"كورونا" يكشف المستور.. هل المغرب جاهز لمواجهة الكوارث الكبرى؟

12

طباعة

مشاركة

10 آلاف حالة مصابة بفيروس كورونا، هو الرقم الذي تتوقع السلطات المغربية تسجيله في المرحلة الثالثة من تطور الفيروس، وفق ما أعلنه مدير الأوبئة ومكافحة الأمراض بوزارة الصحة، محمد اليوبي، حيث سجلت المرحلة الأولى حتى الآن 6 حالات فقط، بينهم حالة وفاة واحدة.

المتحدث حاول التخفيف من وقع الرقم على المغاربة، فقال: إن خطر الوصول إلى مرحلة نشر المصابين بفيروس "كورونا" العدوى في محيطهم والوصول إلى درجة وباء وطني، من "ضعيف إلى متوسط"، وذلك قبل أن تعلن منظمة الصحة العالمية أن المرض تحول إلى "وباء عالمي". 

قبل الوصول إلى المرحلة الثالثة، تحدث المسؤول عن احتمال الوصول إلى 200 حالة يشتبه في إصابتها بالفيروس يمكن أن تكون ضمنها 50 حالة مؤكدة.

وأفاد اليوبي أن هذا الرقم يمكن أن يرتفع أيضا إذا سجلت حالات مؤكدة في حالات مجتمعة، أي من الوسط الأسري نفسه أو في منطقة واحدة، لترتفع التوقعات إلى 2000 حالة محتملة، وبعد إجراء التحاليل الطبية عليها، يمكن الوصول إلى 500 حالة مؤكدة.

وفي حالة الوصول إلى مرحلة تسجيل 500 حالة مؤكدة بالمغرب، يقول اليوبي: "السلطات المعنية ستعمل على الحد من انتشار الفيروس عبر اتخاذ إجراءات مخطط لها للحد من نسبة الوفيات". فكيف تتعامل المغرب مع الحالات المؤكدة؟ وما هي التدابير التي يتم اتخاذها؟ وما مدى جاهزية المملكة لمواجهة تفشي الفيروس؟.

إجراءات مشددة

منذ بدء انتشار فيروس "كورونا المستجد"، أعلن المغرب أنه يفرض إجراءات مشددة في النقط الحدودية، في الموانئ والمطارات، وخصوصا على الأشخاص القادمين من بؤر انتشار الفيروس، مثل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وشمال إيطاليا، دون تقييد لحرية تنقل الأشخاص.

طمأنت الوزارة المعنية المغاربة، وقالت: إنها تتبع يوميا الحالات الواردة عبر المطارات والموانئ وفي نقط العبور البرية، لكنها "لا تتخذ إجراءات مبالغا فيها بل يتم التركيز على الأشخاص القادمين من مناطق تعرف انتشار الفيروس، حيث توجه لهم أسئلة وتقدم لهم معلومات وأرقام هاتفية للتواصل في حال شعورهم بوعكة صحية".

التصريح أثار سخرية العديدين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا أن بلادهم لا تعطي للموضوع حجمه، ففي الوقت الذي رفعت فيه منظمة الصحة العالمية، مستوى خطورة انتشار كورونا في العالم إلى "مرتفع جدا"، وتشدد فيه الدول الرقابة على الوافدين عليها، تكتفي السلطات في المغرب بطرح مجموعة من الأسئلة على الوافدين في المطارات، منها: هل زرت الصين أو إحدى البؤر التي ينتشر فيها الفيروس. 

الحالتان الأولتان اللتان أعلن عنهما المغرب دخلتا من إيطاليا، ويتعلق الأمر بأفراد من الجالية المقيمة في البلد الأوروبي، وهي ثالث أكبر جالية مغربية في الخارج، يقدر عددها بـ 800 ألف نسمة، بحسب دراسة أنجزها المركز الإيطالي للدراسات والأبحاث لحساب الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة.

معايير السلامة

وبعد الكشف عن الحالة قامت الجهات المكلفة بحصر لائحة جميع المخالطين للمصاب، بغية مراقبتهم واتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع تفشي الفيروس وفقا لمعايير السلامة الصحية الوطنية والدولية. 

