رغم دعم إيران للأسد.. ما أسباب أزمة المحروقات بمناطق النظام السوري؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عادت أزمة تأمين المحروقات للسوريين القاطنين في مناطق نفوذ نظام بشار الأسد، بالظهور مجددا، منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول 2020، لتقض مضاجع الأهالي، وتزيد من حجم معاناتهم.

يأتي هذا في ظل عجز تام لنظام الأسد لسد احتياجات الشعب من المشتقات النفطية، التي بات يعتمد على حلفائه كإيران وروسيا في تزويده بها بطرق التفافية على العقوبات الدولية المفروضة عليه.

ويرى مراقبون أن النظام يحاول تصدير أزماته الداخلية للخارج، ويجعل من العقوبات الدولية شماعة، رغم تأكيد المجتمع الدولي أن لا رفع للعقوبات قبل موافقة نظام الأسد على الدخول في حل سياسي ينهي الحرب، وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

وتظهر صور منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول 2020، طوابير السيارات أمام محطات الوقود في العاصمة دمشق، واللاذقية وحمص والسويداء.

خطوط الائتمان

 وجرى ذلك بعد تخفيض وزارة النفط التابعة لحكومة النظام، في 10 يناير/كانون الثاني 2021، وبشكل مؤقت، كميات البنزين الموزعة على المحافظات بنسبة 17 بالمئة وكميات المازوت بنسبة 24 بالمئة، معللة ذلك لحين وصول التوريدات الجديدة.

وهذه التوريدات هي إشارة على ما يبدو لناقلة النفط الإيرانية، المحملة بمئات آلاف البراميل، والتي أكدت وسائل إعلام إيرانية، أنها في طريقها للسواحل السورية.

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحديث لسيدة سورية تنتقد فيه حكومة النظام في دمشق، وهي تقف بسيارتها على طابور إحدى محطات تعبئة الوقود.

وقالت السيدة: "تعطل شغلي وأكيد انخصم من راتبي.. ولم يعد لدي شيء أعمله سوى الأكل إذ أصبح مستوى تفكيري فقط أن أحصل على بنزين ومازوت وغاز.. فبقى يا حكومة أنتم. لماذا تجلسون على الكراسي ماذا تفعلون". 

وحول أبرز الأسباب الكامنة وراء أزمة المحروقات التي طفت على السطح مجدداً، ألمح الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد العبد الله، إلى أنه "يمكن النظر لمشكلة تأمين المحروقات لدى نظام الأسد باعتبارها ذات أوجه متعددة".

فالعجز التدريجي في موارد النظام المالية، ومدى قدرته على سداد فواتير شحنات الوقود القادمة لها سواء من إيران أو مناطق الإدارة الذاتية، أو حتى من لبنان، يرجع إلى توقف خطوط الائتمان الإيرانية التي مكنت النظام في السنوات السابقة من تسديد قيمة هذه الفواتير، والتي تغطي نحو 80 بالمئة من احتياجاته البالغة 136 ألف برميل يومياً.

يضيف الباحث لـ"الاستقلال" أن الأسباب الأخرى تتمثل في "تخلي نسبة كبيرة من رجال الأعمال المحسوبين على النظام عن مهمة تأمين المشتقات النفطية لصالحه".

أضف إلى ذلك تأثير التنافس الإيراني الروسي في سوريا، وفرض أجنداتهما الاقتصادية على النظام ورضوخه لمتطلباتهما، مما يعكس حرمان النظام من المشتقات النفطية، وفق قوله.

عوامل الأزمة

وفي تعليق على مشاهد الطوابير القادمة من مناطق سيطرة نفوذ نظام الأسد، يرى الخبير الاقتصادي ورئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أسامة القاضي، أن "الطوابير وهذه المشاهد المؤلمة في سوريا لم تنقطع منذ أربعة عقود".

وأوضح في حديث لـ "صحيفة الاستقلال" أن تلك الأزمة تفاقمت أكثر بعد 2011 بسبب الضيق الاقتصادي الناجم عن استخدام النظام لكل الموارد المتاحة في سوريا لضخها في الآلة العسكرية الجهنمية لقتل الشعب السوري وتهجيره".

 ويؤكد القاضي أن "هذه الطوابير ازدادت طردياً مع تضييق الخناق على حلفاء النظام من جهة وعلى عزل النظام حتى داخل سوريا عن المناطق الأخرى".

ويذهب رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، إلى أن "عدم انصياع النظام للحل السياسي الدولي وتمسكه بكرسي الحكم على حساب أكثر من 15 مليون سوري موجودون في مناطقه، في ظل وجود 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر هو ما يفاقم الأزمات لديه ومنها المحروقات".

