"باستي هيلز" نموذجا.. هكذا أحدث الفساد فوارق طبقية كبيرة في إيران

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع اشتداد الأزمة الاقتصادية الخانقة في إيران جراء العقوبات الأميركية التي بدأت في أغسطس/آب 2020، أصبح الفساد المالي المستشري في مؤسسات الدولة يعمق فوارق طبقية كبيرة بين أبناء البلد، وسط اعتراف رسمي بعدم إحراز أي نجاح بمحاربة الفسادين.

ويُعد ملف الفساد واحدا من أهم العوامل التي ساهمت في تفجر المظاهرات العارمة في إيران بشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والتي أجهضتها الأجهزة الأمنية بعملية قمع قتل فيها 1500 متظاهر، في ظل أسوأ أوضاع اقتصادية منذ الثورة الإيرانية عام 1979.

"باستي هيلز"

ولعل آخر أبرز قضايا الفساد، تلك التي كشفتها صحيفة "فاينانشيال تايمز" في 31 يوليو/ تموز 2020، والتي تعرف بقضية حي "بفرلي هيلز" الإيرانية، أو "باستي هيلز"، والرشى المقدمة فيها، بمثابة مثال حي على الفساد والتناقض الطبقي الذي تشهده إيران.

وأوضحت أن الأثرياء يعيشون في فيلات ضخمة بها حمامات سباحة وجاكوزي ومناظر خلابة للجبال المحيطة، بشكل يجلب حسد غالبية الإيرانيين الذين يعانون من أزمات اقتصادية طاحنة، كما أن التسمية "باستي هيلز" تشير إلى محاكاة للاسم الأميركي للمنتجعات الشهيرة في ولاية كالفورينا، لكن مع الفارق في أن النسخة الإيرانية هي عبارة عن منتجعات عالية الأسوار ذات بوابات تنضم إليها النخبة الإيرانية الأغنى والأكثر نفوذا فحسب.

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن محاكمة مسؤول قضائي سابق بتهمة الرشوة وغسل الأموال أثارت اهتمام الرأي العام في إيران بقاطني المنتجع الأثرياء، وهو أحدهم.

كما أثارت نقمة كثيرين في ظل ما يعانونه من صعوبات شديدة مع آثار العقوبات الاقتصادية على الإيرانيين، بينما تسوق وسائل الإعلام المحلية للأمر على أنه محاربة للفساد.

ونقلت عن محاسب إيراني لا يتعدى دخله 120 دولارا شهريا، قوله: "لا بد أن هؤلاء الذين يقطنون هذه القصور هم من أبناء السياسيين، ويا له من عار! هذا ما يحدث دائما في الثورات التي تنقلب لتصبح فسادا، أو بالأحرى هذا ما يحدث في بلاد الشرق الأوسط وفي إيران على وجه التحديد".

وتراجعت القدرة الشرائية لغالبية الإيرانيين مع استمرار تراجع العملة المحلية في مواجهة الدولار، بما دفع بكثير منهم للقبوع تحت خط الفقر.

وزاد هذا الأمر من غضب الرأي العام الإيراني حيال قضية الفساد القضائي التي ترتبط في جزء منها بإقامة مشروع "باستي هيلز"، حيث حصل المسؤول القضائي الرفيع على فيلات في هذا المشروع لقاء لتسهيل أعمال غسل أموال.

وبحسب أحد المحللين الإيرانيين، فإن المسؤول القضائي الإيراني أنكر جميع الاتهامات الموجهة إليه، رغم الدلائل الواضحة ضده، وبدا واضحا في أنه يتصرف على أساس أن تصرفاته "طبيعية"، في ظل البيئة الإيرانية الحالية، وفقا للصحيفة.

وكان لافتا أن الثورة الإيرانية صادرت الأراضي المقام عليها المشروع من أحد حلفاء نظام الشاه قديما، إلا أن الأمر لم يختلف كثيرا عندما قام النظام الإيراني الحالي بعمل مشروع عليها، حيث حصل على الأراضي من يصفهم كثير من الإيرانيين بـ"أصحاب النفوذ" والأثرياء.

