الوظائف العامة.. كيف تستخدمها قوى عراقية في الكسب الانتخابي؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ بداية عام 2020 وتفشي فيروس كورنا وما خلفه من هبوط في أسعار النفط إلى أرقام قياسية، يعاني العراق أزمة مالية كبيرة في سداد رواتب ملايين الموظفين والمتقاعدين، ما دفع الحكومة إلى الاقتراض من البنك المركزي مرتين من أجل دفع أجور القطاع العام.

العراق الذي يصل تعداد سكانه إلى نحو 40 مليون نسمة، شهد بعد الاحتلال الأميركي وإسقاط نظام صدام حسين، قفزات كبيرة في أعداد العاملين بالقطاع العام، حيث بلغ عدد موظفي الدولة أكثر من 4 ملايين موظف بعدما كان عددهم أقل من مليون قبل عام 2003.

عوامل الأزمة

تفاقم نسبة العاملين في القطاع العام يعود إلى العديد من العوامل، فبحسب خبيرة الاقتصاد العراقية الدكتورة سلام سميسم، فإن "الوظيفة في العراق بات ينظر إليها على أنها مكرمة، وتفوق قضية كونها حق من حقوق الإنسان في الحصول على العمل في القطاع العام".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، عزت ذلك إلى الخلل في قوانين البلد، التي جعلت كل الامتيازات للوظيفة الحكومية، وأولها التقاعد والضمان، بينما هذه غير متوفرة في القطاع الخاص، لأنه لا يوجد رقابة على مؤسسات الضمان، رغم أنها تستقطع من رواتب جميع العاملين بالقطاع، لكن لا أحد من هؤلاء يستلم مخصصات.

وتابعت خبيرة الاقتصاد قائلة: "لذلك أي فرد يبحث عن ضمان له سيعمل في القطاع العام لأن لديه تقاعد ومصروفات تعطى له تكفيه طوال عمره".

ويحصل هؤلاء الموظفون في ظل الأزمة المالية التي يعاني منها العراق، على 6 تريليونات دينار (5 مليارات دولار) شهريا، ومجموع مدخلات البلد يعادل تريليونا واحدا، فعندنا نقص 5 تريليونات فقط لتسديد الرواتب، حسب وزير المالية العراقي علي علاوي.

وأفاد علاوي خلال تصريحات صحفية في 23 يونيو/ حزيران 2020، بأنه ومع حصول واحد من كل 5 عراقيين على معونات حكومية، تصبح الفاتورة أثقل على الدولة التي تعتمد في دفع كل نفقاتها على النفط الذي انهارت أسعاره قبل أشهر مع نقص شديد في الطلب عليه.

وأضاف أنه في مواجهة النفقات التي تزايدت على مر السنوات، وجدت الحكومة الخزينة فارغة بعد 17 عاما من الاحتلال الأميركي الذي أرسى نظاما سياسيا جديدا نخره الفساد والمحسوبيات، ووضع العراق في مراتب متقدمة بقائمة الدول الأكثر فسادا في العالم.

وفي 11 يونيو/ حزيران 2020 قال رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي: إن "البلاد أمام تحد حقيقي، والوضع يتطلب اتخاذ إجراءات حقيقية بعيدا عن المجاملة، وماضي العراق أفضل من حاضره لأن الدولة متعبة بالترهل الوظيفي بوجود 4 ملايين موظف في بلد عدد سكانه 40 مليون نسمة، وعدد موظفي وزارة واحدة أكبر من عدد سكان دولة صغيرة، لأنه في كل انتخابات هنالك حملة للتعيين".

وبسبب القيمة المادية الكبيرة للوظيفة الحكومية، فقد جرى استخدامها سياسيا على نطاق واسع في العراق، إذ عمدت الأحزاب إلى تعيين أنصارها في مؤسسات الدولة خلال الأعوام الماضية.

