رحبت وزارة الخارجية اليمنية بالمبادرة وقالت في بيان: "المبادرة اختبار لرغبة الحوثيين في السلام، واختبار لمدى فاعلية المجتمع الدولي المنادي بإنهاء الحرب".

فشل الأهداف

علاوة على الضغوط الأميركية التي دفعت الرياض لإطلاق هذه المبادرة، فإن خبراء يرون أن السعودية عجزت خلال الست السنوات الفائتة، عن تحقيق الأهداف التي شنت من أجلها العملية، وهي إنهاء الانقلاب الذي نفذته جماعة الحوثي، وإعادة الحكومة الشرعية.

وعليه فمن غير المجدي الاستمرار في هذه الحرب، خصوصا أن جماعة الحوثي صارت أقوى مما كانت عليه عقب الانقلاب، وغدت الشرعية أضعف مما كانت عليه.

وإلى جانب ضعف الشرعية، فقد ضعف موقف الرياض أيضا، حيث كانت تحظى بتأييد المجتمع الدولي أثناء إطلاق العملية، ومشاركة أكثر من 10 دول في عمليتها العسكرية، لكنها فقدت ذلك التأييد.

في أغسطس/آب 2019، تحدث مايكل ستيفنز، خبير شؤون الخليج بمركز الخدمات المتحدة الملكي في لندن، لـ"بي بي سي" قائلا: "الحرب لم تحقق فائدة تذكر للسعودية، ومن الناحية الإستراتيجية يمكن القول بأن الرياض في وضع أضعف مما كانت عليه عام 2015".

فاتورة باهظة

من ناحية أخرى، فإن فاتورة الحرب السعودية في اليمن كانت باهظة، فقد أنفقت السعودية في حربها على اليمن مليارات الدولارات.

ومع أنه لا توجد أرقام رسمية توضح حجم الخسائر إلا أن صحيفة ناشيونال انترست الأميركية قدرت متوسط النفقات التي تمول بها السعودية حربها في اليمن بنحو 20 مليار دولار سنويا، أي أن الكلفة في 6 سنوات ستصل إلى نحو 120 مليار دولار، وهو الأمر الذي أثر على حجم الاحتياطي النقدي السعودي.

وانخفض الاحتياطي السعودي منذ اندلاع الحرب في 2015 وحتى ديسمبر/كانون الأول 2020، من 732 إلى 445 مليار دولار، أي أن المملكة خسرت نحو 300 مليار دولار من الأصول الاحتياطية الأجنبية، وهو الأمر الذي تسبب بتراجع الاقتصاد بشكل غير مسبوق.

وبالنظر إلى حجم الإنفاق، فإن السعودية لم تحقق أهدافا سياسية أو مكاسب استراتيجية تتناسب مع حجم الفاتورة التي أنفقتها في الحرب.

ويتزايد العجز العام منذ 2015، ويتزايد مع ذلك نسبة الدين العام، فمنذ أواخر 2014 ارتفع الدين من 1.6 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد ليصل إلى 17 في المائة في 2017 و يتجاوز 30 بالمئة بداية 2019، ويواصل ارتفاعه ليصل إلى 50 بالمئة بعد الأزمة النفطية الأخيرة، حسب تقرير لصحيفة أويل برايس الأميركية نشرته في 15 مارس/آذار 2020.

ووفق تقرير نشرته صحيفة بلومبيرغ الأميركية 30 سبتمبر/أيلول 2020، فإن السعودية، بسبب تلك المشاكل تواجه أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، وستسجل أعلى نسبة عجز في موازنتها بسبب ارتفاع نفقة الحرب في اليمن والتدخلات في الدول الأخرى.

ورطة كبرى

الخسارة التي لحقت بالسعودية ليست مادية فقط، بل خسرت مكانتها ولحقت بها سمعة سيئة خلال السنوات التي مضت، ذلك لأنها تسببت بأكبر أزمة إنسانية يشهدها اليمن، وهي أزمة وصفت بكونها أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم، فضلا عن استهدافها بشكل مباشر المدنيين، في غارات جوية متكررة صرحت أنها خاطئة.

