الإمام محمود ديكو لـ"الاستقلال": سأعود للمسجد لكن عيني على شؤون مالي

علي عثمان | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع الحراك الثوري في مالي، الذي أطاح بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، في 18 أغسطس/آب 2020، عقب اتهامه بالعجز عن وضع حد للفساد وتردي الخدمات العامة وتنامي العنف الطائفي، برز اسم الداعية الإسلامي الإمام محمود ديكو.

حسب متابعين، فإن الإمام ديكو الذي ولد في عام 1954 كان يقف وراء قوة الحشد في تلك المظاهرات التي أطاحت بالرئيس كيتا، رغم كون الشيخ ديكو ممثلا للمؤسسة الدينية التقليدية أكثر من كونه مسؤولا سياسيا.

يمتلك الشيخ ديكو تأثيرا كبيرا ويحظى بتأييد شعبي في مالي، لدرجة أن وسائل إعلام أطلقت عليه صفة "صانع الرؤساء وخالعهم".

في أبريل/نيسان 2019، نظم ديكو احتجاجات قادت إلى إقالة رئيس الوزراء حينها سوميلو بوبيي مايغا، وهو الأمر الذي تكرر حين قاد احتجاجات في 5 يونيو/حزيران 2020، عقب صلاة الجمعة في العاصمة باماكو أفضت إلى خلع الرئيس إبراهيم كيتا.

تنبهت المؤسسة العسكرية لحجم التأثير الذي يملكه ديكو أثناء الاحتجاجات الأخيرة، فجلست للتفاوض معه، كما أبدى وسطاء دوليون من بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام إلى مالي والاتحاد الأوروبي والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، اهتماما بالإمام ديكو.

"الاستقلال" حاورت الإمام ديكو، الذي شغل العديد من المناصب والمسؤوليات الدعوية والخيرية في البلد، ويعد من رموز التيار الإصلاحي في مالي، ورأس لأكثر من 10 سنوات المجلس الإسلامي الأعلى في مالي، وهو مجلس يعني بالبت في الشؤون الدينية للدولة، غير أنه انصرف في السنوات الأخيرة لإمامة أكبر مسجد بالعاصمة باماكو.

انتخابات مزورة

  • أهلا بكم فضيلة الإمام.. تابع الجميع الأوضاع في مالي، برأيكم لماذا اندلعت الثورة التي أفضت إلى رحيل الرئيس إبراهيم كيتا؟

في واقع الأمر، كان الرئيس إبراهيم كيتا زميلنا، وقد ساعدناه وساندناه في السنوات الماضية، لكن حصل ما حصل، فقد تدهور الوضع في البلد عقب ذلك، وأصبح في حالة سيئة، بسبب سوء الإدارة والفساد وانعدام الأمن والاستقرار، واندلعت حروب قبلية وعرقية بين المواطنين، وهذا في حقيقة الأمر فشل كبير.

وبسبب ذلك الوضع، نصحته ألا يرشح نفسه مرة ثانية، لكنه لم يقبل هذه النصيحة فرشح نفسه للانتخابات الرئاسية، علاوة على ذلك، فقد تم تزوير الانتخابات التي أفضت إلى فوزه، فلم تكن انتخابات نزيهة ولا شفافة، وكان هذا سبب اندلاع هذه الثورة التي قضت على نظامه.

  • تناقلت الدول الغربية وخاصة وسائل الإعلام الفرنسية كثيرا من الأخبار عن شخصيتكم، وتم اتهامكم بكونكم شخصية سلفية، برأيك لماذا تم ذكركم الآن على وجه التحديد، في حين كان هناك الكثير من الأشخاص في حركات المعارضة؟

من المعروف أن هذا دأبهم دائما وأبدا، وهذا الأمر لا يقلقني، فأنا إمام مسجد، وعقيدتنا صحيحة وصافية، فليسموها ما شاؤوا، سلفية أو أي شأن آخر، هذا شأنهم هم، ما يهمني أنا هو أنني على قناعة بأنني على الوسطية وعلى الدين المعتدل، وبالتالي فأنا لا أخفي ما أنا عليه من الدفاع عن ديني وعقيدتي، لأن جهة معنية لا تحبه، أو أن فلانا لا يرغب به، بالنسبة لي، لم آخذ طوال عمري بندقية ولا قنبلة، ولا شاركت مع من يعمل هذا العمل.

في واقع الأمر، كان بودّي أن نحاور هؤلاء الشباب المتطرف، وأن نحاول أن ننقذهم من هذا المأزق، لأنهم أبناؤنا، وموقفي هذا يأتي حرصا على أبنائنا وشبابنا كي لا يضيعوا، وهذا الأمر الذي دفع البعض لاتهامي، متسائلا عن جدوى الحوار معهم، مع أن العالم حاور حتى الجماعات النازية في الماضي، فما المانع أن نحاور أبناءنا وإخواننا وأبناء بلدنا؟.

يجب أن نعلم أننا لا نستطيع أن نقود حربا لا نهاية لها، وبالتالي فإن الحل هو أن نحاور ونفاوض، هذا كان موقفي، وقد تسبب باتهامي بكل الاتهامات، لكني أعلم أني بريء من تلك الاتهامات، وهذا ما يهمني، وسأستمر في الدفاع عن قضيتي وعن بلدي، وعن سيادة وحرية بلدي، وأدافع أيضا عن عقيدتي وديني.

