الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا.. منظمة أهلية تتصدى بقوة لعنصرية ماكرون

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في خضم أزمة الرسوم المسيئة، التي تسببت في شقاق عنيف داخل المجتمع الفرنسي، انعكست آثاره على العالم الإسلامي، فوجئ الرأي العام في فرنسا باستهداف وزير التعليم جان ميشيل بلانكر، للاتحاد الوطني لطلبة فرنسا (UNEF)، واتهامه بـ"اليسارية الإسلامية والتدمير".

وزير التعليم الفرنسي ادعى أن اليساريين الإسلاميين يدافعون عن أيديولوجيا تتسبب في حدوث أسوأ الأشياء، قائلا: "اليسارية الإسلاموية موجودة بالجامعات، والنقابات مثل الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا، وأنها تلحق أضرارا بتلك الأماكن".

بلانكر له تصريحات مماثلة مثيرة للجدل، صدرت في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عقب اغتيال المدرس الفرنسي، عندما طالب بـ"الوحدة والصمود للرد على وحشية الإرهاب الإسلامي"، وهو ما اعتبره سياسيون وطلبة في الاتحاد وشخصيات عامة، تطرفا في العرض، حيث قرن الإرهاب بالإسلام.

أزمة الرسوم

خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2020، شهدت فرنسا نشر صور ورسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، على واجهات مبان، ما أشعل موجة غضب في أنحاء العالم الإسلامي.

وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول 2020، قال الرئيس ماكرون: إن فرنسا لن تتخلى عن "الرسوم الكاريكاتورية"، ما ضاعف موجة الغضب في العالم الإسلامي، وأُطلقت في بعض الدول حملات مقاطعة للمنتجات والبضائع الفرنسية.

تصاعد الأزمة انعكس على الداخل الفرنسي، وتصدت عدة مؤسسات لخطابات العنصرية والكراهية ضد المسلمين، ومنهم الاتحاد الوطني للطلبة بفرنسا الذي دخل على خط الأزمة وانتقد موجة الكراهية، وتصريحات وزير التعليم المسيئة للمسلمين.

عبر بيان صدر في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، رد الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا، على وزير التعليم، معتبرا اتهاماته "عبارات غير مقبولة ولا تليق بوزير التعليم الوطني".

وذكر الاتحاد في بيانه أن "التلميح بأننا ننشر أيديولوجية خاصة بالإسلام الراديكالي أو القول بتعاطفنا معه من خلال أفعالنا، دليل على الجهل".

بدورها انتقدت نقابة المعلمين الفرنسيين تصريحات الوزير، واصفة إياها بـ"غير المسؤولة"، معتبرة تلميحاته التي طالت الاتحاد "عنفا غير عادي".

البروفيسور الفرنسي جان فرانسوا بايار، أستاذ علم الاجتماع السياسي، ندد بنظام وتوجهات الرئيس ماكرون وحكومته، تجاه الإسلام والمسلمين على الأراضي الفرنسية.

بايار قال: "سواء أحب المسؤولون مصطلح الإسلاموفوبيا أم كرهوه، فلا بد أن يدركوا أنه أصبح بالفعل جزءا متجذرا في سياسة فرنسا، فالدولة التي تميز بين مواطنيها، بسبب معتقداتهم، لا يمكن أن تكون محايدة فيما يخص الأديان".

تاريخ عريق

الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا هو مؤسسة عريقة، تأسست في 4 مايو/ آيار 1907، وله دور مؤثر في الذاكرة الوطنية للأمة الفرنسية، كما أن مواقف رائدة في دعم الحقوق والحريات واستقلال الشعوب، ومن أبرز تلك المواقف، ما حدث عام 1950، عندما قاد احتجاجات في باريس، للمطالبة باستقلال الجزائر. 

في عام 1986 نظم الاتحاد إضرابا عاما في البلاد ضد الحكومة، احتجاجا على الرسوم الدراسية المرتفعة المفروضة على الطلاب، كمحدد رئيسي لقبولهم داخل الكليات، وهو ما حرم كثيرا من الطلاب من إتمام دراستهم، أو الالتحاق بالكليات والأقسام المناسبة لهم. 

أصبح الاتحاد هو الممثل الرئيسي للطلاب في فرنسا، ويعمل على تحقيق مصالح الطلاب، ويتبنى مطالبهم أمام الحكومات المركزية والمحلية والأحزاب السياسية، والهيئات المدنية المعنية بالتعليم العالي، وكذلك إدارات الجامعات.

كما تنشط المنظمة أيضا على الساحة الدولية، لا سيما داخل اتحاد الطلاب الأوروبي، وهو ما برز في الآونة الأخيرة، مع ظهور رموز مسلمة داخل الاتحاد، من أشهرهم الطالبة مريم بوجيتو، التي ترأست الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا، في جامعة السوربون بباريس.

"مريم بوجيتو"

من أبرز الأزمات التي خاضها اتحاد طلبة فرنسا، ضد حكومة ماكرون، تلك الأزمة المتعلقة بـ "مريم بوجيتو"، التي اندلعت خلال مايو/ آيار 2018، وبوجيتو هي فتاة مسلمة محجبة، كانت على رأس الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا في جامعة السوربون بباريس.

