رحاب العلاوي.. ناشطة سورية أرعبت نظام الأسد حيّة وميتة

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أحيا النظام السوري، قصة الناشطة الراحلة رحاب العلاوي التي قتلت في سجون بشار الأسد تحت التعذيب، وذلك من خلال استخدام صورتها في عمل درامي أطلق عليه "مقابلة مع السيد آدم" المعروض في رمضان 2020، على أنها شابة مصرية قتلت في سوريا.

وعُرضت صورة الناشطة الراحلة في عدد من مشاهد حلقة بُثت في 27 أبريل/ نيسان 2020، حيث يظهر واضحا الرقم الملصق على جبين الضحية، والتي سربت صورتها مع مجموعة صور كشفها الضابط المنشق المعروف باسم (قيصر) عام 2015.

"مهندسة ثائرة"

ولدت الناشطة السورية رحاب محمد صالح العلاوي في 20 يناير/ كانون الثاني 1989 بمدينة موحسن بريف دير الزور، انتقلت للعيش في دمشق بمنطقة ضاحية الأسد عام 2009، قبل اندلاع الثورة السورية بعامين.

اختارت دراسة الهندسة المدنية - فرع صرف المدن- الذي كان اختصاصا جديدا بسوريا حينها، في جامعة دمشق بعدما حصلت على معدل عال في مرحلة الثانوية العامة، لكنها اعتقلت في السنة الرابعة قبل أن تنال شهادة البكالوريوس.

انخرطت رحاب في صفوف الثورة السورية بعد اعتقال شقيقها عاصم في يونيو/ حزيران 2011 أي بعد 3 أشهر من اندلاع الثورة، والذي أودع في سجن صيدنايا، وحوكم بمحكمة ميدانية في السجن الأحمر.

نشطت رحاب العلاوي في بداية الثورة بالعمل الإغاثي ومساعدة النازحين من حمص إلى مناطق العاصمة دمشق، إضافة إلى تقديم العون للمعتقلين الذين يفرج عنهم نظام الأسد للوصول إلى أهاليهم، بحسب ناشطين.

قصة الاعتقال

الناشطة ذات الـ24 عاما اعتقلتها أجهزة مخابرات نظام بشار الأسد في 17 يناير/ كانون الثاني 2013، من منزلها في دمشق بتهمة مساعدة المتظاهرين المعارضين للنظام السوري.

ويقول شقيقها حمزة العلاوي في تصريحات صحفية: "مجموعة من سرية المداهمة يقدر عددهم بـ 10 عناصر جاؤوا إلى منزل أهلي في الساعة العاشرة مساء، وطلبوا من رحاب أن تحضر حقيبتها اليدوية".

وأضاف: أن رحاب "دخلت إلى المطبخ وكسرت الهاتف الجوال والشريحة التي كانت فيه، وألقت بهما في بالوعة (فتحة تصريف المياه) المطبخ"، لافتا إلى أن "زوار الليل" اقتادوها إلى الفرع 293 ومن ثم أودعوها في سرية الإيداع بالفرع 215.

علمت أسرة الناشطة من الضابط في النظام السوري اللواء حميدان العرسان أن رحاب معتقلة بتهمة الاشتراك في خطف صف ضابط يدعى تمام جعفري وهو ابن ضابط برتبة عميد من مدينة القرداحة في محافظة اللاذقية، كان جاسوسا لحزب الله ومقيما في ضاحية الأسد.

وأوضح حمزة أن تمام جعفري اندس في "الجيش الحر"، كما ساهم في تصفية عدد كبير من ناشطي الثورة في دوما وحرستا والقابون. وأظهر مقطع فيديو لفصيل من المعارضة السورية يظهر فيه جعفري ويقر بأن وظيفته كانت اختراق صفوف "الجيش الحر".

وتابع: "علمنا بعد فترة أن رحاب كانت تعمل مع الجيش الحر في برزة عدا عن عملها الإغاثي في توزيع الأغذية والأدوية نتيجة لما آلت إليه الثورة من عسكرة".

وأكد شقيق الناشطة الراحلة أن "الجيش الحر" في منطقة برزة كلف رحاب باستدراج تمام جعفري الملقب بـ"عزرائيل" ويبدو أنها تواصلت معه أكثر من مرة، وتمكنت من استدراجه إلى منطقة التماس، وتحديدا في قصر الحنبلي في برزة، حيث أعد له كمينا وتم اعتقاله.

وكانت المكالمة الأخيرة التي تلقاها جعفري قبل أن يقفل جواله من هاتف رحاب مما سهّل الوصول إليها بواسطة أجهزة التنصت المخابراتية، رغم أنها غيّرت شريحة الجوال، بحسب قول شقيقها.

وقبل ذلك، أكد حمزة العلاوي أن مخابرات النظام السوري وضعت عنصرا اتخذ صفة بائع على عربة خضار أمام بناية أهلي، وكلفت عنصرا آخر بمتابعة تحركات رحاب أينما ذهبت.

ابتزاز النظام

وبعد القبض على رحاب العلاوي، سعت أسرتها للحصول على معلومات عنها من خلال معارف من المسؤولين في السلطة، حيث دفعت أكثر من 18 ألف دولار لمسؤولين في الجيش وأجهزة الأمن السورية، لمعرفة مصيرها وتأمين الإفراج عنها، لكن محاولاتها لم تنجح.