وفيما ارتفع عدد ضحايا فيروس كورونا في إيطاليا، مسجلا أعلى زيادة يومية منذ بدء تفشي الفيروس في البلاد، حيث وصل العدد الإجمالي في البلاد إلى 4 آلاف و636 حالة، قابل للزيادة، نشرت مواقع محلية خبرا يفيد بأن المغرب علّق الرحلات الجوية مع إيطاليا.

لكن رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، خرج لينفي الخبر قائلا: "يروج بيان مكذوب منسوب لوزارة الصحة المغربية بتعليق الرحلات من وإلى إيطاليا، هذا الخبر لا أساس له من الصحة والبيان مُختلق"، ولم تقرر الحكومة تعليق الرحلات من وإلى إيطاليا سوى يوم 10 مارس/ آذار 2020، أي بعد أسابيع من تفشي الوباء بها.

ومددت الخطوط الملكية المغربية للطيران إيقاف رحلاتها إلى الصين مركز انتشار الفيروس، لكنها لم تعلق رحلاتها من وإلى فرنسا، التي تعتبر بدورها بؤرة جديدة للفيروس والتي دخلت للمملكة منها 4 حالات، ويتعلق الأمر بسائح فرنسي وزوجته وابنته وسائحة أخرى سنغالية الجنسية.

إلغاء الفعاليات

منذ تسجيل الحالة الأولى للإصابة بكورونا في البلاد، عبّرت الحكومة المغربية، عن تخوفها من تفشي الفيروس فألغت عددا من الملتقيات الدولية والوطنية، من بينها إلغاء منافسات "الجائزة الكبرى للجيدو" بالعاصمة الرباط، التي كانت ستعرف مشاركة 94 دولة.

كما تم تأجيل "طواف المغرب للدراجات"، والدورة العاشرة لمهرجان اللوز بتافراوت (وسط المغرب). وأيضا "طواف المغرب" الذي كان متوقعا ما بين 9 و18 أبريل/ نيسان 2020، بمشاركة دولية.

وقررت السلطات المغربية، إلغاء "المعرض الدولي للفلاحة" في مدينة مكناس (شمال البلاد)، خشية من انتشار الفيروس.

وأعلنت كل من وزارة الفلاحة والصيد البحري وجمعية المعرض الدولي للفلاحة، المنظمة للمعرض، في بيان مشترك، إلغاء الدورة الخامسة عشرة للمعرض الدولي للفلاحة، التي كان من المرتقب تنظيمها من 14 إلى 19 أبريل (نيسان) 2020 في مكناس.

وبعد تسجيل الحالة الثانية للإصابة بكورونا، قررت وزارة الثقافة منع جميع اللقاءات التي يشارك في أشخاص قادمون من الخارج، أو التي يشارك فيها 1000 شخص فما فوق.

وفي آخر إجراء حكومي، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في 11 مارس/ آذار 2020، إلغاء جميع المواسم الدينية مهما كان حجم التجمعات التي تشهدها.

المعطيات العلمية

مدير الأوبئة ومكافحة الأمراض بوزارة الصحة أكد جاهزية المغرب للتعامل مع جميع مراحل تطور الفيروس في البلاد، مشيرا إلى أن "جميع المستشفيات الإقليمية مجهزة بقاعة لاستقبال حالات مؤكدة، وقاعات خاصة بالحالات المحتملة".

وكشف أمام النواب أن مجموع الإشارات التي توصلت بها مصالح وزارة الصحة المتعلقة بحالات مشتبه فيها بكورونا، إلى حدود صباح الجمعة 6 مارس/ آذار 2020، بلغ 101 حالة، بينما تبين أن الحالات المحتملة، إلى حدود اليوم الذي قبله، هو 50 حالة، تأكد أن 48 منها سلبية.

الطبيب ورئيس المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية بالمغرب، مصطفى كرين، قال: "لا أحد يعلم يقينا ما هو فيروس كورونا، فكل المعطيات العلمية الحالية المتعلقة بالفيروس لا تزال قيد الدراسة والتأكيد ولا أحد يمكنه أن يقول لنا بالضبط ما هو هذا الفيروس حاليا".

