طورتها وسط صمت دولي.. تعرف على قدرات الترسانة النووية الإسرائيلية

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فتح مقتل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، الباب للحديث مجددا عن القدرات النووية الإسرائيلية، مقابل غياب ما يناظرها في المنطقة العربية.

وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية، مقتل العالم النووي البارز فخري زاده، إثر استهداف مسلح بمدفع رشاش آلي يعمل بالتحكم عن بعد أودى بحياته قرب طهران.

السلطات الإيرانية، وعلى لسان وزير خارجيتها جواد ظريف، وجهت اتهاماتها للكيان الإسرائيلي بالضلوع في الجريمة، كما وجهت طهران رسالة لمجلس الأمن، والمفوضية السامیة لحقوق الإنسان، مطلع ديسمبر/كانون الأول 2020، أكدت فيهما أن "الأدلة أثبتت تورط الكیان الصهیوني في العمل الشنیع".

وتشن إسرائيل حملة قوية ضد امتلاك إيران قدرات نووية، حيث عارضت الاتفاق الدولي مع طهران، بشأن برنامجها النووي، في يوليو/تموز 2015، وفق وكالة "الأناضول" التركية.

السفير المصري السابق في قطر محمد مرسي، ربط بين مقتل فخري زاده، وبين إصرار إسرائيل على التفرد بالسلاح النووي بالمنطقة، حيث قال عبر "فيسبوك": "اغتيال أكبر عالم نووي إيراني بيد الموساد الإسرائيلي كما أعلنت إيران؛ مؤشر بالغ الدلالة يكشف هوية عدونا الحقيقي بالمنطقة التي يحاول البعض تزييفها بهذه الحقبة السوداء".

وأضاف: "لسنا مع البرنامج النووي الإيراني غير السلمي، ولا مع محاولات إيران للسيطرة على الخليج ودول عربية أخرى، بل نقف ضدها؛ ولكننا ضد البرنامج النووي الإسرائيلي أيضا، وضد سعي إسرائيل لذات السيطرة".

سبقت الجميع

سبقت إسرائيل الجميع، وأطلقت برنامجها بإنشاء هيئة الطاقة الذرية عام 1952، برئاسة إرنست ديفيد بيرجمان، أبو النووي الإسرائيلي، فيما مثل التعاون التكنولوجي مع فرنسا، وأميركا، وجنوب إفريقيا، الدور الأكبر لتطوير برنامج إسرائيل.

باريس، ساهمت ببناء قاعدة صناعية لإنتاج "البلوتونيوم" عام 1956، ومفاعل الأبحاث "IRR-2" في ديمونا بصحراء النقب عام 1963، ليصبح المنشأة النووية الرئيسة لإسرائيل، فيما تم إنشاء مركز "سوريك للأبحاث"، المفاعل "IRR-1"، ثاني أهم منشأة نووية إسرائيلية جنوب تل أبيب.

تقديرات "معهد الاستقرار الإستراتيجي" تقول: إن إسرائيل صنعت أول أسلحة نووية عام 1967-1968، بينما يؤكد مركز الأبحاث الأميركي "Global Security" أنها امتلكت قنبلتين نوويتين قبل أيام من شنها حرب 1967 (النكسة).

ورغم أن إسرائيل على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في سبتمبر/أيلول 1996، لكنها لم تصدق بعد على المعاهدة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، أصدرت الأمم المتحدة قرارا يحث إسرائيل للتخلي عن حيازة الأسلحة النووية، والانضمام لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) عام 1968، وإخضاع منشآتها النووية للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

قرارات مماثلة من الأمم المتحدة تم تطبيقها على العراق وإيران، بل إن العراق تعرض للغزو الأميركي والاحتلال بدعوى امتلاك أسلحة نووية؛ لكن إسرائيل لم تخضع للتفتيش من قبل الوكالة الدولية، بل إنها وأميركا عارضتا إقامة مؤتمر أممي في نيويورك حول إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بالشرق الأوسط، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

قدرات مذهلة

تقارير لمؤسسة "كارنيجي" بموسكو، ومعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام "SIPRI"، ولعلماء نووي كشفت عن حجم القوة النووية الإسرائيلية، وأكدت أنها تكفي لإبادة الحياة في الشرق الأوسط، وأنها تشمل ترسانة نووية جوية وبحرية وبرية.