ونقلت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن حمزة شقيق الناشطة السورية، قوله: بعد أشهر قليلة، أخبر عميد سوري الأسرة أن رحاب ماتت بسكتة. طلب بسام شقيق رحاب الثاني أن يرى قبرها، وفي مارس/آذار 2013، اصطحبه ضابط إلى مقبرة نجها على مشارف دمشق.

أطلع بسام الحراس على صورة لرحاب وسألهم إن كانوا شاهدوا جثتها. قال له الحراس: "نعم، أحضروا 3 فتيات ليلا منذ 10 أيام". وطلب حمزة من بسام أن يتم نبش قبرها لكنه لم يستطع. حين سأل الضابط، أجابه: "لا نستطيع أن نفعل أكثر من ذلك".

لم تستلم الأسرة قط شهادة وفاة، لكنها قررت إقامة مراسم تأبين لرحاب في الأردن فورا بعد ذلك. كما أقامت مراسم أخرى في يونيو/حزيران 2013 في السعودية، حيث يعيش شقيقان آخران لها.

في الشهر نفسه الذي أقيمت فيه مراسم التأبين الثانية لرحاب بالسعودية، اتصل أحد معارف الأسرة على صلة بوزير العدل السوري بأسرة رحاب وأخبرهم أنها ما زالت على قيد الحياة.

قال حمزة للمنظمة الأممية: "قلنا له إن بسام رأى قبرها. فقال لنا: هي في فرع المخابرات العسكرية، رأيت اسمها في السجل. لو كانت ماتت لما ورد اسمها فيه".

وبعدها بشهور، في أكتوبر/تشرين الأول 2013، اتصل ضابط أمن في الجيش بالأسرة وطلب 90 ألف دولار لتأمين الإفراج عن رحاب، منها 50 ألف دولار نظير خدماته و40 ألفا لتأمين خروجها من سوريا إلى تركيا. التقى بسام وسيطا ودفع له في إسطنبول.

بعد تحويل المبلغ، قال الضابط لأسرة رحاب إنها تركت سوريا إلى لبنان. قال حمزة لــ"هيومن رايتس ووتش": "صدقناه. بحثنا في جميع أنحاء لبنان، بحثنا في كل خيمة. طوال 8 شهور كنا نأمل في العثور عليها".

ونقلت المنظمة عن معتقلة سابقة تدعى هنادي، قولها: إنها اعتقلت مع رحاب لأكثر من 3 أسابيع في فرع أمن الدولة 215. وصلت رحاب في أواخر يناير/كانون الثاني أو أوائل فبراير/شباط 2013، وفقا لهنادي ومعلومات من معتقلين سابقين آخرين زودا بها أسرة رحاب.

وأضافت هنادي: "قضينا 24 يوما معا في الزنزانة، بجوار بعضنا البعض، حدثتني عن أبويها. كانت تريد رؤيتهما. كما تحدثت عن أشقائها وشقيقاتها، كانت خائفة على أسرتها".

ونقلت المنظمة عن معتقلة أخرى (لم تسمها) إن ذات ليلة نحو الساعة 11 ليلا بعد شهر ونصف من نقل هنادي، جاء الحراس وقالوا لرحاب: "أحزمي أغراضك. ستذهبين إلى المنزل".

صور "قيصر"

في مارس/آذار 2015، نشر الضابط السوري المنشق عن النظام المعرب بـ"قيصر" أكثر من 50 ألف صورة لـ11 ألف جثة، قتل أصحابها بشكل ممنهج في سجون بشار الأسد.

بعد نشر صور قيصر على الإنترنت، اتصل أحد أبناء عمومة الناشطة السورية بأسرتها واستفسر إن كانت صورة رحاب من بين الصور المسربة. قال ابن العم: "إنها تشبه رحاب تماما".

رغم تعرف الأسرة على رحاب، طلبت من معتقلات سابقات رأينها في السجن أن يؤكدن هويتها في الصورة، لأن مظهرها تغير كثيرا خلال فترة الاعتقال.

ونقلت "هيومن رايتس ووتش" عن المعتقلة السابقة هنادي قولها: "ذات يوم اتصل شقيقها بي وسألني إن كانت صورة رحاب من بين الصور التي نشرت. زاد وزنها كثيرا في المعتقل، لأننا لم نكن نتحرك، وكنا نأكل البطاطس والأرز والبرغل".

وأضافت هنادي: "تعرفت على البيجاما التي كانت ترتديها، وعلى وجهها. حتى شكل أصابع قدميها كان كما هو. حينما وصلت لم تكن مريضة، ولم يكن وجهها أصفر، وكانت نحيفة جدا".

في الصور التي سربت لجثتها، كُتب الفرع 215 على جبهتها. حفظت ثلاثة صور يبدو أنها لرحاب في ملف مؤرخ في 4 يونيو/حزيران 2013. ولاحظ الأطباء الشرعيون أن الصور لامرأة في العشرينيات من عمرها، بحسب المنظمة الأممية.