عبد الله العودة: "شخصيات كرتونية" تقود المملكة وأي معارضة ترعبها (حوار)

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مازالت تداعيات اعتقال الداعية السعودية الدكتور سلمان العودة (61 عاماً)، منذ سبتمبر/أيلول 2017 مستمرة حتى الآن، فقد أكد نجله عبد الله العودة، الذي يقيم في الولايات المتحدة، أن والده مر بظروف قاسية ودخل المستشفى ولا يزال في العزل الانفرادي، فيما لا يزال أفراد من عائلته ممنوعين من السفر منذ الاعتقال.

كما عقدت 4 جلسات لمحاكمة العودة حتى الآن، آخرهم كانت في بداية مارس/آذار 2019، إلا أن الجلسة كانت سرية ولم يحضرها "العودة" وأكد خلالها النائب العام سعود المعجب، طلبه الذي طرحه في جلسات سابقة بإعدام "العودة" بالقتل تعزيراً بتهم فضفاضة مثل "التقصير في الدعاء لولي الأمر" وتغريداته على تويتر، بحسب ما أعلن نجل العودة الباحث في جامعة جورجتاون الأمريكية عبر حسابه بتويتر.

وفي أعقاب محاكمة العودة وترقب انعقاد الجلسة الخامسة لمحاكمته في مايو/آيار المقبل، استجدت أحداث متعلقة بالقضايا الحقوقية في السعودية، من بينها اعتقال السلطات للدكتور أنس المزروع - المحاضر بكلية القانون بجامعة الملك سعود، لدفاعه عن معتقلي الرأي، في حين أصدرت السلطات أوامر بالإفراج المؤقت عن 3 معتقلات، بعد انتقاد دولي حاد تعرضت له المملكة على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقجي وتعذيب المعتقلات.

"الاستقلال" أجرت حوارا مع عبد الله العودة للوقوف على مستجدات قضية والده، وحقيقة ما تعرض له من انتهاكات، بالإضافة إلى رؤيته لقضية الناشطات المعتقلات، وقضايا أخرى.

  • بداية ما الأسباب الحقيقة وراء اعتقال والدك الدكتور سلمان العودة؟

هناك سبب مباشر هو تغريدته في تويتر 9 سبتمبر/أيلول 2017، التي قال فيها: "اللهم ألّف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم" (عقب الأزمة الخليجية مع قطر)؛ لذلك كانت جملة التحقيقات معه تدور حول تغريداته في تويتر عموماً، وتغريدته هذه خصوصاً، فكان المحققون يقولون له نفس ما تقوله الحسابات الوهمية من الذباب الإلكتروني والوطنجية حينما كانوا يهاجمون الوالد بسبب ما سموه "الحياد في الأزمة الخليجية"، فكان المحققون يعترفون بحياده وعدم انحيازه، ويعتبرون هذا الحياد جريمة يعاقب عليها بالإعدام!.

وهناك سبب بعيد المدى في شخصية الوالد كونه محل توافق شعبي بين مختلف الأطياف ويحظى بشعبية لا يملكها المستبد نفسه، وبالتالي فالوالد شخصية عليها شبه إجماع شعبي وتقدم خطاباً مقبولاً لكل الأطراف داخلياً وخارجياً: خطاب يرفض التطرف والإرهاب كما يرفض الاستبداد والظلم. 

  • إلى أين وصلت محاكمته؟ وما التهم المسندة إليه؟

تعقد جلسته الخامسة مطلع مايو/آيار القادم، ولم يبد أن هناك أي تغيير من قبل النيابة العامة، فهي تطالب بالقتل تعزيراً بناء على 37 تهمة كلها عبارات فضفاضة تتعلق بـ"تأليب الرأي العام" و"حيازة كتب محظورة" و"التقصير في الدعاء لولي الأمر" و"الانتماء لمجالس إفتاء عالمية" معروفة ومصرّحة و"السخرية من منجزات حكومية" وأشياء مثل هذا.. وكل ما قدموه كأدلة هو عبارة عن تغريدات قرأها الملايين وشاهدها الجميع.

