برامج تتبع مصابي كورونا.. مخاطر استمرار التجسس بعد مرور الجائحة

12

طباعة

مشاركة

وسط تحذيرات من اختراق الخصوصية، تعكف شركة "إن إس أو" الإسرائيلية لصناعة برامج التجسس، على تطوير برنامج جديد لتتبع البيانات الهاتفية للمصابين بفيروس كورونا.

الشركة التي تشتهر بسجلها الأسود في مجال التجسس بدأت بالفعل التفاوض مع العديد من الدول لشراء البرنامج الذي يشتغل تحت غطاء إرسال رسائل نصية للأشخاص المخالطين للمريض خلال 14 يوما للتأكد من سلامتهم.

برنامج "بيجاسوس" التابع لمجموعة "إن إس أو" الإسرائيلية هو آخر أنظمة التجسس الذي ثبت أن الشركة باعته لـ 45 دولة حول العالم، بينهم 16 دولة عربية عقدت معها صفقات شراء.

وبالحديث عن برنامجها الأخير فقط، كشف تحقيق لشركة "واتساب" أن 1.400 شخص على الأقل من مستخدمي التطبيق حول العالم تعرضوا للاستهداف.

وحققت إسرائيل دورا محوريا على مستوى العالم في دمج التكنولوجيا الرقمية الجديدة مع صناعة الأمن الداخلي، وهو ما دفع جمعية الحقوق المدنية من داخل إسرائيل إلى تقديم عريضة للمحكمة العليا الإسرائيلية، لمنع وكالة الاستخبارات في البلاد من استخدام برامج مكافحة الإرهاب لمراقبة هواتف المصابين والمخالطين.

فهل تستبيح أنظمة التجسس عبر العالم خصوصية المواطنين وتفرض عليهم سلطة "الأخ الأكبر"، وهي الشخصية التي رمز بها جورج أورويل في روايته "1984" إلى رقابة الأنظمة الاستبدادية، بحجة الحفاظ على سلامتهم؟.

الصين سباقة

تعاونت هيئات حكومية ومجموعة شركات تقنية إلكترونية في الصين، وأطلقت تطبيقا إلكترونيا يكشف إمكانية التعرض لخطر الإصابة بفيروس كورونا.

شارك قطاعا الصحة والنقل بيانات المواطنين مع هذه الشركات التي طورت نظاما لتعقب المواطنين ومراقبة مدى التزامهم بالحجر المنزلي، وإبلاغ الجهات المعنية في حال تسجيل أي مخالفة.

يخبر البرنامج المواطنين بمدى قربهم من مكان وجود شخص مصاب، ويصل الأمر إلى حد التعرف على ملامح الوجه عن طريق الهاتف للتعرف على المصابين والمخالطين، بدعوى السيطرة على انتشار فيروس كورونا ورسم خريطة لأماكن وجوده.

الخطوات التي تتخذها الحكومة بهدف حماية المواطنين، بحسب تصريحاتها، تتم وسط تخوفات من اختراق الخصوصية وفرض مزيد من الرقابة على الصينيين، الذين تعرف بلادهم انغلاقا تاما في المجال العام.

وتحت عنوان "محاربة الشائعات"، عززت الدولة صفوف شرطة الإنترنت ومنحها سلطات أوسع لمراقبة وجر كل من تجرأ على انتقاد أداء الحكومة خلال أزمة كورونا إلى التحقيق.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية: إن الجهاز أصبح بمثابة حصن للحكم في وجه موجة الغضب من تفاقم الوباء، والتي كان يمكنها أن تساهم في انهياره. وأفادت بأن الحزب الشيوعي يسيطر على  كل تحركات 800 مليون مستخدم للإنترنت في الصين.

ومطلع يناير/ كانون الثاني 2020، ذهبت الحكومة إلى حد فرض الرقابة على المصطلحات المتعلقة بفيروس كورونا على تطبيقات الرسائل وليس فقط الصفحات العامة.

وفرضت الصين رقابة على عمليات البحث أيضا، بينما اقتيد طبيب العيون في ووهان، الذى كشف عن وجود فيروس لأول مرة في رسالة عبر تطبيق "وي شات" للمحادثات، في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2019 وأجبر على توقيع إفادة يقول فيها إنه كذب بشأن الفيروس.

نشر البيانات

كوريا الجنوبية قررت السير على خطى جارتها، ومراقبة المصابين بالفيروس المستجد، وأخضعت تحركات كل من ثبتت إصابته للمراقبة اعتمادا على المعلومات التي يحصلون عليها من بيانات هواتفهم الذكية وبطاقات الائتمان ومقاطع الفيديو المصورة التي تسجلها كاميرات مراقبة.

