مأزق سياسي واقتصادي.. موقع أميركي يرصد تحديات تشكيل حكومة لبنان

12

طباعة

مشاركة

أكد موقع أميركي أن تشكيل حكومة لبنانية جديدة تضع تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية ضرورية صلب أولوياتها، يواجه كثيرا من التحديات والعقبات، خاصة مع استمرار جائحة كورونا بتقييد النشاط الاقتصادي في جميع أنحاء العالم.

وأوضح موقع "مودرن دبلوماسي" أن "فيروس كورونا كان له تأثير مضاعف على الانهيار الحر للاقتصاد اللبناني، وتستمر الأوضاع الاقتصادية في التدهور، حيث لا تزال الأزمات المالية في البلاد دون رادع، في حين أن ثقة المستهلك والمستثمر في أدنى مستوياتها".

وترجع أزمات لبنان المتعددة إلى أوجه القصور الهيكلية في أنظمته الاقتصادية والمؤسسية والحوكمة، كما لم تقدم السلطات ولم تعمل على صياغة رؤية اقتصادية ملموسة للاقتصاد اللبناني على مدى الثلاثين عاما الماضية، "تاركة الاقتصاد دون أهداف وسياسات واضحة".

تآكل الثقة

وأشار الموقع الأميركي إلى أن "الاقتصاد اللبناني انتهى به الأمر إلى الاعتماد على تدفقات التحويلات التي كانت تمول العجز الحكومي وربط الليرة اللبنانية بالدولار والواردات".

ومع ضعف البنية التحتية، لا يستطيع القطاعان الصناعي والزراعي النمو ولا توفير الفرص، مما يجعل قطاع الخدمات، إلى جانب العقارات والسياحة، المحركين الرئيسين للنمو.

لكن رغم موقع لبنان الإستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط​، فإن "موقع هذا البلد، شمال الدولة المعادية له، فيما تحده سوريا من الشمال والشرق، والتي تربطها علاقات غير مستقرة بلبنان، ترفع المخاطر الجيوسياسية للبنان وتزعزع استقراره باستمرار، ناهيك عن استمرار  تأثير الحرب السورية على الوضع في لبنان".

ويعد الاستقرار السياسي والجيوسياسي مطلبا أساسيا لقطاع الخدمات، وهو القطاع الاقتصادي الرئيس في لبنان، ليعمل بشكل صحيح، وعلى هذا النحو، أعاق موقع لبنان استقراره لتحقيق نمو مستدام بالشكل الذي اتفقت عليه طبقته الحاكمة.

وفي ظل الافتقار إلى النمو الملموس لبعض السنوات، إلى جانب تآكل الثقة في النظامين السياسي والمالي، وتعثر الحكومة، فإن شريان الحياة المتبقي للسكان ما هو إلا كمية متناقصة من احتياطيات العملات الأجنبية في مصرف لبنان، والتي تستخدم في استيراد الواردات من الحاجات الأساسية للشعب.

وأكد الموقع أن "معظم الخبراء يواصلون جنبا إلى جنب مع المجتمع الدولي، الدعوة إلى تنفيذ الإصلاحات في جميع أنحاء القطاع العام، بما في ذلك قطاع الطاقة، وكذلك على المستويين المالي والنقدي، وفي القطاع المصرفي".

ومع ذلك، فإن العائق الرئيس للإصلاحات هو الافتقار إلى الإرادة السياسية، مما يعكس نظاما سياسيا مختلا يستمر في الخضوع للأزمات السياسية المتجددة، وفي ظل نظام سياسي دون تغيير منذ نهاية الحرب الأهلية (عام 1990)، استمر البلد في الخوض من أزمة إلى أخرى.

ويبلغ الافتقار إلى الإرادة السياسية للإصلاحات أعلى مستوياته حاليا، حيث لا تزال السلطات غير قادرة على تشكيل حكومة منذ أغسطس/آب 2020، عندما استقالت آخر حكومة إثر انفجار مرفأ بيروت.

ويتزامن المأزق السياسي مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية من حوالي 7 آلاف ليرة لبنانية مقابل الدولار في أغسطس/آب 2020 إلى حوالي 13 ألف ليرة لبنانية لكل دولار في مارس/آذار 2021.

3 طبقات

ويمكن تحليل تعقيد هذا المأزق السياسي في 3 طبقات مختلفة، وفق "Modern Deplomacy".

على الصعيد الداخلي، يواجه "التيار الوطني الحر" الحاكم و"تيار المستقبل" نظرة غير مؤكدة في انتخابات2022، حيث تضيق قاعدتهما من الناخبين، وفيما يفرض الوضع على  الحكومة القادمة أن تضع البلاد على طريق الإصلاح، وتوقف التدهور في جميع القطاعات، يبدو أن كلا الطرفين مهتمان بأن يكونا جزءا من الحكومة الجديدة، للحصول على مكاسب سريعة.

