يحتجز بحارة إيطاليين.. هل تتعرض روما إلى الابتزاز من خليفة حفتر؟

12

طباعة

مشاركة

نشر موقع ''إنسايد أوفر'' الإيطالي تقريرا سلط الضوء على حيثيات احتجاز زوارق دورية ليبية تابعة لقوات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر لـ18 بحارا إيطاليا، في الأول من سبتمبر/أيلول 2020، كانوا على متن أربعة قوارب صيد إيطالية على بعد 40 ميلا شمال بنغازي.

وتطرق تقرير الموقع الإيطالي إلى الصعوبات الدبلوماسية التي تواجهها إيطاليا للتواصل مع الجهات الليبية المقربة من حفتر، التي تقف وراء عملية الاحتجاز والغرض من ورائها.

قضية حساسة

وقال ''إنسايد أوفر'': إن حادثة الاحتجاز الأخيرة للبحارة الإيطاليين تختلف عن عمليات الاختطاف السابقة، فهذه المرة بعد مرور أسبوعين تقريبا،  لا يزالون محتجزين في ليبيا ولا أحد على علم بظروفهم أو بآخر أخبارهم، ولا تظهر إلا الشائعات والشكوك وسط غموض رسمي. 

ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك، نظرا لأن الجانب الليبي الذي يحتجز البحارة الإيطاليين غير معترف به رسميا من قبل روما، وبالتالي فإن كل اتصال يحدث في سياق دقيق للغاية، وفق الموقع الإيطالي.

أشار الموقع إلى أن عملية الاحتجاز وقعت في الأول من سبتمبر/أيلول 2020، بعد ساعات قليلة من زيارة وزير الخارجية لويجي دي مايو إلى ليبيا، حيث التقى في طرابلس برئيس حكومة الوفاق المعترف بها رسميا  فايز السراج. 

وتوجه لويجي دي مايو خلال الزيارة أيضا إلى برقة لمقابلة رئيس برلمان شرق البلاد، عقيلة صالح، في بلدة بالقرب من طبرق، لذلك ربما تكون العملية إشارة يرسلها أولئك الذين تجاهلتهم جولة الوزير، يفترض الموقع.

وحصلت الحادثة إثر اقتراب بعض زوارق الدورية الليبية من أربعة قوارب صيد إيطالية كانت تصطاد في المنطقة. وتحمل أسماء "آنا مادري"، "أنتارتيكا " و''ميدينيا'' من مدينة "مازارا ديل فالو" وقارب الصيد "ناتالينو" من مدينة "بوتسالو". وتمكن الأخير، مع قارب "آنا مادري "، من الفرار في الوقت المناسب على الرغم من إجبار قباطنة كل منهما على الصعود إلى زوارق الدوريات الليبية التي أطلقت طلقات في الهواء لتحذير الطاقم.

وفي هذه الساعات، تعيش المدينة الصقلية ''مزارا ديل فالو'' حالة من الهلع  والخوف بشأن مصير البحارة الذين كانوا على متن قاربي "أنتارتيكا'' و''مدينيا''، وتعرف المدينة باتصالها الوثيق بالبحر وبنشاط صيد الأسماك، وغالبا ما تشهد مثل هذه الأحداث.

"لكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفا"، هكذا علق صياد ذو خبرة كبيرة في بحر مازارا خلال حديث ''لإنسايد أوفر''، ويشاركه الكثيرون في هذا الانطباع. وأضاف: بأنه "عادة في غضون أيام قليلة يفرج التونسيون أو الليبيون عن قارب الصيد، لكن هذه المرة هناك الكثير من الغموض".

وفي هذا الصدد، ذكر الموقع الإيطالي أنه على مر السنين، تم احتجاز العديد من قوارب صيد مزارا من قبل السلطات التونسية أو الليبية وكان السبب هو نفسه دائما، الصيد في المياه الإقليمية الخاصة. لكن الموضوع حساس جدا خاصة مع الجانب الليبي، وفي الوضعية الراهنة، لا تملك  الحكومة الإيطالية سوى اتصالات غير رسمية  مع الأطراف التي تحتجز البحارة الإيطاليين.

