استقالات واتفاقيات بخصوص النفط.. ماذا يحدث في ليبيا؟

12

طباعة

مشاركة

تناولت وسائل إعلام إيطالية، التطورات على الساحة الليبية، ولا سيما أسباب استقالة فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، وعبد الله الثني رئيس حكومة طبرق شرقي البلاد، مشيرة إلى أن روما قلقة مما يجري في ليبيا، واحتجاز حفتر المتواصل للبحارة الإيطاليين. 

ونشر موقع ''إنسايد أوفر'' الإيطالي تقريرا تناول أسباب وسياق الاستقالات المعلنة في ليبيا لرؤساء حكومات، والسيناريوهات المستقبلية للوضع السياسي في البلاد على ضوء تواصل المحادثات بين الأطراف الليبية والاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي جديد بالإضافة إلى الإعلان عن عودة الإنتاج في حقول النفط. 

وأضاف الموقع أنه بعد الإطاحة بالقذافي، ظهرت انقسامات أدت، على مدى العقد الماضي، إلى تشكيل حكومات وهيئات رسمية ومعترف بها إلى حد ما في أجزاء مختلفة من البلاد. 

ولم يحدث أبدا أن وجدت في ليبيا حكومتان، يوشك رئيساها على الخروج من المشهد في آن واحد. وكل هذا يشير إلى أن شيئا ما يتغير، وهو اليقين الوحيد في خضم الفوضى حيث كل شيء مجهول، وفق الموقع الإيطالي.

استقالة السراج

ذكر ''إنسايد أوفر'' أن السراج عمل كمهندس معماري طوال حياته، وكانت علاقته بالسياسة في عهد القذافي تتعلق فقط بالاستشارات الفنية. وينتمي إلى عائلة معروفة في طرابلس، كان والده قريبا جدا من الملك إدريس، وكان أسلافه من أصحاب الأراضي ولعبوا دائما أدوارا مهمة في الاقتصاد والمجتمع. 

ولفت إلى أن السراج دخل الساحة السياسية من بوابة انتخابات 2014، بعد أن انتُخب عضوا للبرلمان الجديد عن  دائرة طرابلس، وجد نفسه بشكل مفاجئ في قيادة حكومة جديدة تمخضت عن اتفاق الصخيرات في ديسمبر/كانون الأول 2015، حيث كان من المفترض أن يشغل هذا المنصب لمدة عامين على أقصى تقدير لأن دوره يتمثل في إدارة فترة انتقالية قبل فسح المجال لغيره. 

وبالنظر إلى هذه المقدمات، يستنتج ''إنسايد أوفر'' أن السراج كان مُكرها على قبول هذا المنصب. وربما بسبب ابتزاز  بعض المليشيات، وضغط الرعاة الدوليين، وأخيرا المشاكل التي سببتها حملة خليفة حفتر للسيطرة على طرابلس، أصبح من "الممكن الآن الاعتقاد بأن هدف السراج الوحيد هو العودة إلى العيش مع عائلته في لندن والاستقالة من رئاسة حكومة بالكاد تسيطر على فناء القصر الرئاسي".

لذلك، هناك أسباب شخصية وراء قرار الاستقالة في 31 أكتوبر/تشرين الأول المعلن عنه في الأيام الأخيرة، لكن المسار الذي أدى إلى ظهور الرغبة في ترك المنصب ليس شفافا كما يظن المرء، خاصة وأن السراج مثلما خضع لاختياره رئيسا للوزراء، فإنه يخضع الآن لقرار الاستقالة، أي أنه لم يرغب في هذا المنصب عام 2015، ولا يستطيع الآن إملاء توقيت خروجه من المشهد، وفقا للموقع الإيطالي. 

وأوضح ''إنسايد أوفر'' أن المشكل الحقيقي يكمن في حقيقة أن جبهة طرابلس تتعرض للتفكك، كما شرحت ذلك في الأيام الأخيرة الأكاديمية الإيطالية ميكالا ميركوري في مقابلة مع مجلة "ستارت الإيطالية". وبحسب الموقع، لا يعني ذلك أنها كانت متماسكة وموحدة من قبل، ولكن مع انسحاب حفتر من طرابلس في يونيو/حزيران 2020، لم تعد الفصائل والكتائب الداعمة لحكومة الوفاق تجد أي توافق. وهكذا بدأت لعبة سياسية بكثير من الاعتراضات وباستبعاد  وزراء مهمين (مثلما حدث مع فتحي باشاغا  لمدة 72 ساعة)، وإعلانات لتعديلات وزارية. 

وأضاف أن مرحلة الحوار التي بدأت بين المجلس الأعلى للدولة (الذي يدعم السراج) وبرلمان طبرق (الذي لم يمنح الثقة أبدا لرئيس الوزراء الليبي)، وأيضا المحادثات الجارية في جنيف بين العديد من الفاعلين الليبيين، تسببت أيضا في قرار الرعاة الداخليين والدوليين للحكومة الحالية إنهاء عهد السراج. وبعد الإعلان عن استقالته والتراجع عنها، اضطر رئيس الوزراء الليبي إلى تأكيد رحيله عن المشهد.

