معطيات واضحة.. هل كانت ألمانيا على علم بتجسس المخابرات المصرية؟

12

طباعة

مشاركة

لم يتفاجأ المصريون المقيمون في برلين بخبر إلقاء القبض على "الجاسوس المصري في المكتب الصحفي للحكومة الألمانية"، ووجهوا أصابع الاتهام لسفارة القاهرة في برلين، مشيرين إلى أن "الجاسوس يعمل بالأساس بمثابة وكالة لصالح الأجهزة السرية".

وقالت صحيفة "الموندو" الإسبانية: إن جالية المصريين المنفيين في برلين لم يكونوا متفاجئين كثيرا عند الكشف عن خبر وجود "مسؤول في المكتب الصحفي للحكومة الألمانية يعمل لصالح أجهزة الاستخبارات المصرية".

ومنذ الانقلاب العسكري في مصر الذي مر عليه سبع سنوات بقيادة عبد الفتاح السيسي، ركزت السفارة المصرية في برلين اهتمامها على التنديدات ومخاوف المصريين الذين وجدوا في الأراضي الألمانية ملجأ للهروب من القمع الوحشي للنظام المصري.

مطاردة المنفيين

ونقلت صحيفة "الموندو" عن الناشط الحقوقي أحمد سعيد، الذي يعيش في ألمانيا، قوله: إن "خبر الجاسوس المصري في ألمانيا لم يكن خبرا مفاجئا بالنسبة للجالية المصرية المنفية في برلين"، ويعتقد أن "الجاسوس لا يعمل على تهديد الأمن الألماني".

وأضاف: أنه "هو الآن جاسوس عمل لدى الحكومة الألمانية، التي تجاهلت لسنوات حقيقة أن أجهزة الأمن المصرية تتهجم على المنفيين المصريين في أراضي ألمانية".

وتجدر الإشارة إلى أن أحمد سعيد تعرض للاعتقال في مصر منذ خمس سنوات خلال زيارته إلى بلده الأم، وتعرض إثر اعتقاله إلى التعذيب وحكم عليه بالسجن لسنتين. وبعد أن حصل على عفو رئاسي، تمكن من العودة إلى برلين نهاية عام 2016.

وأشارت الصحيفة إلى أن تاريخ حياة سعيد ليس حالة استثنائية بين المصريين الذين يعيشون في ألمانيا. ومنذ انقلاب سنة 2013، استقرت مجموعة متنوعة من المصريين في الدولة الأوروبية، هربا من حملة القمع الدائمة التي أدت إلى إرسال أكثر من 60  ألف معارض إلى السجن، من بينهم سياسيون وصحفيون ومحامون وفنانون.

وتابعت: يضاف إلى ذلك خنق جميع الحريات العامة، وإصدار أحكام بالإعدام على آلاف الأرواح في محاكمات جماعية، وذلك ما نددت به المنظمات الحقوقية لافتقارها إلى أدنى الضمانات.

وأوردت الصحيفة أن الفضيحة حول وجود جاسوس مدفوع الأجر من القاهرة في المكتب الصحفي للمستشارة أنجيلا ميركل ظهرت في 9 يوليو/ تموز 2020 خلال التقرير السنوي لوكالة المخابرات الداخلية الألمانية. أما القضية فقد اكتشفت خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر 2019، وهي قيد التحقيق من مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني.

ووفق ما صرح به المتحدث الرسمي باسم الحكومة الألمانية  10 يوليو/ تموز 2020، فإن المسؤول المعني- من غير المعروف ما إذا كان يحمل الجنسية المصرية أم لا- لم يكن لديه إمكانية الوصول إلى معلومات حساسة.

وتصر وزارة الخارجية الألمانية على أن البيانات الموجودة في متناول "الجاسوس المصري" تتعلق ببرنامج يسمح لكل نائب ألماني بدعوة خمسين من سكان دائرته سنويا، ولا يمكنه بأي حال من الأحوال الوصول إلى البيانات المتعلقة باعتماد الصحفيين.

وأوضحت الصحيفة أن هدف الجاسوس المصري كان يتمثل في الوصول إلى المراسلين المصريين في ألمانيا. وفي هذا السياق، تواصل المسؤول، الذي يتمتع بموقع متوسط ​​في مكتب المتحدث باسم الحكومة، بوكالتين مصريتين هما جهاز المخابرات الخارجية العام وجهاز الأمن القومي الداخلي.