وأشار "كارنيجي" إلى أن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية متطورة جدا ومتنوعة، تشمل رؤوسا نووية، وأنظمة للإطلاق على أهداف من الجو والبر والبحر، يمكنها أن تبيد الشرق الأوسط عدة مرات، بينما لا تملك الدول الأخرى في المنطقة ما تستطيع به أن تحقق الأمان والسلام، أو أن ترد العدوان.

وأكد "SIPRI" أن مخزون اليورانيوم المخصب إلى درجة الاستخدام العسكري لدى إسرائيل بلغ عام 2017، ما يتراوح بين 770 إلى 1030 كجم.

عالم الذرة الروسي فيكتور إيسين، قال في مقال بـ"كارنيجي"، في 25 سبتمبر/أيلول 2020: "تبقى ترسانة إسرائيل النووية الأكثر أهمية في التوازن العسكري بالشرق الأوسط، ومحركا مهما للخلاف بين تل أبيب ودول أخرى بالمنطقة".

وأشار إلى أن "المجتمع الدولي يعتبر إسرائيل دولة نووية، لكن قيادتها العسكرية والسياسية تحافظ على سياسة الغموض، فلا تؤكد ولا تنكر امتلاك إسرائيل أسلحة نووية".

إيسين، لفت إلى اختلاف تقييمات الترسانة النووية الإسرائيلية، موضحا أن خبراء مثل "Shannon Kile" و "Hans M. Kristensen، من معهد (SIPRI) أكدوا أن إسرائيل تمتلك (80 سلاحا نوويا، 50 رأسا صاروخيا و30 قنبلة جاذبية)، فيما تشير"ISS" التابعة لشركة "Rosatom" إلى أن ترسانة إسرائيل من 130 إلى 200 قطعة، كما جزم وزير الخارجية الأميركي الأسبق (2001-2005) كولن باول، بأنها 200 سلاح نووي.

العالم الروسي، أكد أن النهج الأكثر إثباتا لتقييم الترسانة النووية الإسرائيلية هو قائمة مخزونها من البلوتونيوم، ووفق معهد "SIPRI "، كان لدى إسرائيل (770-1.030) كيلوجراما من البلوتونيوم المنفصل عن الأسلحة عام 2017. 

"5 كيلوجرامات من البلوتونيوم تكفي لإنتاج سلاح نووي واحد"، أضاف إيسين: "وبناء على هذا الافتراض، بإمكان إسرائيل إنتاج 154 إلى 206 أسلحة نووية باستخدام كامل مخزونها من البلوتونيوم اعتبارا من عام 2017"، معتقدا أنه "لدى إسرائيل ما بين 115 و 155 سلاحا بترسانتها النووية، بالعام 2018".

الثالوث النووي

وحول التسليح النووي بالجيش الإسرائيلي قال العالم الروسي: إن "تحليل الخبراء يشير لامتلاك الجيش الإسرائيلي ثالوثا نوويا، بداية من طائرات تكتيكية وأنظمة صواريخ متنقلة وغواصات تعمل بالديزل والكهرباء".

وأشار إلى أن المقاتلات الأميركية "F-15" و "F-16" بسلاح الجو الإسرائيلي يمكن استخدامها كناقلات قنابل نووية، وأن هناك نحو (40-50) طائرة، كل منها قادرة على حمل قنبلة ذرية واحدة، موضحا أنه عام 2012 ، ظهرت تقارير تفيد بأن تلك الطائرات أصبحت قادرة على التسلح بصواريخ كروز النووية جو-أرض.

وأضاف أيضا: إن سلاح الجو الإسرائيلي مسلح بصواريخ "أريحا 2" و"3 أريحا الباليستية" ويمكن تزويدهما برؤوس حربية تقليدية أو نووية، واعتبارا من يناير/كانون الثاني 2018، قُدِّر أن سلاح الجو الإسرائيلي لديه 80 منصة إطلاق متحركة و50 رأسا نوويا لهذه الصواريخ.

"إسرائيل تقوم بتنفيذ أعمال تصميم تجريبية لإنشاء الصاروخ Jericho IV"" العابر للقارات بين 10000 و 12000 كيلومتر، تتم أولى رحلاتها التجريبية في 2022-2023،  للردع النووي لأي قوة نووية تشكل تهديدا لإسرائيل"، هكذا يتابع العالم الروسي عرضه للإماكانيات النووية الإسرائيلية. 

