صحيفة إيطالية: لهذا تعتزم أوروبا محاورة أنقرة وتجاهل مطالب أثينا

منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة ''لينكياستا'' الإيطالية، تقريرا تحدثت فيه عن أسباب رغبة الاتحاد الأوروبي في الحوار مع تركيا وتغليب خيار الدبلوماسية في حل أزمة  البحر الأبيض المتوسط مع اليونان، وتجاهل مطالب الأخيرة في اتخاذ موقف أكثر صرامة والدفع لمعاقبة أنقرة.

وقالت الصحيفة: إن الخلاف حول شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وإعادة ترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة تجدد في الأيام الأخيرة مع استئناف ''أوروتش ريس''، سفينة التنقيب التركية مهامها.

قلق يوناني

وتأتي هذه الخطوة بعدما اعتبر الاتحاد الأوروبي عودتها إلى ميناء أنطاليا، إشارة إيجابية تظهر استعداد أنقرة لإيجاد حل للنزاع من خلال الدبلوماسية. لكن الخطوة التركية الأخيرة حطمت الآمال الأوروبية وزادت من قلق اليونان.

وأشارت  الصحيفة إلى أن مطالبات اليونان، التي حددت نظيرتها التركية على أنها أكبر تهديد في البحر المتوسط ​​وأصرت على المستوى الأوروبي على تطبيق عقوبات جديدة ضد تركيا، ظلت إلى حد كبير غير مسموعة. 

وكان الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قد وصف استئناف أنشطة أوروتش ريس بأنه "مؤسف" ودعا تركيا مرة أخرى لاتباع طريق الحوار. 

وبالتالي، تتوقع الصحيفة أن العقوبات، المدرجة أيضا في الوثيقة النهائية لمجلس الاتحاد الأوروبي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2020، لن يأخذها الاتحاد الأوروبي في الاعتبار، على الأقل بالنسبة للأشهر القليلة المقبلة.

واعتبرت الصحيفة الموقف الذي اتخذه بوريل والمؤسسات الأوروبية "مخيّب" لتوقعات اليونان، التي تأمل في تعزيز الجبهة المناهضة لتركيا داخل الاتحاد وحماية أكبر لمصالحها.  كما أنه أجبر أثينا على طلب المساعدة مرة أخرى من الولايات المتحدة. وتساءلت قائلة: ما سبب عزم الاتحاد الأوروبي على الحوار مع تركيا، وما هو وزن اليونان داخل الاتحاد؟

مسألة نهج

وفي هذا الصدد، رأى أندريا ديسي، مسؤول البحث في برنامج البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأوسط في معهد الشؤون الإيطالية، أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه أن يقدم نفسه كجهة فاعلة محايدة في النزاع بين اليونان وتركيا بسبب الانتماء الأوروبي لأثينا وأيضا لقبرص.

وقال ديسي: إنه "عندما سمحت بروكسل لنيقوسيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004، فقدت حيادها وقدرتها على حل المسألة، وأصبحت جزءا من الصراع".

لذلك، فإن تبني موقف أثينا بشكل مسبق لن يساعد الاتحاد الأوروبي على التوسط في النزاع حول البحر الأبيض المتوسط​​، وهو بدلا من ذلك الهدف الأساسي لبعض البلدان، وعلى رأسها ألمانيا. 

ولاحظ ديسي أن "في الاتحاد الأوروبي هناك مجموعتان: الأولى، تتألف من اليونان وقبرص وفرنسا، تضغط من أجل تطبيق عقوبات ردا على الاستفزازات التركية لأنها تعتقد أن أنقرة لا تفهم إلا لغة القوة؛ والثانية، المهيمنة الآن داخل المجلس، تنظر إلى تركيا كشريك إستراتيجي على جوانب عدة وتريد إعطاء المزيد من الوقت للدبلوماسية. وكانت المجموعة الأخيرة بقيادة ألمانيا قد عبرت عن تضامنها مع اليونان لكنها اختارت طريق الحوار مع نظيرتها التركية".

وأشار ديسي إلى أن هذا لا يعني أن أثينا لا تعول على الدعم الأوروبي، موضحا أن "ما يتغير بين المجموعتين هو نهج النزاع على البحر الأبيض المتوسط ​​وأساليب الحل المختارة، فالعقوبات من شأنها أن تجعل الحوار مع تركيا أكثر صعوبة، وإذا كان هدف الاتحاد الأوروبي هو زيادة نفوذه على أنقرة، فمن الأفضل التركيز على المصالح المشتركة (الطاقية أو الاقتصادية أو الجيوسياسية)، لجعل الطرف المقابل يفهم أن خسائره ستكون أكثر بكثير من مكاسبه على المدى الطويل ''. 

