يوم خذل حزب العدالة والتنمية المغاربة

فرح أشباب | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ليس ثمة هناك شيء يمنع الناس من اعتناق الأمل والتشبث به، حتى في أحلك الظروف خاصة وأنه من الأشياء النادرة جدا التي يتقاسمها الجميع على حد سواء دون الحاجة إلى الغنى الفاحش أو السلطة أو كل تلك الأشياء التي نمتلكها في الدنيا ونتركها حين يحين أجل الرحيل عنها.

يأمل الغني أن يحصل على منصب يزيد من قامته الاجتماعية ويوسع به دائرة نفوذه، ويأمل الأب الفقير امتلاك بيت يأوي أبناءه وسيارة تقلهم، ويأمل الشاب في الزواج من فتاة أحلامه ويقظته، وتأمل فتاة حالمة بإكمال دراستها، بينما تأمل سيدة مريضة بمرض عضال أن يبنى مستشفى في مدينتها ليجنبها عناء السفر الطويل والمتعب من أجل العلاج في مستشفى العاصمة الذي يتوفر على الأجهزة اللازمة والفريق الطبي الكفيل بعلاجها. 

يختلف مفهوم الأمل من شخص لآخر، لكنه غالبا ما يحمل بين طياته حمولة من الإيجابية والرغبة في التغيير إلى الأفضل، من الثرى إلى الثريا، أو بينهما. ذلك ما أجمع عليه المغاربة قبل 20 فبراير/ شباط من سنة 2011، وبعدها عندما سرت حمى المظاهرات في الشوارع من أجل مغرب أفضل يضمن العدالة الاجتماعية للجميع ويقضي على كافة النقط السوداء التي تراكمت منذ عهد الاستقلال، كاقتصاد الريع والفساد الاقتصادي، وتدهور قطاعي الصحة والتعليم نظرا لأن الأمية مازالت تجثم بثقلها على عدد كبير من المواطنين المغاربة، خاصة في المغرب العميق الذي يعتبر بدوره نقطة سوداء لم تحظَ بعد بتسليط إعلامي يجعل منها قضية مستعجلة يجب العمل عليها. 

يُقدم الإنسان على خطوة التغيير عندما يصير الاستمرار في الوضع نفسه أشد وطأة من ألم التغيير نفسه. 

استجاب القدر لتلك المظاهرات الحاشدة ونودي إلى انتخابات مبكرة تمنح الشعب ما يريده وتسعى إلى احتواء الغضب الجماهيري، الذي حاكى ماكان يدب في الشوارع العربية الأخرى رغبة في الانعتاق من براثن الجهل والتخلف الاجتماعي والاقتصادي. فاز حزب العدالة والتنمية بهذه الانتخابات المبكرة لأنه كان النقطة المضيئة في زمرة من الأحزاب التي تقلدت مناصب الحكم منذ الاستقلال دون أن ينضاف شيء مهم وجب التنويه به. 

حصل الحزب على إجماع جماهيري من شتى الأطياف المعارضة آنذاك، واتفق الجميع على أنه الحزب المناسب في الوقت المناسب من أجل احتواء غضب الشارع وإرساء دعائم الديموقراطية في فترة مفصلية من تاريخ المغرب. تمكن الحزب آنذاك من نيل ثقة الجماهير نظرا لخطاب أمينه العام السابق السيد عبدالإله بنكيران، الذي خرج عن المألوف وتبنى خطابا سياسيا لم يشهده المغرب منذ فجر الاستقلال.

كان عبدالإله بنكيران يسمي الأشياء بمسمياتها ويشير إلى النقط السوداء في البلاد دون أن يخاف لومة لائم أو أن يلوك الكلام، بثقة وجرأة آمنت بها أغلبية المغاربة بعد إلحاد سياسي دام لعدة عقود بسبب انعدام الثقة بين الشعب والفصائل السياسية على اختلافها. لذلك أجمعت الأغلبية رغم اختلاف إيديولوجياتها على أن بنيكران هو رجل المرحلة بامتياز وأن التغيير مسألة وقت فقط.

من جهة أخرى، شكل مسار الحزب ونضال أعضائه الذين عرفوا بالنزاهة والالتزام من أجل العدالة الاجتماعية والدفاع عن القضايا العادلة معيارا مهما جعل المغاربة يصوتون بثقة على حزب لم يكن منذ الأمس القريب سوى كتلة صغيرة في المعارضة. 