تفجرت مشكلة مريم عندما وجدت نفسها وسط حالة من الجدال والنقاش في وسائل الإعلام المختلفة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتحولت قصتها إلى قضية رأي عام سياسية وثقافية خاض فيها السياسيون والوزراء في فرنسا. 

بدأت الأزمة عندما ظهرت مريم بوجيتو، خلال مقابلة تلفزيونية، وهي ترتدي الحجاب، وقتها عبر وزير الداخلية جيرار كولومب عن "صدمته" من رؤية هذه المسؤولة عن نقابة طلابية بالحجاب وعلى تلفزيون فرنسي، فيما اعتبرت وزيرة الدولة المكلفة بالمساواة بين الرجال والنساء مارلين شيابا الأمر بأنه "إسلام سياسي".

عبرت مريم ومن ورائها الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا عن صدمتهم من تصريح وزير الداخلية ووصفوا الوضع بـ"الخطير والعنيف"، بينما قالت الفتاة في حوار لموقع "بوزفيد نيوز" يوم 20 مايو/أيار 2018: إنها "لم تكن تنتظر أن تتحول قصتها إلى قضية دولة، وأشارت إلى أن حجابها لا علاقة له بالسياسة وهو يتعلق بإيمانها الشخصي، وشددت "حجابي ليس رمزا سياسيا". 

وقتها رفض الاتحاد، ما وصفه بأنه "خطاب الكراهية الذي يتحدث به بعض السياسيين الفرنسيين والشخصيات العامة"، وجاء في بيان أصدره أنه "إذا كانت مريم تتعرض للانتقاد، فلأنها امرأة مسلمة ترتدي الحجاب ولأنها أيضا طالبة لها مسؤوليات نقابية".

وفي 21 سبتمبر/ أيلول 2020، تعرضت مريم بوجيتو لأزمة أخرى، عندما غادر برلمانييون يمينيون وجمهوريون قاعة البرلمان رفضا لوجود الطالبة المحجبة في اجتماع حول كورونا وتأثيره على الشباب.

وقتها عاد الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا، ودافع عن موقف بوجيتو، وانتقد ما تعرضت له الطالبة، ووصف تصرف البرلمانيين اليمنيين الجمهوريين المنحازين بـ"التمييز الجنسي والإسلاموفوبيا".

وأصدر الاتحاد بيانا قال فيه: "ندين هذا العمل المعادي للإسلام، والهادف إلى إذلال رئيسة الاتحاد بوجيتو". وشدد أن "بعض النواب، برفضهم الاستماع إلى ممثلي الشباب، "انتهكوا مبدأ العلمانية بطريقة تنم عن الإسلاموفوبيا والتحيز الجنسي".

وأكد البيان أن مثل هذه الأعمال التي تتسبب في تشويه المسلمين والمحجبات باستمرار واستبعادهم من المجتمع "لا تليق بنواب الشعب في البرلمان".

مخاوف مشروعة 

الطالب بجامعة "نيس صوفيا انتيبوليس" الفرنسية خالد رزاق، قال لـ"الاستقلال": إن "الأزمة القائمة (الرسوم المسيئة) أثرت بلا شك على الطلبة المسلمين، وخاصة الأجانب منهم، داخل المنظومة التعليمية الفرنسية، وتحديدا الجامعات".

مضيفا: "في الجامعة التي أدرس فيها فقط، يوجد قرابة 2000 طالب مسلم منخرطين تماما في الأنشطة الطلابية والمؤسسات المجتمعية، والحياة اليومية مثل بقية الطلاب الفرنسيين، ومنهم أعضاء في الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا، الذي قام بدور فعال في مواجهة الموجة العنصرية ضد المسلمين". 

وتابع: "نحن لا ننظر للأزمة الحالية انطلاقا من التفاعل مع الحدث، ولكن ننظر إلى مستقبلنا كجزء من جالية إسلامية كبيرة في فرنسا، نتأثر بما تتأثر به، فيمكن أن يجد آلاف من الطلبة المسلمين أنفسهم في موضع اتهام أو إقصاء غير محسوب، نتيجة حادثة عارضة ترتكب في جميع أنحاء العالم من مختلف الديانات والأفكار".

رزاق قال: "لذلك فإننا فضلنا اتخاذ موقف حاسم ضد وزير التعليم الفرنسي، الذي فاجأ الجميع بتصريحاته المتطرفة والمعممة بشكل مهين، لذلك خاطبنا الاتحاد الوطني للطلبة والعديد من المؤسسات الحكومية والحقوقية لإيقاف حالة العدائية ضدنا". 

وذكر أن "أخطر شيء يمكن أن يحدث للطلبة المسلمين هو تعزيز الانفصالية لديهم وضدهم، فيصبحوا وكأنهم كيان محدد بذاته، ولكن هؤلاء الطلبة جزء من المجتمع، منهم العلماني واليساري والراديكالي، ومنهم من يساهم في النشاط الرياضي والخدمي وما يتعلق بالحقوق والحريات عموما، حتى حقوق حماية النباتات والحيوانات، يساهمون في أنشطتها المتنوعة، والمقصد هنا أنهم جزء من مجتمع متعدد، ولا يمثلون شريحة منفصلة منكفئة على نفسها".