متحالفا مع حميدتي.. كيف فرط حمدوك في دماء شهداء اعتصام الخرطوم؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل ما يقرب من عام، وتحديدا في 3 يونيو/ حزيران 2019، شهد السودان مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، والذي عرف إعلاميا بـ (مجزرة الخرطوم)، بعدما اجتاحت قوات من الجيش، مدعومة بقوات كبيرة من عناصر الدعم السريع، مقر الاعتصام مستخدمة الأسلحة وقنابل الغاز، ما تسبب في مقتل أكثر من 100 متظاهر، بالإضافة إلى مئات المصابين.

لم ينس السودانيون ذلك اليوم، وظلت مشاهد الفض حاضرة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، من الذي يحمل أوزار الدم من قادة القوات المسلحة؟ لا سيما وأن عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع، هم ممثلو السلطة في ذلك الوقت، ولا تتحرك القوات إلا بأمر منهما.

الشارع السوداني يسأل قادة الحراك وعلى رأسهم رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، و"قوى إعلان الحرية والتغيير"عن الوفاء بتعهدهم بعدم التفريط في دماء الشهداء.

لجنة تقصي الحقائق تعهدت بمحاسبة المجرمين، في الوقت الذي وضع فيه حمدوك ورفاقه أيديهم مع من يشار إليهم بالمسؤولية عن سفك الدماء.

السؤال الذي يطرح نفسه، هل يستطيع حمدوك أن يحاسب حميدتي أو البرهان أو أيا من رجال المجلس العسكري إذا ثبت تورطهم؟ وهل في الأساس حمدوك جاد في طرح خطابات القصاص لدماء رفاق الثورة والميدان؟.

مجزرة مروعة

قبل عام وتحديدا في 3 يونيو/ حزيران 2019، وقع أكثر من 100 قتيل وأصيب نحو 700 شخص خلال الهجوم الذي استهدف اعتصام القيادة العامة 2019، والذي طالب بتحقيق أغلبية مدنية في المجلس السيادي الذي كان قد اتفق عليه في ذلك الوقت.

وفي 11 يونيو/ حزيران 2019، نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، تقريرا عن وقوع 70 حالة اغتصاب على يد قوات الدعم السريع، أثناء فض الاعتصام، وفقا لشهادة أطباء.

وقال تقرير الصحيفة البريطانية: "تفاصيل جرائم الاغتصاب التي نفذتها عناصر قوات الدعم السريع قد انتشرت خلال الأيام الأخيرة على الإنترنت، رغم القيود المفروضة على الاتصالات في السودان".

وحملت قوى إعلان الحرية والتغيير (قائدة الحراك الشعبي) المجلس العسكري الانتقالي الحاكم، والذي شغل الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) منصب نائب رئيس المجلس، مسؤولية فض الاعتصام. 

حاول النظام السوداني بقيادة رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان، ونائبه حميدتي، طمس حقائق عملية فض الاعتصام سريعا، وفي 22 يونيو/ حزيران 2019، تمت "إقالة النائب العام المكلف الوليد سيد أحمد من منصبه وتعيين عبد الله أحمد عبد الله نائبا عاما مكلفا". 

الإقالة جاءت على خلفية أن النائب العام المقال كشف كواليس ليلة فض اعتصام المحتجين أمام القيادة العامة للجيش، مؤكدا أنه "لم يتم الحديث معه حول ذلك".

وقال: إنه تم الاتفاق على إخلاء "منطقة القيادة العامة دون استخدام الرصاص، واستخدام العصي أو الغاز المسيل للدموع فقط في حال مقاومة قوات الأمن"، وهو ما خالف رواية المجلس العسكري، وتسبب في حرج بالغ للقيادات العسكرية.

في 28 يونيو/ حزيران 2019، صدرت نتائج لجنة التحقيق التي شكلتها النيابة العامة للكشف عن ملابسات العملية الدامية لفض الاعتصام، ورغم أن اللجنة أكدت تورط عناصر من قوات الدعم السريع في الفض، لكن المحتجين وقادة الاعتصام شككوا في نزاهة اللجنة، وروايتها وما توصلت إليه.

المحتجون أعلنوا أن الحقيقة الكاملة لا يمكن أن تكشف إلا عن طريق لجنة مستقلة تشكلها السلطة المدنية وتكون بإشراف إقليمي ودولي، وهو مالم يحدث حتى الآن، رغم وصول سلطة مدنية بقيادة ممثل قوى الحرية والتغيير، بقيادة حمدوك.

تحالف مريب 

في سبتمبر/أيلول 2019، أصدر الرئيس حمدوك، قرارا بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في أحداث فض الاعتصام، وفي 3 يونيو/ حزيران 2020، في الذكرى الأولى لمجزرة فض الاعتصام وعد "بالكشف عن الحقيقة الكاملة ومحاسبة المجرمين من أجل الوصول إلى المصالحة الوطنية".

لهجة حمدوك تغيرت وكانت تميل إلى تخفيف النبرة والحديث عن المصالحة قائلا: "معركة ترسيخ الديمقراطية في السودان هي الوفاء الحقيقي لدماء الشهداء، نحن قادرون على تجاوز كل التحديات التي تواجهنا في كل المجالات".

