غائب طعمة فرمان.. أديب عراقي سقطت عنه الجنسية مرتين وكافأته "كتارا"

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وقع اختيار جائزة "كتارا" للرواية العربية بدورتها السادسة المزمع إقامتها في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، على الأديب العراقي غائب طعمة فرمان ليكون شخصية العام، كونه أحد رواد الأدب العربي وساهم بإبداعات أدبية وفكرية انتشرت بالمجتمعات العربية.

الأديب غائب طعمة فرمان يُعد من جيل الرواد في العراق، وألف 10 روايات، وترجم نحو 30 كتابا ونال جائزة رفيعة على جهده في هذا الجانب، إضافة إلى أنه حاول من خلال رواياته، أنْ يؤرخ لبغداد والعراق، إذ إن كل رواية تؤرخ لوقائع مرحلة تاريخية معينة.

إسقاط الجنسية

غائب طعمة فرمان رزوقي، المولود في 1927، بمحلة المربعة في بغداد، لأسرة فقيرة حيث كان يعمل والده سائقا، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية ثم أصيب بمرض الدرن عام 1947.

سافر غائب إلى مصر للعلاج، وخلال رحلة علاجه التحق بجامعة القاهرة، كلية الآداب، وبقي هناك حتى عام 1951، إذ أتاح له وجوده في مصر الاحتكاك المباشر بالواقع الثقافي المصري فكان يحضر مجالس أشهر الأدباء المصريين، مثل أحمد حسن الزيات وسلامة موسى ونجيب محفوظ.

بدأ فرمان سيرته الأدبية بقرض الشعر في مرحلة المتوسطة، لكنه أخفق فيه، فقد تعرف بتلك الفترة بكل من "بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي" وفي عام 1947 تعرف على الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، وهو مازال في الصف الرابع الثانوي.

انخراط غائب في السياسة وانتماؤه إلى الفكر اليساري الاشتراكي سبب له متاعب كثيرة مع السلطة في بلاده، وساهم في إعداد كتاب بعنوان "من أعماق السجون في العراق"، تناول فيه ما يجري في السجون في ذلك الوقت.

عاقبته الحكومات العراقية المتعاقبة بإسقاط الجنسية عنه مرتين مرة عام 1954، ثم عاد إلى العراق سنة 1959، بعد قیام الثورة في 14 يوليو/ تموز 1958، أما المرة الثانية فكانت عام 1963 مع الجواھري وعبد الوھاب البیاتي ومحمود صبري، ثم أعیدت الجنسیة إلیه سنة 1969.

عاشق بغداد

حب العراق وبغداد مسقط رأسه حبا جما انعكس في معظم رواياته، إذ كانت روايات غائب تؤرخ لوقائع مرحلة تاريخية معينة. والتأريخ الذي تناوله مثبت في مكان محدد هو: المحلة الشعبية البغدادية. وعداها فما من مكان آخر، عدا أرض الغربة، التي تحدث عنها في رواية (المرتجى والمؤجل).

ويقول الناقد العراقي علي حسن الفواز: "لا أعرف لماذا أتذكر غائب طعمة فرمان كلما جرى الحديث عن بغداد، المدينة الموغلة في حميميتها، المدينة الحزينة وبغداد الذكريات وبغداد الشاطئ والليالي الملاح، إذ تبدو هذه المدينة وكأنها أصبحت جزءا من تاريخ حكواتي حافل بالأسرار".

وأضاف خلال مقاله بموقع "كلكامش" في أغسطس/ :ب 2007: "غائب طعمة فرمان مواطن بغداد الاستثنائي، تسكنه بالوجع والتذكر، ورغم أنه غادرها مبكرا لكنها ظلت عالقة به مثل رقية يحملها أنّى استجار بالأمكنة أو هبط إليها مثل مسافر زاده القلق والحنين والتذكر، مدوّن سري وعميق ليومياتها المدثرة بالسحر أبدا، حيث الأمكنة المباحة والمغلولة".

وتابع: "لقد أطلق غائب طعمة فرمان روحه لتكون نثارا في أثير هذه المدينة الطاعنة فيه، لا يمكن أن تتلمس رعشات جلدها الطيني إلا من خلال الكشف والغوص في أزقتها المتلاصقة بحميمية وكأنها تمنح شبابيكها وشناشيلها المتقابلة إحساسا إيروسيا غامضا عبر تبادل النظرات المختلسة أو المناديل البيض او القبلات".