وأوضح أن المكون البحري للثالوث النووي الإسرائيلي يتكون من 6 غواصات ألمانية من طراز "دولفين" مسلحة بصواريخ "كروز" قادرة على حمل رؤوس حربية تقليدية ونووية، وكل غواصة مجهزة بـ10 أنابيب لإطلاق صواريخ كروز، فيما تم تخصيص بين 30 إلى40 سلاحا نوويا لتلك الصواريخ بالغواصات الست.

الكيل بمكيالين

من جانبه، أكد معهد "(SIPRI)، في يونيو/حزيران 2019، أن التقديرات تشير إلى أن لدى إسرائيل 80 سلاحا نوويا، منها 30 قنبلة جاذبية لإيصالها بالطائرات، والأسلحة الـ50 المتبقية سيتم تسليمها بواسطة صواريخ أريحا 2 الباليستية، والتي يعتقد أنها ترتكز مع منصات إطلاق متحركة في كهوف في قاعدة عسكرية شرق القدس.

تقرير (SIPRI)، أكد تراجع عدد الروؤس النووية التي تمتلكها الدول التسع المسلحة نوويا (أميركا وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين والهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية) إلى 13 ألفا و400 رأس في 2020 بدلا من 13 ألفا و865 ببداية 2019؛ لكن المملكة المتحدة والصين وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل رفعت عدد رؤوسها الحربية.

وقال المعهد: إن إسرائيل لا تزال ترفض الإعلان أنها تمتلك أسلحة نووية، رغم أن الهيئات الدولية تفترض أن لديها 90 رأسا نوويا.

وفي تصريح نادر، أعلن مدير هيئة "الطاقة الذرية" الإسرائيلية زئيف سنير، في سبتمبر/أيلول 2018، بالمؤتمر العام الـ 62 للوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا، أن "بلاده ستطور وتحصن منشآتها النووية ردا على التهديدات الإيرانية"، وفق وكالة الأناضول.

القدرات النووية لإسرائيل وصمت العرب وتعامي العالم عنها استدعت انتقادات الخبير الاقتصادي المصري والمستشار الأممي، إبراهيم نوار، الذي تحدث عن "الكيل بمكيالين لتبرير احتكار إسرائيل لأسلحة الدمار الشامل".

وانتقد نوار، "تعامي" العالم والمنطقة العربية عن إنتاج إسرائيل "اليورانيوم والبلوتونيوم المخصب بنسبة تزيد عن 90 بالمئة، وهي النسبة الصالحة الاستخدام في إنتاج القنابل والرؤوس النووية".

نوار، كتب بصحيفة "القدس العربي": "إذا كانت هذه القوة النووية لإسرائيل تكفي لتدمير الشرق الأوسط عدة مرات، في مواجهة دول مجاورة لا حول لها ولا قوة، فكيف يكون لإسرائيل أن تشكو من انعدام الأمن، وأن تقود حملة عالمية ضد إيران باعتبارها تهديدا للسلام العالمي والأمن في المنطقة".

وأضاف: إن "الحقيقة الناطقة تقول بأن إسرائيل هي مصدر التهديد الرئيسي للسلام والأمن الإقليمي، وإن دول المنطقة يجب أن تسعى إلى إقامة توازن نووي مع إسرائيل، ببناء قدراتها النووية، حتى لا تستأثر إسرائيل وحدها بالقدرة على فرض هيمنتها العسكرية وإخضاع المنطقة بأكملها لهيمنتها".

وأكد نوار أنه "ولذلك فإن تعديل موازين القوى العسكرية في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بأحد الطريقين؛ الأول: هو إقامة توازن الرعب النووي، وذلك بألا تكون إسرائيل وحدها هي صاحبة الأسلحة النووية في المنطقة.

أما الطريق الثاني: فإنه إخلاء منطقة الشرق الأوسط تماما من الأسلحة النووية، وكافة أسلحة الدمار الشامل، وكافة وسائل إطلاقها واستخدامها"، وفق الخبير الاقتصادي المصري.