ويعتقد كرين أن كل تكهن بما سيحدث في المستقبل "مجرد رجم بالغيب، لقد قيل لنا بداية أنه فيروس لا يختلف كثيرا عن فيروس الإنفلونزا المعروف، وتبين لاحقا أن قدرة فيروس كورونا على الانتقال والعدوى وتعديل تركيبته الجينية كبيرة جدا". 

وقيل إنه يموت في درجات حرارة معينة وتبين لاحقا أن كل ذلك الكلام غير دقيق، وأن الفيروس يتمتع بقدرة هائلة على التأقلم مع الحرارة والاستمرار لعدة أيام حيا خارج الأجسام الحية، بحسب المتحدث. 

ومن هذا المنطلق يقول كرين: "أي تعامل مع الفيروس يجب أن ينطلق من المبدأ القائل: (من الحزم سوء الظن)، وبالتالي فالكلام عن استقرار الوضع الوبائي في مكان ما، سواء كان المغرب أو غيره، هو كلام فارغ من أي معنى ويرتكز على اعتبارات سياسية واقتصادية واجتماعية أكثر مما يرتكز على معطيات علمية، لأننا لا زلنا نجهل الكثير عن الوباء. 

وفي تعليق له عن توقعات مديرية الأوبئة حول الأعداد المحتملة للمصابين، اعتبر كرين أنها "تبقى مجرد تصريحات إعلامية غير قابلة للإثبات أو النفي".

التدابير الحكومية

أما عن التدابير المتخذة من طرف الحكومة، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار احتمال انتقال المغرب للمستوى الثاني أو الثالث في سلم انتشار الوباء، يقول الطبيب: "يجب أن نقول بصراحة إن تلك التدابير غير كافية على الإطلاق".

منتقدا دعوة رئيس الحكومة المواطنين إلى عدم الاكتراث بالمرض والاستمرار في ممارسة حياتهم بشكل عادي. كرين اعتبر هذه الدعوة في الوقت الذي يعاني فيه العالم أجمع الأمرين مع المرض، "شكلا من أشكال التغرير بالمواطنين ويضع على رئيس الحكومة والفريق العامل معه مسؤولية ثقيلة جدا".

واعتبر المتحدث للصحيفة في دخول الفرنسي المصاب بالفيروس هو وعائلته دون فحص، ليلة واحدة فقط قبل ظهور الأعراض عليه، بالإضافة إلى تصريحات العديد من المسافرين الذين عبروا المطارات دون أي إجراء احترازي، "دليلا على عدم جدية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بهذا الصدد، وهو أمر قد ندفع ثمنه غاليا في حالة ما إذا فاجأنا الوباء بشكل سريع ومكثف كما حدث في الصين وإيطاليا وإيران وغيرها". 

مرصد للأوبئة

أفاد المتخصص أن "البنى الصحية الأساسية في المغرب متواضعة المستوى والطواقم الطبية غير كافية وغير مدربة وغير مجهزة لمواجهة جائحة بهذا الحجم".

مصطفى كرين أطلق مبادرة لإحداث مرصد متوسطي للأوبئة والأمراض المهاجرة، وأشار أنه لا يوجد بلد في مأمن من هذه الآفات، وهكذا بات من الضروري إحداث مرصد خاص بالأوبئة، توقعا واستعدادا لما قد يعرفه العالم من أزمات مماثلة، ونظرا لما يشكله ذلك من تهديد للإنسانية جمعاء.

وطالبت المبادرة مختلف الحكومات المعنية بتقديم الدعم المادي، والعلمي لهذه المؤسسة، وتكوين قاعدة بيانات تسهل توقع، واستباق حدوث، وانتشار هذه الأمراض.

كرين قال لـ"الاستقلال": "المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية يدعو منذ سنة 2013، إلى تأسيس مجلس أعلى للصحة يتكفل بتخطيط سياسة البلاد على المستوى الصحي وتنسيق مواجهة مثل هذه الكوارث". 

وتابع: "دعونا قبل أسبوع إلى مرصد متوسطي للأوبئة لتنسيق جهود دول حوض البحر الأبيض المتوسط في استشراف ومواجهة هذه الآفات التي توالت بشكل كبير ومثير في السنوات الأخيرة".