إسرائيل في دراما رمضان.. كيف تمهد أنظمة عربية لتنفيذ صفقة القرن؟

12

طباعة

مشاركة

شهدت السنوات الأخيرة موجة من الأعمال الدرامية التي تعيد تصوير اليهود في الوعي الجمعي العربي بشكل مخالف لما استقر في أذهان الأجيال منذ احتلال فلسطين، في إطار حرب نفسية تهدف إلى تدمير المعنويات وإشاعة جو من الإحباط وإطلاق بالونات اختبار، لتهيئة المنطقة لواقع جديد.

ويتزامن ذلك مع الاهتمام الأميركي في شمال سيناء المصرية المتاخمة لقطاع غزة، من خلال اتفاقية لتنميتها بلغت قيمتها 56 مليون دولارا، واقتراب "إسرائيل" من تنفيذ خطط ضم مناطق جديدة، في الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن، في يوليو/ تموز 2020، بحسب صحيفة هآرتس العبرية.

ووفقا لمقال كتبه الصحفي أنشل بفيفر في صحيفة هآرتس، فإن كل ذلك يتم استكمالا لحملة الدعاية المدعومة من أنظمة خليجية عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لفكرة التعايش والتطبيع مع إسرائيل، وهي أمور مرتبطة بإنفاذ "صفقة القرن".

ففي رمضان 1436 هـ/ 2015 م، تنقل المشاهد العربي بين الجزء السابع من المسلسل السوري "باب الحارة"، والذي تضمنت أحداثه قصة حب جمعت بين الشاب معتز، والفتاة اليهودية سارة.

ومن ثم مسلسل "حارة اليهود" الذي يحكي عن حب الضابط المصري علي، الذي كان يحارب على جبهة فلسطين في عام 1948، للفتاة اليهودية ليلى، وهو من إخراج محمد العدل، مخرج مسلسل "أم هارون" لهذا الموسم، الذي تدور أحداثه في أربعينيات القرن الماضي حول "امرأة تعاني الكثير من المتاعب في بلد خليجي، بسبب ديانتها اليهودية".

وهو ما أثار ضجة كبيرة، لم ينافسه فيها إلا مسلسل "مخرج 7" للممثل السعودي ناصر القصبي، باعتدائه الصارخ على ثوابت القضية الفلسطينية.

وفي الوقت الذي تمارس فيه "إسرائيل" نوعا من الرقابة على المصنفات الفنية العربية للتأكد من خدمتها لمشروع "صفقة القرن" وخلوها مما يعكر صفوه، تُمعن "دراما التطبيع" في التحدي.

وأثارت الدراما السعودية "الرمضانية" لهذا الموسم، ممثلة في مسلسلي "مخرج 7" و"أم هارون" الذين عرضا على قناة "إم بي سي"، ضجة هائلة في ظل اتهامات بالترويج للتطبيع مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين.

وأشارت لها صحيفة الجارديان البريطانية، إلى أن "الدراما التلفزيونية المدعومة من السعودية قد فجرت مفاجأة في توصيل الرسائل الموالية لإسرائيل، مستغلة الأمسيات الرمضانية التي كانت مخصصة للفوازير والتمثيليات المسلية، كقوة ناعمة لطرح أرضية جديدة للتسويق لمشروع التطبيع في المنطقة عبر إحداث تغييرات ثقافية تتماشى مع التحولات السياسية فيها".

وأضافت الصحيفة في مقال لها بعنوان "دراما رمضان والتحول في العلاقات العربية الإسرائيلية": أنه "بعد أن تلقى اليهود معاملة أكثر دفئا في السنوات الأخيرة تجلت في دراما عام 2015، كشفت الأيام الأولى من شهر رمضان هذا العام دليلا على أن عام 2020 سيحقق آفاقا جديدة، بإعادة استكشاف التاريخ اليهودي للخليج، والإيحاء بأن إسرائيل قد لا تكون عدوا، وأن الفلسطينيين هم ناكروا جميل السعودية وعطائها عبر السنين".

وأشارت إلى أن "اللآراء التي اتخذت في كلا العملين تتماشى مع مواقف الحكومة السعودية، التي جعلت التقارب بين البلدين أقرب مما كان عليه في أي وقت منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، لاسيما في ظل المخاوف التي تجمعهما بشأن إيران والإخوان المسلمين".

