آخرها "كناكر".. لماذا فشل نظام الأسد في فرض سيطرته بالمناطق المستردة؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تعد قبضة النظام السوري قادرة على فرض سيطرتها في المناطق التي عادت تحت سلطته، لا سيما في ظل التدهور الاقتصادي الكبير، وكذلك التعاطي الأمني السيئ لإخماد أية احتجاجات رافضة لبقاء بشار الأسد في السلطة.

مؤخرا، دخلت قوات النظام إلى بلدة كناكر في ريف دمشق الغربي، بعد أكثر من 10 أيام على محاصرتها وتحشيد القوات العسكرية تمهيدا لاقتحامها، إلا أن اتفاقا أبرم بين سكان البلدة والنظام، أفضى إلى تسوية شاملة تستثني من يتهمهم الأخير بتفجيرات دمشق.

جرى الاتفاق في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بمقر اللواء "121" غرب العاصمة دمشق بين ضابط كبير في الفيلق الثالث التابع لجيش النظام ووجهاء بلدة كناكر، بعدما منع النظام دخول المواد الغذائية والطبية، وأغلق الطرق الزراعية الفرعية بشكل كامل.

وتبعد كناكر عن العاصمة دمشق نحو 40 كيلو مترا، ولها أهمية إستراتيجية، كونها صلة الوصل بين القنيطرة والريف الدمشقي ودرعا، وفيها عدة تلال، منها: الهوى، الشيح، سريج، عريد، شاظي، بركاله وعنيزة.

بنود التسوية

وبخصوص مخرجات الاتفاق بين الطرفين، كتب قائد "ألوية الفرقان" سابقا محمد ماجد الخطيب منشورا على صفحته على "فيسبوك"، قال فيه: إنه تضمن "دخول مجموعة أمنية برفقة لجنة التفاوض وعدد من شباب البلدة لتفتيش بعض بيوت يدعي النظام وجود مطلوبين ومستودعات أسلحة بداخلها".

وتضمن الاتفاق أيضا "إجراء تسوية شاملة والنظر في وضع المتخلفين عن الخدمة والمنشقين على أمل الحصول على تأجيلات (لا تشمل التسوية الأشخاص المسؤولين عن تفجيرات دمشق - حسب ادعاء النظام- وبالتالي عليهم مغادرة المنطقة)".

في المقابل، وقف قوات النظام السوري "الاقتحام وفك الحصار والإفراج عن النساء المعتقلات، وبعد ذلك يتم النظر في حال المنشقين لمتابعة خدمتهم داخل البلدة"، وفقا للخطيب.

وأفادت مواقع محلية أنه بموجب الاتفاق "سيتم السماح للرافضين للتسوية الجديدة بالذهاب إلى الشمال السوري، إضافة إلى دخول قوات النظام إلى البلدة والتمركز بعدة نقاط داخل أحيائها وإنشاء حواجز جديدة داخل البلدة، ومداهمة بعض المزارع بحثا عن أسلحة".

حملة اعتقالات

لكن كالمعتاد، فإن النظام السوري لم يلتزم بتعهداته إذ شنت استخبارات النظام بعد يوم واحد من الاتفاق حملة اعتقالات في البلدة، طالت ما لا يقل عن  30 شابا دون معرفة الأسباب.

وذكرت مواقع إخبارية معارضة، أن مداهمات النظام تركزت في المنازل الواقعة بالقرب من مسجد "السلام" الذي خرجت فيه الاحتجاجات واعتقلوا 12 شابا، واعتقال 11 آخرين من شارع "الرشيد" قرب مسجد "العمري"، بينما اعتقل 7 شبان من منازلهم الواقعة بالقرب من المدرسة "المختلطة".

وشهدت البلدة قبل أيام من التسوية، احتجاجات ضد النظام إثر اعتقال قواته 3 نساء وطفلة، تبعتها مواجهات بين أهالي البلدة وعناصر النظام، أثناء محاولة اعتقال المحتجين المطالبين بالإفراج عن النساء، وهي احتجاجات تخللها إحراق صور رئيس النظام بشار الأسد.

وعلى ضوء ذلك، هاجم مسلحون ضابطا من قوات النظام وأصابوه بجروح وقتلوا أحد مرافقيه، لتطالب سلطات النظام بتسليم المهاجمين الخمسة المتورطين في ذلك، بينما يقول الأهالي إنهم غير موجودين أصلا في البلدة، وقد غادروها قبل إحكام الحصار عليها.

توجس النظام

من جهته، رأى المحلل السياسي السوري في حديث لـ"الاستقلال" أن "النظام السوري لا ينفذ أي وعود ارتبط بها سواء هو أو الجانب الروسي في مناطق محيط دمشق وجنوب سوريا، وتحديدا منطقة حوران، وإنه خلال الفترات الماضية لم يقم بأية تسهيلات وفقا للواجبات المنوطة به، والوضع الأمني فيها مترد بامتياز".

وقال النجار: "نظام الأسد يتعامل مع المناطق التي عادت إلى سيطرته بروح الانتقام، ومعاقبة المواطنين هناك بشكل إجمالي، وهذا الأمر خلق توترا في مدينة كناكر على وجه التحديد، وهي تمثل شكلا من أشكال التوترات الأمنية التي تجري في الجنوب السوري".

وأشار إلى أن "ردود أفعال النظام السوري الأمنية، لا تتم على مستوى دولة، وإنما هي بمستوى المليشيات تتعامل وفق سياسة الانتقام، وإلا ما الذي يبرر اعتقال 3 سيدات وطفلة، والاقتصاص من مواطنين ليس لهم علاقة بأي جوانب أمنية بهذه الطريقة".

