عبدالحليم خدام.. سياسي سوري أوصل بشار الأسد لسدة الحكم ثم انشق عنه

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد، لم يكن يحق دستوريا لنجله بشار الذي كان يبلغ من العمر 35 عاما، تولي منصب الرئاسة، حيث كانت المادة 83 من الدستور السوري تقضي بأن الحد الأدنى لعمر الرئيس يجب أن يكون 40 عاما.

غير أن نائبه في ذلك الوقت عبدالحليم خدام أقر تعديل المادة الدستورية المتعلقة بعمر رئيس الجمهورية وتخفيضها من 40 عاما إلى 34 عاما، والذي أجراه البرلمان السوري في اجتماع استمر ربع ساعة، وتصويت دام 3 ثوان، ليكون بشار مطابقا للمواصفات الدستورية المتعلقة برئيس الدولة.

وعمل خدام الذي توفي في 31 مارس/آذار 2020 على ترقية الأسد وقتها من رتبة عقيد إلى فريق، وتعيينه قائدا عاما للقوات المسلحة السورية، ليتم انتخابه بعد ذلك رئيسا للجمهورية بنسبة 99.7%.

وتوفي السياسي السوري، في العاصمة الفرنسية باريس، عن عمر ناهز 88 عاما، متأثرا بإصابته بأزمة قلبية مفاجئة.

وأدى خدام دوره في سحب البساط من تحت قدمي رفعت الأسد، عم بشار الذي كان يعد نفسه رئيسا للجهورية، بعد وفاة حافظ، وتمكن هو والقادة العسكريون من تفويت الفرصة على رفعت الذي كان يعد صاحب أكبر نفوذ في سوريا منذ السبعينيات، وكان على رأس "سرايا الدفاع".

وبصفته نائب الرئيس في الفترة التي توفي فيها حافظ الأسد، فقد تسلم خدام مهام الرئاسة لـ37 يوما، بموجب الدستور الذي ينص على تولي نائب الرئيس مهام الرئيس، حتى تم انتقال السلطة إلى بشار الأسد في يونيو/حزيران عام 2000.

 من هو؟

ولد خدام في 15 مارس/آذار عام 1932 في مدينة بانياس الساحلية على البحر المتوسط، الذي تعد محافظة لطرطوس.

تخرج من كلية الحقوق، والتحق بالعمل السياسي مبكرا، حيث انضم إلى حزب البعث السوري عام 1949، وكان عمره حينها 17 عاما، وتولى عدة مناصب قيادية مهمة.

يعد خدام أحد أهم السياسيين الأكثر جدلا في سوريا، حيث انتقل من النقيض إلى النقيض، منشقا عن حزب البعث في سوريا عام 2005، بعد أن كان من أهم رموز النظام السوري لعدة عقود.

كان خدام أحد المقربين من حافظ الأسد، منذ توليه الرئاسة عام 1970، وأحد أبرز رموزه لنحو 30 عاما، وكان أهم أعضاء قيادة حزب البعث السوري، وبحكم قربه من رأس النظام فقد استطاع التأُثير في السياسة الخارجية السورية.

تدرج خدام في المناصب القيادية في السلطة السورية، حيث عين محافظا للقنيطرة عاصمة الجولان المحتل، ثم محافظا لحماة، ثم محافظا لدمشق، ليتم تعيينه بعد ذلك وزيرا للاقتصاد والتجارة الخارجية، ثم وزيرا للخارجية منذ تولي حافظ الأسد الرئاسة، وحتى عام 1984، وأخيرا نائبا لحافظ وابنه منذ عام 1984 وحتى انشقاقه عام 2005.

إلى جانب ذلك عمل مسؤولا عن الملف اللبناني ثم العراقي، وقد كان له دور بارز في إخماد الحرب الأهلية اللبنانية، وحملة الاغتيالات في لبنان التي تمت خلال الفترة بين 1975 وحتى عام 1990.

كما لعب دورا مهما في التحضير للاتفاق الثلاثي عام 1985، واتفاق الطائف عام 1989، ووصف بأنه مهندس العلاقات السورية اللبنانية، حتى بات يصفه البعض بحاكم سوريا الفعلي، قبل أن يتم إعفاؤه من تولي هذا الملف عام 1998، وتكليف بشار الأسد بديلا عنه كخطوة كانت تحضيرية لتوريث بشار منصب الرئاسة.

اقتحم خدام معترك الصراع المسلح بين حزب البعث العربي الاشتراكي وتنظيم الإخوان المسلمين، عندما كان محافظا لحماة، في منتصف الستينيات، قبل أن يصبح حليفا لهم بعد انشقاقه في 2005، كما كان وزيرا للخارجية أثناء المجازر التي ارتكبها حافظ الأسد في حماة عام 1982.

غير أن ما يحسب له، بحسب متابعين، أنه كان من مدينة بانياس، والتي تعد ضمن الجغرافيا السنية، المحاطة بالعلويين، لهذا فقد شكل وجوده توازنا سياسيا، انعكس بشكل إيجابي على علاقته بالمواطنين، وتجلى في تدخله أكثر من مرة للإفراج عن معتقلين سنيين، من سجون حافظ الأسد.

