"جمال الجمل" ليس أولهم ولن يكون آخرهم.. كيف تعيش المعارضة خارج مصر؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ" كلمات من حديث نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، عبر فيه عن حزنه لترك وطنه بمكة المكرمة، مهاجرا من أذى قريش إلى رحاب يثرب (المدينة المنورة).

حنين النبي لمكة، يشعر به آلاف المصريين المهاجرين المعارضين للنظام العسكري الحاكم برئاسة عبدالفتاح السيسي، ما دفع بعضهم للهروب من الغربة إلى سجون الوطن.

فرغم علمه يقينا بما ينتظره من مخاطر جمة، وبعد هجرة قسرية لأكثر من 3 سنوات عاشها بمدينة إسطنبول التركية، قرر الكاتب الصحفي المعارض جمال الجمل العودة إلى مصر.

الجمل، وبمجرد وصوله مطار القاهرة في 22 فبراير/ شباط 2021، اعتقلته السلطات وأخفته قسريا ليظهر في نيابة أمن الدولة يوم 28 فبراير/ شباط 2021.

النيابة قررت حبس الجمل على ذمة القضية رقم (977 لسنة 2017)، بتهم بث أخبار كاذبة، والانضمام لجماعة إرهابية، والتحريض ضد مؤسسات الدولة، رغم أنه لم يُدرج اسمه من قبل بأية قضايا سياسية أو جنائية. 

رحلة الجمل، الذي اعتبر الانقلاب العسكري صيف 2013 "ثورة شعبية"، بدأت مع الغربة منذ أن عارض النظام، في وقت مبكر جدا من حكم السيسي، ما دفع الأخير في 9 سبتمبر/ أيلول 2014، للاتصال بالجمل لمعاتبته، وبعدها أغلقت الصحف أبوابها أمامه، ليواصل انتقاداته عبر مقالات "حواديت العباسيين"، واضطراره مرغما للهجرة إلى تركيا.

أحد أصدقائه في مصر، الصحفي حمادة إمام، أكد عبر "فيسبوك"، أن الجمل، كان يمكن له أن يستغل اتصال السيسي ويحصل على مناصب صحفية، لكنه "اختار أن يسافر بعد أن ضاقت عليه سماوات الكتابة فى مصر وتحكم فيها الأمنجية". 

ورغم أنه كان يعلم أن مصيره الاعتقال والحبس واتهامات بالخيانة ومعاداة الدولة المصرية من الخارج، إلا أن الجمل قرر العودة التي أعلن عنها مرات سابقة وأثناه عنها أصدقاء مقربون، نظرا لضيق العيش في الغربة القسرية.

عودة الجمل لمصر عبر عنها الشاعر المعارض عبد الرحمن يوسف، بقوله إنها جاءت "بعد أن ضاقت به الأرض بما رحبت". 

معارضون مصريون تعرضوا لنفس أزمة الجمل عند عودتهم لمصر، وكان أشهرهم صحفي الجزيرة محمود حسين في ديسمبر/ كانون الأول 2016، والكاتب الراحل سليمان الحكيم في نوفمبر/ تشرين الأول 2017، والمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبوالفتوح في شباط/ فبراير 2018.

 وحول ما قد يدفع أي معارض لهذا السلوك، تساءل نائب رئيس المجلس الثوري المصري المستشار وليد شرابي عن حجم الضغوط النفسية والاجتماعية التي يمكن أن يمر بها إنسان فيفضل أن يسلم نفسه إلى سلطات العسكر من أن تستمر غربته في تركيا؟".

تلك الحالة دفعت الكاتب المصري سليم عزوز، للمطالبة بأن يحذو المعارضون المصريون بالخارج حذو الفلسطينيين في المطالبة بحق العودة، وفق مواثيق الأمم المتحدة.

مشاكل المهاجرين

وحول الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية، تحدث العديد من المعارضين وأغلبهم من الشباب عن أوضاعهم السيئة في الغربة، وضيق ذات اليد، وعدم وجود فرص للعمل، معربين في حديث مع "الاستقلال"، عن أملهم بالعودة إلى مصر حتى ولو كان مصيرهم السجن، مؤكدين أن الجمل، ليس المعارض الوحيد الذي رغب في العودة رغم ما ينتظره في السجون.

3 من شباب المعارضة في إسطنبول، أحدهم محكوم في إحدى القضايا، والثاني فر هاربا قبل اعتقاله في مصر، والثالث غادر مصر إثر الإفراج عنه بعد اعتقال دام سنتين، رصدوا ملامح أزمة المعارضة بالخارج، وأكدوا أنهم رغم استقرارهم لعدة سنوات إلا أنهم يعانون من أزمات كثيرة. 

