العملية العسكرية "إيريني".. هل تمنح أوروبا قبلة الحياة لحفتر؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

إيريني باللغة اليونانية تعني "عملية السلام"، وهو اسم العملية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لتفتيش السفن، التي تنقل الأسلحة إلى ليبيا بحرا فقط، أما برا وجوا فتكتفي "إيريني"، بالمراقبة الجوية وبالأقمار الصناعية دون أن يكون لها أي آلية تنفيذية لوقف تهريب السلاح.

أهداف العملية إيريني مثيرة للتساؤلات، فهل هدفها هو محاولة خنق حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، وقطع الإمدادات عنها بحرا؟ في ظل استمرار الدعم المصري الإماراتي لحفتر عن طريق البر والجو.

كذلك توقيت العملية مثير للتساؤل، فهل تمثل تدخلا عاجلا لإنقاذ حفتر، الذي تعرضت قواته لهزائم منكرة في سرت، وسقط كبار قادته قتلى جراء الضربات المحكمة التي تعرضوا لها من قوات حكومة الوفاق، ما أثار حفيظة اليونان ومن ورائها أوروبا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

العملية إيريني

في 31 مارس/ آذار 2020، أعلن الاتحاد الأوروبي إطلاق العملية العسكرية "إيريني" وتعني باليونانية (عملية السلام)، وهي عبارة عن مهمة في البحر المتوسط تستهدف مراقبة تطبيق قرارات مجلس الأمن، بشأن حظر تصدير السلاح أو بيعه داخل الأراضي الليبية.  

قرار الحظر، الذي تم تمديده عدة مرات، منذ صدوره عام 2016، يشمل الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار.

جوزيب ببوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، قال في مؤتمر صحفي، غداة بدء العملية: "اتفقنا على إطلاق عملية إيريني أخيرا، وأطلقت بمهمة واحدة وهي حظر توريد الأسلحة، وهي أيضا ستستمر لتدريب خفر السواحل الليبية ومراقبة المجرمين".

وفي ذلك الإطار، أعلن خالد المحجوب مدير إدارة التوجيه المعنوي التابعة لقوات اللواء المتقاعد المتمرد خليفة حفتر، إشادته بالعملية معتبرا إياها مسألة مهمة، في حين أكد رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي ببرلمان "طبرق" المناهض لحكومة الوفاق، طلال الميهوب أن "الاتحاد الأوروبي بات متأكدا من الجهة التي تشيد جسورا بحرية من أنقرة إلى طرابلس ومصراتة لنقل السلاح والمرتزقة".

أما حكومة الوفاق الليبية، برئاسة فايز السراج، فأعلنت تحفظها على عملية "إيريني"، واصفة إياها بأنها تجاهلت مسألة الرقابة على تسليح قوات حفتر التي تتلقى بشكل منتظم شحنات أسلحة عبر طائرات تهبط باستمرار في قاعدة الخادم العسكرية شرقي البلاد، إضافة إلى الحدود البرية المفتوحة مع مصر".

خنق الوفاق

الدور المشبوه للعملية العسكرية "إيريني" يتمثل في محورها الرئيسي الخاص بتفتيش السفن، التي تنقل الأسلحة إلى ليبيا، وتحديدا الخط الداعم بين أنقرة وطرابلس في البحر المتوسط، وبالتالي فهو يحاصر حكومة الوفاق الشرعية.

أما بالنسبة لنقل الأسلحة والمقاتلين الأجانب برا أو جوا، وهو المتنفس الأساسي لقوات حفتر الانقلابية، فتكتفي "إيريني"، بالمراقبة الجوية وبالأقمار الصناعية دون أن يكون لها أي آلية تنفيذية لوقف تهريب السلاح بكميات كبيرة برا وجوا إلى حفتر، عن الطريق البري مع مصر، الذي يقع تحت سيطرة قواته، بينما ستقوم بخنق حكومة الوفاق عبر البحر. 

هذا الأمر يفسر الاحتفاء والدعم الملحوظ لقوات ورجال حفتر بعملية "إيريني"، واعتبارها الطريق للحد من الدعم التركي للحكومة الشرعية في ليبيا، والذي أحدث توازنا على الأرض.

الدعم التركي للوفاق جاء ليقابل الدعم الكبير الذي تحظى به قوات حفتر من فرنسا وروسيا والإمارات ومصر والسعودية، ما أحدث التوازن في مسار المعارك، وأوقف تقدم حفتر صوب العاصمة طرابلس، بل ساهم في تكبد قوات حفتر خسائر فادحة في العدد والعتاد.

دلالة التوقيت

يحمل عامل التوقيت العديد من التساؤلات، حول التدخل الأوروبي لإنقاذ حفتر بعد سلسلة هزائم قاسية وغير مسبوقة منذ بداية الحرب الليبية، وهو ما أكده وزير الخارجية الليبي محمد الطاهر سيالة، عندما قال: "الشكل الراهن للعملية يضعها موضع اتهام، بأن المستهدف هو حكومة الوفاق، في إغفال وتجاهل تام لأي رقابة على عملية تسليح حفتر".

 وفي 25 مارس/ آذار 2020، حققت قوات الوفاق انتصارات حاسمة، بعد اقتحام قاعدة الوطية الجوية (140 كلم جنوب غرب طرابلس)، وإسقاط عدة طائرات مقاتلة ومسيرة، وتدمير غرفة عمليات سرت الكبرى التابعة لحفتر، والقضاء على نحو 200 من قادة ومسلحي حفتر، خاصة في محور الوشكة غرب مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس). 