الانشقاق واللجوء

كانت الإجراءات التي جرى بموجبها تنصيب بشار الأسد رئيسا للسلطة في سوريا، آخر أهم ما قام به خدام، كرجل سلطة، ليتوارى عن المشهد السياسي بشكل تدريجي، ويعلن نيته لبشار الاستقالة مستقبلا، لرغبته بالراحة.

لكنه ظهر بعد نحو خمس سنوات، أي في  ديسمبر/كانون الأول عام 2005، معلنا انشقاقه من حزب البعث، واستقالته من منصبه كنائب للرئيس، متهما السلطة السورية باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

بحسب متابعين فإن علاقته ببشار الأسد، كانت قد تدهورت بعد تولي الأخير منصب الرئاسة، لاعتراضه على بعض الإجراءات والسياسات التي اتخذها.

وقبل إعلان انشقاقه عن الحزب والنظام، تقدم باللجوء إلى فرنسا، بمساعدة من سعد الحريري، نجل رئيس الوزراء اللبناني الراحل.

وفي لقاء له مع برنامج المقابلة على قناة الجزيرة في مارس/آذار 2017 قال خدام: إن "الخطيئة الكبرى التي ارتكبها حافظ الأسد أنه حوّل النظام الجمهوري إلى عائلي، حيث كان يسعى في البداية لتوريث الحكم لنجله الأكبر باسل ولمّا قتل في حادث سيارة قرر أن يكون بشار هو الوريث".

وأضاف أنه  كان يرفض أن يصبح بشار رئيسا لكنه لم يفصح عن ذلك لكي يحافظ على حياته، مشيرا إلى أن هناك فرقا كبيرا بين الشقيقين، فباسل كان عاقلا، أما بشار فهو ضعيف الشخصية، والحاكم الضعيف دائما ما يكون أسوأ وأخطر وأشرس، على حد قوله.

نشاط معارض

عقب لجوئه إلى فرنسا أعلن أن بشار الأسد هو من أعطى الأمر للمخابرات السورية باغتيال رفيق الحريري، في فبراير/شباط 2005، وقدم شهادته لدى لجنة التحقيق الدولية، بما لديه من معلومات تتعلق بهذه القضية، وهو الأمر الذي تسبب لاحقا بصدور حكم عليه من محكمة دمشق بالسجن المؤبد.

ليتحول بعد ذلك إلى أهم السياسيين المعارضين، بعد أن كان أهم عناصر النظام السوري، والقيادات السياسية لأكثر من أربعة عقود.

فقد أسس في مارس/آذار من العام 2006، أي بعد انشقاقه بنحو عام جبهة الخلاص الوطني، وهي تنظيم سياسي يضم تشكيلة من المعارضين السوريين اليساريين، العلمانيين والقوميين، وكذلك عناصر من جماعة الإخوان المسلمين.

غير أن جماعة الإخوان سرعان ما أعلنت انسحابها من التنظيم في نهاية 2008، بسبب ما وصفته عجز التنظيم عن الإيفاء بمتطلبات المشروع الوطني والتزاماته، وانفراط عقد التنظيم.

وقد دعت الجبهة منذ بيانها التأسيسي، السوريين إلى كسر حاجز الخوف والعمل من أجل إسقاط النظام الحاكم. وطالب المشاركون في المؤتمر التأسيسي الذي عقد في لندن، القوات المسلحة وحزب البعث بالانحياز إلى الشعب.

وشدد المشاركون في المؤتمر التأسيسي لجبهة الخلاص الوطني السورية على أن "خيارهم الإستراتيجي هو تغيير النظام الذي قام على الاغتصاب والإكراه، وفقد كل مبررات وجوده بإمعانه في سياسات الاستسلام وافتعاله الفتنة مع الجوار العربي."

وجاء في البيان أن النظام الحاكم في دمشق "آيل للسقوط لا محالة"، ودعا السوريين إلى كسر "حواجز الخوف التي زرعها طوال عقود".

سجن مؤبد

وبعد إعلان الانشقاق واتهام بشار بالتورط باغتيال رفيق الحريري، اجتمع مجلس الشعب السوري وصوت لصالح توجيه تهم بالخيانة لخدام.

وفي أغسطس/آب 2008، أصدرت المحكمة العسكرية الجنائية الأولى بدمشق، أحكاما غيابية على خدام، وصلت لـ13 حكما، كان من بينها السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، بتهم عدة أبرزها "الافتراء الجنائي على القيادة السورية وتشويه سمعتها، والإدلاء بشهادة كاذبة أمام لجنة التحقيق الدولية في مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري".

بالإضافة إلى "تهم بالمؤامرة لاغتصاب السلطة، وصلاته غير المشروعة مع إسرائيل، وكذلك دفع دول أجنبية عبر دس الدسائس للعدوان على سوريا"، بحسب نص قرار المحكمة في دمشق.

علاوة على ذلك، فقد جرى توجيه تهم لخدام بالفساد وتهريب أموال، من قبل مجلس الشعب السوري، كما جرى اتهامه وأبناؤه بدفن نفايات نووية في صحراء تدمر السورية، وطالب رئيس المجلس محمود الأبرش حينها بجلب خدام عبر الإنتربول بتهم تتعلق بالخيانة العظمى والفساد.

 وهذه التهم جميعها نفاها خدام، وأعلن استعداده للامتثال للمحاكمة بعد رحيل الأسد.