وأضاف أنه من جملة العوامل أيضاً "حرمان مرسوم عام 2020 خزينة نظام الأسد أكثر من مليارين ونصف دولار، والذي قيد بموجبه التحويلات النقدية من خارج البلاد، إضافة إلى حربه الداخلية مع رامي مخلوف ابن خاله، ومنظومته، ما خفض النشاط الاقتصادي لأقل من 10 بالمئة من طاقتها".

ولنظام الأسد شبكة تدير الأسواق السوداء، وتتحكم بأسعار المحروقات وتستغل الأزمات.

ووصفت صحيفة الوطن الموالية للنظام آخر "إبداعات" السوق السوداء بـ "بنزين ديلفري"، موضحة أن الأزمة، أوجدت حالة جديدة، وهي إيصال البنزين إلى المستهلك في مكان وجوده تحت مصطلح "واصل لعندك"، وذلك بأسعار متوسطة. 

وهذا ما أكده الباحث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، بالقول إن أحد أسباب اندلاع أزمات الوقود بين الحين والآخر مع القيام بعمليات احتكار وتهريب هذه المادة والتلاعب بأسعارها، هي "تفشي الشبكات الاقتصادية في مناطق النظام التي أخذت تحتل دوراً كبيراً في تجارة النفط داخل هذه المناطق".

غياب الرؤى

 يرى الخبير الاقتصادي السوري، وأستاذ العلوم المالية في أكاديمية باشاك شهير في إسطنبول، الدكتور فراس شعبو، "أن نظام الأسد لا يمتلك رؤى حكومية ولا حتى خطط لحل الأزمات المتكررة لديه، وخاصة أنه وجد ضالته في العقوبات حتى تكون شماعة لأي مشكلة تحدث في مناطقه من انقطاع الوقود أو الخبز".

وبين في تصريح لـ "الاستقلال" أن النظام يرمي كل شيء على تلك العقوبات حتى يقنع الشعب أن عليهم الصمود والتصدي لكي يواجهوا هذه العقوبات الظالمة عليه كما يدعي".

وبدورها تتكتم طهران التي تصنف على أنها الداعم الأول للنظام بالنفط، عن الحديث عن إرسال أي شحنات نفطية، والمشتقات الأخرى من بنزين ومازوت، إلى نظام الأسد بشكل رسمي.

لكن شعبو يشير إلى أن "الداعمين لنظام الأسد من الروس والإيرانيين الذين يمدونه بين الفترة والأخرى ببعض التوريدات النفطية، ضاقوا ذرعاً بالوضع الاقتصادي المتردي للنظام".

في المقابل، تعرب إيران حليفة نظام الأسد الأولى في سوريا، عن تمسكها بدعمه عسكرياً واقتصادياً، وعدم قبولها خضوعه للعقوبات الأميركية وهذا ما صدر بشكل واضح بوصف عقوبات قانون قيصر الأميركي على نظام الأسد، بأنها "غير "إنسانية" و"إرهابية".

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، في 18 يونيو/حزيران 2020، :"سنواصل تعاوننا الاقتصادي مع الأمة السورية الصامدة وحكومتها، وعلى الرغم من هذه العقوبات سنعزز علاقاتنا الاقتصادية مع سوريا".

كما أن خرق العقوبات الأميركية من قبل الناقلات الإيرانية، يأتي ضمن اتفاقية خط الائتمان النفطي الموقعة بين نظام الأسد وإيران عام 2013.

وهنا يوضح الصحفي السوري، حسن الشريف في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "إيران لها باع طويل بالالتفاف على العقوبات الدولية وتصدير نفطها إلى الخارج، ولكن في الحالة السورية فإن طهران ليست مسؤولة عن مصير الشحنات النفطية التي تنطلق منها لتزويد النظام".

ويعتقد الشريف أن إصرار إيران على خرق العقوبات الدولية، نابع من "التزامها بدعم النظام للنهاية، واستمرار مشروعها طويل الأمد الذي تفكر في تأسيسه هناك، حيث يكرر المسؤولين الإيرانيين أن طهران جاءت لسوريا لتبقى، وهذا ما نراه بشكل واضح من مزاحمتها لروسيا في الحصول على اتفاقيات وامتيازات على الأراضي السورية طويلة الأجل"، وفق قوله.  

وخلص الخبير الاقتصادي شعبو إلى أن "التوريدات النفطية من الناقلات الإيرانية التي تُفرغ كما يشاع حمولتها بناقلات أخرى في عرض البحر وتأتي إلى السواحل السورية تحت مسميات مختلفة، تتم بعلم الدول التي تترك للنظام حد الرمق ولا تسمح له بأكثر من ذلك وبما يدخل ربما في باب الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية".