حمزة الخطيب.. طفل سوري قتله شبيحة بشار الأسد فأصبح رمزا للثورة

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"كان فكه وكلا ركبتيه قد تحطموا.. لحمه قد غطي بحروق أعقاب السجائر.. قطع قضيبه.. ظهرت إصابات أخرى مشابهة لتلك التي تظهر إثر التعرض للصدمات الكهربائية، والجلد باستخدام كابل".

هكذا وصفت صحيفة غلوب آند ميل الكندية، الحالة المأساوية التي وجدت عليها جثة الطفل السوري حمزة الخطيب (13 سنة).

لم يكن ليصدق أكثر المتشائمين أن تبلغ وحشية النظام السوري حد قتل الأطفال والتمثيل بجثثهم، حتى جاءت واقعة مقتل الطفل حمزة الخطيب في الأيام الأولى من الثورة السورية، والتي تسببت في غضب عالمي، وانتقادات حقوقية ودولية لمنظومة حكم بشار الأسد، وبات الفتى السوري رمزا للثورة. 

وفي الذكرى العاشرة للثورة السورية، يأتي ذكر الخطيب بعد أن لحقت به أعداد هائلة من أبناء شعبه، يقدرون بمئات الآلاف حسب تقارير حقوقية، ضمن مسيرة عريضة من الدماء والجرائم ارتكبها النظام السوري. فمن هو حمزة الخطيب؟

طفولة مميزة

ولد حمزة علي الخطيب يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول 1997 ببلدة الجيزة التابعة لمحافظة درعا السورية، نشأ في ظل أسرة متوسطة الحال، كسائر عائلات بلدته والمجتمع السوري عموما، ووصف بأنه كان ذكيا ومحبا لكرة القدم.

لكن ثمة شيء مميز كان في شخصية حمزة، وهو "الكرم"، إذ روى أحد أقاربه في حديث لإحدى القنوات العربية عن طفولة حمزة، قائلا: "كان طفلا كريما، وكان يطلب المال من أبويه ليعطي الفقراء".

وأضاف: "أذكر ذات مرة بأنه كان يريد إعطاء أحد الفقراء 100 ليرة سورية، بينما قالت أسرته بأن هذا المبلغ كثير، لكن حمزة رد: أنا لدي السرير والطعام بينما الرجل ليس لديه أي شيء وبهذا أقنع والديه بأن يعطي المئة ليرة للرجل الفقير".

وذكر أن حمزة كان يحلم بأن يكون شرطيا عندما يكبر، لكنه عدل عن طموحه عندما بدأ النظام السوري في قمع الحركة الاحتجاجية بعنف وقوة". وأورد: "عندما رأى حمزة عناصر الشرطة يقتلون أفراد الشعب خلال الثورة، قال: "الشرطة يقتلون الشعب وأنا لا أريد أن أكون مثلهم.. لا أعرف ماذا سأصبح لكن الشرطة تقتل الشعب وتعذبهم'".

استشهاد حمزة

جاءت اللحظة الصادمة والمروعة في حياة الطفل السوري صاحب الـ 13 عاما، يوم 25 يونيو/ حزيران 2011، عندما توجه رفقة آخرين من المواطنين والثوار، من بلدتهم "الجيزة" لفك الحصار الذي فرضته مليشيات الأسد الطائفية آنذاك على أهل درعا، ليتم اعتقاله عند حاجز يتبع لأحد الأفرع الأمنية، قرب مساكن صيدا العسكرية.

تم نقل الخطيب إلى فرع إدارة المخابرات الجوية السورية بدرعا، وحسب تقرير نشره موقع "C.N.N" مطلع يوليو/ تموز 2011، أن "حمزة كان معتقلا، وشاهده أقاربه في السجن وكان بصحة جيدة حينها، حيث توسلوا إلى رجال الأمن كي يفرجوا عنه، غير أن الشرطة طلبت من أقارب حمزة العودة بعد يومين، بعدما وعدوهم بالإفراج عنه".

وأضاف: "عندما ذهب والدا حمزة إلى السجن للإفراج عن ولدهما، طلب منهما عناصر الأمن التوجه إلى المستشفى، وهناك عثرا عليه جثة هامدة، وعندها رأته والدته على هذه الحالة أصيبت بانهيار عصبي، أما والده فصار محطما تماما". 

بعد مصرع حمزة بأيام قليلة نشرت صور ومقطع مصور عبر موقع "يوتيوب"، وتم تداولها على نطاق واسع من خلال صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، أظهرت جثة حمزة الخطيب بعد تعرضه للتعذيب بوحشية.

كان وجهه منتفخا وبنفسجي اللون، ويحتوي جسمه على ثقوب ناتجة عن طلقات نارية وآثار تعذيب، فيما سمع صوت أحدهم في اللقطة يقول "إنهم قطعوا عضوه التناسلي".

