الابتزاز السياسي الإلكتروني ينشط في العراق.. من يقف وراءه؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

باتت مواقع التواصل الاجتماعي أرضا خصبة لتصفية الحسابات بين القوى والأحزاب السياسية النافذة بالعراق، إذ تتحول في وقت الأزمات إلى ساحات لنشر شتى أنواع الفضائح والملفات التي لا يجرؤ أي طرف على التحدث بها بصورة علنية.

وأظهرت زيارة وفد عراقي يرأسه وزير المالية علي عبد الأمير علاوي إلى الرياض في 21 مايو/ أيار 2020، إحدى صور تلك الحرب الإلكترونية، حيث نشط حساب على "تويتر" باسم الوزير وأخذ ينشر تصريحات تثير الجدل عما جرى في اجتماعات مع المسؤولين السعوديين.

وتناقلت الكثير من وسائل الإعلام العراقية، ولا سيما المعروف عنها الرصانة في نشر الأخبار، تصريحات نسبها الحساب للوزير العراقي، الأمر الذي تسبب بجدل واسع في الأوساط السياسية، كونها استهدفت الجانب الإيراني، وأشادت بشكل كبير بالسعودية ودورها في دعم بغداد.

"تضارب مصالح"

الحساب الوهمي للوزير العراقي الذي حذف لاحقا، سلط الضوء على ظاهرة "الابتزاز الإلكتروني" بنشر الفضائح، ولا سيما أن الحكومة الجديدة أعلنت في بداية مشوارها أنها ألقت القبض على صاحب حساب "هايدة العامري" الشهير على "تويتر" والذي قالت إنه كان "يبتز السياسيين".

لكن حسابات كثيرة على مواقع التواصل لم تتوقف عن شن حملاتها، إذ تظهر في اليوم الواحد عشرات الصفحات الممولة على "فيسبوك" تروج معلومات ووثائق تتعلق بقضايا فساد مالي أو تورط بالإرهاب ضد شخصيات سياسية من برلمانيين ومسؤولين حاليين وسابقين.

وتعليقا على الموضوع، قال الخبير الأمني والإستراتيجي العراقي فاضل أبو رغيف، في مقابلة تلفزيونية: إن "المال السياسي الفاسد وتضارب المصالح بين الأحزاب وتصفية الحسابات، كلها تعد الدافع الأول لإنشاء حسابات وهمية".

ورأى أبو رغيف أن "أخطر الأخبار هي التي تحتوي على أنباء حقيقية مع أخرى كاذبة فيكون دس المعلومات المغلوطة بين الأسطر، ولا سيما أن الحكومات مؤخرا تبنت قراراتها في بعض الأحيان بناء على ضغط مواقع التواصل".

وبخصوص تطبيق القانون لإنهاء هذه الظاهرة، قال أبو رغيف: "إذا كان الشخص الذي يبتز غير مدعوم من حزب أو جهة نافذة فهذا يكون اعتقاله ومحاكمته من السلطات سريعة وفورية، لكن المشكلة بمن يمتلك جهات داعمة وساندة، فعندها تتدخل لمنع يد القانون من أن تطاله".

من وراءها؟

وفي رصد لتلك الصفحات الممولة، لاحظت "الاستقلال" أن معظمها تستهدف قوى سياسية سُنية لا تنتمي إلى تحالف القوى العراقية بقيادة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، أو على خلاف معه، أو من الجهات السياسية التي انشقت عنه مؤخرا قبل تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي.

ومن أبرز الشخصيات التي استهدفتها تلك الصفحات الممولة، هو وزير التخطيط العراقي الأسبق، سلمان الجميلي، السياسي السني الذي ينتمي إلى "جبهة الإنقاذ والتنمية" بزعامة أسامة النجيفي، والتي تعتبر من أشد المناوئين لرئيس البرلمان.

ووجهت إلى الجميلي اتهامات بالتستر على الإرهاب، وذلك بعدما أعلنت ألمانيا محاكمة عراقي يدعى طه الجميلي، بقضايا إرهاب تورط بها مع تنظيم الدولة قبل هجرته من العراق، إذ زعمت تلك الحسابات والتي نشرته في "يوتيوب" أيضا بأنه ابن شقيق وزير التخطيط السابق.

وفي حديث لـ"الاستقلال" نفى مصدر خاص قريب من سلمان الجميلي، أن يكون المتهم له قرابة مع وزير التخطيط الأسبق، وقال: إن "المعلومات الواردة لا أساس لها من الصحة وهي مغلوطة غايتها الاستهداف السياسي".

وأوضح المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن "أشقاء الجميلي ثلاثة، وليس لأحدهم ولد اسمه طه، والموضوع كله لا أساس له من الصحة ولو واحد بالمئة، وهذا دليل على الاستهداف السياسي من منافسين وخصوم".

ولفتت إلى أن "سلمان الجميلي سبق أن فاز بعضوية البرلمان، لكن مقعده سلب منه بالتزوير، وذهب إلى صالح شخصية أخرى قريبة من رئيس البرلمان، وكسب في يناير/ كانون الثاني 2020 القضية التي رفعها في المحاكم العراقية".

وليس ببعيد عن الجميلي، فقد كان النائب محمد إقبال الصيدلي والذي انشق مؤخرا من تحالف القوى العراقية (أكبر ممثل للسنة في البرلمان)، أحد المستهدفين، وذلك بنشر وثائق تتهمه بالتورط في فساد مالي حينما كان وزيرا للتربية من عام 2014 وحتى 2018.

