المطران حنا لـ"الاستقلال": تطاول ماكرون على الإسلام إساءة لكل الأديان

محمد عيد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حالة من الغضب في العالم الإسلامي أحدثها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد تبنيه الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتأكيده على الاستمرار في دعمها، بدعوة أنها تأتي ضمن "حرية الرأي".

وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول، قال ماكرون، في تصريحات صحفية: إن فرنسا لن تتخلى عن "الرسوم الكاريكاتورية" التي نشرها أستاذ فرنسي. كما قال ماكرون في وقت سابق: إن "الإسلام يعيش في أزمة"، ما أشعل موجة غضب في أنحاء العالم الإسلامي.

وأمام تلك المواقف المتطرفة لماكرون، ذهب الكثير من علماء الدين الإسلامي والمسيحي إلى رفض تصريحات الرئيس الفرنسي، مع التأكيد أنها لا تندرج في إطار حرية الرأي والتعبير، وإنما ضمن خطاب الكراهية.

"الاستقلال" حاورت المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في مدينة القدس المحتلة، لمعرفة موقف المسيحيين في الأراضي الفلسطينية من الإساءات المتواصلة لفرنسا ضد الإسلام، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

الإساءة الفرنسية للنبي

  • شهدت الفترة الأخيرة إساءة فرنسية متكررة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ما هو موقفكم من تلك الإساءات؟

نحن نرفض الإساءة الفرنسية للديانة الإسلامية كما أننا نرفض الإساءات التي صدرت بحق الديانة الإسلامية في أكثر من مكان في أوروبا أو أميركا أو غيرها من الأماكن، نرفض التطاول على المسلمين في مقدساتهم وعقائدهم وإيمانهم ورموزهم الدينية.

ونحن المسيحيون أبناء المشرق والمنطقة وخاصة في فلسطين ومدينة القدس، نرى أن الإساءة للمسلمين والتطاول عليهم إنما هو إساءة لنا أيضا، من يُسِيء للمسلم يُسِيء للمسيحي، ومن يُسِيء للمسيحي يُسِيء للمسلم.

وهذه الإساءات لا علاقة لها بأي قيم إنسانية أو أخلاقية أو روحية نبيلة، وهدفها هو نشر ثقافة الكراهية والتعصب والتشرذم والتفكك وردنا عليها يجب أن يكون من خلال تكريس ثقافة المحبة والأخوة والإنسانية والتلاقي الإسلامي المسيحي دفاعا عن فلسطين والقدس وقضايا العدالة والحرية والكرامة الإنسانية.

  • الإساءات هذه المرة أصر عليها إيمانويل ماكرون وتبناها، برأيكم ماذا يعكس ذلك؟

المستعمرون بكافة مسمياتهم وأوصافهم دائما كانوا يعملون من أجل إثارة الكراهية والتحريض الديني والمذهبي، تطبيقا لسياسة "فرق تسد".

وأنا أعتقد أن ما خرج من فرنسا والإساءة التي تعرضت لها الديانة الإسلامية هدفها نشر ثقافة الكراهية في العالم وخاصة في منطقتنا حيث يعيش المسلمون والمسيحيون معا منذ قرون طويلة في حالة تفاعل وأخوة وتعاون ودفاع عن وجودهم وقضاياهم الوطنية.

وبالتالي أرى أن أي خطاب يبث سموم الكراهية سواء كان من فرنسا أو من غيرها من الأماكن هدفه تفكيك المفكك وتجزئة المجزأ، وحجب البوصلة عن القضية الحقيقية التي يجب أن ندافع عنها وهي قضية فلسطين.

ردنا على هذا التحريض والإساءات، هو أننا مسيحيون ومسلمون ومعنا كل أحرار العالم يرفضون هذا التطاول، ولن يتمكن أحد في العالم من تفكيكنا وشرذمتنا وتقسيمنا وسنبقى شعبا فلسطينيا واحدا مدافعا عن فلسطين والقدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.

  • في ظل مواصلة تلك الإساءات الفرنسية، من المستفيد من التطاول على الرموز الدينية؟

المستفيد من التطاول على الرموز الدينية هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يستثمر هذا التطاول من أجل تكريس ثقافة الانقسام والتشرذم، ولكن شعبنا الفلسطيني واع لما يحاك لنا.

ففي الماضي كانت هناك مؤامرات هادفة لإثارة الفتن في مجتمعاتنا وفلسطين بشكل خاص وكلها فشلت.

المسيحيون والمسلمون هم أخوة في الدفاع عن أوطانهم وفلسطين والقدس، ولن ينجح الخطاب التحريضي في المس بوحدتنا.

وهناك لقاءات جمعت رجال الدين المسيحيين والمسلمين، لإعلان صرخة وموقف إسلامي فلسطيني من القدس وبيت لحم بأننا نرفض هذه الإساءات والتي لن تؤثر علينا، بل ستزيدنا لحمة وتضامنا، مع تأكيدنا أننا نرفض التطاول على الديانة المسيحية وكل الديانات لأن الديانات ورموزها لها حرمانيتها وقدسيتها.

