ما الذي دفع الصين لإخفاء حقيقة فيروس كورونا شهرا كاملا؟

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة الجارديان البريطانية، إن طريقة تعامل السلطات الصينية مع فيروس كورونا، يثبت أن للصين تاريخ سيئ في التعامل مع الكوارث الصحية والأوبئة، "وكل هذا يعود إلى تغليب المصالح السياسية والاقتصادية".

ونشر الكاتب "ما جيان" تقريرا في صحيفة "ذي جارديان" حول حقيقة انتشار فيروس كورونا في بكين، منطلقا من سرد كوارث حدثت في تاريخ الصين.

فمنذ 70 عاما، أخضع الحزب الشيوعي الصيني بلاده لسلسلة من الكوارث التي هي من صنع الإنسان، بدءا بالمجاعة الكبرى والثورة الثقافية ومذبحة ميدان تيانانمن، إلى القمع القسري للحقوق في هونغ كونغ واعتقال الإيغور المسلمين في شينجيانغ.

وتضاعفت عمليات التستر الرسمية عن عدد القتلى في الكوارث الطبيعية، ومثال ذلك فيروس سارس وزلزال سيشوان.

رؤية شي

اليوم، يعيد التاريخ نفسه من خلال سوء تصرف الرئيس شي جين بينغ مع وباء فيروس كورونا، وهو ما يضاف إلى قائمة الجرائم المشينة للحزب، وذلك مع ظهور حالات تفشي خطيرة في اليابان وكوريا الجنوبية وإيران وإيطاليا. ومن الواضح أن الفيروس لا يهدد صحة وحريات الشعب الصيني فحسب، "بل جميعنا في كل مكان".

تكمن رؤية شي المليئة بالأيديولوجية الشائكة في لب هذه الأزمة العالمية، "فعندما تم تعيينه زعيما للحزب في عام 2012، أعلن أن حلم الصين هو الانتعاش الوطني، ووعد بأن البلاد ستكون مزدهرة بشكل معتدل".

وبحلول الذكرى المئوية للحزب سنة 2021، تقول الغادريان: "ستكون الصين متقدمة بالكامل في الهيمنة الاقتصادية العالمية. وفي الذكرى المئوية للجمهورية في عام 2049، سوف يقر العالم بأن ديكتاتورية الحزب الواحد تتفوق على فوضى الديمقراطية الليبرالية".

 يتمتع شي حاليا بصفته "رئيسا مدى الحياة"، بسلطة أكبر من أي زعيم للحزب منذ ماو تسي تونغ، إذ سحق كل المعارضين من خلال محاولة بناء دولة شمولية ذات تكنولوجيا عالية.

أما الحزب الشيوعي فهو أحد الظواهر الخبيثة التي أصابت الشعب الصيني منذ عام 1949. ولكن تحت حكم شي، تحول إلى شكله الأكثر سوءا، مما سمح لنمو الرأسمالية بسرعة مع إعادة تأكيد السيطرة اللينينية.

وتقول الصحيفة: "قد عذب (الرئيس الصيني) ونكل بالكثير من الصينيين من خلال وضع السلاسل حول أقدامهم، والأسلاك الشائكة حول معسكرات الاعتقال البعيدة".

بداية التفشي

أفاد التقرير أيضا أن يوم إغلاق مدينة ووهان في 31 ديسمبر/كانون الأول 2019  وبينما الهلع قائما بين المتساكنين حول انتشار الفيروس، خرج شي بخطاب أعلن فيه عن انتصار عام جديد من "الأهمية الكبرى في تحقيق هدف المئوية الأول!".

وبطبيعة الحال، لم يتحدث عن الفيروس الغامض الذي أبلغت عنه السلطات الصحية في ذلك اليوم في ووهان بمقاطعة هوبي.

فبالرغم من إعلان منظمة الصحة العالمية الخطر، ظل الشعب الصيني مظللا إلى حد كبير. فكيف يمكن أن يُسمح لخلل غير مرئي أن يثبط مجد شي "حلم الصين"؟. تقول الجارديان: "للصين تاريخ حافل باللامبالاة بالأزمات إذ يضع الحزب الحاكم دائما بقاءه الخاص فوق رفاهية الشعب".

وفي 30 ديسمبر/كانون الأول، أصيب لي وين يانغ طبيب العيون في المستشفى المركزي في ووهان وأخبر زملاءه عن وجود  سبعة حالات مصابة بالفيروس وهو موجود في الحجر الصحي وحذرهم من تفاقم الفيروس، ونشر الأطباء ذلك على حساب "وي شات". وقد اعتبر هذا الأمر تخريبا وعوقبوا من قبل الشرطة.

