"الجمعة السوداء".. كيف خدعك تجار بحيل تسويقية لشراء ما لا تحتاج؟

12

طباعة

مشاركة

صادف 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري "الجمعة السوداء"، وهو مسمى تجاري يطلق على يوم الجمعة الأخير من نوفمبر/تشرين الثاني كل عام. انطلق من أميركا وأوروبا ثم انتشر في كل العالم.

تقدم العلامات التجارية في ذلك اليوم خصومات تقول إنها غير مسبوقة مقارنة بطيلة أيام السنة، وتجري فيه حركة شرائية ضخمة، تصل إلى درجة مبيت الزبائن عند أبواب المحلات والمراكز التجارية.  

"الجمعة السوداء"، ليس الوحيد الذي تخصص له العلامات التجارية تخفيضات خاصة ويعرف حركة شرائية كبيرة، حيث ينتظر المهووسون بالتسوق مواسم كثيرة طيلة السنة، منها رأس السنة وعيد الأم وعيد المرأة، ومناسبات جعلت منها الشركات فرصة للترويج لسلعها.

وبفضل الشراء عبر الإنترنت، أصبح إقناع المستهلك سهلا، وتتفنن العلامات التجارية في ابتداع خدع تسويقية لبلوغ هدفها، وهي تعتبر ناجحة إذ تجعل شهية المستهلك مفتوحة على الشراء حتى وإن لم يكن بحاجة إلى ما يضيفه إلى سلة المشتريات. 

خدع تسويقية

تميل أدمغتنا إلى إثارة المشاعر ودفعنا إلى التصرف بناء على تحريض نفسي. يبدأ إتقان كيفية البيع عبر الإنترنت بفهم كيفية معالجة العميل للمعلومات أثناء عملية الشراء. تتمكن الشركات بسهولة التأثير على المستهلك للشراء من خلال هذا المبدأ النفسي المثبت، والمعروف باسم علم نفس التجارة الإلكترونية، وهو مصطلح لتوضيح القدرة على إقناع العملاء بالشراء.

يتحفز الناس للشراء عندما يعتقدون أنهم قد يفوتون أفضل صفقة، كما تستفيد العلامات التجارية عبر الإنترنت من هذا المبدأ بتحديد فترة ترويج معينة كأحد تكتيكاتهم لإثارة الشعور بالحاجة الملحة للعملاء للشراء.

بدلا من الإشارة إلى فترة صلاحية العرض الترويجي، تبرز المتاجر الإطار الزمني حتى نهاية العرض، مثلا : "سينتهي العرض بعد يومين" بـ "مبيعات محدودة لمدة 48 ساعة" - من الواضح أن الأخير يخلق ضرورة ملحة للشراء الفوري على الرغم من أن كلا العرضين متماثلان.

ينجذب الناس أيضا دون وعي إلى الأشياء أو الأشخاص الذين يعتبرونهم موثوقين، ويمكن أن يكون ذلك في شكل مراجعات أو مصادقات من الخبراء.

Gryphon Tea Company، هي شركة مستوردة للشاي، تسعى جاهدة لصنع أنواعه الذواقة عالية الجودة، وقد حصلت على جائزة Great Taste، المعروفة باسم "Oscars" للطعام والشراب، منذ عام 2008. تمتلك العلامة التجارية ما يقرب من 100 عام "قيمة الخبرة في صناعة الشاي"، مما يعزز مكانتها في قلوب المستهلكين.

الإجماع، هو أحد أهم المبادئ التي ذكرها الخبير في حقلي التأثير والإقناع الدكتور روبرت سيالديني في كتابه "التأثير: علم نفس الإقناع"، واعتبره دليلا اجتماعيا، إذ يتأثر الناس بما يفعله الآخرون، ويعتبرونه "سلوكا صحيحا".

وهي خدعة قوية للغاية وفعالة في إقناع الناس بالشراء. تعتمد الإستراتيجية على قوة تفكير القطيع، وغالبا ما تكون التقييمات والمراجعات عبر الإنترنت هي أفضل طريقة لبناء الثقة والمصداقية بين العملاء، وخاصة للزائرين لأول مرة.

ويعتبر خبراء التسويق أنه ليس من الضروري تنفيذ كل أساليب الإقناع هذه في حين أنه من الجيد معرفة كيف يفكر العملاء ويتصرفون عند الشراء عبر الإنترنت حتى يتمكنوا من إنشاء التجربة المناسبة لهم، وبالتالي زيادة المبيعات.