تجنيد مصريين

وأكد التقرير أن "هناك دلائل على أن المخابرات المصرية تحاول تجنيد مصريين مقيمين في ألمانيا لأغراض استخبارية من خلال زياراتهم للبعثات الدبلوماسية المصرية في ألمانيا ورحلاتهم إلى مصر".

وأوضحت "الموندو" أن الهدف من هذه المجموعة هو جمع معلومات عن أعضاء المعارضة، من بينهم ناشطو جماعة الإخوان المسلمين. وتشمل أهدافها أيضا الليبراليين أو اليساريين أو الأقلية المسيحية القبطية، التي عانت من العنف المتطرف وانعدام الحماية من الدولة.

وفي حوار أجرته "الموندو" مع المحامي والباحث، محمد الكاشف، أكد المصري المستقر في برلين أن "هذا الخبر لم يكن مفاجئا بالنسبة لشخص يعمل على الساحة السياسية أو أحد الناشطين".

وأضاف: أن "عمل أجهزة الاستخبارات المصرية في برلين أمر واضح للغاية. ففي أي حدث ننظمه، نلتقي بأشخاص من السفارة للتحقيق والاستماع إلى ما نقوله. وفي إحدى المرات اكتشفنا متسللا اعترف بالعمل لصالح الدولة المصرية".

وأشارت الصحيفة إلى أن البعثة الدبلوماسية المصرية في ألمانيا كانت منذ سنوات محل شكوك. ووفق "مدى مصر" الصحيفة المستقلة التي تقاوم الرقابة التي تفرضها السلطات المصرية، فإن "الجالية المصرية في برلين قد أدانت في كثير من المناسبات الرقابة التي تفرضها عليها السفارة عن كثب، والتي أبلغت عن نشاطاتهم في القاهرة".

وفي هذا السياق، تعرض عدد من المصريين العائدين إلى بلادهم من ألمانيا إلى الاعتقال، بمجرد وصولهم إلى المطار. ومن بين هؤلاء، الباحث والصحفي إسماعيل الإسكندراني، الذي حكم عليه بعشر سنوات من السجن عام 2018، من محكمة عسكرية، بتهمة نشر أخبار كاذبة حول جزيرة سيناء المصرية.

وتجدر الإشارة إلى أنه إلى غاية عام 2019، كان بدر عبد العاطي سفيرا لمصر في برلين، وشغل في السابق منصب المتحدث باسم وزارة الخارجية في مصر.

ونقلت الصحيفة عن سعيد قوله: إنه "بصفته ناشطا مصريا مقيما في برلين، فقد كان شاهد عيان على مراقبة الأجهزة الأمنية المصرية وتدخلها المباشر والواضح".

وأضاف: "لقد تحدثنا عن ذلك لسنوات، خاصة بعد الاتفاق الأمني ​​بين الحكومتين الذي يتضمن تدريب عملاء مصريين والتعاون الأمني ​​بين البلدين. وعموما، تعمل السفارة المصرية في ألمانيا في المقام الأول كوكالة لأجهزة الاستخبارات. كما أنه قبل ثلاث سنوات، ضاعفت السفارة من عدد موظفيها. وإلى جانب المخبرين الرسميين، عملت المؤسسة المصرية على تجنيد مصريين وغير مصريين لكتابة تقارير عن الناشطين وتحركاتهم".

وبحسب سعيد، فإن "الجالية المصرية في ألمانيا تعتبر خبر الجاسوس المصري حقيقة مثبتة، لذلك يتجنب جميع المصريين في ألمانيا الظهور في تظاهرات سياسية من أجل التمكن من العودة إلى بلادهم دون المخاطرة بالتعرض للاعتقال والتعذيب وحتى السجن".

وخلص سعيد في ختام حديثه للصحيفة الإسبانية إلى أن "هذه الكشوفات فرصة لتوضيح تواطؤ الحكومة الألمانية مع النظام المصري القذر، ولقول إن أوروبا كلها شريك في الجريمة مع نظام القاهرة، بالإضافة إلى كونها راعية للديكتاتورية".