وحصل الانفجار الكبير في عدد الموظفين الحكوميين، بين 2008 و2010، المعروفة بـ"سنوات الوفرة المالية"، عندما ارتفعت أسعار النفط كثيرا، خلال الولاية الأولى لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

وعينت حكومة المالكي الأولى مئات الآلاف في مختلف مؤسسات الدولة، لتسجل كسبا شعبيا غير مسبوق، وسرعان ما حصد المالكي نتيجته في الانتخابات العامة عام 2010.

وعُرف عن الأخير منذ ذلك الحين، اعتماده السياسي الكبير على شعبيته بين الموظفين الذين عينتهم حكومته الأولى بشكل واسع، والثانية بدرجة أقل.

ولم تستند هذه التعيينات إلى سياسة واضحة تأخذ في الاعتبار حاجة المؤسسات الحكومية إلى تخصصات معينة، بل سادت الفوضى، واعتُمدت الوساطات والمحسوبيات السياسية في التوظيف الحكومي.

مكاسب انتخابية

وبخصوص استخدام التعيينات في القطاع العام للكسب الانتخابي، قالت سلام سميسم: إنه "بسبب الديمقراطية المشوهة في العراق باتت الوظيفية قضية سياسية بمعنى أن كل حصة للأحزاب أو الجهات السياسية توعد الناخبين بالتصويت لصالح مرشحها لقاء توظيفهم في القطاع العام".

وأكدت الخبيرة الاقتصادية أن "التعيينات أصبحت تدار بطريقة الكسب السياسي، وكل ذلك تسبب في ضخ كوادر بشرية في أماكن غير محتاجة، أدت إلى انخفاض الإنتاجية، بمعنى أن ما يمكن أن ينتجه فرد أصبح مقسما على 20 فردا".

ونوهت سلام سميسم إلى أن "هذا العدد مهول يؤدي إلى بطالة مقنعة وإلى عبء على الدولة وتفاقم مشاكل اجتماعية تتعلق بمفهوم عملية الإنتاج داخل العراق، وهذا بالفعل ما حصل".

وأشارت إلى أن "عدد موظفي الدولة قبل عام 2003 يقترب من المليون، لكن اليوم يصل إلى نحو 6 ملايين، إضافة إلى أن الكثير مُنح لهم حق التوظيف في القطاع العام وهم أصلا غير موجودين في العراق، بفعل القرابات العائلية والسياسية، وهذا يشكل ثقلا على أي موازنة مالية بالبلد سواء الآن أو لاحقا".

وعن عددهم، قالت الخبيرة: "إذا كنا متفائلين فإن ربع هؤلاء الموظفين الموجودين حاليا يكفي لإتمام العمل في مؤسسات الدولة العراقية، إضافة إلى أننا نعاني أزمة نوعية أيضا، فإن أغلب هؤلاء الموظفين لا يجيدون العمل على الحاسوب ولا التحدث باللغة الإنجليزية، وبالتالي هم حشو بشري لا أكثر".

ونقلت صحيفة "المدى" العراقية في 2 سبتمبر/ أيلول 2020 عن خبير في دائرة الموازنة بوزارة المالية قوله: إن العديد من الأطراف تضغط بشكل دائم على الوزارة من أجل استحداث درجات وظيفية جديدة، أو أنها تدفع بالتصعيد تجاهنا، وهي أطراف تنتظر بفارغ الصبر ارتفاع أسعار النفط إلى معدلات تتجاوز الخمسين دولارا للبرميل، للبدء من جديد في دفع الحكومة باتجاه إطلاق تعيينات جديدة ضمن موازنة 2021.

وأضاف الخبير الذي لم يكشف عن اسمه، أن التعامل السياسي مع ملفات اقتصادية حساسة ليس بجديد، فحتى تستطيع هذه الأحزاب كسب المزيد من الأصوات الانتخابية، سيكون عليها رسم الميزانية العامة للدولة بأهداف سياسية آنية لا تخدم، وعلى حساب أي ملف استثماري في أية مسودة مقترحة.

وكانت اللجنة المالية البرلمانية، ذكرت في أغسطس/آب 2020 أن أرقامها تتضمن وجود قرابة 230 ألف درجة وظيفية تنتظر التخصيص خلال مشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2021، حيث أطاحت أسعار النفط بخطط وضعتها ضمن الموازنة المقترحة.