تسبب موت حمزة، في صدمة لدى الشعب السوري، وأثارت احتجاجات محلية ودولية ضد حكومة بشار الأسد، بسبب طريقة تعاملها الشرسة غير المسبوقة مع المحتجين السلميين.

وعلقت وزيرة الخارجية الأميركية (آنذاك) هيلاري كلينتون على واقعة مصرع وتعذيب الطفل السوري، قائلة: "لا يسعني القول سوى أرجو ألا يكون موته عبثيا". 

وأضافت: "بات يرمز لكثير من السوريين.. ويدلل على مدى الانهيار التام لأي جهد من جانب الحكومة السورية للعمل معهم، والاستماع لشعبهم". 

بينما أعلن وزير الخارجية الاسترالي (حينئذ) كيفن رود، أن "بلاده طلبت من الأمم المتحدة أخذ الرئيس بشار الأسد، أمام المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة قمع النظام للمدنيين السوريين". 

بعدها ذهبت العلاقة بين نظام بشار وسائر الشعب السوري إلى طريق اللا عودة، وأطلق على المظاهرات السلمية الداعية إلى رحيل بشار ونظامه في الأسابيع التالية اسم "جمعة مقتل الطفل حمزة الخطيب".

انتقام مستمر 

في 19 فبراير/ شباط 2019، كشفت صحيفة "زمان الوصل" السورية، تفاصيل حصرية نقلتها من ضابط منشق كان ضمن لجنة التحقيق بمقتل الطفل حمزة الخطيب.

الضابط ذكر أن "أكثر ما كان يشغل أعضاء لجنة التحقيق معرفة من الذي قام بتصوير جثة الطفل، ومن سرب هذه الصور وممارسة الضغوط على الطبيب الشرعي من أجل تغيير تقريره الأولي والاعتراف بأنه كان مخطئا، وأن العضو الذكري للطفل لم يبتر".

وقال: "لجنة التحقيق كانت برئاسة معاون وزير الداخلية اللواء عبد الكريم سليمان، أما المحقق الفعلي اللواء محمد كنجو حسن، مدير إدارة القضاء العسكري، وكان حينها يشغل منصب النائب العام العسكري، ومن الأعضاء العميد عبد العزيز الشلال، رئيس فرع الشرطة العسكرية الذي انشق فيما بعد، واللواء محمد درويشة مدير إدارة الأمن الجنائي بوزارة الداخلية". 

وأردف أن "المهمة الأساسية للجنة تمثلت في الضغط على الطبيب الشرعي وهو من عائلة معروفة في درعا من أجل أن يغير تقريره حول مقتل وتعذيب الطفل حمزة". 

وفي مطلع فبراير/ شباط 2020، قام النظام السوري بتصفية إبراهيم الجهماني في درعا كونه كان شاهدا رئيسا على واقعة تعذيب حمزة، إذ كان يرافقه داخل فرع المخابرات الجوية. 

تبولوا على قبره

عندما حدثت تسوية جنوبي سوريا، في يوليو/ تموز 2018، ودخلت بموجبها قوات النظام السوري مرة أخرى إلى مدينة درعا، وأعلنوا سيطرتهم على معظم المدينة وريفها، توجه جنود نظاميون إلى قبر الطفل حمزة الخطيب، وقاموا بتكسيره وتخريبه كونه من أبرز رموز الثورة. 

صفحة موالية لنظام بشار الأسد تسمى "شبكة أخبار الجيش العربي السوري"، علقت على صورة قبر الخطيب في رسالة إلى جنود النظام مفادها: "إلى كافة عناصر الجيش السوري التوجه إلى قبر النافق حمزة الخطيب لإجراء مراسم التبول". 

وهو ما دعا الفنان السوري عبد الحكيم قطيفان، ابن مدينة درعا للتعليق قائلا: "طرش مافيا الأسد الفاشيين لم يكتفوا بتعذيبك وتقطيع أعضائك وأنت حي يا حمزة، بل أكملوا حقدهم وتوحشهم حتى على شهادة قبرك". وأضاف: "كم أنتم طافحون بالروث وسواد الدم يا حثالة السوريين".

وفي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تقريرا وثقت خلاله حصيلة الأطفال الذين قتلوا في سوريا منذ اندلاع النزاع. 

ووثق التقرير مقتل نحو (22753 طفلا) على يد قوات النظام السوري، بينهم 186 طفلا قضوا جراء الاختناقات بالغاز الكيماوي، و404 أطفال قتلوا بسبب استخدام قنابل عنقودية، و305 توفوا بسبب نقص الغذاء والدواء في المناطق التي تعرضت للحصار.

كما لفت التقرير إلى أن (3618 طفلا) ما زالوا قيد الاعتقال في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري منذ مارس/ آذار 2011.