وذكّرت بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف ما يحدث في أكثر من مناسبة بأنه "لم يحدث قط في تاريخنا، حتى عندما وقعنا على اتفاقيات سلام، وما هو تحت السطح أكبر بكثير من أي فترة أخرى".

إنتاج الأساطير

تطرقت الحلقة الثالثة من مسلسل "مخرج 7" إلى العلاقات مع إسرائيل، عبر ردود أفعال داخل أسرة سعودية اكتشفت أن أحد أطفالها (زياد) يلعب عبر الإنترنت مع طفل إسرائيلي (عزرا)، ويظهر الأب (الفنان السعودي ناصر القصبي) غاضبا، وهو يقول: "قلت لزياد.. اقطع علاقاتك معه (عزرا) فورا". فترد زوجته "أنت تبالغ، دع الأطفال يلعبون".

أما المشهد الذي أحدث صدمة كبرى فجاء في حوار بين القصبي والفنان السعودي راشد الشمراني، الذي قال مخاطبا الأول: "إسرائيل بشر مثلك.. إسرائيل موجودة سواء أعجبكم ذلك أم لم يعجبكم". ويتابع: "ما ضيع العرب طوال هذه السنين إلا القضية الفلسطينية، والنتيجة كلام وجعجعة بلا نتيجة".

ثم يستطرد قائلا: "لو تظنون أنكم إن منعتم زياد من اللعب مع صاحبه الإسرائيلي أن تزول إسرائيل عن الوجود، فأنتم مخطئون".

واعتبر الشمراني في المسلسل أن "من يقول إن إسرائيل ستزول واهم"، و"أن العرب يقولون هذا الكلام منذ سنوات طوال، في حين أن دولهم هي التي بدأت تنتهي واحدة تلو الأخرى، وبقيت إسرائيل دون أن يمسها سوء".‎

وفي مشاهد لاحقة من الحلقة، زعم الشمراني أن الفلسطينيين يتحينون الفرص للهجوم على السعودية، رغم الدعم المالي الذي تقدمه لهم، داعيا إلى تعزيز التعاون التجاري بين المملكة وإسرائيل، مضيفا: "العدو هو من لا يقدّر وقوفك معه ويسبّك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين".

وفي تغريدة له على موقع تويتر، قال الكاتب السعودي وأستاذ الإعلام أحمد بن راشد بن سعيد: "حاولوا من خلال هذا الحوار (في مسلسل مخرج 7) الإيحاء بالتعددية، لكن الدفاع الباهت عن الفلسطينيين لم يُخف التشويه المتعمد لهم، فالهدف هو إثارة الكراهية ضدهم وإعادة إنتاج الأساطير المعادية لقضيتهم مثل أسطورة "باعوا أرضهم" التي تتجاهل أن المقاومة منعت المشروع الصهيوني من استباحة العالم العربي".

أما مسلسل "أم هارون" فقال المستشرق الصهيوني يوني بن مناحيم: بأنه "أنتج لكي يسهم في تعزيز التطبيع مع إسرائيل". وهو من بطولة الممثلة الكويتية حياة الفهد التي أثارت أخيرا جدلا واسعا بسبب تصريحاتها العنصرية تجاه الوافدين إلى بلادها.

تدور قصته حول سيدة يهودية تعاني مصاعب ومشاكل كثيرة في دولة خليجية، وهو إنتاج مشترك بين شركتين إماراتية وكويتية، ويحمل رسائل مبطنة عن اليهود ومعاناتهم، بحسب منتقدين.

وفي تفسيره لتركيز قناة إم بي سي على قضية التطبيع مع إسرائيل، قال محمد الثنيان، الباحث في التاريخ، لوكالة الأناضول: إن "سياسة القناة هي تكرار موضوع التطبيع حتى يصبح واقعا، فبعد رسائل أم هارون يتم التسويق للتطبيع في مخرج 7، من خلال حملة ممنهجة لغرس ثقافة التعايش مع اليهود، وأن اليهود مظلومون، متناسين الظلم الواقع على أهل فلسطين".