تغير المشهد الحزبي إذن بين ليلة وضحاها واكتسح الحزب الانتخابات كما لم يفعل أي حزب آخر في الانتخابات السابقة، وبدأت مرحلة من الصراع من أجل التغيير والحفاظ على المكتسبات الديموقراطية التي خولها الدستور الجديد لشعب أجمع على الأمل في تغيير الماضي بغد أفضل يضمن للجميع العيش في حرية وكرامة وعدالة اجتماعية.

لكن الحزب وعلى الرغم من مكاسبه الانتخابية المهمة لم يستطع طيلة رئاسته الحكومة تشكيل أغلبية حكومية قوية، متجانسة وقادرة على تولي زمام الأمور كلها دون وضع بعضها في يد نفس الوجوه التي عمرت في المشهد السياسي المغربي. هنا فُرض أو بالأحرى تنازل الحزب على الكثير من المكتسبات ورضي بالتحالف مع فصائل سياسية ووجوه كان يحاربها في الأمس القريب، وذلك فقط من أجل "المصلحة العليا للوطن" التي يجب أن نستجيب لها دون نقاش، حسب أقوال رجالات الحزب.

واليوم بعد ثمان سنوات من الانتخابات التي توجت حزب العدالة والتنمية على منصة الساحة السياسية، وجد الحزب نفسه متحالفا مع قوى سياسية لاطالما حاربها واتهمها بالفساد، فكان لزاما عليه الرضوخ والاصطفاف خلف قرارات سياسية لم يتخذ منها شيئا غير المصادقة عليها؛ نذكر منها إصلاح نظام التقاعد وصندوق المقاصة وقانون الوظيفة العمومية وغيرها من القرارات "الجائرة" التي أججت غضب المغاربة وجعلتهم يكفرون بالسياسة مرة أخرى ناهيك عن الانقسامات الداخلية والأزمات التي يمر منها الحزب بعدما فقد قسطا كبيرا من مصداقيته وأعدادا غفيرة من المتعاطفين معه. فبعد لمعان نجمه صار مهددا بالأفول. 

هل خذل حزب العدالة والتنمية المغاربة؟

ستكون الإجابة غالبا نعم. بدأ هذا الخذلان عندما لم يكشف الأمين العام السابق  للحزب عن أسماء "التماسيح والعفاريت" الذين كان يتهمهم بتعطيل عجلة التنمية ويوم أخبر الحشود الغفيرة أن "الله عفا عما سلف" في إشارة إلى ناهبي الأموال في تعد صارخ على مبدأ ربط المحاسبة بالمسؤولية ويوم لم يقدم استقالته وسط كل ذلك الزخم والحروب السرية الباردة والساخنة التي كانت تشهدها الساحة السياسية كانسحاب حزب الاستقلال من الحكومة سنة 2013 والبلوكاج الحكومي الذي انتهى بإعفاء بنكيران، يوم اختار هذا الأخير البقاء رغم أنه وعد في مناسبات كثيرة أنه سيقدم استقالته في حالة لم تتحسن الأمور نظرا لأن ثقة الشعب أسمى من كل اعتبار.

لذلك يعيب الكثيرون اليوم على بنكيران، رغم إعفائه، صمته ومراوغاته وبيعه الوهم للمغاربة في مرحلة مفصلية من تاريخ المغرب كان فيها التنحي أشرف وأعقل من القتال. 

كلما كان سقف الأمل والتوقعات عاليا كلما كانت الخيبة أشد مرارة، فبحجم الحماس الذي سرى في الجماهير المطالبة بغد أفضل كان ثقل الخذلان كغيمة رمادية غطت قرية بعد سنين عجاف ليعتقد أهلها أن الغيث قد جاء أخيرا لكن الغيمة انقشعت وتساقطت على شكل شظايا على رؤوس الآملين بغد مزهر. 

أقر الكثيرون بخذلان الحزب وقررت الأغلبية أن المقاطعة هي الحل في الاستحقاقات الانتخابية القادمة نظرا لعجز الحزب المنتخب ديموقراطيا عن تغيير ملامح الساحة السياسية لكن  وعي الجماهير المتزايد وكفاح النخب الواعية والمجتمع المدني وسعي المغاربة إلى فرض التغيير بنفسهم كما حدث في حملة مقاطعة بعض المنتجات التي عرفها المغرب منذ شهور كلها أشياء تصب في مصلحة الشعب رغم أن طريق التغيير صعب وطويل وصعب المنال إلا أنه يستحق كل العناء.