واستشهد حمدوك بتجارب دول طويت صفحات دامية في تاريخها عبر العدالة الانتقالية والمصالحة أبرزها جنوب إفريقيا والأرجنتين والبرازيل.

لكن الملفت في خطاب حمدوك، الذي حاول أن يجعله مزيجا من التوعد بالمحاسبة، والتطلع إلى الاستقرار والمستقبل، أنه لم يذكر قوات الدعم السريع أو قائدها حميدتي من قريب ولا بعيد، رغم ثبوت تورطها في فض الاعتصام، حسب تقرير لجنة تقصي الحقائق.

وفق متابعين، فإن ما يمنع حمدوك هو التحالف القائم بينه وبين حميدتي، منذ أبريل/ نيسان 2020، إثر قرار إعادة تشكيل الآلية العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية في السودان.

وتتمثل الآلية العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية في السودان، بضم في جُعبتها المكونات الثلاثة للسلطة السودانية، التي تتكون من المجلس السيادي، ومجلس الوزراء، وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية للثورة).

وبينما يقود حميدتي تلك الآلية، يأتي حمدوك نائبا له، ويعمل تحت إدارته وإشرافه، وهو ما يشكك في نزاهة أي تحقيق بشأن دماء شهداء المجزرة، فكيف يطالب حمدوك بالقصاص من القوات التي يعمل هو تحت قيادة قائدها؟ وكيف يمكن أن يقاضي حمدوك وقوى الحرية والتغيير، حميدتي بعد إقرارهم بقيادته، وعدم التطرق إلى انتهاكاته؟

ترقب دولي

مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، لا تشغل فقط الداخل السوداني، بل لها بعد أممي، وفي 3 يونيو/ حزيران 2020، قال الاتحاد الأوروبي: إنه "يتابع جهود الخرطوم في إجراء تحقيق مستقل لأحداث فض اعتصام القيادة العامة للجيش، مطالبا بكشف الحقيقة في هذا الخصوص ومحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان".

وأكد من خلال البيان: "نتابع عن كثب جهود السلطات السودانية لإجراء تحقيق مستقل وشفاف.. من الضروري العثور على الحقيقة حول ما حدث قبل عام أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم". 

وفي نفس اليوم جددت الأمم المتحدة دعوة الخرطوم إلى تقديم المسؤولين عن فض الاعتصام وانتهاكات حقوق الإنسان إلى العدالة.

ورد ذلك في بيان صادر عن المنسقة المقيمة للأمم المتحدة بالسودان قوي يوب سن، بالتزامن مع حلول الذكرى الأولى لأحداث فض الاعتصام. مذكرا "قبل عام، شهد العالم هجمات وحشية على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في السودان".

وأورد البيان: "نيابة عن فريق الأمم المتحدة في السودان، أكرر دعوة الأمين العام (أنطونيو غوتيريش) السلطات إلى التحقيق بشكل موثوق ومستقل، وتقديم المسؤولين عن الانتهاكات المبلغ عنها لحقوق الإنسان إلى العدالة".  

براجماتية واضحة

قيادي بحزب المؤتمر الوطني السوداني، قال "للاستقلال": إن "دماء الشهداء كلمة حق يراد بها باطل، فالفاعل معلوم، وموجود، ويحكم، لكنهم لا يريدون قول الحقيقة مغبة العواقب، وتحسبا أن يخسروا مكاسبهم السياسية وصفقاتهم التي عقدوها".

وأضاف: "من ارتكب مجزرة فض الاعتصام عناصر من قوات الدعم السريع، مدعومة ببعض فرق الجيش، بأمر من المجلس العسكري، فلا يمكن أن يتم الإقدام على مجزرة كهذه دون الرجوع إلى القيادة العامة، أو أن تحدث بشكل عشوائي، بل هي خيار مدروس بدقة، وكانت مخططة بإحكام، على شاكلة فض الاعتصامات في مصر الشقيقة"، في إشارة إلى فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس/آب 2013. 

وذكر القيادي السوداني: "في النهاية حمدوك، وقوى الحرية والتغيير، قبلوا بالخيار السياسي، وعقدوا الصفقات مع أعدائهم السابقين، وارتضوا المشاركة تحت أمرتهم في قيادة البلاد وتشكيل الحكومة، فأضحى الحديث عن دماء الشهداء بعد كل هذا، مجرد شعارات، تستخدم لتسكين الآلام، وتحقيق المكاسب، بطريقة براجماتية واضحة". 

وتساءل: "هل يستطيع أحدهم أن يفسر لماذا تمت إقالة النائب العام الوليد سيد أحمد، بعد شهادته ضد المجلس العسكري؟ وتعيين نائب آخر على عين البرهان وحميدتي، وهو عبد الله أحمد، دون أن يتحركوا أو يشرعوا في تفنيد ذلك المخطط الشيطاني".

واختتم حديثه: "على الشعب السوداني، وأهالي الشهداء والضحايا أن يعلموا أن حمدوك، ورجال الحكومة، فرطوا في دماء الشهداء، وفي حقوق الشعب السوداني بأكمله، في أكثر من مسألة، لا سيما استدعاء البعثة الأممية، التي لا نعلم إلى أي مسار سوف تنتهي بنا، تلك الورطة التي افتعلها حمدوك، وتهدد مستقبل السودان لأجيال قادمة".