ووفق تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فإن سجلات تحركات المرضى تحمّل على موقع وزارة الصحة، كي يعرف بقية المواطنين مناطق وجود المصابين بالفيروس.

وفيما تراقب هونغ كونغ الخاضعين للعزل باستخدام أساور ذكية، تتتبع تايوان المصابين عبر إشارات هواتفهم الذكية.

وأشارت الصحيفة إلى أن كوريا الجنوبية كانت تلزم المسافرين القادمين من الصين، تسليم أرقام هواتفهم كشرط لدخول البلاد، وتنزيل تطبيق للإبلاغ عن وضعهم الصحي بشكل يومي.

ويتم إبلاغ المسافرين بأن للجهات المعنية الحق في نشر بياناتهم الشخصية للعموم، وذلك في حال ثبتت إصابتهم بكورونا.

روسيا تنضم

وبينما لا يزال برنامج الشركة الإسرائيلية تحت التجريب، بدأت دول بالفعل العمل بأنظمة مشابهة، إذ ألزمت روسيا مواطنيها بتحميل تطبيق على هواتفهم الذكية يتمكن من خلال رموز قابلة للمسح الضوئي بتعقبهم للتأكد من التزامهم بتوجيهات العزل الصارمة خلال فترة الإغلاق التام.

وقال رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات في بلدية موسكو إدوارد ليسنكو: إن التطبيق "سيضمن الانضباط الشخصي"، مدعيا أن البيانات الشخصية للمستخدمين ستكون محمية.

وأوضح ليسنكو أن "هذا التطبيق هو عبارة عن نسخة تجريبية مصممة لمراقبة المصابين بفيروس كورونا الذين طلب منهم ملازمة بيوتهم". وأضاف: أن "هذا التطبيق لن يستخدم لمراقبة بقية سكان العاصمة الروسية التي تضم 12 مليون نسمة".

وفيما أعلن رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين، في وقت سابق أن القواعد الجديدة ستراقب بواسطة "نظام ذكي"، اعتُقد بأن المراقبة ستتم عن طريق الكاميرات المنشورة على نطاق واسع في العاصمة الروسية.

وفي إيران، وجهت جماعات المعارضة اتهامات للحكومة بسبب حثها للمواطنين على تنزيل تطبيقات تجمع قدرا هائلا من البيانات، تتضمن مواقع وجود المواطنين.

توسيع السلطة

حتى وإن تمكنت الحكومات من وقف انتشار كورونا، فستحتاج إلى منع حدوث موجة ثانية في ظل استمرار وجوده في دول أخرى. ما يعني أن الدول ستواصل العمل بهذه البرامج حتى بعد الجائحة، وهو ما أكدته مجلة "الإيكونوميست" البريطانية.

وأشارت المجلة إلى أن الزيادة القوية في سلطة الدولة وسيطرتها على الأفراد والمؤسسات، حدثت في وقت لم يكن هناك أي مناقشة لتبعات هذه الإجراءات، حيث طمأن الناس أنفسهم بأن هذه الإجراءات مؤقتة وستعود الأمور إلى طبيعتها بعد القضاء على الجائحة، كما هو الحال مع الإنفلونزا الإسبانية التي اجتاحت العالم قبل قرن من الزمان".

سيكون من الصعب تخلي الحكومات عن السلطات التي منحتها لنفسها دون مقاومة تُذكر أو التراجع عنها، بحسب المصدر ذاته، لأنها كانت مدعومة من قبل مجموعات قوية حتى قبل الوباء.

ولفتت إلى خطر إساءة استخدام المنصب والتهديدات للحرية الفردية والجماعية. وتعتقد المجلة أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو نشر المراقبة التدخلية، حيث سينتشر جمع ومعالجة البيانات الفردية لأنه يوفر ميزة حقيقية في إدارة المرض.

لكنهم يطلبون أيضا من الدولة الوصول بشكل روتيني إلى السجلات الطبية والإلكترونية للمواطنين، وتضيف: "سيكون من المتوقع أن يستمر استخدام المراقبة بعد الوباء، مثلما تم تمديد تشريع مكافحة الإرهاب بعد (هجمات) 11 سبتمبر/أيلول 2001، قد يبدأ هذا بتتبع حالات السل أو تجار المخدرات، لا أحد يعرف إلى أين سينتهي".

وتختتم الإيكونوميست البريطانية تحليلها بالقول: "قد تكون هناك حاجة إلى المراقبة للتعامل مع انتشار كورونا، لكن حائط الصد الرئيسي ضد إجراءات الدولة الشديدة، في التكنولوجيا والاقتصاد، سيكون على المواطنين أنفسهم، بحيث يتذكروا أن الحكومة فرضت سلطتها مستخدمة الوباء كسلم لتوسيع سلطاتها".