  • إحدى التهم الموجهة ضد العودة هي التحريض على الفتنة.

إذا كان التحريض هو الدعوة لفكرة ما، فكل الدعاة والعظماء والصالحين والمؤثرين عبر التاريخ محرضون للأفكار الطيبة والدعوة للحق والعدالة. المحرضون على الفتنة هم دعاة الاستبداد وسدنته الذين احتضنوا جرائم بشعة في الأرض ورعوا قتل صحفي شريف مثل (جمال خاشقجي) رحمه الله، وتحرشوا بالفتيات المعتقلات وصعقوهن بالكهرباء، واضطهدوا الناس حتى في بيوتهم، وصنعوا المكوس (الضرائب والإتاوات) من غير حق، وهزوا استقرار المجتمع والدولة باستفزاز الناس في أعراضهم وشؤونهم وأموالهم وحرياتهم.

  • هل تعرضت أنت شخصيا لضغوط إثر اعتقال والدك؟

واجهتُ ضغوطات بدأت بقطع البعثة أيام دراسة الدكتوراه قبل عدة سنوات، وشملت المراقبة حتى في الابتعاث بأمريكا والتتبع وكتابة التقارير الأمنية؛ بسبب مشاركاتي في وسائل التواصل الاجتماعي وفي المناشط الثقافية بأمريكا، ثم أوقفوا جواز سفري ورفضوا تجديده في السفارة السعودية بواشنطن، وطلبوا مني العودة للسعودية في عام 2017، وأخبروني أن عليّ "إيقاف خدمات" وسألني موظف السفارة مرّة إن كان عليّ "أمر قبض (اعتقال)"، فقلت له وكيف لي أن أعرف، يفترض أن أسألك عن هذا!.

  • وباقي العائلة؟

تم منع العائلة كلها من السفر، 17 شخصاً من العائلة ممنوعون من السفر.

  • خالد العودة شقيق والدك أين هو الآن؟

عمي الدكتور خالد، اعتقلوه بعد تغريدته التي أكد فيها خبر اعتقال الوالد، وكان اعتقاله بعد تغريدته تلك بعدة ساعات، ولا يزال قيد الاعتقال وحولوه للمحاكمة بتهمة التعاطف مع والدي، وغالب فترة اعتقاله في زنزانة انفرادية، ولفترات طويلة منعوا عنه علاج السكّر الضروري، وأدوية أخرى ضرورية، لدرجة أنه أغمي عليه أثناء المحاكمة ونقلوه للعناية المركزة لعدة أيام، ومع ذلك لا يزال في وضع حرج صحياً.

  • الضغوط الغربية هل لها تأثير في الملف الحقوقي بشكل عام وقضية العودة بشكل خاص؟

أعتقد أن هذه الضغوطات في بداية المشوار، ومع كل كارثة يرتكبها المستبد تنضم شريحة مهمة وجديدة وتلتف حول المطالب الشعبية المشروعة للشعب، وتكون هناك منصات شعبية مشتركة تعبر عن المطالب الحقيقية للناس. فحتى لو تم حل ملف الاعتقال التعسفي يجب معالجة جذوره الاستبدادية بمنع أسبابه، بتأسيس مؤسسات مدنية شعبية ترعى الصالح العام وتمارس الضغط بشكل حقيقي ومنهجي.

المرأة السعودية

  • لكن البعض يقول إن العودة يفسد تفكير النساء.

الوالد قدّم خطاباً مستنيراً نحو المرأة يتفق بشكل كبير مع الخطاب الحكومي الذي يزعم احترام المرأة، الإدارة الحالية التي تزعم النهوض بالمرأة تقدّم أول سفيرة لأمريكا؛ بينما في نفس الوقت تتحرش بالناشطات في السجن، والإدارة الحالية تسمح بقيادة المرأة للسيارة بينما تسجن ثم تصعق كهربائياً نفس الناشطات اللاتي كنّ الداعيات الأساسيات لهذا الحق.

  • هذا يعني أن ما أثارته منظمات حقوقية عن تعرض المعتقلات لتعذيب وتحرش، صحيح.

