"الهروب نحو التأجيل".. ماذا قدمت الجامعة العربية لمواجهة كورونا؟

محمود سامي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حملت الجامعة العربية على عاتقها منذ تأسيسها قبل 75 عاما، قضايا التحرر الوطني، التي هبطت بها بمرور الزمن، إلى أن وُضعت في سياق يشبه "الموت السريري" في يوبيلها الذهبي الذي حلَّ في شهر مارس/آذار 2020.

وارتبط في العقل الجمعي العربي أن الجامعة العربية تمثل انعكاسا للأنظمة السياسية وليس الشعوب، وبالتالي ارتبط قصورها في التعاطي مع القضايا والأزمات مع قصور تلك الأنظمة التي تختلف فيما بينها في أكثر من ملف وأهمها الملف الفلسطيني.

وهذا بالإضافة إلى الصراع في كل من ليبيا وسوريا واليمن، بخلاف الانقسام العربي الحالي منذ مقاطعة الرباعي "السعودية والإمارات والبحرين ومصر" لقطر صيف 2017.

ومع تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، لم تسجل الجامعة أي مساهمات إنسانية للعرب في مواجهة كابوس العصر، سوى الاكتفاء بوضع الجائحة على جدول أعمال الدورة العادية لمجلس وزراء الصحة العرب التي عقدت أواخر فبراير/شباط 2020، بمقر الأمانة العامة، وتعليق أعمالها خلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان؛ كإجراء احترازي.

وتشير الأرقام الصادرة عن جهات رسمية، وفق رصد "الاستقلال" إلى وجود أكثر من 6100 إصابة ونحو 180 حالة وفاة حتى يوم 20 مارس/آذار 2020، في الدول العربية مجتمعة.

هذه الأرقام الرسمية قد تبدو ليست محل مقارنة مع نظيرتها في الدول الأخرى الغربية والجنوب شرق آسيوية. غير أنها تعبر عن حرب خاصة تخوضها كل دولة عربية على حدة في غياب الدور المؤسسي للجامعة العربية الذي أنشئت من أجله.

ومنذ ظهور الفيروس نهاية العام 2019 في بؤرته الرئيسية بالصين، اتجهت غالبية دول العالم إلى إغلاق حدودها وتعليق رحلات الطيران وفرض حظر تجول وإلغاء الفعاليات والمناسبات الدينية والرسمية وغيرها.

يحاصر الجامعة

في 4 مارس/ آذار 2020، أعلن أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، في مؤتمر صحفي انعقاد القمة العربية في الجزائر بحد أقصى يونيو/حزيران من نفس العام.

وكانت الجزائر تتحضر لاحتضان القمة بعد 15 عاما عن آخر مرة جرى على أراضيها. أما الإعلان عن تأجيل القمة التي كانت مقررة الشهر الجاري، عزاه أبو الغيط، إلى حالة الطوارئ العالمية المتعلقة بفيروس كورونا الجديد.

وآنذاك كشفت الرئاسة الجزائرية، أن موعد عقد القمة العربية، سيحدد لاحقا بالتشاور بين الجزائر والأمانة العامة للجامعة.

وفي 18 مارس/آذار، أعلنت الأمانة العامة للجامعة، تأجيل كافة مواعيد الاجتماعات التي تنعقد في مقر الأمانة العامة بالقاهرة وخارجها خلال شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان 2020 كإجراء احترازي للحفاظ على سلامة موظفيها وللحد من انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد-19).

وكان من بين هذه القرارات تأجيل الاجتماع الطارئ الذي كان من المقرر عقده في 10 مارس/آذار، بمقر الأمانة العامة لوزارات الصحة بالدول العربية الأعضاء لترشيح خبراء متخصصين للمشاركة في إشغال هذا الاجتماع الطارئ بشأن وباء فيروس كورونا المستجد.

كما اتخذت مجموعة إجراءات احترازية، منها العمل بنصف القوة بالتناوب اليومي، ووقف نظام بصمة اليد، وتعقيم مبنى الأمانة العامة بالتنسيق مع وزارة الصحة المصرية، واستخدام وسائل تنظيف اليدين المُعتمدة من الوزارة، وتوزيعها على جميع الأماكن بالمبنى.