"لعبة الإيهام"

وصف المتخصص في التسويق والتواصل، أحمد الغربي، عمل مندوب المبيعات بـ"لعبة الخفة والسحر" أو الإيهام (illusion)، اختفت عروض مندوب المبيعات التي كان يؤديها عند باب منزلك، بعد ظهور الإنترنت، وأصبح الناس مجبرين بطريقة أو بأخرى على مشاهدة العرض للآخر. 

يقول الغربي في مقال له: "تبيعك هذه العروض أشياء قد لا تكون في حاجة إليها، إذ تغطي على عدم حاجتك إلى تلك المنتجات بعروض استثنائية وتوفير في المال عبر شرائك لعدة منتجات بالإضافة إلى هدية مجانية فوق كل ذلك".

تكون النتيجة أنك قد اشتريت أشياء لم تكن في حاجة إليها وقد دفعت مالا من جيبك دون أن تكون راغبا في ذلك، لعبة تسويق بسيطة لكن تفتح الباب لرصد استخدام لعبة الإيهام في سياسات التسويق والإعلان على مستويات أكبر المنتجات في بعض الأحيان أخطر.

أبرز الخبير أن التسويق يعتمد على دراسة الجوانب النفسية للمستهلكين، رغبة في الوصول إلى فهم سلوكياتهم وطريقة اتخاذهم لقرارات الاستهلاك.

ولأن البحث في هذا المجال يفضي إلى اتخاذ المستهلكين لقرارات عقلانية وأخرى غير مبررة، فصناع السياسات التسويقية والإعلانية يعتمدون على الجانب غير المبرر لتمرير منتجاتهم نحو قلوب المستهلكين، ومن هنا نفهم دور لعبة الإيهام في التأثير على قراراتنا اليومية أثناء شراء منتجات قد نكون في غنى عنها.

وأصبحت السياسات التواصلية التقليدية غير ذات جدوى، بحسب الخبير، لتظهر اللمسة السحرية لخبراء التسويق، الذين علموا أن جودة المنتجات وحدها لم تعد قادرة على إقناع المستهلك في ظل المنافسة الشرسة. هنا طفت على السطح لعبة الإيهام والتي أضحت سلاحا فعالا في معركة الإعلانات بين العلامات التجارية.

وخلص المقال إلى أن "لعبة الإيهام" أصبحت إحدى التقنيات الأكثر استخداما من طرف صناع السياسات الإعلانية، بعد أن استنفدت المقاربة التقليدية فعاليتها، في ظل وفرة في العرض ومنافسة شرسة بين العلامات التجارية، ليصبح المعلنون أشبه بالسحرة خلال عرض الألعاب السحرية ونكون نحن المستهلكون متابعين إما أن تنطلي علينا الخدعة المبهرة وإما أن نستهلك بعقلانية.

"الأنماط المظلمة"

الأرقام هي مفتاح لنمط مظلم يعتبر الأكثر شعبية، وهو التخفيض المؤقت للأسعار الذي يُعرف باسم "الفلاش سيل"، تلجأ له العلامات التجارية بإعلان انخفاض مفاجئ ومؤقت في الأسعار.

كما أن "الإلحاح" يخلق حالة من القلق وعدم اليقين، ويدفعنا إلى السعي للاستفادة من انخفاض الأسعار على الفور، ولكن مرة أخرى، وجد الباحثون حالات استمرت فيها المبيعات حتى بعد انتهاء التخفيضات المؤقتة. 

وأيضا التلاعب في الأرقام باعتباره المفتاح الأساسي في عملية البيع والشراء، لا يطال فقط مدة التخفيض، بل أيضا سعر المنتج، تقدم لك العلامات التجارية المنتج بسعره الأصلي وتكتب إلى جانبه سعرا مضاعفا ثم تحذفه، في محاولة لإيهام المستهلك، أن السعر الأصلي هو المحذوف، وأنك ستحصل على القطعة بسعر هائل. 

حدد فريق من الباحثين في جامعة "برينستون" بولاية نيو جيرسي الأميركية، التقنيات الخادعة التي تقوم بها الشركات باستخدام البيانات الخاصة للمستهلكين.

تحتاج السيطرة على عقل المستهلك لإيهامه بالشراء إلى معرفة نفسيته وطريقة تفكيره جيدا، وهذا ما توفره للشركات مواقع التواصل الاجتماعي، التي بعد ثبوت تجسسها على المستخدمين، أقرت بأن الدافع تجاري.