من جهته، كتب الروائي الشهير عبد الرحمن منيف عن غائب، قائلا: "لا أعتقد أن كاتبا عراقيا كتب عن بغداد كما كتب غائب، كتب عنها من الداخل في جميع الفصول وفي كل الأوقات، وربما إذا أردنا أن نعود للتعرف على أواخر الأربعينيات والخمسينايت لا بد أن نعود إلى ما كتبه غائب".

أما الكاتب السوري محمد باروت، فقال عنه: "كان غائب عراقيا في كل شيء حتى في الرواية التي رآها برلمان الحياة الحقيقي، إذ كثف في هذه الرواية كل فهمه لطبيعة الرواة ووظيفتها، ففي قاع الحياة الشعبي، وقائعه وأحداثه وعلاقاته وتفاصيله ومشاهده، تنهض رواية غائب وتتكون، وكأنها ترتقي بنثر الحياة اليومي، هذا الذي يبدو معادا ومكررا وأليفا إلى مستوى الملحمة والتاريخ، أي إلى مستوى الكلية".

أبرز محطاته

اعتاد الروائي العراقي على الغربة، إذ بعد عودته من مصر في عام 1951 غادر العراق مضطرا مرة ثانية عام 1954 بحثا عن عمل، واتجه إلى سوريا ثم لبنان.

واعتبرت هذه المرحلة، هي مرحلة تشرد بدأها غائب طعمة منذ عام 1954 وحتى 1960، أي بعد مغادرته إلى لبنان، وتنقله، من دولة إلى أخرى حتى استقر به المقام في الصين، التي غادرها وعاد إلى بغداد بعد انقلاب 14 يوليو/تموز 1958 ضد الحكم الملكي في العراق.

 أمضى الروائي فترة من حياته في بغداد، لكنها لم تكن تتصف بالاستقرار، مما اضطره إلى معاودة السفر إلى موسكو عام 1960، حيث كانت آخر محطات حياته وأكثرها أهمية من حيث تبلور ثقافته وبروز إبداعه الأدبي.

تزوج غائب طعمة عام 1960 في روسيا وعاش فيها 30 عاما، وكانت زاخرة بالعطاء، حيث عكف على ترجمة الروايات الروسية إلى العربية ونال جائزة رفيعة على جهده في هذا الجانب، حتى وافته المنية بالعاصمة موسكو في أغسطس/آب 1990.

ترك الروائي غائب طعمة فرمان 10 روايات وقصص، هي: حصاد الرحى (مجموعة قصص) 1954، مولود آخر (مجموعة قصص) 1959، النخلة والجيران (رواية) 1966، خمسة أصوات (رواية) 1967، المخاض (رواية) 1973، القربان (رواية) 1975، ظلال على النافذة (رواية) 1979، آلام السيد معروف (رواية) 1980، المرتجى والمؤجل (رواية) 1986، المركب (رواية) 1989".

أما الترجمات، فترجم الروائي الراحل نحو 30 كتابا، ومن أبرزها: "أعمال تورجنيف في خمسة مجلدات، القوزاق لتوليستوي، مجموعة قصص لدستويفسكي، مجموعة قصص لغوركي، المعلم الأول لايتماتوف، مجموعة أعمال بوشكين، لاشين عملاق الثقافة الصينية".

منزله خرابة

لم يحصل الروائي الراحل على تكريم بلاده العراق حاله حال معظم القامات في مختلف التخصصات، ولا سيما الثقافية منها، إذ تحول منزله في محلة المربعة البغدادية القديمة التي تقع على شارع الرشيد الذي يعد من أشهر شوارع بغداد التراثية، إلى مجرد خرابة ومكبا للنفايات.

وبكل أسى يشكو ابن عم الراحل خلال تصريحات صحفية في مايو/ أيار 2016 إهمال المؤسسات الثقافية الحكومية وغيرها لمنزل الراحل، متسائلا: "لو كان هذا في أحد بلدان العالم الأخرى هل تركوه هكذا؟".

وتساءل أيضا: "ألم يكن من الأجدى الاحتفاء بهذا الكاتب البغدادي الكبير الذي يعشق بغداد وكتب قصصه وروايته عنها وعن ناسها، ويشهد له القريب والبعيد بذلك، فلماذا عدم الاهتمام بتاريخه كونه أحد مبدعي بغداد؟".

وتساءل أيضا: ألم يكن من الأجدى الاحتفاء بهذا الكاتب البغدادي الكبير الذي يعشق بغداد وكتب قصصه وروايته عنها وعن ناسها، ويشهد له القريب والبعيد بذلك، فلماذا عدم الاهتمام بتاريخه كونه أحد مبدعي بغداد؟