صفقة مقايضة

وما يزيد تعقيد الموضوع، هو أن زوارق الدورية التي قامت بالعملية، لا تخضع إلى سيطرة سلطات طرابلس، المعترف بها رسميا من قبل إيطاليا. كما أن احتجاز البحارة والاستيلاء على قوارب الصيد تم من قبل جهات تسيطر على جزء كبير من برقة، وبالتحديد من المقربين من مليشيات خليفة حفتر، وفقا لـ''إنسايد أوفر''.

 ونقل الموقع الإيطالي عن صحيفة "كورييري ديلا سيرا"، أن تقاريرا مصدرها مدينة بنغازي، تتحدث عن طلب مليشيات حفتر، إفراج إيطاليا عن أربعة ليبيين معتقلين لدى السلطات الإيطالية وصادر في شأنهم حكم بالسجن 30 عاما، هم جمعة طارق العمامي وعبد المنصف ومهند جركس وعبد الرحمن عبد المنصف، مقابل الإفراج عن البحارة الإيطاليين.

ويعود اعتقال الليبيين الأربعة إلى عام 2015، بعد أن وجهت إليهم المحكمة اتهامات خطيرة لا تتعلق فقط بتنظيم رحلات عديدة  لقوارب الهجرة غير النظامية انطلاقا من السواحل الليبية، لكن العديد من الشهادات أكدت ضلوعهم في حبس ما لا يقل عن 49 مهاجرا في غرفة البضائع بالمركب. وقاموا أيضا مع مهربين مغاربة آخرين، بضرب كل من حاول الخروج من تلك الغرفة بسبب الاختناق، مما أدى إلى وفاة الضحايا بشكل مروّع.

ووفقا لمصادر ليبية، فإن المهربين الأربعة هم في الأصل لاعبو كرة قدم، كانوا يحاولون الوصول إلى أوروبا بقصد الانضمام إلى بعض الأندية الكبيرة، حسبما ذكر الموقع الإيطالي.

من جهته، نفى المدعي العام في كاتانيا، كارميلو زوكارو،  بشكل قاطع هذه الفرضية لصحيفة "كورييري ديلا سيرا"، قائلا: إن "هؤلاء ليسوا مجرد مهربين بل قتلة أيضا، لقد تسببوا في مقتل 49 شخصا"،  معتبرا أي إمكانية للتبادل "غير مقبولة".

صعوبات دبلوماسية

وحذر الموقع الإيطالي من أن الحديث عن فرضية تبادل يمكن أن يحول البحارة الإيطاليين من أشخاص محتجزين في انتظار خضوعهم للمحاكمة إلى رهائن حقيقيين. واعتبر أن الحادث بأنها "نكسة"، حدثت في مرحلة حساسة للغاية لليبيا والدور الإيطالي فيها. 

وأكد ''إنسايد أوفر'' أن العلاقات بين بنغازي وروما ليست رسمية، لكن هذا لا يعني أنها غير موجودة، فقد زار الجنرال حفتر روما في مناسبات عديدة واستقبله رئيس الوزراء جوزيبي كونتي عدة مرات، أهمها في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 في باليرمو بمناسبة مؤتمر ليبيا الذي نظمته إيطاليا. 

كما اتخذت الحكومات الأخيرة نفس المسافة من طرابلس وبنغازي في محاولة إلى أن تكون الوسيط الرئيسي بين أطراف النزاع، وبالتالي، فإن الصعوبات التي تواجهها إيطاليا في هذه القضية أكبر من المتوقع وتترك مجالا لتفسيرات مختلفة. 

في الأثناء، تدعو وزارة الخارجية الإيطالية إلى السرية التامة، ولا تريد ترك أي شيء للصدفة في اتصالاتها ومفاوضاتها التي تجريها، لكن حتى في العالم الدبلوماسي من الصعب إخفاء بعض المفاجآت من سلوك المقربين من حفتر، وفق تعبير الموقع.