وبعدها بأربعة أيام، أعلنت عملية "عاصفة السلام" التابعة للحكومة مقتل 10 قادة عسكريين تابعين لحفتر في عملياتها الأخيرة على رأسهم آمر غرفة العمليات بمدينة سرت المقرب من حفتر، اللواء سالم درياق، ومساعده العميد القذافي الفرجاني و8 آخرين، ما مثل ضربة موجعة لقوات اللواء المتقاعد.

وبعد تلك العملية قال الناطق باسم قوة حماية وتأمين سرت التابعة لحكومة الوفاق، طه حديد: "تنفيذ هذه العملية الدقيقة يؤكد قوة استخبارات الجيش الليبي وقدرة تحديد مكان الغرفة مع التوقيت المناسب للاستهداف حيث كان هؤلاء القادة في اجتماع للتخطيط للهجوم على أبوقرين التابعة لمصراتة إداريا، فكانت الضربة الاستباقية لهم".

وجاءت النقطة الفاصلة عندما تمكن طيران الوفاق من ضرب خطوط الإمداد الرئيسية لقوات حفتر، من قاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس) وحتى مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، مرورا بمدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس)، وبذلك فرض هيمنة مطلقة على سماء المعركة بالمنطقة الغربية لأول مرة منذ منتصف العام 2019.

الدعم التركي 

تلك الانتصارات التي قطعتها حكومة الوفاق الليبية، لم تكن لتتحقق لولا الدعم التركي، للقوات الشرعية هناك، ففي ديسمبر/ كانون الأول 2019، صادق البرلمان التركي على اتفاق للتعاون العسكري والأمني الذي وقع بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية، في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، مما أتاح  لأنقرة تعزيز حضورها في طرابلس. 

ذلك التفاهم أزعج الدول المجاورة، خاصة عضوي الاتحاد الأوروبي، اليونان وقبرص، ثم مصر، خاصة وأنهم يعتبرون الاتفاقية خطوة تركية لزيادة تأثيرها الاقتصادي والإستراتيجي في المنطقة على حسابهم، وردت الحكومة اليونانية على الفور بطرد سفير حكومة الوفاق الوطني من أثينا. 

وسرعان ما أعلنت دعم حفتر ردا على الدور التركي، وهو ما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للتصريح في 19 يناير/ كانون الثاني 2020، قبل مغادرته للمشاركة بمؤتمر برلين حول الوضع في ليبيا قائلا: "عدم دعوة اليونان للمؤتمر، والاتفاق الثنائي بين تركيا وليبيا، أزعج أثينا وأفقدها صوابها"، مؤكدا أن "بلاده لا تقيم وزنا لزيارة زعيم المليشيات حفتر إلى اليونان".

وأوردت صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، في 6 أبريل/ نيسان 2020، أن "الوجود العسكري التركي غير اللعبة مثلما فعلت روسيا في سوريا لإنقاذ نظام بشار الأسد. وقالت: "على مدى الأيام العشرة الماضية، تلقت قوات حفتر ضربات قوية، بينما من السابق لأوانه التكهن بنتيجة هذا الصراع".

وذكرت على لسان جلال حرشاوي، المتخصص في الشأن الليبي، والباحث في معهد كلينغينديل للعلاقات الدولية في لاهاي: "نكتشف أن الأتراك يطورون جهازا عسكريا وتكنولوجيا متماسكا للغاية، وذلك يستغرق وقتا، تركيا قوة تابعة لحلف الناتو وتتمتع باستقلالية تكنولوجية حقيقية مع صناعتها العسكرية".

السيسي والإمارات

الدور التركي، جاء بعد ردح من الزمن، في دعم قوى دولية وإقليمية لانقلاب خليفة حفتر، وإمداده بالمال والسلاح.

في 24 أغسطس/آب 2014، قال المتحدث باسم قوات فجر ليبيا في بيان تلاه أمام صحفيين في طرابلس: "الإمارات ومصر متورطتان في هذا العدوان الجبان"، وذلك في إشارة إلى غارات جوية على مطار طرابلس، بعد 6 أسابيع من المعارك بينهم وبين قوات خليفة حفتر، كما قال المتحدث إن الحكومة المؤقتة والبرلمان الليبيين متواطئان في تلك الغارات.

 وفي اجتماع مجلس الأمن بشأن الأوضاع في ليبيا، يوم 20 سبتمبر/أيلول 2017، أكد عبد الفتاح السيسي أن مصر مستمرة في دعمها للجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر، لرفع قدراته وكفاءته القتالية.

وفي 27 أغسطس/آب 2014، نشرت مجلة فورين بوليسي الأميركية، تقريرا أعدته الصحفية ماري فيتزيجرالد، قالت فيه: إن "كادرا من رجال الأعمال، وقادة الميليشيات يأملون الاستفادة من الهجوم الذي شنته مصر والإمارات، على مواقع تابعة للإسلاميين في طرابلس لمنعهم من السيطرة على ميناء طرابلس الدولي".

ونشرت مؤسسة البحوث العسكرية "جاينز"، ومقرها لندن تقريرا مفاده أن الإمارات قامت بإنشاء قاعدة عسكرية شرقي ليبيا خلال الفترة من مارس/آذار إلى يونيو/حزيران 2016، تنطلق منها طائرات هجومية من طراز AT-802، وأخرى بدون طيار لدعم قوات اللواء خليفة حفتر.