وبحسب قوله: فإنه "من هنا جاءت الأهمية المركزية لمجلس الاتحاد الأوروبي في تحديد أجندة إيجابية تزيد من العلاقات الثنائية وتجعل من تقويض تركيا لعلاقاتها مع الاتحاد ذات تأثير عكسي".

وتابع: لهذا يبقى الحوار هو السبيل الوحيد الذي تنص عليه اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لحل المشاكل الناشئة عن ترسيم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة.

وخلص ديسي إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه ببساطة تبني الموقف اليوناني إذا ما أراد الجلوس إلى طاولة مفاوضات فعالة، كما أن تبني عقوبات جديدة سيؤدي إلى نتائج عكسية.

وزن تركيا

من جهته، أوضح لورنزو نوتو، الخبير في شؤون البحر الأبيض المتوسط ​​وشرق المتوسط ​​في مجلة ''ليمس''، لصحيفة "لينكيستا"، أنه "لا يمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي بشكل عام فاعلا جيوسياسيا، لأن الدول الأعضاء لا تتصرف فيه بانسجام، ويتبع كل منها مصالحه الخاصة".

وأضاف نوتو: أنه "يجب أخذ ثلاث دول بعين الاعتبار فيما يتعلق بالنزاع بين اليونان وتركيا: فرنسا الداعمة لليونانيين، وألمانيا الداعمة لتركيا وأخيرا إيطاليا، التي تكافح من أجل اتخاذ موقف بين الطرفين".

وفسر الخبير الإيطالي ذلك بالقول: إنه "طالما كان للأولى وجود مادي في البحر الأبيض المتوسط ​، بينما ترى برلين أن أنقرة هي بوابة المتوسط. من ناحية أخرى، تقدم إيطاليا دعمها لأثينا بالأقوال، لكنها تدرك أن أنقرة الآن شريك إستراتيجي".

وفي السياق الحالي، أردف نوتو، قائلا: "إن تركيا تشعر أنه يحق لها إعادة فتح الخلافات المجمدة في البحر الأبيض المتوسط، مثل تلك الخاصة بالسيادة البحرية. من ناحية أخرى، تواجه اليونان صعوبة كبيرة، وهذا هو سبب بحثها عن شريك في الاتحاد الأوروبي تعتمد عليه في ضوء المحادثات من أجل مراجعة معاهدة لوزان لعام  1920، التي بموجبها تم تحديد الحدود البحرية التي أضفت عليها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الشرعية لاحقا.

وأشار نوتو إلى أن اليونان تعول على حقيقة أن الاتحاد الأوروبي دافع دائما عن صلاحية معاهدة الأمم المتحدة والقانون الدولي بشكل عام، لكن الضغط من تركيا عامل لا ينبغي الاستهانة به. وتُدرك أنقرة أن "لديها مجالا أكبر للمناورة لتغيير المعاهدات واستعادة التأثير الذي كانت تتمتع به في زمن الإمبراطورية خاصة مع ابتعاد الولايات المتحدة عن البحر الأبيض المتوسط"، كما يتضح من مشاركتها في ليبيا على سبيل المثال.

في المقابل، يوضح نوتو: تظن أثينا أن كلا من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وجزئيا، إيطاليا أيضا في صفها، وبالتالي تعتقد أنها تستطيع الاستجابة لأقل قدر ممكن من الطلبات التركية في المفاوضات المستقبلية.  لكن تركيا بصفتها قوة إقليمية، تتمتع بثقل أكبر من اليونان، التي على العكس من ذلك، لا يمكن اعتبارها فاعلا جيوسياسيا.

وفي الوقت نفسه، أدى الموقف الذي اتخذته مؤسسات الاتحاد الأوروبي تجاه تركيا إلى زيادة الشعور بعدم الأمان لدى اليونان، التي سعت بالتالي إلى طلب الحماية من الولايات المتحدة، المتوارية بشكل متزايد ولكنها لا تزال موجودة في البحر الأبيض المتوسط. لذلك "يوضح الخلاف حول المتوسط التناقض بين العمل الموحد الذي يجب أن ينتهجه الاتحاد الأوروبي ليكون فاعلا جيوسياسيا وثقل مصالح الدول الفردية"، وفق الخبير الإيطالي.

وختمت الصحيفة تقريرها بالقول: إنه "من غير المرجح أن تحصل اليونان على الإجابة التي تريدها من الاتحاد الأوروبي،  سواء كان ذلك نتيجة إستراتيجية لتعزيز الحوار أو عدم قدرة الدول الأعضاء على تجاوز أهدافها الفردية، وسيتعين عليها الاستعداد للتسوية مع تركيا من أجل مياه البحر الأبيض المتوسط".