سارة بلالي.. محجبة تلتقي ماكرون ضمن فريق البحث عن علاج كورونا

12

طباعة

مشاركة

عدسات الكاميرات كانت موجهة صوب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولم ير أحد وجوه الفريق البحثي ليتمكن من التعرف على صاحب الصوت، لكن الصحافة المغربية نقبت عنه إلى أن وصلت إلى صاحبته، سارة بلالي، أحد فريق البحث عن علاج فيروس كورونا.

سارة تعمل ضمن فريق بحثي بمختبر البروفيسور ديديي راوول في مرسيليا، والذي أثار ضجة داخل فرنسا وخارجها، حين أعلن للمرة الأولى على أن دواء الكلوروكين الخاص بالمصابين بالملاريا يعالج الإصابة بفيروس كورونا المستجد.

بعدها زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المختبر والتقى بالفريق البحثي الذي يعمل مع البروفيسور، وسأل عن جنسياتهم، ومن بين الأصوات ارتفع أحدهم قائلا: "أنا من المغرب".

ما يلفت الانتباه إلى سارة في الوهلة الأولى، هو حجابها الذي لم يعقها من الوقوف ضمن أهم فريق بحثي في فرنسا، أمام رئيس تمنع بلاده المحجبات من الوظائف، بل وتضيق عليهن في الشوارع أيضا.

سارة قالت: إن بروفيسور علم الفيروسات ديديي راوول الذي تشتغل ضمن فريقه لا يهتم بالمظاهر، بل ما يهمه هو  ما يقدمه الشخص ومدى انضباطه ومثابرته، وهذا ما جعل سارة ضمن الفريق البحثي رغم صعوبة العمل في فرنسا بالنسبة للمحجبات.

شهادة الماستر

لم تدرس ابنة الحي الشعبي بمدينة الدار البيضاء (وسط غرب المملكة) في الجامعات الفرنسية، بل حصلت على شهادة الماستر (الماجستير) من جامعة الحسن الثاني العمومية بالدار البيضاء كلية العلوم ابن مسيك سيدي عثمان، والتي كانت تعقد شراكة الطب بمرسيليا.

حصلت سارة وهي من مواليد عام 1992، على شهادة الماستر الأولى في تخصص علوم الصحة والتنمية من المغرب سنة 2015، ثم شهادة الماستر الثانية تخصص الأمراض المعدية من فرنسا في نفس السنة، وفي 2019 حصلت على شهادة الدكتوراه تحت إشراف البروفيسور ديديي راوول. 

عن مسارها العلمي تقول الدكتورة: حصلت على الماستر الدولي بكلية العلوم ابن مسيك، كنا ندرس نفس دروس المعاهد الفرنسية عن بعد.

لم تختر سارة قدرها ولم تدرك يوما أن الطريق سيجرها لأن تصبح أشهر شخصية في المغرب خلال أزمة فيروس كورونا، وتقول بلالي عن ذلك: كنا 5 طالبات من الأوائل اختارونا من أجل مشروع الماستر، كانت كل واحدة منا بمختبر.

وتابعت المتحدثة: "كان من حظي أن أشتغل مع البروفيسور ديديي راوول بالصدفة، كان الاختيار عشوائيا، وكنا نحصل على منحة من كلية الطب بمرسيليا طول مدة التدريب".

بعدما اطلع البروفيسور راوول على مشروع فترة التدريب، اقترح عليها أن تحضر الدكتوراه تحت إشرافه، وتعمل الدكتورة المغربية الآن كمهندسة بحث علمي على البكتيريا والفيروسات، في فريق المجهر الإلكتروني الماسح، وهو الفريق الذي أخذ أول صورة مجهرية لفيروس كورونا.

براءة اختراع

في هذا السن الصغير حصلت سارة بلالي على براءة اختراع بعد اكتشافها لبعض أنواع البكتيريا، لأول مرة، وذلك بعد سفرها إلى فرنسا. 

اختراع الدكتورة المغربية هو عبارة عن محلول يحافظ على البكتيريا المعوية وجعلها في كبسولات لعلاج مرض المطثية العسيرة وهو عبارة عن بكتيريا يمكن أن تسبب أعراضا تتراوح بين الإسهال والتهاب القولون المهدد للحياة.

تقر سارة بلالي بأن هذا التخصص شبه منعدم بالمغرب، والعمل عليه في بلدها صعب بسبب ضعف الإمكانيات، والمفارقة أن توفيرها لا يكلف الكثير مقارنة مع ما تصرفه الدولة في أمور أقل أهمية، بحسب الدكتورة.