مستوى الانتهاكات التي مرّت بها الناشطات في الاعتقال يفوق الوصف، من تحرش جنسي وتهديد بالاغتصاب، وتهديد بالقتل والتقطيع وصعق بالكهرباء، وأذى نفسي وجسدي وأشياء مخيفة جداً.

  • كيف تقيّم وضع المرأة السعودية داخل المملكة حاليا؟

وضع بائس جداً، فأول حقوق المرأة هو السماح لها بخوض الجدل الثقافي والمعرفي والسياسي والمدني، ومشاركتها السياسية في القرار، وأن تكون شريكة أساسية في التنظيمات والتشريعات المعتقلة بها، والسماح لها ببناء مؤسسات المجتمع الأهلي والمدني،

ولكي نفهم حجم البؤس، فلك أن تعرف مثلاً أن الناشطات الاجتماعيات اللاتي اعتُقِلن في مايو/آيار 2018 كنّ على وشك تأسيس جمعية أهلية لمكافحة العنف الأسري والعنف ضد المرأة.

  • إفراج السلطات السعودية مؤخرا عن ناشطات معتقلات قد يكون بادرة حل ورغبة في التغيير، ما رأيك؟

أراها خطوة متأخرة وجزئية، ملف معتقلي الرأي والضمير في السعودية يجب حله بشكل كامل، ومحاسبة كل من تورط في التعذيب والتحرش والصعق الكهربائي والذين شاركوا في قتل خاشقجي والذي ساهموا في حالة القمع والاضطهاد وتلفيق التهم للنشطاء والمثقفين والعلماء وسائر المؤثرين في المجال العام، حالياً لا يبدو أن هناك رغبة حقيقية بالتغيير، نفس الأسماء ونفس الممارسات ونفس المؤسسات المهترئة موجودة وتدير كل الملفات المشبوهة.

  • هل تظن وجود ضغوط دولية دفعت "بن سلمان" لمحاولة التهدئة؟

طبعاً لم يكن ليوقف شلال القمع والاضطهاد إلا الضغط الداخلي والخارجي، والإفراج المؤقت عن الناشطات جاء في إطار سعي المستبد لإنقاذ ماء وجهه لتخفيف الضغط الخارجي.

  • البعض يراه إفراجا مؤقتا ومراوغة من السلطات.

فكرة "الإفراج المؤقت" هي الإبقاء على شعرة الابتزاز لكي تبقى الناشطات بشعور يربطهن باحتمال الحكم عليهن وإعادتهن للمعتقل في أي لحظة، فهو حل للمستبد يضمن له الإبقاء على خيط ابتزاز لهؤلاء الناشطات وامتلاك يد عليهن وتلويح بالحكم وإعادتهن للسجن في أي لحظة، لذلك لا شك بأنه ترك الباب لإعادة القمع في أي لحظة فهو لا يمكن أن يكون حلا حقيقياً على الإطلاق.

  • برأيك كيف يمكن رد الاعتبار للمعتقلات؟

من وجهة نظري لابد من 5 خطوات لتحقيق ذلك يمكن أن ألخصها في:

  • أولا: محاسبة كل الذين شاركوا بالقمع والتعذيب والصعق الكهربائي والتحرش الجنسي والتهديد بالقتل والتقطيع.. إلخ.
  • ثانيا: محاسبة كل الذين اتهموهن في الإعلام، وشاركوا في عملية التشهير بغير سند قانوني واضح ولا إجراءات عدلية متّبعة.
  • ثالثا: التعويض النفسي والمالي والاجتماعي عن فترة الاضطهاد والقمع والسجن والملاحقة. 
  • رابعا: حملة اعتذار إعلامية عن حملات التشويه السابقة وعن الاتهامات الظالمة والتشهير الظالم.
  • خامسا وأخيرا: تحقيق المطالب الحقوقية المستحقة التي يطالب بها الجميع في تأسيس مؤسسات تراقب وترصد، وتدخل السجون وترصد الانتهاكات وترفع الوعي حول هذه الانتهاكات وشبيهاتها.

