الطريق إلى تحقيق الانتقال الديمقراطي في الجزائر

ادريس ربوح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

استطاع الحراك الشعبي في الجزائر أن يحقق الهدف الرئيسي له في الوقوف أمام مرور العهدة الخامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وكل المحاولات البائسة للبقاء في السلطة بعد انتهاء العهدة الرئاسية، وذلك بالالتفاف على المطالب المشروعة في التغيير لشعب قرر أن يستأنف مساره الديمقراطي المتعثر منذ انتفاضة أكتوبر 1988.

هذا المسار الجديد والمتجدد يبدأ بتوقيف العهدة الخامسة وانتهاء بالوصول إلى انتقال ديمقراطي حقيقي تنتقل فيه الجزائر من عهد الاستبداد والشمولية إلى عهد الحريات والديمقراطية.

وكان أهم منعرج في الحراك الشعبي هو استجابة المؤسسة العسكرية عن طريق رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني الفريق أحمد قايد صالح في خطابه بمدينة ورقلة مقر الناحية العسكرية الرابعة، وهي الناحية المجاورة لليبيا الدولة الأكثر هشاشة في شمال إفريقيا والتي انتقلت إليها عصابات داعش المندحرة في العراق وسوريا هذه الجماعة الإرهابية، التي تعمل لصالح مخابرات دولية تعمل على ضرب استقرار الدول العربية والإسلامية ومن بينها الجزائر خدمة للمشروع الصهيوني في المنطقة ولهذا اختير المكان بعناية كما اختيرت مفرادته الموجه للداخل والخارج حتى يضع الحراك الشعبي في صورة التحديات الخارجية وامتداداتها الداخلية حيث أن الجزائر مستهدفة شعبا وجيشا وثروة من طرف المشروع الصهيوني ورُعاته الغربيين. 

إن اختيار ولاية ورقلة عاصمة الاقتصاد الجزائري وخط الدفاع الأول أمام مؤمرات ضرب الاستقرار الأمني الذي تنعم به الجزائر لم يكن اختيارا عبثيا بل إنه ذا أهمية أمنية واقتصادية رغم أن الخطاب جاء ليرد على مطالب سياسية وشعبية.

إن المؤسسة العسكرية التي كانت ومازلت تملك الامتياز الحصري في اختيار رؤساء الجزائر منذ تأسيس الدولة الوطنية الحديثة بعد حرب استقلال خاضها الشعب الجزائري بقيادة جيش التحرير الوطني، الذي أنشأ الجيش الشعبي الوطني، وأدرك في فبراير/ شباط 2019 أن الشعب الجزائري أصبح فاعلا أساسيا في اختيار من يحكمه ليعلن الجيش انحيازه التام للإرادة الشعبية والحراك الشعبي الذي لابد أن يتواصل لتحقيق جميع أهداف الانتقال الديمقراطي وتتفرغ القوات المسلحة نهائيا لمهامها الدستورية. 

إن حرص المؤسسة العسكرية على الدعوة إلى احترام الدستور وتقديم رؤيتها لحل الأزمة السياسية ضمن تدابير المادة 102 سواء بالاستقالة أو إثبات حالة العجز يعتبر أكبر انتصار لشعار الحراك الشعبي: جيش، شعب.. خاوة خاوة (الجيش والشعب إخوة). 

كما أنه إعلان بدخول الشعب كفاعل أساسي في عملية انتخاب الرئيس القادم للجزائر الذي سيكون أول رئيس جزائري يأتي عن طريق انتخابات حرة ونزيهة ليضع حدا نهائيا لغياب عن صناعة القرار لستة عقود من عمر الاستقلال الوطني، كما يؤسس لعلاقات واضحة بين مؤسسات الجمهورية المبنية على أساس  الشرعية الشعبية كما يؤسس ويكرس المهمة الدستورية للجيش الذي استوعب التحول الحاصل في المجتمع الجزائري؛ وهو تعامل إيجابي رغم الانطلاقة السيئة في خطاب تمنراست، الذي وصف الحراك الشعبي بالمغرر بهم لتراجع المؤسسة العسكرية حساباتها مع الاحتجاج الحضاري للشعب الجزائري، الذي أفرح الصديق وأبهر العدو وأصبح لكل العرب والمسلمين وكل أحرار العالم التواقين للحرية والعدالة والتنمية.