والسؤال: هل هذه الإمكانيات والقدرات النووية الإسرائيلية حقيقة، أم أنها مجرد دعاية لتخويف العرب؟

للتخويف فقط

نائب رئيس هيئة الطاقة الذرية المصرية الأسبق، علي عبد النبي، قال: إن "قنابل إسرائيل النووية الإستراتيجية للردع فقط، يعني للتخويف، وحتى لا تُهاجَم من الدول العربية أو الإسلامية"، مؤكدا أن "تلك القنابل التي تستخدم لضرب المدن، لن تستخدمها إسرائيل ضد المدن العربية".

الخبير النووي، أوضح في حديثه لـ"الاستقلال"، إن "إسرائيل يمكنها استخدام القنابل النووية التكتيكية، التي تُستخدم لحسم المعارك الحربية بوقت قصير، وبأقل خسائر لجانبها".

ويعتقد عبد النبي أيضا أن "إيران تريد الحصول على أسلحة نووية لمعادلة الجانب الإسرائيلي من ناحية الردع، حتى لا تقوم إسرائيل بالهجوم على إيران وتدمير قواتها بالقنابل التقليدية؛ ما يعني توازن قوى، وتوازن ردع".

وبين أنه "حتى لو امتلكت إيران قنابل نووية فستكون للردع فقط، سواء لردع إسرائيل أو دول الخليج؛ لكن هناك احتمال باستخدام إيران قنابل نووية تكتيكية لحسم معارك حربية فقط".

وأشار إلى أنه "بعد عام 1945، وتدمير مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان لن تستخدم القنابل النووية الإستراتيجية مرة أخرى؛ مقابل استخدام القنابل النووية التكتيكية بالمعارك الحربية كبديل، وليس لتدمير المدن".

وحول حجم خطورة الوضع النووي لإسرائيل على المنطقة العربية، جزم الخبير النووي بأنه "ليس هناك خطورة، طالما تمتلك دول عربية أسلحة تدمير شامل كيماوية وبيولوجية؛ فهنا يحدث توازن بالردع، وفي جميع الحروب تستخدم الأسلحة التقليدية، ذات القوة التدميرية الهائلة (أم القنابل) و(أبو القنابل)".

وبشأن احتمالات استخدام إسرائيل الترسانة النووية بأي عمل عسكري محتمل، أكد عبد النبي، أن "إسرائيل لن تستخدم ترسانتها النووية الإستراتيجية أبدا، إلا حال تعرضها للدمار الشامل، لكنها ستستخدم القنابل النووية التكتيكية والنيوترونية بالمعارك الحربية فقط".

نائب رئيس هيئة الطاقة الذرية المصرية الأسبق أوضح أنه "إذا استخدمت إسرائيل قنابل نووية إستراتيجية سيصيبها الضرر، لأن المدن المحتلة لا تبعد كثيرا عن المدن العربية". 

ويرى أنه لا توجد خسائر بالمنطقة العربية من تحجيم النووي الإيراني بمقابل الصمت على التغول النووي الإسرائيلي، مبينا أن "المنطقة حاليا بحالة اتزان قوى، واتزان ردع، ولا ولن توجد خسائر، ودليل ذلك سعي إسرائيل للتطبيع مع الخليج وباقي العرب".

ويعتقد الخبير النووي، أن "الوقت لصالح الدول العربية والشعب الفلسطيني، وأن إسرائيل تعلم أنها لن تستطيع الاستمرار مهما بلغت قوتها؛ ولذلك تسارع بصفقات التطبيع بعدما أيقنت أخيرا أن قوة السلاح لن تضمن لها العيش بفلسطين".

وحول إمكانية لحاق العرب بإسرائيل، وهل يقتضي الأمر التعاون مع إيران وباكستان؟، أكد عبد النبي أن "هناك دولا عربية، تمتلك المعرفة والإمكانيات والأموال لصناعة القنابل النووية، التي أصبحت معروفة وسهلة، ولا داعي للتعاون مع باكستان وإيران، ويكفي امتلاك أسلحة بيولوجية وكيماوية؛ فهي أسلحة دمار شامل، كما أن هناك قنابل تقليدية تغني عن النووية".

وختم نائب رئيس هيئة الطاقة الذرية المصرية الأسبق، بالقول: "أعتقد أن إسرائيل بحالة خوف منذ إنشائها، وستستمر هذه الحالة، مهما امتلكت قنابل نووية".