في 2010 صمم الباحث هاري بريغنول، المنتمي إلى الفريق البحثي، مصطلح "الأنماط المظلمة" معتبرا أن الخيارات الافتراضية تؤثر على السلوك. وأكد الباحث أنه كلما زادت شعبية الموقع، زاد احتمال احتوائه على نمط مظلم.

تعتبر وفرة العرض إحدى الأنماط المظلمة، ويرى المتخصصون في التسويق، أنه إذا عُرض عليك خيار واحد، فسيكون الاختيار واضحا بين: اشتر أو لا تشتري. لكن عندما يُعرض عليك خياران، يركز عقلك على الاختيار بين الاثنين، وتصبح فكرة عدم شراء أي شيء على الإطلاق غير مطروحة.

ومع ذلك، إذا عرضت عليك خيارات كثيرة فإن التردد وعدم القدرة على اتخاذ القرار الصائب لا تكون في صالح الشركات. مع وجود العديد من الخيارات، لا يمكنك أن تقرر. المفتاح بالنسبة للشركات، هو إيجاد التوازن الصحيح للخيارات.

يعتمد التسويق أيضا بشكل كبير على "التشابه" لأنك ببساطة تميل إلى قول "نعم" للأشخاص الذين تحبهم. يعود ذلك إلى عاملين:

  • الانجذاب الجسدي: أظهرت الدراسات مرارا وتكرارا أن الأشخاص الجذابين بدنيا أكثر إقناعا.
  • التشابه: من المرجح أن يتم إقناعك من قبل شخص تعتبره مشابها لك.

الشراء القهري

قد يتجاوز مدمن التسوق الحد الأقصى من بطاقات الائتمان، ويفتح بطاقات جديدة من أجل الاستمرار في الشراء، توفر هذه الخيارات وأنت جالس على أريكة منزلك أو كرسي المواصلات العامة يجعل الأمر أكثر سهولة.

لا يخلو التسوق الإلكتروني من بعض الجوانب المزعجة رغم كل الإيجابيات التي يتميز بها، خاصة أننا نواجه عمليات شراء أكثر تعقيدا من غيرها، لأننا لا نملك الكثير من الوقت في مقارنة وتحليل جميع العروض في السوق.

من جهة أخرى، يمكن أن تشجع سهولة القيام بعملية التبضع من الإنترنت في أي زمان ومكان حول العالم على شراء المنتجات أو الخدمات التي لا نحتاج إليها حقا.

ويواجه المستهلك خطر الاعتماد المفرط على مشورة وخدمات بعض المنصات دون مقارنة العروض خارج هذه المنصات، كما هو الحال مع الشركات الكبيرة الأخرى في الاقتصاد الرقمي التي يشتبه بها أنها تعزز دائما من عملية الاحتكار.

ينصح الخبراء المستهلك بأن يقارن بين العروض، مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة الأمن، فالاحتيال عبر الإنترنت أصبح يتجاوز سرقة البيانات من بطاقة المستهلك. مع الإشارة إلى ضرورة توفر الحس السليم والالتزام بالاستهلاك المسؤول حتى لا يصبح الشراء مجرد تسلية رقمية.

وهنا الإشارة إلى المصابين بهوس التسوق، وهو إدمان سلوكي يتضمن الشراء القهري كوسيلة للشعور بالرضا وتجنب المشاعر السلبية، مثل القلق والاكتئاب. 

أوروبيا، منيت مبيعات التجزئة في منطقة اليورو بأكبر هبوط على الإطلاق في مارس/آذار الماضي مع تقليص المتسوقين الإنفاق على كل شيء باستثناء الطعام والطلبيات عبر الإنترنت.

ونزلت المبيعات في 19 دولة تتعامل باليورو بنسبة 11.2% في مارس/آذار الماضي على أساس شهري، و9.2% على أساس سنوي، والانخفاض الشهري هو الأكبر وفق  بيانات مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات) التي تعود إلى العام 1999.

أشارت  وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية إلى أن المبيعات عبر الإنترنت شكلت النقطة المضيئة في 2020، إذ سجلت في بريطانيا مثلا ارتفاعا قياسيا، وذلك في ظل تدابير الإغلاق بسبب فيروس كورونا، التي أجبرت المواطنين على التسوق عبر الإنترنت.