أما صحيفة الأخبار اللبنانية فقد ألقت الضوء على شخصية "أم هارون" الحقيقية، من خلال مقابلة تلفزيونية أجريت في سبعينيات القرن الماضي، مع سيدة تدعى "أم جان" ولدت في تركيا وعاشت في مدينة البصرة العراقية في الثلاثينيات من القرن الماضي، وتزوجت من رجل هندي مسيحي، قبل أن تنتقل من العراق إلى إيران، ثم إلى البحرين حيث كانت تعمل كممرضة وقابلة.

وتشير "الأخبار" إلى تقرير نشرته جريدة "الوقت" في 12 فبراير/ شباط 2006، أنه ذكر بأنها أرمينية وليست يهودية، وأنها قدمت من تركيا إلى البصرة وتزوجت من شاب هندي ثم غادرت معه إلى إيران ومنها إلى البحرين لتستقر هناك.

لتصل "الأخبار" إلى خلاصة مفادها "أن المسلسل الخليجي "أم هارون" هو مسلسل مفتعل بقصد الترويج للتطبيع مع الكيان الصهيوني على المستوى الشعبي العربي".

كما لا تستبعد أن يكون هدف هذا المسلسل "توريط الكويت وجرها إلى مستنقع التطبيع، فهي الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضته شعبيا ورسميا باستثناء قلة من المثقفين".

وأشارت الصحيفة إلى أن المسلسل "عمل خليجي وعربي تطبيعي موضوعا وتنفيذا وليس كويتيا فقط، فهو من إخراج محمد العدل من مصر، والمؤلفان علي ومحمد شمس من البحرين، كما أن غالبية الممثلين والممثلات من الإمارات والسعودية بالإضافة إلى آخرين من البحرين والأردن ومصر والعراق وعمان، وقد تم تصويره بالكامل في دولة الإمارات، وتمويله وإنتاجه من أم بي سي السعودية".

الرقابة الإسرائبلية

بعد أن اطمأنت "إسرائيل" لسير العملية الدرامية التطبيعية، تفرغت للرقابة وإرسال رسائل الإشادة أو الاحتجاج.

فقد أظهرت القناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية، إعجابها بمسلسل "مخرج 7" قائلة: "هذه هي المرة الأولى التي يتحدثون فيها علانية في السعودية عن أن إسرائيل ليست عدوا، هناك تغير جوهري يتجاوز حتى عتبة التطبيع، ويدعو إلى تعزيز السلام والعلاقات الدافئة بين الدولتين".

وفي مقال له بصحيفة يديعوت أحرونوت، قال يارون فريدمان، الباحث في الشؤون الإسلامية بمعهد التخنيون: إن "العاصفة الإسرائيلية تجتاح المسلسلات العربية في رمضان، وهو ما يشير إلى أن دول الخليج تستعد للتطبيع مع إسرائيل".

وبين أن "منتقدي المسلسلات الخليجية وجهوا اتهاماتهم للسعودية بتهميش القضية الفلسطينية بشكل منهجي ابتداء من مبادرة السلام العربية التي أطلقتها في قمة بيروت عام 2002، ووصولا إلى دعم صفقة القرن. وأن هذه المسلسلات فن موجه يهدف إلى تغيير الرأي العام العربي تجاه إسرائيل، مما يمهد الطريق للتطبيع"، بحسب موقع عربي 21.

أما أفيخاي أدرعي المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، فقد علق على "ردود الفعل الكارهة لليهود بعد بث مسلسل أم هارون"، على حسابه الرسمي بموقع تويتر قائلا: إن "إسرائيل هي الضامن الوحيد لكي لا يستطيع مطلقو هذه الشعارات تحقيق أحلامهم القبيحة أبدا".

من ناحيتها اكتفت صفحة إسرائيل بالعربية التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، بالاستشهاد بفحوى مقال للطبيبة والمدونة المصرية نيرفانا محمود، تعليقا على المسلسل، نشره موقع قناة الحرة، تتمنى فيه أن يستقبل سكان الخليج العمل "بلا تشنج أو رفض".

أما مسلسل "النهاية" الذي تم إنتاجه في مصر، وقام ببطولته الفنان يوسف الشريف، فقد نقلت صحيفة "جيروزالم بوست" عن خارجية الاحتلال بيانا تعبر فيه عن غضبها الشديد من محتوى حلقة من المسلسل يخاطب فيها معلم تلاميذه الذين يتلقون درسا في عام 2120 عن تحرير القدس.