القضاء السعودي

  • كيف تقيم دور القضاء السعودي؟ وهل من تعديلات ضرورية يجب إدخالها على النظام القضائي؟

القضاة في السعودية يمرون بظروف صعبة وغير مسبوقة، وحتى القضاة أنفسهم تعرضوا لعملية استهداف ممنهجة ويجرى التحقيق مع بعضهم أو "كف أيديهم" أو فصلهم أو حتى سجنهم لأشهر طويلة في قضايا غير واضحة كجزء من حملة لإخضاع الأجهزة العدلية للإدارة الحالية التي تحكم البلاد بطريقة غريبة.

وإذا كنا نريد إصلاح الوضع القضائي فأهم أولوية هي: الحفاظ على استقلال القضاء وحمايته من تدخل أي جهة تنفيذية، وتوحيد المرجعية القضائية في البلاد واستقلالها الكامل واستقلال النيابة العامة عن كل جهة تنفيذية وجعل مرجعها فقط الأنظمة وحماية الادعاء من كل التأثيرات الخارجية عبر تثبيت وظيفته وسلمه، واعتماد علنية المحاكمات بالكامل في كل أنواع التقاضي، والتفعيل القضائي للرقابة، وفصل وزارة العدل عن شؤون المجلس الأعلى للقضاء.

  • إجراءات السلطات السعودية في التعامل مع المعتقلين غير واضحة المعالم، فهل مثلا من حق المعتقلين الاعتراض على الأحكام الصادرة بحقهم؟

لا توجد أي إجراءات عدلية متّبعة في التعامل مع المعتقلين ولا أدل على ذلك من أن ملف المعتقلات كان سيحول إلى المحكمة الجزائية المتخصصة (التي تسمى محاكم الإرهاب) ثم قبلها بساعات قررت النيابة تحويلهن للمحاكم الجزائية العادية، ثم في المحاكم الجزائية العادية يتم اتهامهن بقضايا تصنّفها الدولة بأنها إرهاب، ووفقاً لقانون الإرهاب فهناك لغة مطاطة جداً تستغلها الحكومة لإدانة أي شخص بأي شيء تقريباً.

ثم نأخذ أمثلة كثيرة من كل المعتقلين: لم يكن لديهم أي محام حتى يوم المحاكمة نفسه، وأيضاً فإن المعتقلين لم يتواصلوا مع ذويهم لأشهر طويلة؛ لدرجة أن أهلهم لم يكونوا يعرفون إذا كان معتقلهم على قيد الحياة أم لا.

  • تصريحات أستاذ القانون في جامعة الملك سعود أنس المزروع في معرض الرياض للكتاب في دورته الأخيرة 2019 هل مثلت مفاجأة للنظام؟

الشخصيات التي تقود المملكة حاليا يمكن وصفها بــ"الورقية الكرتونية" التي  تخشى هبوب الريح وكشف ما تحتها. تصريحات المزروع (معتقل حاليا) كانت نقلة مهمة جاءت في فترة حساسة جداً، وفي مكان حساس وفي قلب العاصمة ومن داخل أحد أهم المناشط الثقافية في البلد (معرض الكتاب بالرياض الذي اختتم أعماله 23 مارس/آذار 2019)، وكانت مشاركته بذاتها في المعرض تمثّل شجاعة نادرة. كما أن محتوى المشاركة نفسها كان متميزاً وذكياً حيث تحدث عن ملف الاعتقال التعسفي وتحدث عن جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية "حسم" التي تأسست في ‎12 أكتوبر/تشرين الأول 2009 وتم حلها في 9 مارس/آذار 2013، وأعضائها المعتقلين والمفاهيم التي قدمتها الجمعية، وركّز تحديداً على مفهوم رائع جدا في أن "الشعب هو ولي الأمر" وكيف أن هذه القراءة ترسخ معنى الحقوق.

قضية خاشقجي

  • دعت محققة دولية السعودية لجعل محاكمة المتهمين في قضية خاشقجي علنية.

لا أعتقد أبداً أن يجعلوا المحاكمات علنية.