تصدير النفط

الموقع الإيطالي لفت إلى أنه لا يعرف بعد ما سيحدث بعد 31 أكتوبر/تشرين الأول 2020، الموعد المعلن لاستقالة السراج. ووفقا للعديد من المراقبين في ليبيا وخارجها، من المحتمل أن يبقى رئيس الوزراء الحالي  في منصبه لتسيير الأعمال وسيكون من الضروري انتظار تشكيل مجلس رئاسي وحكومة جديدة للخروج النهائي  للمهندس السابق من المشهد السياسي.

وجرت محادثات في المغرب، التقى ممثلو المجلس الأعلى للدولة في طرابلس وبرلمان طبرق والآن في سويسرا لتحقيق هذا الهدف، إذ وفقا للتسريبات، تأكد الوصول إلى التفاهم على تشكيل مجلس رئاسي من ثلاثة أعضاء، ورئيس وزراء يتم تعيينه من خارج المجلس المستقبلي. وفي الوقت نفسه، هناك أصوات تتحدث عن إمكانية إجراء انتخابات جديدة بحلول مارس/آذار 2021، بحسب الموقع.

ونوه الموقع الإيطالي إلى أن الخبر الحقيقي الوحيد في الوقت الحالي على الجبهة السياسية هو الاتفاق على إعادة فتح حقول النفط، التي أغلقها حفتر في 17  يناير/كانون الثاني 2020 عشية قمة برلين. وأعلن الجنرال المنقلب عن ذلك  في خطاب متلفز هو الأول بعد عدة أشهر من الصمت. 

من جهتها، أكدت طرابلس هذا القرار بعد أن أوضح نائب رئيس الوزراء أحمد معيتيق أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه ينص على تشكيل "لجنة فنية مشتركة" تكون مهمتها الإشراف على إدارة عائدات الذهب الأسود إلى أن يتم تشكيل حكومة جديدة.

وعلى صعيد الشرق الليبي، قال الموقع: إنه يتعين على ليبيا في الوقت الحالي التعامل مع حكومة أخرى مستقيلة، هي حكومة طبرق بقيادة عبد الله الثني ومقرها  مدينة البيضاء، المدعومة من برلمان طبرق، والتي مثلت في السنوات الأخيرة نوعا من الحكم الذاتي في شرق ليبيا.

وبين ''إنسايد أوفر'' أن قرار الاستقالة جاء نتيجة للاحتجاجات الشعبية التي حدثت في الأيام الأخيرة بسبب تردي الظروف المعيشية، وبالتالي تعيش برقة هي الأخرى مأزقا بعد أن بات منصب رئيس الحكومة غير المعترف بها دوليا شاغرا حاليا ويقوم رئيس الوزراء المستقيل فقط بتسيير الأعمال.

إيطاليا قلقة

من جهتها، نشرت مجلة ''فورميكي" الإيطالية تقريرا تناول المسائل التي تثير قلقا كبيرا لإيطاليا في الوقت الراهن من الغرب إلى الشرق  الليبي، بعد إعلان رئيس حكومة الوفاق عزمه على الاستقالة من منصبه وتواصل احتجاز البحارة الإيطاليين من قبل حفتر. 

وقالت المجلة: إن المحادثات الهاتفية التي أجراها رئيس الوزراء جوزيبي كونتي في 17 سبتمبر/أيلول 2020، مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وقبل ذلك بيوم مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حول منطقة البحر الأبيض المتوسط، أولت اهتماما خاصا لما يحدث في الربع الشرقي بالتأكيد.

ولفتت "فورميكي" إلى أن أكثر ما يثير القلق الإيطالي في الوقت الحالي ما يحدث في ليبيا في ظل تشابك مسألتين بين طرابلس وبنغازي، إذ يجب التعامل معهما بأقصى قدر من الاهتمام والدقة.

أوضحت المجلة أن "المسألة الأولى تتعلق بالتأكيد بمصير الصيادين الصقليين المحتجزين في بنغازي من مليشيات تحت قيادة خليفة حفتر، زعيم الانقلابيين المتراجع حاليا إلى برقة، بعد أن صدته قوات حكومة الوفاق الوطني بدعم من تركيا". 

وأضافت: أن "وراء عملية احتجاز الصيادين الإيطاليين رغبة في إبلاغ رسالة معينة، خاصة وأن رئيس الوزراء كونتي، وإيطاليا تعاملا مع حفتر لفترة طويلة بكونه "محاورا"، ولكن في الآونة الأخيرة بعد تكبده لهزائم بالإضافة إلى بعض الأحداث الأخرى، قللت روما من اهتمامها بالجنرال الانقلابي مما دفعه إلى إرسال إشارات عدوانية، لتذكير المجتمع الدولي أيضا بأنه لا يزال طرفا فاعلا في الملف.

