تبادل المحتجزين.. هل يفتح باب الحوار مجددا بين واشنطن وطهران؟ 

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الخطوة الإيرانية بالإفراج عن الجندي الأميركي السابق في البحرية مايكل وايت، حظيت بارتياح وإشادة من المسؤولين في الولايات المتحدة، عبّر الرئيس دونالد ترامب، في تغريدة عن شكره لإيران، وأكد أن التوصل معها إلى اتفاق بات أمرا ممكنا.

في 4 يونيو/ حزيران 2020، أفرجت طهران عن وايت، المحتجز لديها منذ 2018، ضمن اتفاق سمحت بموجبه واشنطن للطبيب الأميركي من أصل إيراني ماجد طاهري بزيارة إيران.

آمال بانفراجة

وفي ضوء التصريحات الصادرة من الجانبين الأميركي والإيراني، التي أعقبت عملية تبادل اثنين من المعتقلين لديهما، يُطرح تساؤل مهم عن مدى انعكاس ملف الرهائن على الأزمة بين البلدين، فهل يشكل بداية لحلحلتها، قد تؤدي لاحقا إلى انفراجة حقيقية؟.

ومن الجانب الإيراني، اعتبر وزير الخارجية محمد جواد ظريف بأن ما حصل يعد "مثالا نادرا على التعاون بين الجانبين"، فيما عبّر متحدث باسم البيت الأبيض عن أمله في أن يؤدي إطلاق سراح وايت إلى انفراجة في العلاقات المريرة.

وفي تقرير سابق نشرته "الاستقلال" في 20 مارس/ آذار 2020، سلطت الضوء على أوراق الضغط الإيرانية التي يمكن أن تستخدمها لتخفيف الأزمة مع الولايات المتحدة في ظل تفشي فيروس كورونا، وأن واحدة منها هي ورقة المحتجزين الأميركيين لديها، والتي تضغط واشنطن لإطلاق سراحهم.

ولعل ما يؤكد تحركك طهران على ملف الرهائن لتخفيف الأزمة والبدء بحوار مع واشنطن، هو تحدي ظريف لترامب للعودة إلى الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه واشنطن قبل عامين، مستغلا نبرة ترامب التصالحية بعدما أفرجت طهران عن أحد أفراد البحرية الأميركية.

في نفس اليوم الذي أفرجت فيه طهران عن وايت، شكر ترامب إيران، معتبرا أن هذا الإفراج يُظهر إمكان إبرام اتفاق بين العدوين اللدودين.

وردا على ذلك، كتب ظريف على "تويتر" مخاطبا ترامب "حققنا تبادلا إنسانيا رغم جهود مرؤوسيك، كان لدينا اتفاق عندما توليت منصبك… ارتكب مستشاروك الذين عُزل معظمهم الآن حماقة. الأمر متروك لك إن شئت إصلاحه".

"الباب مفتوح"

ملف السجناء بين الطرفين الذي حركته كورونا، أبقى الباب مفتوحا أمام طهران لإجراء مفاوضات على نطاق أوسع مع واشنطن بشأن برنامجها النووي وقضايا أخرى، بحسب المبعوث الأميركي الخاص بشأن إيران برايان هوك.

بعد يوم واحد من الإفراج عن وايت، هوك قال للصحفيين: إن ترامب "ترك الباب مفتوحا أمام الدبلوماسية سنوات كثيرة، وفي نفس الإطار اجتمع مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون 3 مرات. وعلى ذلك نود أن نرى النظام (الإيراني) وقد قابل دبلوماسيتنا بالدبلوماسية".

وأوضح أن المفاوضات الأميركية الإيرانية حتى الآن لم تتعد مناقشة تبادل الإفراج عن السجناء إلى قضايا مثل برنامج إيران النووي. وقال: إن واشنطن تعتزم التمسك بسياسة العقوبات الاقتصادية القاسية على طهران في محاولة لجذبها إلى مائدة المفاوضات لطرح قضايا مثل البرنامج النووي. وقال: "الخجل والضعف من شأنهما المزيد من العدوان الإيراني".

من جهتها، كشفت طهران أن ظريف، بحث منذ أشهر مع بيل ريتشاردسون حاكم ولاية نيومكسيكو الأميركية السابق، مسألة الإفراج عن أميركي تحتجزه إيران.

ونقلت وكالة "مهر" الإيرانية عن المتحدث باسم الخارجية عباس موسوي، قوله: إن "ظريف وريتشاردسون بحثا قبل أشهر مسألة تبادل جميع السجناء الأميركيين والإيرانيين"، مضيفا: أن "ظريف رحب بالاستجابة للجهود الإنسانية المبذولة للإفراج عن الإيرانيين المسجونين لدى الولايات المتحدة وحلفائها".

وفي هذا الصدد، قال موسوي: "قرار إخلاء سبيل الموقوفين بسبب تفشي كورونا والصادر عن رئيس السلطة القضائية الإيرانية، شمل الأميركي وايت، ونظرا لأنه لا أقارب له في إيران، فقد تم تسليمه للسفارة السويسرية بطلب منها على اعتبارها راعية لمصالح الحكومة الأميركية في إيران".

وكشف موسوي أن أعراض فيروس كورونا ظهرت على وايت، لذا خضع للعلاج والإشراف الطبي الكامل، وبعد التأكد من سلبية اختبار الفيروس تم الإفراج عنه".