  •  كيف يمكن مواجهة الخطاب التحريضي؟

إن هذا الخطاب التحريضي يحتاج إلى الوعي والوحدة والحكمة، وأن نرد عليه بتأكيد وحدتنا ورفضنا لمثل هذه الثقافة المسمومة التي يروجون لها في الغرب وفرنسا.

تواصلنا مع رجال دين داخل فرنسا ودول العالم، وأكدوا لنا أن الجميع يرفض هذا الخطاب والسموم والكراهية والعنصرية، والكل مجمع أننا يجب علينا توحيد صفوفنا وأن نكون في خندق واحد وكعائلة واحدة كما كنا دوما في الدفاع عن مقدساتنا.

  • رسالتكم إلى فرنسا في ظل إصرارها استمرار الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم؟

رسالتنا نوجهها إلى فرنسا وكل الدول في الغرب التي تدعي الديمقراطية وحرية التعبير، أنه لا يمكن أن تكون الإساءات بحق الديانات مندرجة في إطار حرية الرأي.

نحن مع حرية الرأي والتعبير، ونرى أن الإساءات للديانة الإسلامية لا يمكن أن تندرج في إطار مسألة حرية التعبير.

لذلك، يجب على فرنسا أن تتوقف عن تطاولها على الأديان ورموزها والاستهزاء بها، فهناك مؤمنون لا يمكن أن يقبلوا هذا التطاول والتشهير والرسوم الكاريكاتورية والأقوال التي تحرض على الكراهية والتطرف.

التطبيع مع إسرائيل

  • شهدت الفترة الأخيرة إقدام عدد من الدول العربية على التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.. ما هو رأيكم في هذه الخطوة؟

التطبيع خيانة للشعب الفلسطيني والقضايا العربية، ولكل الأقطار والشعوب العربية، لأن فلسطين هي قضية الأمة كلها والمسلمين والمسيحيين والأحرار في سائر أرجاء العالم.

ظاهرة التطبيع تندرج في إطار المؤامرات التي تتعرض لها القضية الفلسطينية ومدينة القدس ومقدساتها، وهذه المؤامرات لن تمر ولا يحق لأي جهة في العالم أن تتجاهل وجودنا كفلسطينيين، وأن تتجاهل حقنا أن نعيش في حرية وكرامة في وطننا والقدس عاصمتنا، ومن حق اللاجئين أن يعودوا لوطنهم.

هذه ثوابت فلسطينية لا يمكن التنازل عنها ولا يمكن لأي مشروع أو مؤامرة يستهدف القضية الفلسطينية أن يمر لأن الفلسطينيين موجودون صامدون ثابتون متمسكون في حقوقهم بانتمائهم لهذه الأرض المقدسة.

  • تسعى الدول التي طبعت مع الاحتلال إلى زيارة المسجد الأقصى والأماكن المقدسة في القدس المحتلة، ما موقفكم من ذلك؟

نعتقد أن مسألة المشاريع والمؤامرات التي تستهدف القضية الفلسطينية إنما تستهدف القدس ومقدساتها وأوقافها الإسلامية والمسيحية، وفي مقدمتها المسجد الأقصى، وكذلك المقدسات المسيحية، وبالتالي نرفض كل مظاهر التطبيع.

ونؤكد أن كل المؤامرات التي تحاك من أجل تصفية القضية الفلسطينية سوف تفشل.

نحن نتحفظ على مسألة التطبيع ومواقف المطبعين ونرفضها، وبالوقت ذاته نريد أن نحافظ على علاقة طيبة مع كل الشعوب العربية، التي تعتبر الغالبية الساحقة منهم مع فلسطين وشعبها.

  • ما هي خطورة التطبيع على المقدسات؟

ما تمر به مدينة القدس لا يمكن وصفه بالكلمات، فهي في خطر شديد، والاحتلال يستثمر الحالة العربية المترهلة، والانقسامات الفلسطينية الداخلية ويسعى لتمرير مشاريعه فيها.

ولكن أعتقد أن الفلسطينيين لسان حالهم يقول: "لا يحك جلدك إلا ظفرك"، الفلسطينيون لن يرفعوا الراية البيضاء ولن يستسلموا ولن يقبلوا أن يتم تمرير مشاريع الاحتلال بمدينة القدس.

نحن مدركون جيدا لما يحاك ضدنا ولكن كل هذه الأمور ستنهار بوحدة الشعب وبحكمته وصلابته وانتمائه لهذه الأرض المقدسة.

  • ما هو المطلوب إسلاميا وعربيا لمواجهة مخططات الاحتلال في القدس؟

نوجه نداء للأمة العربية والمسلمين والمسيحيين في كل مكان بضرورة أن تكون بوصلتهم تجاه فلسطين والقدس.

ونعتبر أن أيا لا تشير للقدس وفلسطين لا يمكن أن تكون في الاتجاه الصحيح، لذلك، نتمنى أن يتوحد العرب بمسلميهم ومسيحييهم في دفاعهم عن القدس. هذه قضية كل إنسان مؤمن ينادي بالعدالة وحقوق الإنسان.