سوريا تزاحم كورونا

لم تكن الإجراءات الاحترازية من فيروس كورونا سببا وحيدا في تأجيل القمة العربية، إذ أفادت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، نقلا عن مصادر عربية أن القمة تأجلت بسبب "التطورات المتعلقة بانتشار الفيروس" و"تباين الرؤى بشأن عودة سوريا" إلى مقعدها في الجامعة والمعلق منذ عام 2011.

وأثيرت مسألة عودة المقعد السوري مرات عدة خاصة في العام 2019، لكنها لم تحدث اختراقا. وجمد المقعد بسبب حرب رئيس النظام السوري بشار الأسد على شعبه منذ بدء ثورات الربيع العربي في 2011.

ونقلت "الشرق الأوسط" عن مصدر عربي مطلع (لم تسمه) قوله: إن "هناك رغبة جزائرية في أن تكون القمة التي تستضيفها مدخلا لعودة دمشق لمقعدها العربي في الجامعة، وذلك كمدخل لدور إقليمي تتطلع الجزائر لتعزيزه عربيا".

وكان وزير الخارجية الجزائري، دعا في منتصف فبراير/شباط 2020 إلى إنهاء تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، معتبرا أن موقف بلاده في هذا الشأن "حاسم وواضح ومبدئي، وأن عدم تفعيل عضوية سوريا في الجامعة خسارة لأعضائها".

وسبق أن فشلت تونس في إقناع العرب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، خلال 2019؛ وذلك أثناء استضافتها القمة العربية في مارس/آذار من ذلك العام. 

أستاذ العلاقات الدولية طارق فهمي، تحدث بدوره عن تأجيل التئام القمة العربية لصيف العام الجاري، مشيرا إلى أنه قد يفتح ملفات مسكوتا عنها أهمها إصلاح وتطوير النظام الأساسي للجامعة.

وأوضح في مقال نشره موقع "إندبندنت عربية" في 4 مارس/آذار 2020، أن من تلك الملفات التركيز على استعادة سوريا ليس فقط بالجامعة العربية بل تفعيل مشاركتها في مؤسسات العمل العربي المشترك.

غياب الرؤية

الباحث المصري في العلاقات الدولية، محمد حامد، رأى أن الجامعة لم تعط أهمية كبرى لأزمة كورونا وتركت العبء على الحكومات بشكل منفرد ولم تلعب الدور الجامع الشامل الذي يواجه مثل هذه المخاطر المهددة للأمن القومي العربي.

وعزا في حديث لـ"الاستقلال" قرار تأجيل القمة التي كان مقررا انعقادها في الجزائر، إلى تداعيات كورونا، معتبرا أنه "أمر مهم". وقال حامد: إنه حتى الآن لم يظهر ملمح عربي حقيقي في مواجهة كورونا من خلال الأجهزة التنفيذية في الجامعة.

وأشار إلى أنه كان لا بد أن يكون هناك اجتماع افتراضي عبر وزراء الصحة العرب كما حدث في دول مجلس التعاون الخليجي، بجانب إعداد مبادرة في هذا الشأن؛ لكن من الواضح أن كل دولة تتعامل على حدة وهو ما يدل على نقص التنسيق العربي في هذا الأمر الهام، وفق قوله.

لكن ثمة أمر أشار إليه الباحث المصري، يتمثل في كون الجامعة إحدى المنظمات الإقليمية التي ترعى شؤون مواطنيها مثلها مثل منظمات الاتحاد الأوروبي، وكلا منهما فشل في علاج الأمر والتعامل مع أزمة كورونا التي عرت الأنظمة الصحية لكافة دول العالم ومنها الدول العربية.

واستدرك بالقول: إن هذا يدل على ضرورة إعادة صياغة هذه المنظمات مرة أخرى وصياغة ميثاقها لتكون أكثر فاعلية ونجوعا في مثل هذا الحدث العظيم الذي يجتاح العالم.