فراغ المشهد

وفي السياق ذاته، تؤكد المجلة أن أهمية المسألة الثانية التي تقض مضجع إيطاليا وتتعلق بمصير ليبيا، ظهرت بعد إعلان رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الرئاسة فايز السراج عزمه على الاستقالة، فهناك حديث عن "رغبة" في الاستقالة لأنه من الصعب تهيئة الظروف التي تمنع أن يسبب خروجه من المشهد فراغا، وبالتالي يمكن تأجيل ذلك إلى ما بعد أكتوبر/تشرين الأول 2020. 

وأوضحت أن فايز السراج، الرجل الذي اختارته الأمم المتحدة قبل خمس سنوات، يرغب في ترك منصبه لإعادة توحيد ليبيا، وبناء مسار مشترك مع برقة، يمكن أن يحقق الاستقرار في البلاد من خلال مجلس رئاسي جديد يمثل جميع الليبيين، تمهيدا لإجراء انتخابات برلمانية جديدة وتشكيل حكومة جديدة.

ولفتت ''فورميكي" إلى أنه من غير المحتمل أن يكون كل شيء ممكنا في شهر واحد فقط، عقب جولة من المفاوضات التي ستعقد في جنيف بعد الاجتماع الأول، المختتم منذ أيام في المغرب.

وعبر كل هذا، يعود الدور الألماني إلى الملف من خلال مسألة احتجاز الصيادين الإيطاليين بالإضافة إلى شخصية حفتر، إذ إنه بعد فشل حملة الأخير العسكرية في السيطرة على طرابلس، برزت من جديد بقوة  شخصية عقيلة صالح من برقة، رئيس البرلمان المعترف به من قبل الأمم المتحدة، المعروف بتأييده السياسي لزعيم الانقلابيين لفترة طويلة، وفقا للمجلة.

وأشارت إلى أن صالح يخطط حاليا سياسيا من أجل السلام، ويتلقى رعاية دولية من مصر وروسيا- رعاة حفتر الذين بدؤوا في التخلي عنه- ولكن أيضا من الاتحاد الأوروبي، الذي يخطط لرفع العقوبات التي فرضها على رئيس برلمان طبرق في عام 2016 عندما أعاق عمل حكومة الوفاق الوطني و تجعله يتحرك بحرية أكبر على طاولات المباحثات.

مستقبل حفتر

وفي هذا الصدد، أكدت المجلة أن تزايد الأضواء الإعلامية والاعتراف الذي يحصل عليه صالح على المستوى غير الليبي يطيح بحفتر. وعلى سبيل المثال، في الزيارة الأخيرة لليبيا، تجاهل الوفد، الذي كان في انتقاله من الغرب إلى الشرق يتوقف أيضا عند مقر أمير الحرب لمقابلته كطرف في الحوار، هذه المرة لقاءه ليلتقي بصالح فقط. 

وتابعت: لذلك هناك من يرى في احتجاز الصيادين الإيطاليين، انتقاما مباشرا لهذا النوع من الدبلوماسية المهينة. وعند هذه النقطة، يصبح  الاتصال الهاتفي الذي أجراه كونتي بالمستشارة الألمانية ميركل حاسما لسببين، الأول: بعد مؤتمر برلين، حاولت ألمانيا أن تحتكر الدور الرئيسي في التعامل مع الملف الليبي، وعلى العديد من ملفات السياسة الخارجية التي يشارك فيها الاتحاد الأوروبي.

لذا، ترى المجلة الإيطالية أن الحوار مهم لفهم الكيفية التي تتحرك بها ديناميكيات المرحلة الحالية والمضطربة بسبب إعلان السراج غير المتوقع عن الاستقالة، لذلك بالانتقال إلى مجلس رئاسي جديد، ستشغل شخصية من برقة أعلى منصب.

وهنا يكمن السبب الثاني، إذ تقول ''فورميكي": إنه "من الواضح أن حفتر غير مرشح لهذا الدور لعدم امتلاكه أي خطط سياسية، حتى عندما كان يعتبر طرفا في الحوار، ولرغبته في السيطرة على البلاد باستخدام بالسلاح. لكنه دور يمكن أن يؤثر أيضا على مسألة احتجاز الصيادين الذين من المرجح أن يستمر اختطافهم لبعض الوقت". 

في الوقت نفسه، تؤكد المجلة أنه "من الضروري التباحث مع أنقرة فيما يتعلق بفترة ما بعد السراج، لا سيما وأن الأخير كان قريبا جدا حتى الآن من روما، التي ضغطت لتثبيته في الأمم المتحدة، لكن الأمور تغيرت، ويستجيب السراج هو وحكومته باهتمام أكبر لأردوغان، لذلك سيمر مستقبل ليبيا جزئيا من تركيا وبالتالي جزء أيضا من مستقبل الدور الإيطالي على التراب الليبي سيتحدد هناك.  

الكلمات المفتاحية