وقال المعلم: "عندما حان الوقت للدول العربية للقضاء على عدوها اللدود، اندلعت حرب تحرير القدس، وانتهت سريعا بعد أن أدت إلى دمار إسرائيل قبل مرور 100 عام على تأسيسها". ووصفت "تل أبيب" العمل بأنه «مؤسف وغير مقبول على الإطلاق، خاصة بين دولتين أبرمتا اتفاقية سلام منذ 41 عاما".

لوازم التطبيع

وفقا للجارديان البريطانية، فقد أدرج رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي الأعمال الدرامية في حملته على حرية التعبير، وضغط على صانعي الأفلام للتأكيد على مواضيع تركز على تمجيد الجيش والتخويف من "شرور" الإخوان المسلمين.

وهو ما يؤكده برومو مسلسل "الاختيار" الذي يظهر فيه "السيسي" متحدثا فى خطاب له فى أكتوبر/تشرين الأول 2018، عن الضابط أحمد المنسي الذي قتل في أحداث سيناء، وأشارت أرملته في تصريحات تلفزيونية إلى أن " إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية هي من قامت بصناعة المسلسل مستلهمة فكرته من خطاب الرئيس"، بحسب صحيفة النهار اللبنانية.

إلا أن الواقع الإعلامي السعودي الإماراتي المصري في رمضان هذا الموسم يرسم صورة لمجتمع تم تدميره دينيا وثقافيا ووطنيا وأخلاقيا، وإغراقه في مستنقع من الفساد والإجرام والسرقة والمخدرات والحقد والصراعات، عبر تكريس مفهوم اللصوصية والفهلوة كما في مسلسل "100 وش".

كما جرى إشاعة سلوك السادية والنرجسية والتنمر من خلال مقالب برنامج "رامز مجنون رسمي" التي تصل إلى حد تعذيب الضيوف، لدرجة استدعت إصدار بيان تحذيري من مستشفى العباسية للأمراض النفسية والعقلية، للتحذير من "التأثير السلبي على الصحة النفسية للمواطن وللمجتمع".

كما لوحظ إعلاء قيم الشوفينية والنعرة القومية بالاحتشاد خلف مسلسل "الاختيار"، إلى حد إصدار فتوى بالترغيب في مشاهدته، باعتبار أنه "لا مانع من الفن الذي يرقق المشاعر ويهذب السلوك".

وسبق أن أثنى مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، التابع لدار الإفتاء المصرية أيضا، على فيلم "الممر" كعمل فني أعاد روح النصر والفخر والاعتزاز بقيم الفداء والوطنية والاعتزاز بالهوية. وقال السيسي، خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، في عام 2019: إن الفيلم "كان رسالة جميلة جدا للمصريين، احنا محتاجين فيلم مثل هذا كل 6 شهور".

في الأثناء، طرحت إحدى شركات الإنتاج المصرية قبل أربع سنوات برومو مسلسل يتناول سيرة المفكر الذائع الصيت د. مصطفى محمود، وأسند دوره للفنان خالد النبوي، وحصد مشاهدات عالية، وأبدى الكثير من المتابعين حماسا لمشاهدة العمل على الشاشة. وهو ما لم يحدث حتى الآن.

أيضا اختفت أعمال كان يعتبرها المراقبون إيجابية وبناءة، كحلقات السعودي أحمد الشقيري التي حظيت بملايين المشاهدات، وقدم آخرها في عام 2017، ليتوقف بعدها عن الظهور الإعلامي وإنتاج وتقديم البرامج.

وفي الوقت الذي لاحظ فيه المراقبون غياب أو شح الأعمال الفنية والدرامية الدينية والهادفة التي اعتاد الجمهور على متابعتها في الشهر الفضيل، حذر المؤشر العالمى للفتوى GFI، التابع لدار الإفتاء المصرية، من مشاهدة مسلسلي "وادى الذئاب" و"قيامة أرطغرل" التركيين، بدعوى أن "الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يستخدم مثل هذه القوى الناعمة لإحياء حلمه"، بحسب المصري اليوم.