معظلة "الفضائيين"

رغم حديث أغلب رؤساء الحكومات العراقية عن وجود أعداد كبيرة من الموظفين الوهميين الذين يطلق عليهم محليا تسمية "فضائيين" وتقبض قوى سياسية رواتبهم، فإن السلطات لم تتخذ إجراءات حقيقية لمعالجة هذه المشكلة التي تعتبر إحدى أبواب الفساد في العراق.

ووفقا لوزير المالية العراقي علي علاوي،  فإن السلطات ستعالج الثغرات في جدول الإنفاق، وخصوصا في ما يتعلق بتعدد الرواتب أو "الفضائيين" كما تتم تسميتهم، وهم المسجلون في قوائم الرواتب من دون مزاولة العمل.

وأفاد علاوي، في تصريحات لصحيفة "فايننشال تايمز" في 20 يوليو/ تموز 2020 بوجود نحو 300 ألف موظف "فضائي" في العراق، محذرا من أن المشاكل الاقتصادية قد تثير حالة من انعدام الأمن في البلاد.

ونقلت الصحيفة عن علاوي قوله: إن الإصلاح الراديكالي هو السبيل الوحيد لتجنب "كارثة" بالنسبة للدولة التي تعتمد على النفط، مشيرا إلى أن كل ما يمكن فعله هو الإشارة إلى "الكارثة" التي أمام البلاد، إذا استمر السير على هذا الطريق.

 وزير المالية العراقي، حذر من "عواقب أمنية وخيمة" في حال لم تجر إعادة هيكلة اقتصاد البلاد جذريا، في الوقت الذي تعصف فيه أزمة فيروس كورونا، وانعكاس ذلك على النشاطات التجارية وأضرار انهيار أسعار النفط على إيرادات الدولة، مشيرا إلى تضخم الإنفاق وفاتورة أجور شهرية بقيمة 5 مليارات دولار عن الرواتب العامة الهائلة.

وبشأن الموظفين "الفضائيين" أي الذين لا وجود لهم في دوائر الدولة، بينما يتسلم أشخاص متنفذون الرواتب هذه، أوضح علاوي أن القضايا التي تم دفنها بسبب عائدات النفط الكبيرة والمتناميةالتي تتبلور الآن، وهذا يشمل مدفوعات لما يقدر أنه 300 ألف "شبح" أو موظف "خيالي".

وفي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، كشف رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، عن وجود 50 ألف اسم وهمي في أربع فرق عسكرية بحسب بيان رسمي.

وتعرضت المؤسسة العسكرية التي كان يديرها بصورة كاملة سلفه نوري المالكي، لانهيار كبير بعد هجوم تنظيم الدولة في التاسع من حزيران/يونيو 2014 على مدينة الموصل.

العبادي، قال أمام البرلمان في وقتها: إن هناك 50 ألف جندي وهمي في أربع فرق عسكرية بجيش بلاده في خطوة جديدة في إطار مكافحة الفساد التي يجريها في المؤسسة العسكرية منذ توليه المنصب، مشيرا إلى أنه "خلال فترة زمنية قياسية، خلال شهر واحد استطعت أن أكتشف من خلال التدقيق الورقي، 50 ألف فضائي، في أربع فرق عسكرية".

وأضاف: "أشعر بالأسى لما حدث، الجنود يقاتلون ويقتلون وغيرهم يستلم الرواتب. تمكنا من خلال تدقيق بسيط اكتشاف ذلك، وإذا أجرينا تفتيشا على الأرض فسنرى العجائب والغرائب". واعتبر أن أخطر فساد ما هو موجود في المؤسسة الأمنية".

وفي حينها، أوضح المتحدث باسم الحكومة أن "العبادي أمر بتطبيق إجراءات صارمة لاكتشاف الجنود الفضائيين واكتشاف أوجه الخلل في المؤسسة العسكرية خصوصا من خلال عملية توزيع الرواتب".