ولفت إلى أنه بالتزامن مع الإفراج عن وايت فقد تسلم العالم الإيراني مجيد طاهري، قرار الإفراج عنه من المحكمة وخرج من السجن في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن طاهري "كان معتقلا لأسباب واهية".

قبل يوم من إطلاق سراح وايت، أفرجت واشنطن عن العالم الإيراني سيروس أصغري (59 عاما) الذي كان مسجونا في الولايات المتحدة، بتهمة "سرقة أسرار تجارية" منذ عام 2016.

محتجزون أميركيون

موضوع المحتجزين بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، ليس جديدا، وإنما يعود إلى عام 1979، منذ الثورة في إيران التي أطاحت بحكم الشاه، وجاءت برجل الدين روح الله الخميني إلى السلطة.

ومع كل أزمة تحدث بين البلدين، تأخذ المفاوضات في هذا الملف بعدا جديدا، إذ تحتجز إيران أوروبيين مثلما تحتجز أميركيين. فقد توصل تحقيق أجرته "رويترز" في 2017 إلى أن الحرس الثوري ألقى القبض على 30 شخصا على الأقل من ذوي الجنسية المزدوجة خلال عامين.

وتطالب الولايات المتحدة بعد إطلاق سراح وايت، بالإفراج عن ما لا يقل عن 5 مواطنين أميركيين مسجونين حاليا في إيران أو يقضون حياتهم خارج السجن بكفالة.

وقال براين هوك خلال تصريحاته للصحفيين في 5 يونيو/ حزيران 2020: "عدد المواطنين الأميركيين المعتقلين دون جريرة في الخارج والذين سيتم الإفراج عنهم سيزيد"، لكنه لم يقدم تفاصيل عن توقيت أو مكان إمكانية حدوث ذلك.

وكرر المسؤول الأميركي مناشدة إيران الإفراج عن المواطنين الأميركيين، الخبير البيئي باقر نمازي، وابنه رجل الأعمال سياماك نمازي، المتهم بالتجسس والذي اعتقل في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، كما طالب بالإفراج الصحي عن مراد طهبز.

من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في 3 يونيو/ حزيران 2020: إن خطوة طهران التي تمثلت بتحرير وايت كانت "بناءة"، لكنه حث على إطلاق سراح 3 مواطنين أميركيين آخرين من أصل إيراني ما زالوا محتجزين.

في عام 2016، جرت صفقة تبادل محتجزين بين الولايات المتحدة وإيران، حيث أفرجت واشنطن عن 7 إيرانيين، فيما أطلقت طهران سراح 5 أميركيين.

لكن تلك الصفقة لم تحل أقدم الحالات، وهي اختفاء بوب ليفينسون ضابط مكتب التحقيقات الاتحادي السابق الذي اختفى في جزيرة كيش الإيرانية عام 2007 وهو في مهمة لجمع معلومات، لكن عائلته أعلنت في مارس/ آذار 2020، أنه توفي بسجون إيران قبل تفشي كورونا.

وبعد عام من صفقة التبادل بين البلدين، ألقت إيران القبض على 5 آخرين من مواطني الولايات المتحدة أو المقيمين فيها ووجهت إليهم تهما مختلفة، بحسب تقرير لوكالة "رويترز".

في المقابل، تبين من خلال فحص وثائق وزارة العدل الأميركية وتقارير إعلامية، أن هناك قائمة بالإيرانيين الذين يحمل بعضهم الجنسيتين الأميركية والإيرانية، ومعظمهم مسجونون بسبب انتهاك العقوبات المفروضة على إيران بطريقة أو بأخرى، والبعض منهم خارج السجن بكفالة أو في انتظار ترحيلهم إلى إيران.

محتجزون إيرانيون

من ضمن الإيرانيين العشرة الذين ما زالوا محتجزين في الولايات المتحدة، هم: سجاد شهيدان (33 عاما) متهم بالتحايل على العقوبات المفروضة على إيران، وميرداد أنصاري (38 عاما)، مقيم في الإمارات، والتهم الموجهة له التصدير غير القانوني من الولايات المتحدة إلى إيران، لقطع غيار تستخدم في أغراض عسكرية حساسة.

أيضا، علي صدر هاشمي نجاد (40)، متهم بانتهاك العقوبات، وقيامه بإرسال أموال إلى بلاده، وبهزاد بورغاناد (66)، متهم بانتهاك العقوبات بتصدير ألياف الكربون إلى إيران.

أما رضا أولانجيان (59) فهو إيراني أميركي متهم بالتخطيط لمحاولة إرسال صواريخ أرض جو ومعدات أخرى إلى إيران.

في 10 مايو/ أيار 2020، أبدت إيران استعدادها لتبادل جميع السجناء مع الولايات المتحدة. وقال المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي: "إيران على استعداد لتبادل جميع السجناء مع الولايات المتحدة، من دون شروط مسبقة، لكن واشنطن لم ترد بعد"، حسبما نقلت وكالة "إسنا" الإيرانية للأنباء.

ونقلت عن ربيعي قوله: "قلنا منذ فترة إننا على استعداد لتبادل جميع السجناء الإيرانيين والأميركيين. يبدو الآن أن أميركا أكثر استعدادا من قبل لإنهاء هذا الوضع"، مشيرا إلى أن إيران تنتظر ردا.

وسبق أن أفرجت إيران في ديسمبر/كانون الأول 2019 عن الأكاديمي الأميركي شيوي وانغ، مقابل الإفراج عن العالم مسعود سليماني، وقالت إنها منفتحة على المزيد من عمليات تبادل سجناء.


المصادر