وعلى هذا النحو، فإن الأسماء والولاء في هذه الحكومة أمر بالغ الأهمية، وهي مسألة حيوية لكلا الطرفين، مما يجعل من الصعب تقديم التنازلات، وتختبر كل حركة قدرة الطرف الآخر على التحمل وقدرته على الحفاظ على موقعه الحالي على حساب متطلبات الشعب.

على الصعيد الوطني، وصف بعض المحللين والصحفيين السقوط الحر للاقتصاد اللبناني والمؤسسات والنظام السياسي والمأزق السياسي بأنه عملية "تفكك حراري" للدولة، وفي ظل هذا المنظور، فإن المأزق الحالي يسلط الضوء على النظام السياسي المختل.

وتميل التكهنات نحو ثلاثية الأطراف - حيث سيتم تقسيم نظام الحكم إلى حد كبير لـ3 فصائل، مسيحية وشيعية وسنية، بدلا من المسيحيين والمسلمين في ظل النظام الحالي.

ومثل هذا النظام من شأنه أن يفيد الأحزاب الشيعية في الغالب، حيث يمكنها زيادة سلطتها التنفيذية بشكل أساسي، مع الحد من قوة وتمثيل الفصائل المسيحية، وفي هذه الحالة، من المحتمل أن تستبدل الأحزاب الشيعية هيكلها شبه العسكري بتمثيل وحماية أفضل بموجب دستور جديد.

ثالثا، على الصعيد الدولي، ومع اقتراب الولايات المتحدة وإيران من الجلوس على طاولة المفاوضات، جمعت طهران المزيد من الأوراق لإضافتها إلى طاولة المفاوضات.

وتمتلك إيران الآن عدة أوراق تلعبها خارج حدودها الوطنية، ولا ترتبط ارتباطا مباشرا بالاتفاق النووي، ولطهران رأي قوي ومباشر في تشكيل الحكومات، وكذلك في القرارات الوطنية والإستراتيجية في كل من لبنان والعراق.

ومن الأطباق التي يمكن أن تخدمها إيران على طاولة المفاوضات من المطبخ اللبناني، تسهيل تشكيل حكومة في لبنان، وتخفيف القيود على المحادثات مع صندوق النقد الدولي، وتخفيف المشاكل المتعلقة بترسيم حدود لبنان.

وتمثل هذه "تنازلات سهلة" يمكن أن تقدمها إيران قبل معالجة القضايا الرئيسة لخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 مع الولايات المتحدة.

المحصلة صفر

وأكد الموقع الأميركي أن "إيران قبضتها على لبنان من خلال حزب الله، في المقابل، يتمتع الحزب بميزة غير متكافئة على الأطراف الأخرى نظرا لجناحه شبه العسكري، والذي يشل أي محاولة لإقامة دولة قوية لأنه يضرب مباشرة احتكار  للعنف، مما يحافظ على الخوف المستمر من حرب الكل ضد الجميع".

وبالإضافة إلى ذلك، تمكن حزب الله من التوسع سياسيا من خلال تحالفه مع التيار المسيحي الحاكم -التيار الوطني الحر-، وتم قبول تحالفهم ضمنيا، رغم الاختلاف الكبير في الرؤى السياسية والاقتصادية للجانبين، ويرجع ذلك إلى رواية أن لبنان هو "ملجأ الأقليات" في الشرق الأوسط، حيث تشير الأقليات بشكل أساسي إلى الطوائف المسيحية والشيعية والدرزية.

وهذه الأداة هي الأساس النظري الذي استخدم لتقريب الفصائل المسيحية والشيعية الحاكمة، بناء على "الخوف من الأغلبية السنية الكبيرة في الشرق الأوسط ومن التيار العروبي"، وفق الموقع الأميركي.

ومع ذلك، فإن بوادر الفراغ في السلطة على المستوى المسيحي والسني، وكذلك المسار نحو مزيد من الانفتاح في العالم العربي، وخاصة في الدول السنية الرئيسة في مجلس التعاون الخليجي، تظهر احتمالية قوية لكسر  "رواية الأقليات".

وتتحدى الطائفية اللبنانية "اليد الخفية" للاقتصادي البريطاني آدم سميث، في قلب اقتصاد "السوق الحرة"، حيث أن كل فصيل (ديني) سيسعى إلى تحقيق منافعه الخاصة، دون خلق أي منفعة اقتصادية واجتماعية  للبلاد، وبشكل أساسي ستستفيد طبقة النخبة في كل مجتمع طائفي باستمرار من النظام، حتى على حساب الأشخاص من نفس الفصيل. 

وختم الموقع مقاله بالقول: "يعد هذا النظام مبنيا على لعبة محصلتها صفر، في الوقت الذي يواصل فيه القادة اللبنانيون التلاعب بالرأي العام، ولا سيما أتباعهم، من خلال الجغرافيا السياسية للدين، ومواصلة الاستثمار  في إبقاء المرء في لبنان خائفا من أخيه".