تعترف مهندسة البحث العلمي بأن مشوارها لم يكن سهلا، وأن من وفر لها الدعم هو والدها وعائلتها. تقول سارة بلالي: "قاتلت كي أصل، أعرف الكثيرين مثلي لكن لم تعط لهم الفرصة، بل منهم من توقفت أطروحته بسبب نقص المعدات".

وتقول سارة في أحد حواراتها مع الصحافة المغربية: "مع الأسف، لا وجود للبحث العلمي في المغرب والقول بوجوده مجرد كذب على أنفسنا. لذلك أقول بأنه لا شيء يشجع على العودة".

تجزم الدكتورة بأن ما يحتاجه البحث العلمي هو المال، لتوفير الأجهزة والمعدات المتطورة، مفيدة بأن مختبر راوول يصرف شهريا مبالغ مهولة للوصول إلى ما هو عليه اليوم.

فكرت بالعودة إلى الوطن لخدمته ومشاركة ما تعلمته في فرنسا، غير أن إهمال البحث العلمي منعها من ذلك، وذهبت إلى حد وصف الوضع بـ"الانتحار العلمي". تقول سارة: هنا بفرنسا توفر لي جميع الإمكانيات والظروف التي تشجع على الاكتشاف والبحث. 

وترى دكتورة الأحياء الدقيقة أن البحث العلمي هو أساس تقدم الدول، معبرة عن أسفها وهي تقول: الباحثون كانوا مهملين والآن مع أزمة كورونا تم تذكرهم. 

وزادت في أحد حواراتها: لو أن المغرب استثمر في التعليم والبحث العلمي لأصبح دولة قوية تنافس الدول الكبرى. البحث العلمي بالمغرب شبه ميت، وهو ما يدفع إلى هجرة الأدمغة، "هذا شيء مؤلم".

رد اعتبار

لقي مقترح ديديي راوول بتطبيق بروتوكول الكلوروكين على المصابين بكوفيد 19 رفضا قاطعا من طرف العديد من المتخصصين في فرنسا وخارجها، وأولهم وزير الصحة الفرنسي، أوليفييه فيران، لكن الجنوب الفرنسي وتحديدا مرسيليا، تطبق البروتوكول على المصابين، وعدد الوفيات فيها قليل. 

اعتبر فريق البحث، بحسب الدكتورة المغربية، زيارة ماكرون بمثابة رد الاعتبار بعد الضجة التي أثيرت حول المختبر. وصرحت سارة بلالي بأن الفريق لم يكن يعلم بحضور ماكرون غير المخطط له.

دامت زيارة الرئيس 4 ساعات للمختبر ثم اجتمع بفريق البحث لمدة ساعتين، كان خلالهما ماكرون مندهشا بالنتائج التي توصل إليها الفريق على التجارب المخبرية والسريرية وكذلك صور الفيروس، بحسب بلالي، التي كشف أن فريقها أجرى 30 % من الاختبارات على الصعيد الفرنسي.

أوضحت المتحدثة أن إستراتيجية البروفيسور راوول تعتمد على فحص أكبر عدد ممكن من المشتبه بإصابتهم بالفيروس، وعزل المصابين فقط ثم إخضاعهم للعلاج، والعدد القليل للوفيات في الجنوب الفرنسي يبين مدى نجاعة الإستراتيجية.

عبّرت سارة خلال حديثها للصحافة عن فخرها بتطبيق المغرب لبروتوكول الكلوروكين قبل حتى تطبيقه في فرنسا كلها، ولاحظت ارتفاع عدد المتعافين في المملكة منذ تطبيقه.

لكنها عادت لتأسف عن أنه كان يمكن إنقاذ عدد أكبر من الناس في بداية العدوى، لو كان المغرب يتوفر على اختبارات التشخيص الكافية. فأغلب الضحايا في المغرب، بحسب الدكتورة، هم من الأشخاص الذين يصلون في وقت متأخر، ويكون من الصعب إنقاذهم.

كشفت سارة هلال أن البروتوكول العلاجي فعال فقط في بداية العدوى، إذ يمنع تكاثر الفيروس في الأيام الستة الأولى، وحينها لا يحتاج المريض إلى العناية المركزة.

قلة الاختبارات تعاني منها دول متقدمة أيضا بسبب عدم استعدادها للجائحة، ولكن إذا نظرنا إلى الدول التي تقوم بالتشخيص المكثف مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية، تقول بلالي، نلاحظ أن عدد الوفيات عندهم أقل.