النجار نوه إلى أن "الأمر الأساسي الآخر، هو أن النظام السوري لديه الرغبة في تهجير السوريين المحسوبين على مناطق الثورة، والتي استطاع السيطرة عليها مجددا، لأنه لديه شعور بأن هؤلاء المواطنين لا يأمنون له، وأنه يسعى إلى التغيير الديمغرافي، وتهجير الناس إلى مناطق لا تقع ضمن مسؤولياته".

وأكد المحلل السياسي أن "الأسد يعمد إلى سياسة التغيير الديمغرافي وإحلال أسر المليشيات الإيرانية محل السكان الأصليين، حتى يوفر له طوقا أمنيا حول العاصمة دمشق للحفاظ على كرسيه، ولو كان على حساب تهجير السوريين، وعدم عودة سوريا إلى دولة مؤسسات".

أهمية جغرافية

وبخصوص ما تمثله كناكر للنظام، قال النجار: "كناكر مدينة لها خصوصية، حيث أنها مفتاح للجنوب السوري، وموجودة على محيط دمشق، ولها دور فاعل في بداية الثورة، وأهالي المدينة يشعرون بحالة الارتباط بالثورة أكثر من حالة الانكسار والخسارة".

وأوضح أن "كناكر على موقع جغرافي مهم بالنسبة للوحدات والفرق العسكرية المحيطة فيها، لذلك الأسد حريص على إخلاء المنطقة من أي شيء يشعر فيه بعدم الولاء له، وبالتالي ليس من المستبعد سياسة نقض العهود من النظام".

ولفت النجار إلى أن "سياسة الحصار والتجويع ومنع الدواء وتسليط المليشيات والمرتزقة ليست جديدة على نظام الأسد، وهي تمثل سياسة المافيا والعصابات ولا تمثل سياسة دولة، فهم يتعاملون بروح الانتقام، وآخر ما يعني النظام وروسيا هو التوصل إلى حل سياسي".

وسبق أن خضعت بلدة كناكر لاتفاق تسوية كما حصل مع المدن والبلدات في محافظتي درعا والقنيطرة، أواخر عام 2018، حيث كان عدد مِن أبناء البلدة يقاتلون إلى جانب الفصائل العسكرية في تلك المناطق، وعادوا إليها بناء على اتفاق "المصالحة" بضمانات روسية.

وفي أبريل/ نيسان 2020، هدد فرع الأمن العسكري بمنطقة سعسع بريف دمشق الغربي، أهالي كناكر بين القبول بالتهجير القسري لأبنائهم المطلوبين، أو حسم ملف البلدة عسكريا.

ويتعرض سكان الريف الدمشقي لحملات دهم واعتقال متكررة من قبل قوات النظام، بهدف اعتقال الشبان لسوقهم للتجنيد الإجباري في قوات النظام، فضلا عن اعتقال النساء بتهم مختلفة، أبرزها التواصل مع الأقارب في الشمال السوري.

جنوب ثائر

لم تكن مدينة كناكر الوحيدة ضمن مناطق الجنوب السوري التي لا تزال ترفض النظام وتحتج عليه، فرغم انخفاض وتيرة الاحتجاجات في محافظة السويداء جنوب سوريا، مقارنة بما كان عليه الحال قبل أشهر، لكن مظاهر الاستياء لا تزال قائمة، كان آخرها سكب الطلاء الأحمر على لوحات رئيس النظام بعد تعليقها في الأماكن والساحات العامة في المدينة.

وذكرت صفحة "السويداء الثورة والحراك السلمي" على "فيسبوك" في 2 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020، أن مجموعة من شباب المدينة قاموا بطلاء صور بشار الأسد باللون الأحمر، لتبدو وكأنها ملطخة بالدماء، تعبيرا عن دمويته وتلطيخ يديه بالدم السوري طوال 10 سنوات.

قبل 4 أشهر صدحت حناجر السوريين في السويداء بهتافات طالبت برحيل رئيس بشار الأسد، وشهدت على مدار 4 أيام بدءا من 6 يونيو/ حزيران 2020، احتجاجات طالبت برحيل الأسد، تبعتها مظاهرتان في ضاحية دمّر بريف دمشق، والحي العسكري في مدينة حلب الشرقية.

المظاهرات خرجت جراء تردي الواقع الاقتصادي، والتدهور الكبير في قيمة الليرة أمام الدولار، إضافة إلى أنها جاءت في ظل تصدع الجبهة الداخلية للنظام، والتي أظهرتها الصراعات بين بشار وابن خاله رامي مخلوف للسيطرة على الاقتصاد.

وفي محاولة من النظام للتغطية على المظاهرات في السويداء، أخرج النظام مسيرة مؤيدة له من طلبة الجامعات تحت التهديد كشفتها تسريبات صوتية صادرة عن وفاء عفلق رئيسة فرع السويداء لـ"الاتحاد الوطني لطلبة سوريا" التابع للنظام، والتي هددت من لم يخرج بمظاهرة تؤيد الأسد.

لم يكتف النظام السوري بالتغطية على المظاهرات التي خرجت ضده في السويداء بإخراج أخرى مؤيدة له، وإنما اعتقل عددا من رموز المظاهرة وعلى رأسهم حمود عقيل وناصر بندق ورائد الخطيب، إضافة إلى إطلاق النار من قبل مجهولين على مظاهرة طالبت بالإفراج عن هؤلاء المعتقلين.