اختفاء المليارات

قضية الفساد التي استعرضتها الصحيفة الأميركية، قد تعززها تصريحات مسؤولين إيرانيين، حيث كشف رئيس غرفة تجارة محافظة فارس، جنوب إيران، جمال رزاقي، في 24 يوليو/ تموز 2020 عن اختلاس ما لا يقل عن 22 مليار دولار من العملات الأجنبية.

وقال رزاقي في تصريحات لوكالة العمل الإيرانية "إيلنا": إن "ما لا يقل عن 22 مليار دولار من العملة الإيرانية اختفت في ظل العقوبات، بحجة تخصيص العملة الحكومية للاستيراد".

ولم يوضح رزاقي كيف ومتى اختفت هذه المبالغ، لكنه أوضح أن هذا "الفساد" نتج بسبب منح العملة الصعبة بسعر حكومي (42 ألفا مقابل الدولار) للمستوردين والتجار.

ودعا "الحكومة إلى قطع تخصيص العملة المدعومة بـ 4200 تومان بسبب الفساد والمحسوبيات، ولكن بدلا من ذلك يجب أن تخصص تلك الموارد على شكل كوبونات، من أجل زيادة أجور العمال ودعم لجنة الإغاثة ومنظمة الرعاية الصحية".

وكان المدعي العام في طهران، قد أعلن في 23 يوليو/ تموز 2020 عن مقاضاة 250 مصدرا ومستوردا بشكوى من البنك المركزي، من أجل إعادة 25 مليار يورو من النقد الأجنبي.

وفي أرقام صادمة قدمها فياض شجاعي المدعي العام السابق لمحكمة محاسبات إيران، قال: إن 20067 مديرا ومسؤولا في النظام الإيراني واجهوا اتهامات بالفساد المالي والإداري لمدة ست سنوات. ومن بين هؤلاء، تم إصدار 4616 مذكرة اعتقال، حسبما نقل موقع منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة.

وقدم شجاعي هذه الإحصائية في 27 يوليو/ تموز 2020، في حفل توديع وتعريف الرئيس والمدعي العام لديوان المحاسبات. وأوضح أنه بين عامي 2013 و2019، تم فتح 6689 ملفا بناء على التقارير الواردة أو النتائج والتقارير ضد المديرين والمسؤولين الحكوميين.

وقال شجاعي: إن المجالس الاستشارية أصدرت 3 آلاف قضية، أُحيلت 2300 منها إلى مكتب المدعي العام للتنفيذ وتم تنفيذ 1609 حالة بالفعل. وأضاف: أن تنفيذ الأصوات أدى أخيرا إلى "عودة 83 ألف مليار ريال وأربعة مليارات و100 مليون دولار للخزينة".

فشل حكومي 

وعلى الرغم من أن الفساد يستشري في مفاصل الدولة الإيرانية العليا، فإن مساعد وزير الاستخبارات الإيراني لشؤون مكافحة الفساد الاقتصادي، اعتبر أن موضوع الفساد في إيران شأن "أمني"، قائلا: إن "الفساد الاقتصادي في البلاد يهدد أمننا القومي".

وقال المسؤول الإيراني خلال تصريحات تناقلتها وسائل إعلام إيرانية في 4 أغسطس/ آب 2020: "علينا أن نعرف أن هناك علاقة مهمة بين الأمن القومي ومكافحة الفساد الاقتصادي، وأن قضية الفساد تشكل تهديدا خطيرا لأمننا".

وأضاف: أن "الجهات المختلفة في النظام بما فيها وزارة الاستخبارات والأجهزة القضائية بذلت جهدا حثيثا في هذا الخصوص، كما أن النظام والقيادة يسعيان إلى تقليل الجرائم الاقتصادية". ولكنه لفت إلى عدم إحراز نجاح كاف وشامل في هذا الخصوص".

ومؤخرا ضربت موجة من الإضرابات العمالية إيران، في القطاعات والمصانع المختلفة، بما في ذلك مجمع صناعة قصب السكر "هافت تبه"، وقطاع النفط والغاز، للمطالبة بتنفيذ قانون تصنيف الوظائف وصرف أجورهم ومزاياهم المتأخرة، وفقا لموقع راديو "فردا".