وتحدثوا عن ضعف مستواهم في اللغة، وصعوبة الالتحاق بأعمال في شركات تركية، والعمل بأجر ضعيف، يكفي بالكاد أجرة السكن والطعام والمواصلات، مشيرين إلى أن أزمتهم الأكبر هي في انتهاء أو قرب انتهاء أوراقهم الثبوتية ورفض القنصلية المصرية تجديد جوازات سفرهم، ما يعقد أزمتهم في استخراج الإقامة في تركيا. 

وقال أحدهم، "أصبح الأمر عندي يستوي فالبقاء هنا في هذه الحالة حيث لا مستقبل ولا أمل في تغيير يساوي العودة إلى سجون السيسي، فعندها قد أرى أهلى مجددا"، وهو الرأي الذي اتفق معه واختلف عنه رأي مراقبين ومحللين تحدثوا لـ"الاستقلال".

سجن أم غربة؟

الكاتب الصحفي المعارض من إسطنبول قطب العربي، أكد أن "سجون السيسي عند المعارضين ليست أبدا أفضل من جنة الغربة"، موضحا أن "من عادوا يعدون على أصابع اليد رغم مرور 7 سنوات، ولكل منهم قصة خاصة، والغالبية العظمى تصر على البقاء وترفض العودة بوجود هذا النظام، ورغم ما يعانونه من مشاكل اقتصادية واجتماعية لا يرون البديل أبدا بالعودة إلى سجون السيسي".

رئيس المرصد العربي للإعلام، أكد بحديثه لـ"الاستقلال"، أن "الكاتب الصحفي جمال الجمل، له ظروفه الخاصة، فهو شخص مرهف الأحاسيس، ومسن في منتصف العقد السادس، ويعاني عدة أمراض والوحدة بغياب أسرته، ولم يستطع التأقلم مع البيئة بتركيا، وكان لديه حنين لرؤية أسرته فقرر العودة، وكانت حساباته أنه غير مدرج بأية قضايا سياسية وجنائية واعتقد أنه سيمر دون توقيف، لكنه واجه غباء النظام".

من جانبه، قال البرلماني السابق الدكتور جمال حشمت: "الغربة بسبب الهجرة أو التهجير هي من أشد الحالات التي يمكن أن يواجهها الإنسان في حياته، والقدرة على التحمل مرتبطة بعدة أركان، أولها: إيمانه بالقضية التي تضطره للهجرة، وتحمل التهجير، ومنها طبيعته الشخصية وقدرته على التحمل، ومنها الظروف التي تحيط به في مهجره، ومن ثم يحسم الأمر استسلامه أو مقاومته".

 وأوضح في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "ما حدث للجمل، مرتبط بهذه العوامل، ما توفر منها وما غاب، وأعتقد أن سبب عودته الرئيسة هي مشاكل أسرية لا علاقة لها بدعم مالي أو خلاف شخصي".

 لكن، أحد الوجوه المهاجرة وهو المخرج علي أبوهميلة، فيرى أن "جزء من الأزمة التي يعاني منها الجمل ومعظم المعارضين هي الأمور المادية وصعوبة الحياة في الغربة"، مؤكدا أن "ظروف الهجرة صعبة جدا، والحياة مختلفة، والمعاناة شديدة جدا على أغلب المعارضين، الذين يرفض أغلبهم منطق اللجوء لأنه لا يرغب في قطع علاقتهم بمصر".

وفي رؤية مغايرة أوضح في حديثه لـ"الاستقلال"، أنه "بسبب الظروف المادية وكثرة التزامات الغربة ومعاناة أغلب المعارضين يفكر البعض في مسألة العودة حتى لو كانت من المطار إلى السجن"، مضيفا أنه "أحيانا تكون السجون أهون من الغربة، أهون من الوضع الذي نعانيه هنا، السجون أهون من الصحبة العاجزة والأخرى المستغلة التي لا يهمها إلا مصلحتها".

مجتمع المعارضة

وحول أزمات المعارضين المصريين بالخارج لفت العربي، إلى أنهم "يعانون كثيرا مع الغربة ويدركون ذلك حتى قبل مغادرتهم الوطن؛ لكنهم قرروا الفرار بحريتهم ومن الملاحقة الأمنية وممارسة النضال من جبهة أخرى، أو لاستكمال الدراسة للطلاب، والمشاكل كثيرة فيما يخص العمل غير المتاح لهم مثل أبناء البلد بجانب حاجز اللغة الذي يقف ضد تواصل مع المجتمع التركي".

