إعلان "مدينتي".. كيف يرسخ نظام السيسي لمفهوم الطبقية في مصر؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثار إعلان "مدينتي" الذي ظهر على شاشات التليفزيون المصري في 2 مايو/ آيار 2020، كثيرا من السخرية وبعضا من الغضب في نفوس المصريين.

وفق الإعلان، ظهر سكان "مدينتي" وهو مجمع سكني ضخم، وهم يتحدثون عن الحياة الفارهة بداخله، والرقي المجتمعي، وجودة خدماته المتعددة، التي تغنيهم عن الخروج منه وتحد من تواصلهم مع باقي المناطق.

الإعلان أظهر بعض المصطلحات المستهجنة، التي تستحق التأمل والتفسير، مثل (الناس هنا شبه بعضها - مش مضطرين كتير إن إحنا نطلع من مدينتي - ممكن أقعد سنة كاملة ما أخرجش منها)، الأمر الذي يدلل على محاولة ترسيخ النظرة الاستعلائية لسكان تلك المنطقة على غيرهم من بقية سكان العاصمة.

في عام 2006، أعلنت الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني، برئاسة رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، تدشين مشروع "مدينتي"، في شرق العاصمة المصرية القاهرة، بالقرب من الطريق الدائري الإقليمي، والعاصمة الإدارية الجديدة، وعلى مساحة 8 آلاف فدان بطاقة سكنية تصل لقرابة 600 ألف نسمة، عند اكتمال مراحله عام 2035.

المشروع الذي بدأ بدعاية واسعة، بشر المصريين المقتدرين بجنة على أطراف مدينتهم المزدحمة القاهرة، التي تعاني من العشوائيات وسوء الخدمات في أحراشها ومسالكها الوعرة.

ركزت إعلانات "مدينتي" في الترويج للمشروع على الاستغراق في الطبقية، والمقارنة بين وضع المدينة الجديدة، كأمل منشود، وبين القاهرة المثقلة بالمشاكل والعشوائيات.

سخرية واسعة

فور بث الإعلان الجديد لمدينتي ظهرت حالة من الجدل، وتفاعل المصريون معه عبر هاشتاج "مدينتي"، الذي تصدر قائمة الأكثر تداولا على موقع "تويتر" في مصر.

واعتبر المغردون الإعلان دعاية صريحة لترسيخ الطبقية والتنمر في المجتمع، وترويج لحياة المجمعات المغلقة، رغم الفقر الذي زادت وتيرته مع أزمة كورونا وحظر التجول، والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، كما انتقدوا حالة التنمر على باقي مدن مصر والطبقة المتوسطة والفقيرة.

وعلى طريقة المصريين الشهيرة في التهكم والسخرية من كل شيئ وأي شيء، ظهر مقطع فيديو مصور يرد على إعلان "مدينتي"، بإعلان شبيه يروج للسكن في منطقة فيصل، إحدى أبرز المناطق السكنية المزدحمة في محافظة الجيزة، حيث العشوائيات، وأكوام القمامة، والسينما، والسوبر ماركت.

الإعلامي شريف مدكور، وجه انتقادات لاذعة لإعلان مدينتي قائلا: "على فكرة في ناس كثيرة ساكنة في مناطق غير مخططة (عشوائية‏‏) مخهم وفكرهم أرقى بمراحل من ناس ساكنة في كمبوند وكفاية عنصرية بقى وطبقية يا أهل مصر".‏

وكعادته ولأنه من سكان مدينتي على الأغلب شن الإعلامي أحمد موسى، هجوما لاذعا على منتقدي "إعلان مدينتي"، قائلا: "تنمر رهيب، ما تبوصوش للناس، اشتغلوا علشان ربنا يكرمكم وتشتروا فيها، كأنهم عايزين يطفشوا الناس من البلد، حد بيبني ما تعملش حاجة، حد بيعمل شغل محترم لا ما تعملش".

حزام العشوائيات

لا يفصل "مدينتي" عن عشوائيات القاهرة بمناطق "الهجانة" و"منشية ناصر"، و"الدويقة" سوى بضعة كيلو مترات، وفي 30 مايو/ آيار 2016، قال رئيس النظام عبد الفتاح السيسي: "تطوير العشوائيات يحتاج إلى 14 مليار جنيه. مطلوب من الحكومة تدبيرها.. منين؟. وزير التخطيط ورئيس الوزراء دائما متألمان مني. ليس أمامنا خيار آخر".

في فبراير/ شباط 2018، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي)، تقريرا، أورد فيه أن نسبة العشوائيات تمثل نحو 39% من إجمالى الكتلة العمرانية بمصر وتنتشر فى 226 مدينة.

محافظة القاهرة احتلت المركز الثانى، من حيث انتشار العشوائيات بمساحة 19.4 ألف فدان بنسبة 12%، تليها محافظة الجيزة بـ 15.5 ألف فدان، بنسبة 9.6% من إجمالى مساحة المناطق العشوائية.

فيما تبلغ نسبة مساحة المناطق العشوائية غير الآمنة بمحافظتي القاهرة والإسماعيلية 40.7% من إجمالى مساحة المناطق غير الآمنة على مستوى الجمهورية.

العشوائيات بالقاهرة

و"العشوائيات" هي التسمية الدارجة في مصر للمناطق السكنية التي بنيت من دون تخطيط من قبل المتخصصين وبدون ترخيص رسمي في أغلب الأحيان، بدأت في ستينيات القرن الماضي، وتشمل اليوم أغلب أحياء القاهرة الكبرى.

وتتنوع عشوائيات مصر ما بين مساكن مكونة من طابق واحد مبنية بالطين أو الطوب اللبن، إلى بنايات خرسانية مكتملة المرافق قد ترتفع إلى 10 طوابق. نسبة منها تصنف بأنها غير آمنة، أي عرضة للانهيارات الأرضية، الفيضانات، حوادث القطارات، مخاطر الصعق الكهربائي.

والعشوائيات اسم مرتبط بمستوى الفقر، ففي نهاية يوليو/تموز 2019، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفاع معدلات الفقر في البلاد لتصل إلى 32.5% من عدد السكان، بنهاية العام المالي 2017/ 2018، مقابل 27.8% لعام 2015/ 2016.

وكشف تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن نحو 46 قرية بصعيد مصر، تتراوح نسبة الفقر فيها بين 80% إلى 100%.

ومع اتساع رقعة الفقر تلجأ الحكومة لسياسة الاقتراض من الخارج، حيث أعلن البنك المركزي ارتفاع ديون مصر الخارجية بنحو 13.6 مليار دولار لتصل إلى نحو 106.2 مليارات دولار في نهاية مارس/آذار 2020، مقارنة بشهر يونيو/حزيران 2019.