وفي تغريدة على حسابه في "فيسبوك" رد النائب الصيدلي على تلك الاتهامات، بالقول: "لن نهتم للمواقع الوهمية والذباب الإلكتروني وجيوش المرتزقة التابعة لمن نعرفهم. ماضون باستقلالية وحرية قرارنا ولسنا عبيدا كالآخرين".

معالجات حكومية

وفي أغسطس/ آب 2019، فرضت السلطات القضائية العراقية إجراءات جديدة على النشر في المواقع الإلكترونية التي تشمل بدورها منصات التواصل الاجتماعي، متوعدة بتجريم كل من يتورط في إنشاء مواقع تحمل أسماء مستعارة أو غير حقيقية.

وبحسب بيان مجلس القضاء الأعلى، فإن "المجلس وجه المحاكم بالتعامل مع ظاهرة إنشاء المواقع الإلكترونية الوهمية التي تسيء إلى مؤسسات الدولة ورموزها والشخصيات السياسية والاجتماعية والمواطنين بصورة عامة، على اعتبار أنها من جرائم التزوير المقترنة بالقذف والسب المعاقب عليها بموجب قانون العقوبات النافذ، ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم بأقصى العقوبات".

وتتحدث المواد (433، 434، 435) من قانون العقوبات العراقي عن السب والقذف والتشهير، واستنادا إلى ذلك تعتبر محكمة التمييز أن ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي هو بمثابة ما تنشره وسائل الإعلام.

كما خصص جهاز الأمن الوطني أرقام هواتف خاصة للتبليغ عما ينشر لغرض الرقابة، لأن قانون الجرائم الإلكترونية لم يقر في البرلمان بعد، لكن المحاكم في الوقت الحاضر تطبق قانون العقوبات.

من جهته، قال عضو مجلس أمناء "اللجنة الوطنية للاتصالات والإعلام" في العراق سالم مشكور: إن "العراق بحاجة إلى تطوير إدارات مراقبة لهذه المواقع، تتمتع بمهارات عالية التقنية، بالإضافة إلى الحاجة إلى قنوات اتصال مباشرة مع إدارات هذه المواقع لتنظيم إغلاق الصفحات المسيئة".

وأوضح مشكور أن "المبتزين يتلقون معلومات من المتعاونين في العراق الذين غالبا ما يكونون في جهاز الدولة"، مضيفا أنه بسبب عدم تمرير مشروع قانون الجرائم الإلكترونية حتى الآن، يتعين على السلطات القضائية الاعتماد على قانون العقوبات الحالي في ملاحقة المبتزين.

جوانب إيجابية

لكن مراقبين أكدوا في الوقت ذاته أن بعض الوثائق والتسريبات التي تستهدف شخصيات سياسية ومسؤولين في الحكومة، كانت لها أبعاد إيجابية، حيث شكلت ضغطا كبيرا على السلطات العراقية تجاه الشخصيات النافذة المتورطة بالفساد.

وقال الخبير القانوني علي التميمي في تصريحات صحفية: إن "ما ينشر بالإمكان الاستناد عليه وتقديم دعوى قضائية ضد من ورد اسمهم بأي تهمة ضمن الوثائق المنشورة، لأن ما يعرض في وسائل الإعلام ومنها وسائل التواصل، يعتبر بلاغا للادعاء العام، فيمكن للأخير وفق المادة (5) أن يتحرك تلقائيا، ويقيم دعوى بالحق العام".

ومن هذا المنطلق، اعتبر البعض قرار مجلس القضاء الأعلى في العراق بمحاسبة كل من ينشئ صفحات وهمية، بأنه تضييق على الحريات، ويحمل أبعادا خطيرة، وتشجيع على السكوت على ملفات فساد.

ونقلت صحيفة "العربي الجديد" عن مسؤول حكومي عراقي في بغداد (لم تذكر اسمه)، قوله: إن بيان مجلس القضاء قد يتسبب في إعاقة حق الحصول على المعلومة وكذلك محاربة الفساد.

وأضاف: "هناك صفحات أو مواقع متخصصة بابتزاز المواطنين خصوصا الفتيات، ونشر صور خاصة والهدف منها مالي، وأخرى تهدف إلى نشر شائعات عن عائلات أو أسر، وثالثة لبث الفتنة والطائفية والتعصب. وهذا كله من المحمود القضاء عليه وملاحقة من يقف خلفه بل ونباركه ونطالب بالمزيد".

وأردف المسؤول الحكومي: "لكن الخشية من أن يكون القرار مقيدا لعمليات نشر تتحدث عن فساد وانتهاكات، وهذه لن تخرج للنور إلا من خلال صفحات التواصل الاجتماعي وبالتأكيد عبر أسماء غير حقيقية".

وأشار إلى أن "لجوء هؤلاء إلى نشر الملفات والوثائق في مواقع تحمل أسماء مستعارة، هو خطوة لحماية أنفسهم من أولئك الفاسدين، إذ إنهم لا يستطيعون تقديم شكاوى رسمية إلى القضاء ويكونون بمواجهة مافيات الفساد، كما أن الشكاوى قد تغلق داخل السلطة القضائية ولا تكشف للرأي العام".