سأعود للمسجد

  • قلتم إنكم ستتركون المعركة السياسية وتعودون إلى المسجد، لماذا اتخذتم هذا القرار؟

أنا خرجت من المسجد وأرجع إلى المسجد، وأستمد كل قوتي وكل ما أقوم به من المسجد، وأنا قلت لهم هذا الكلام، هناك مواقف وهناك مواضيع سياسية، وعندنا أحزاب سياسية هي أولى بهذا الكلام، لكن هذا لا يعني أنني تخليت عن كل شيء، أو أنه لم يعد يهمني الحديث عن بلدي، أو لا يعنيني كل ما يجري في بلدي، أبدا.. فما دمت على قيد الحياة فسأقوم بدوري حتى لو كنت في المسجد.

  • هل تعتقدون أن حركة "إم 5 يونيو" ( المعارضة) قادرة على إجراء وإدارة حوار جيد مع العسكر؟

نتمنى أن يكون الحوار جيدا مع العسكر ومع الشعب المالي كاملا، لأن الحوار يكون في العادة بين طرفين أو أطراف متعددة، ويجب أن يكون الحوار (مالي ـ مالي) بين الماليين أنفسهم، الشعب كله يجب أن يستجيب للحوار الآن وإجراء مصالحة فيما بيننا، ونحاول أن نخمد تلك النيران التي تم إشعالها من هنا وهناك، من حروب قبلية وموجات كراهية وعنف، وكل ما هو مشتعل الآن في البلد، يجب أن نقضي عليه، لأن هذا لا يخدم إلا مصالح أعداء هذا البلد.

  • ما رأيكم بمسألة وجود جنود فرنسيين في مالي، وهل فعلا استطاع الجنود الفرنسيون إنهاء الإرهاب في مالي، ولماذا فرنسا ترغب بجلب مزيد من القوات مع العلم أن لديها قوات موجودة من قبل؟

في واقع الأمر فإن مالي تعيش في مأزق، وهذا ليس من فرنسا وحدها، كل دول العالم موجودة الآن في مالي الآن، يتسابقون ويتنافسون من أجل أشياء معروفة، فمالي رغم ما يشاع عنها بكونها بلد فقير، إلا أن هذا غير صحيح، فالموارد موجودة بكثرة، والخيرات موجودة بكثرة، وهؤلاء الناس يوجدون في كل مكان تتوفر فيه هذه الخيرات، يأتون ويفرضون أنفسهم، واللوم ليس عليهم هم، بل اللوم علينا، فنحن كشعب يجب أن نقف ونناضل، من أجل أنفسنا أولا، وأيضا نحن لدينا مشكلة مع العالم الإسلامي، والتواصل مع هذه الدول ليس على المستوى المرغوب فيه.

  • ما هي أهم مشاكل مالي، وكيف يمكن حلها برأيكم؟

أهم المشاكل عندي الآن هو تفرقنا وعدم توحد صفوفنا، يجب أن نحاول من الآن  كل المحاولة أن نوحد الصفوف وأن نقف وقفة رجل واحد، تجاه هذه التحديات التي تواجهها مالي في هذا الوقت بالذات، يجب العمل على المصالحة العامة بين كل القبائل والأطراف حتى نعيش عيشة كريمة فيما بيننا، كما هي العادة منذ قرون.

وكما تعلم فإن مالي دولة متعددة الأجناس، وهناك تداخل فيما بيننا بين الأجناس وبين القبائل، ولا تكاد تجد قبيلة إلا وتجد أن لها علاقات تربطها مع قبيلة أخرى، وعلاقات متينة، تجد سونغوي مع توريو، وفُلات مع بامبرا، والطوارق مع العرب، وكلها مرتبطة ببعض، يجب أن نتنبه لهذه المسائل، هناك أعداء للدولة وأعداء لإفريقيا بشكل عام، يريدون أن يمزقونا أو يفرقوا فيما بيننا، ويعارضوا وحدتنا، وعليه يجب أن نعمل لكسر هذه المؤامرة ضد هذا الشعب وضد إفريقيا بصفة عامة.

دعم تركي!

  • هناك قناة إماراتية تقول إنكم قمتم بتنفيذ ما سموه "انقلاب" بتمويل من تركيا، ما هو تعليقكم على هذا؟

في الحقيقة لا أدري من أين أتوا بهذه الأخبار، بالنسبة لتركيا فهي أكثر من يعلم أنها لم تمولنا بـ"قرش" واحد، لا في هذه الثورة ولا في غيرها، وأنا أتحدى إثبات أن أي دولة، سواء كانت تركيا أو غيرها، قامت بتمويلنا في هذا العمل الذي قمنا به، لا تركيا ولا غيرها مولتنا، وهذا لم يحصل أبدا.

بالطبع، أنا أقول هذا عني شخصيا، لست أدري عن السياسيين الآخرين إن كان لديهم لف أو دوران وما إلى ذلك، لكني أنا شخصيا أتحدى أن يثبت أحد أن هناك طرفا ما، سواء كانت دولة معينة أو شخصا معينا، قام بتمويل الإمام محمود ديكو في هذا الحراك، بكذا مبلغ، لا يمكن أن يحصل هذا!!

  • تعلمون بشأن اختفاء زعيم المعارضة إسماعيل سيسي، وأن هذا الأمر أصبح أمرا محيرا لدى الأوساط في مالي، هل لديكم خبر بما حدث له، وهل برأيكم للرئيس المعزول يد في حادثة اختفائه؟

لا أستطيع أن أقول هذا، لا أعلم عن هذا شيئا، وما أعلمه هو أننا نبذل حاليا محاولات لإرجاعه، وبإذن الله سوف يرجع عما قريب.