  • لماذا؟

لأنها تعني كشف الأسماء الحقيقية وتوريط الناس المسؤولين عن هذه الجرائم بشكل مباشر ومحاسبة الآمرين كما محاسبة المنفذين، وهذا شيء طبعاً لن يسمح به الذين كانوا جزءاً من حالة الأمر والتنفيذ والتخطيط أبداً؛ لأنهم يعرفون أن الحبل سيلتف حول عنقهم.

  • لذلك تخفي أسماء المتهمين الـ 11 بمقتل خاشقجي.

نعم كي تتمكن من التلاعب وتوريط أسماء معينة وإخراج أسماء أخرى.

  • لكن ما مدى قانونية ذلك؟

الإجراءات بالكامل غير قانونية، فالأسماء غير واضحة، والتهم غير محددة ولا مضبوطة، والمحاكمة سرية والإجراءات سرية، ولا أحد يعرف أماكن الاعتقال ولا طريقتها ولم يسمح لأي جهة بالاطلاع أو الحضور أو الاستماع، وهناك تقارير دولية حول متهمين مطلقي السراح ومتهمين آخرين عليهم إقامة جبرية فقط، ولا أحد يعرف لهذه اللحظة من الشخص الذي "أمر" ومن الذي "علم" وكيف، وأين الجثة؟ وأين هذا "المتعاون المحلي" وكيف يمكن أن تعرف أن هناك متعاوناً محلياً ولا تعرف من هو ولا كيفية الوصول إليه ولا أي تفاصيل عنه، وأين الأدوات التي استخدمت والطائرات التي استعملت وكل الأدلة ولماذا لا أحد يصرّح بالتفاصيل؟ً.

  • بعض الدول حظرت تصدير الأسلحة للسعودية على خلفية ملفها الحقوقي؛ برأيك هل تراها خطوة كافية للضغط على المملكة؟

فكرة وقف الصفقات التجارية ووقف التعاملات والتسليح وغيرها هي طريقة تقليدية متّبعة، تستخدمها الدول في العالم للضغط نحو تغييرات داخلية من غير أن يكون هناك تدخل مباشر أو دعم عسكري أو ما شابه.

  • لكن لم نسمع أحدا من العلماء والدعاة في السعودية يتحدث عن ملف الحقوق والحريات فضلا عن الانتهاكات داخل السجون والمعتقلات.

المجتمع الشرعي يفترض به أنه يتغذى تاريخياً وروحياً على فكرة "قول الحق" وعلى فكرة الدفاع عن القسط وأشباه هذه المفاهيم فيرد على البال.. إذاً أين هم عن هذا؟ والجواب أن هناك ثلاث مجموعات شرعية فيما يتعلق بحملات القمع والاضطهاد الموجودة، مجموعة أولى قالت كلمة الحق، أو على الأقل حاولت أو اقتربت منها فهذه تم الزج بها في السجون ولم ترَ النور بعدها.

ومجموعة ثانية قررت أن تضع شجاعتها في قضايا اجتماعية محددة أو قضية لا تثير شهية الدولة ولا تستفز شبقها الاضطهادي، وأصبحت تتنفس في هذه المناطق، ولكنها فضّلت إما الصمت أو الانسحاب من القضايا الحساسة والحقيقية، وهذه المجموعة على الأقل كفّت أذاها عن الناس وحاولت أن تسدد وتقارب برغم أنها تركت العمل الأكثر مثالية وقوة وفضلاً ونبلاً.

أما المجموعة الثالثة فقررت أن تكون جزءاً من جوقة التطبيل وفرقة العزف الحكومي؛ إما إيثاراً للسلامة أو رغبة في الحظوة والجاه أو لحسابات شخصية أو في الغالب خوفاً من البطش.. وهذه لا شك أصبحت جزءاً من البلاط، تدور حوله وتحرق حوله البخور وتسعى في رضاه، وهي الفئة التي كان يجب لها أن تنكشف منذ أمد بعيد، وجاءت هذه الظروف لتكون فرصة مهمة للناس أجمعين "ليميز الله الخبيث من الطيب".