وبينما استلقى لي على فراش الموت يوم 30 يناير/كانون الثاني 2020، كشف حقيقة تجربته مع الوباء. على الرغم من كونه عضوا في الحزب، فقد تحدث إلى صحيفة "نيويورك تايمز" حول الإخفاقات الرسمية في الكشف عن المعلومات الأساسية حول الفيروس.

كما أخبر مجلة "كيكسين" التي تتخذ من بكين مقرا لها أنه "لا يمكن لمجتمع صحي أن يكون له صوت واحد". في تلك الجملة، حدد السبب الجذري لمرض الصين، حيث يحجب شي الحقيقة والمعلومات لإنشاء مجتمعه المثالي "المتناغم".

يبرز التقرير أنه بعد اندلاع الحزن العام والغضب عقب وفاة لي في 6 فبراير/شباط 2020، تراجعت الحكومة وأشادت بالطبيب "البطل". لكن وراء الكواليس، استمر الصمت وجرى اعتقال العديد من الأشخاص الذين وثقوا وتحدثوا عن تعامل الدولة مع انتشار الفيروس.

مزاعم السلطات

وبعد أسبوعين، زعمت السلطات أن الخطر زال، لكن الفيروس لم يكن خاضعا لرغبات المستبدين فقد انتشر مثل النار في الهشيم وفات أوان حصره.

يفيد التقرير أنه في 23 يناير/كانون الثاني 2020، جرى إغلاق وحصر مدينة ووهان بالكامل وفي نفس اليوم، وفي حفل استقبال في بكين، أكد شي الحاجة إلى "السباق مع الزمن ومواكبة التاريخ لتحقيق الهدف المئوي الأول المتمثل في حلم الصين بالتجديد الوطني".

في الآن نفسه كشفت مقاطع الفيديو على حساب "وي شات" و"واي بو" عن حالة  الشوارع المهجورة في المدن المتضررة والجثث الملقاة على الأرصفة وبكاء امرأة على شرفة برج فخم وتقول: "أمي تموت، أنقذوني".

وفي خضم الكارثة، يدرك الناس أخيرا أنه إذا لم يكن لقادتك أي اعتبار للحياة أو الحرية الإنسانية، فلن ينجيك أي مبلغ من المال، حيث قضى الفيروس على أسر بأكملها وتم احتجاز أكثر من 70 مليون شخص في منازلهم.

أبلغ المسؤولون الصينيون اليوم عن أكثر من 78 ألف إصابة و2715 وفاة، معظمهم في هوبي. لكن لا أحد يثق في شخصيات الحزب.

روايات مختلقة

ففي محاولة لتغيير الرواية بعد وفاة لي، دعا الحزب إلى شن حرب ضد الفيروس، وحث الصحفيين على استبدال "المحتوى السلبي" على وسائل التواصل الاجتماعي بـ "قصص مؤثرة من خط المواجهة لمكافحة المرض".

ونشرت وسائل الإعلام الحكومية مقاطع فيديو لممرضات حوامل يقمن بواجبهن ومرضى يمجدون الحزب ويبينون ولاءهم لشي وهم على فراش الموت. هذه اللقطات كان هدفها تعزيز الطاقة الإيجابية لكنها تحيل إلى هاوية أخلاقية وتبين لا إنسانية النظام الحاكم، وفق الصحيفة .

تتابع الغادريان: "فبعد أن دفنت حقيقة كارثة الثورة الثقافية وغيرها من الجرائم السابقة، يعمل الحزب الآن على سحب الأمة مرة أخرى إلى ماضيها المأساوي".

يسلط التقرير الضوء أيضا عن الانقسامات التي سادت في المجتمع، فهذه المرة كانت بين المصابين وغير المتضررين، وذلك بعد نشر مقاطع فيديو فيها توثيق لهجمات الشرطة على المواطنين الذين يجرؤون على الخروج بدون قناع وجه.

وفي الوقت نفسه ومع استمرار الوباء، طلب شي من البلاد العودة إلى العمل، "كل ذلك لضمان تحقيق أهدافه الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين. وبالطبع، فإنه يحافظ على النخبة السياسية آمنة عن طريق تأجيل مؤتمر الشعب الوطني في مارس/آذار الماضي".

يبين الكاتب الصحفي أنه في ظل هذه الأوضاع وتصرفات "شي" يظهر زيف مشروع "حلم الصين".