ويطالب عمال قصب السكر بالدفع الفوري لأجورهم المتأخرة لمدة ثلاثة أشهر، وتجديد تأمينهم، وعودة الموظفين المفصولين، والقبض الفوري على الرئيس التنفيذي للشركة، أسد بيجي، والحكم عليه وعلى رئيس مجلس إدارة الشركة، مهرداد رستامي بالسجن مدى الحياة، بسبب مشاركتهم في قضايا فساد بقيمة 1.5 مليار دولار.

وبحسب الموقع الإيراني المعارض، فإن الفساد وسوء الإدارة المنتشر في القطاعات الإيرانية سبب إضافي لهذه الاحتجاجات بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد بسبب العقوبات الأميركية وتفشي فيروس كورونا.

وبخصوص تأثير الفساد في إشعال الاحتجات بإيران، يقول الكاتب محمد مصطفى العمراني: إن النظام الإيراني "فشل في محاربة الفساد في الداخل وإنهاء البيروقراطية والروتين والفساد المالي والإداري رغم محاولاته وجهوده التي يبذلها في هذا المجال".

واستدرك خلال مقال بصحيفة "السبيل" الأردنية في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019: "لكن لو نظرنا مثلا إلى جارة إيران تركيا سنجد أن الأخيرة لا تمتلك حتى ربع الثروات والموارد التي تزخر بها طهران، وتتعرض أنقرة بين الحين والآخر لعقوبات أميركية قاسية ويصرف النظام التركي مليارات من الدولارات على ملايين اللاجئين العرب فيها".

وتابع: "ومع هذا فلا مقارنة بين الاقتصاد التركي القوي والاقتصاد الإيراني المتدهور، وبين دخل الفرد في تركيا ودخله في إيران، وكذلك مستوى الخدمات رغم أن عدد السكان متقارب إن لم يكن متطابقا، وكل هذا يرجع إلى سياسة أنقرة الناجحة في محاربة الفساد والبيروقراطية، واتخاذ سياسات ناجحة جدا في المجال الاقتصادي وهو ما تفتقد إليه طهران". 

شخصيات فاسدة

وفي ظل الحديث المتصاعد عن الفساد المستشري في إيران، كشف عضو في مجلس مدينة طهران، عن أن ملفات الفساد وقضية الممتلكات الفلكية المتعلقة بفترة ولاية محمد باقر قاليباف كعمدة طهران، لا تزال مفتوحة ووصلت إلى 2000 حالة.

ونقلت صحيفة "اعتماد" اليومية الإصلاحية، عن عضو مجلس مدينة طهران، محمود ميرلوحي في 3 أغسطس/آب 2020 أن قضية البيع غير القانوني للممتلكات من قبل بلدية طهران تحت حكم محمد باقر قاليباف، الذي يشغل حاليا منصب رئيس البرلمان، لا تزال مفتوحة للتحقيق.

وشغل قاليباف منصب عمدة طهران لمدة 12 عاما من 2005 حتى 2017، إذ لا تزال القضية قيد التحقيق على الرغم من إيقافها منذ عام 2017 عندما قدم قاليباف شكوى مضادة ضد ميرلوحي وكذلك ضد الصحفي ياشار سلطاني، الذي كشف عن القضية لأول مرة.

وقال ميرلوحي لصحيفة "اعتماد": إن ملف "الفساد الفلكي في بلدية طهران" قد اختفى في أروقة القضاء الإيراني. لكنه أكد أن بعض الممتلكات التي تم نقلها بشكل غير قانوني إلى إحدى الشركات التابعة للحرس الثوري الإيراني، وهي شركة "رسا تجارت"، قد تم استعادتها خلال الأسابيع الماضية.

وفي السياق ذاته، أعلنت المحكمة الخاصة بملفات الفساد الكبرى بالعاصمة طهران، في 4 أغسطس/ آب 2020 أن علي أشرف رياحي، صهر وزير الصناعة السابق الذي حوكم في قضية فساد في قطاع البتروكيماويات، بلغت 6.6 مليار يورو، هرب من البلاد بجواز سفر مزور.

وكان القاضي أسد الله مسعودي مقدم، قد أكد في الجلسة السابقة للمحاكمة بقضية الفساد أن المحكمة بحوزتها أدلة قاطعة ضد رياحي، وأنه موجود في إيران لكنه "طليق".