ورفض حامد الربط بين فشل مواجهة كورونا وفشل الجامعة في معالجة القضايا الإقليمية الدولية، مشيرا إلى أن الفيروس أمر مختلف ولا يمكن خلط الأوراق.

وأكد في هذا الشأن أن ما أصاب الجامعة العربية أصاب الجميع وضعف الجامعة كضعف بقية المنظمات الدولية الأخرى في مواجهة الأزمة.

مخلفات الزمن

وفي 20 مارس/ آذار 2020، نشرت مدونة "ديوان" التابعة لمركز "كارنيغي" آراء لبعض الخبراء العرب والأجانب حول تراخي جامعة الدول العربية عن مواجهة وباء كورونا، إضافة إلى طرح الكثير من التساؤلات الأخرى من ضمنها التساؤل حول فائدة الجامعة.

وفي هذا السياق قال مروان المعشر، وزير خارجية الأردن الأسبق: إنه "بالنسبة إلى جامعة الدول العربية، فإن ميثاقها صمّم بحيث تبقى هذه المنظمة هشة بنيويا، عبر تضمينه بندا ينص على أن كل القرارات يجب أن تتخذ بالإجماع، كما أن الميثاق يتبنى تعريفا ضيق الأفق حيال مسألة سيادة كل دولة".

واعتبر أن المنظمة العربية "نادرا ما تمكّنت من لعب أى دور بنّاء، سواء إزاء قضايا سياسية على غرار منع حرب 2003 على العراق، أو مسائل صحية مثل الفيروس، أو معظم المسائل الأخرى".

ووصف الجامعة بأنها من "مخلفات فكر القرن العشرين"، وبالتالي فهي وفق قوله: "عاجزة عن التعامل والتصدي لتحديات القرن الحادى والعشرين".

أما فولكر بيرتس، وهو مدير ورئيس مجلس إدارة المعهد الألمانى للشؤون الدولية والأمنية فى برلين، قال متهكما: إن مساهمة الجامعة الأساسية كانت حتى الآن للحد من انتشار وباء كوفيد 19 فى إلغاء القمة العربية التى كانت مقررة في مارس/ آذار.

وأضاف فولكر، حول جدوى بقاء الجامعة، أن من الأفضل وجود منظمة إقليمية تسمح بالقليل من التنسيق، بدلا من لا شيء، ثم في مرحلة ما، قد يعيد القادة العرب إطلاق جامعة الدول العربية لتكون مؤسسة أكثر فعالية، على غرار الاتحاد الإفريقي.

مشروع فاشل

المؤرخ والكاتب العراقي سيار الجميل، أورد في كتابه "جامعة الدول العربية: شيخوخة مشروع عربي فاشل" المنشور عام 2015، تساؤلات ثلاثة حول الجامعة.

وأوردها بالقول: هل هي محتضرة في طريقها للزوال؟ أم أن الحاجة تقضي بعلاج أوضاعها وإصلاحها؟ أم أنها على ما يرام وهي تمضي في سبيلها كما كانت عليه منذ أن نشأت قبل أكثر من نصف قرن؟

وأشار إلى أن "المشكلة ليست إلا في المنظمة نفسها والتي لم يكن لها في تاريخها الطويل إلا تنظيم مؤتمرات القمة العربية ومؤتمرات وزراء الخارجية وليس لها إلا إلقاء الكلمات الافتتاحية وإعلان الشعارات وتدبيج الخطابات واستقبال الوفود وتوديع الوفود والتمثيل الصامت في حوارات الطرشان".

وقال: إن جامعة الدول العربية، لم تقدّم على امتداد تاريخها الطويل أية حلول جذرية للمشكلات العربية الصعبة والسهلة. 

وزاد أن الجامعة "كانت ولم تزل عالة على من يمولها عبر هذا التاريخ الطويل ومن يقارن عمرها الذي تجاوز أكثر من نصف قرن وما حققته من أهداف ومكتسبات سيصل حتما إلى نفس النتائج التي وصلنا إليها ويا للأسف الشديد"، مطالبا بإعادة "التفكير في مصيرها المحتوم ".


المصادر