وفضلا عن السمعة التي لحقتها بسبب حرب اليمن، فقد لحقتها سمعة سيئة أخرى بسبب قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وهو الأمر الذي انعكس على حربها في اليمن بشكل سلبي، واستفادت منه جماعة الحوثي في تحشيد الرأي العام ضد السعودية.

إزاء تلك الإخفاقات، رأت السعودية أنها في ورطة، وهو الرأي الذي يذهب إليه الصحفي والكاتب السياسي اليمني، في حديثه مع "الاستقلال" بأن السعودية انزلقت في حرب اليمن، وتريد أن تخرج بماء الوجه، وقد تزامنت مع ضغوط من قبل الإدارة الأميركية، ونتيجة تقاطع جهود المبعوث الأممي مارتن غريفث والمبعوث الأميركي تيموثي ليندر كينغ.

يضيف التميمي أن "الرياض أرادت التخفف من أثقال الضغوط السياسية التي تراكمت نتيجة انخراطها المتزايد في الحرب الدائرة باليمن، خصوصاً في معركة مأرب الحالية التي اقتضت توسيعا لنطاق أهدافها الجوية وضرباتها المكثفة لميلشيا الحوثي".

ويتابع: "ظهرت السعودية كطرف يستجدي السلام، بعد نحو 6 سنوات من الحرب، وهي الفترة التي كانت كافية لأن تحقق فيها نصرا عسكريا، لتوفر كافة مقومات النصر، وعلى رأسه التأييد الشعبي الواسع لإنهاء الانقلاب الحوثي".

رفض حوثي

رفض الحوثيون المبادرة، وغرد متحدث الجماعة محمد عبد السلام، عبر حسابه على تويتر، قائلا: "‏أي مواقف أو مبادرات لا تلحظ أن اليمن يتعرض لعدوان وحصار منذ 6 سنوات فهي غير جادة ولا جديد فيها"، دون إعلان موقف صريح تجاه مبادرة المملكة.

وصرح عبدالسلام لوكالة "رويترز" قائلا: "هذه الخطة لا تتضمن شيئا جديدا، والمملكة جزء من الحرب" مطالبا بإنهاء الحصار الجوي والبحري على اليمن بشكل فوري".

وعلق ضابط الحرس الثوري الإيراني حسن إيرلو الذي بعثته طهران كسفير لها لدى جماعة الحوثي على المبادرة على حسابه بتويتر.

إيرلو غرد باللغة العربية قائلا: "مبادرة السعودية في اليمن مشروع حرب داِئم واستمرار الاحتلال وجرائم حرب وليست انهاء للحرب. المبادرة الحقيقية تعني وقف الحرب بشكل كامل، رفع الحصار بشكل كامل، إنهاء الاحتلال السعودي، وسحب قواته العسكرية، وعدم دعم المرتزقة والتكفيريين بالمال والأسلحة، وحوار سياسي بين اليمنيين دون أي تدخلات خارجية".

علاوة على ذلك، فإن الحوثيين يطالبون السعودية برفع الحصار الكامل عن حركة الملاحة البحرية، وذلك بغية ضمان استمرار تلقيهم الدعم بالسلاح من إيران.

وهو الأمر الذي ترفضه السعودية في الوقت الحالي، وتعرض تخفيفا للحصار مع بقاء بعض القيود التي تضمن من خلالها عدم تهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين.

في سبتمبر/أيلول 2014، وأثناء سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء أنشأوا جسرا جويا بين طهران وصنعاء، وذلك بتسيير رحلتين يوميا لطيران ماهان الإيرانية، بعد أكثر من 20 عاما من توقف رحلاتها إلى اليمن.

الخبراء لا يتوقعون نجاحا لهذه المبادرة بشكلها الحالي، لإصرار الحوثيين على موقفهم في منحهم الحق الكامل في إدارة البلد والموانئ والحركة البحرية والجوية وضمان عدم دعم السعودية لقوات الجيش الوطني.