إن الحل الدستوري الوارد في المادة 102، الذي يفضي إلى تولي رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة لمدة 90 يوما تنظم بعدها انتخابات رئاسية رحبت بها شرائح واسعة من الحراك الشعبي والقوى السياسية الرئيسية ورفضته أقلية سياسية وشعبية أيدت توقيف المسار الانتخابي سنة 1991، ودعت الجيش للتدخل لمنع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة وقد تم لها ذلك وورطت الجيش في مواجهة دفعت البلاد جرائها ثمنا غاليا من الأرواح والأموال وانكسار المسار الديمقراطي وتوقف التنمية، هذه الأقلية المغامرة لا يفرحها أبدا التقاء الجيش مع شعبه للمرور الآمن نحو الديمقراطية والتنمية لأنها تدرك حجمها المحدود في الساحة السياسية والشعبية الجزائرية. 

وحاولت هذه الأقلية المتنفذة ماليا وإعلاميا والضعيفة شعبيا، أن تتحدث عن السيادة الشعبية مثيرة ضرورة تفعيل المادة 7من الدستور  التي تنص على أن الشعب هو مصدر السيادة، وهي مادة قيمية وليست مادة إجرائية كالمادة 108 التي تبين كيفية انتقال السلطة بطريقة دستورية في حالة الاستقالة أو الوفاة أو العجز، فليس هناك أدنى تعارض بين المادة 7 والمادة 102 في تحقيق السيادة الشعبية.

فالمؤسس الدستوري أراد أن لا يترك أي فراغ قانوني إذا كانت المادة 102 من دستور الجزائر تجيب على الإجراءات القانونية الواجب تطبيقها في حالة الاستقالة أو الوفاة أو العجز؛ لكن من الناحية السياسية والواقعية تحتاج إلى مرافقة شعبية وسياسية تحمي أي محاولة جديدة للالتفاف في رحلة التسعين يوما الفاصلة بين تولي رئيس مجلس الأمة لرئاسة الدولة وانتخاب رئيس الجمهورية. 

وليتم تقديم الضمانات السياسية الكافية لابد من:

1- استقالة رئيس مجلس الأمة الحالي نظرا لماضيه السياسي وتواطئه ضد الإرادة الشعبية، وتعويضه برئيس يحظى بالقبول السياسي والشعبي. 
2- استقالة الوزير الأول الحالي وحكومته حيث تاريخه كوزير للداخلية سيئ جدا في الإشراف على الانتخابات التشريعية والمحلية لستة 2017 وتعويضه بوزير أول وحكومة ذات مصداقية شعبية وسياسية. 
3- تعيين لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات الرئاسية تعطى لها جميع الصلاحيات والامكانيات البشرية والمادية للإشراف على انتخابات رئاسية حرة ونزيهة. 

إذا تحققت هذه الخطوات الأساسية يقدم رئيس الجمهورية استقالته كخروج مشرف له من السلطة، التي عمر فيها 20 سنة، وهي أطول مدة لرئيس جمهورية في تاريخ الجزائر.

إن التحدي القادم الذي ينتظر الحراك الشعبي هو مواصلة الضغط والاحتجاج السلمي لتحقيق مطالبه وتوفير ضمانات المرور الصحيح لانتخابات رئاسة حرة ونزيهة، كما ينتظر الجيش الشعبي الوطني تحدي تحمل مسؤولية توفير هذه الضمانات. 

إن التنفيذ العاجل لهذه الإجراءات وما يصاحبها من قرارات واضحة وشفافة كفيل بتحقيق عملية انتقال سلس للسلطة وانتخاب رئيس جمهورية جديد يشرف على صياغة دستور جديد للبلاد بمشاركة جميع شرائح المجتمع وقواه السياسية والمدنية وكل نخبه وعامة المواطنين، دستور ديمقراطي يحدد صلاحيات جميع مؤسسات الجمهورية بدقة ويحافظ على التوازن بين جميع السلطات فيعيد للسلطتين التشريعية والقضائية أهميتهما بعد سنين طويلة من تغول السلطة التنفيذية لنذهب بعد ذلك إلى انتخابات تشريعية ومحلية ليكتمل مشهد الانتقال الديمقراطي في الجزائر.