وفي توصيفه لأزمة مجتمع المعارضة أشار أبوهميلة، إلى وجود ما اعتبره "خلل في منظومة المعارضة، نتج عنه ظروف صعبة لأغلب المعارضين مقابل قلة قليلة لا تعاني بل وهي مسؤولة عن معاناة الآخرين"، لافتا لمعاناة "شباب مهاجرين معارضين بالعشرينات والثلاثينات"، متسائلا: "فما بالك بكبار السن؟".

 وأوضح أن "العلاقات في مجتمع المعارضة خاصة في إسطنبول فيها طبقية وتعال وربما عدم قدرة على حل المشاكل"، محملا كل من بإسطنبول مسؤولية رحيل الجمل وأي معارض يهرب من تلك المعاناة ويفكر بالعودة وهو يعرف أن مصيره سجن السيسي"، مبينا أن "فكرة العودة تراود الكثيرين وعندما تضيق بهم الأحوال ويقولون: (بلدي أولى بي ولو كانت قبرا)".

وحول أزمة الجمل، وهل تنطبق حالته على كثير من المعارضين، قال إنه "مفكر وفيلسوف وشاعر، وجزء من أزمته سوء المشهد العام للمعارضة في إسطنبول وغيرها، وعجزه عن تقديم الحلول لشباب يضيع أمامه، وأيضا عدم الاستقرار المادي له ولأسرته في مصر"، مؤكدا أن "كل هذه أشياء مشتركة بين أزمة الجمل والكثير من المهاجرين المصريين".

وأوضح أن "الجمل من بين كثير من المعارضين والمهاجرين لم يفكروا يوما في الخروج من مصر، فنحن جيل يؤمن إما بالموت فيها أو بإصلاحها، وحلم الجمل وكثير مثله بإصلاح مصر، لذا كانت العودة أصبحت حلم دائم يراود الكثيرين، ومن بينهم الجمل الذي يحمل حنينا لوطنه وأصدقائه وشوارع مصر وأهله وبيته".

إعادة بناء

ألمح قطب العربي، لوجود "محاولات كثيرة لمساعدة المهاجرين، لكنها لا تستطيع حل مشاكل الجميع، حيث تصرف مساعدات للطلاب بالجامعات، ولبعض الحالات من كبار السن الذين ليس لديهم موردا، ولكن هذا لا يشمل الجميع لقلة الموارد".

ونصح القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، جمال حشمت، "كل المهاجرين أو المهجرين وأولهم التجمعات الموجودة للقيام بدورها في توفير الحد الأدنى للحياة على قدر ما تستطيع"، كما طالب "الأفراد بأن يراجع كل مهاجر نفسه لماذا خرج؟، وماذا يستهدف؟، وكيف هيأ نفسه للاستمرار حتى يتحقق ما خرج لأجله؟".

وجزم بأن "الثبات ثمرة الإيمان، والتحمل ثمرة التربية في أبسط صورهما"، موضحا أنه يعرف كثيرين ظروفهم أسوأ ما يمكن، لكنهم ثابتين، والخلاصة أن الثبات قيمة كبيرة وسبب رئيس للنصر في الدنيا والفوز بالجنة".

ويرى أن "أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن يستسلم المقاوم ويخضع لإرادة طاغوته، وأن يراك الطاغية تترك طريق الرفض والمقاومة وتعود مرة أخرى تحت قدمه أو حتى ترمي نفسك بسجونه بأي حجة هذه خسارة بصف أصحاب الحق".

وفي رؤيته للحل أعرب أبوهميلة، عن أمنيته أن "تقدر المعارضة التخلص من أزمتها في المهجر وتلم الشمل"، مبينا أن "ذلك لن يتحقق إلا بالتطهر من الأخطاء التي مارسناها على مدار 7 سنوات في حق مصر وحق أولادها في التعامل".

وقال إن "الحل بعد التطهر هو أن نجلس جميعا بمؤتمر عام لمدة 3 أيام، الكل يقول ما لديه، ويتم اختيار فريق محايد ووسيط نزيه بين كل الأطراف ويخرج بقرارات ملزمة للجميع، وفي إطار هذا المؤتمر التصالحي على قيادات الخارج إعادة بناء مجتمع المعارضة بقدر من العدالة والمساواة في الفرص".

وأوضح أن هناك "من يأخذون أجورا كبيرة وآخرون لا يجدون الطعام (تسف تراب) على حد تعبير صحفي كبير معارض في إسطنبول الذي قال: (لماذا أسف تراب في الغربة، والحل الرجوع لبلدي حتى ولو للسجن؟)"، خاتما بقوله: "تجربة الجمل ستتكرر كثيرا، حولي كثيرون وصلوا مرحلة أخيرة من الألم من العيش والحنين لمصر".