مصر تضيق الخناق على غزة بجدار جديد.. ما علاقته بـ"صفقة القرن"؟

عدنان أبو عامر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثارت خطوة الجيش المصري، التوجه لبناء جدار خرساني مع قطاع غزة، تساؤلات عدة عن سبب الإجراء الذي يأتي بالتزامن مع خطة السلام الأمريكية المعروفة بـ"صفقة القرن"، وفي ظل استقرار أمني غير مسبوق على الحدود.

ففي الأيام القليلة الماضية، شرع الجيش بعمليات تسوية وتجريف على الحدود الفاصلة بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، تمهيدا لبناء جدار خرساني يمتد على طول الحدود مع قطاع غزة لمسافة 14 كيلو مترا.

يأتي الكشف عن هذا التحرك المصري بعد أيام على زيارة اللواء أحمد عبد الخالق مسؤول الملف الفلسطيني في المخابرات المصرية لقطاع غزة، حيث التقى الوفد قادة الفصائل الفلسطينية لبحث ملف التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي.

وجاءت الزيارة عقب حالة التوتر الميداني بين فصائل المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، بعد استهداف مواقع تابعة لحركة المقاومة الإسلامية حماس ردا على إطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه الأراضي المحتلة، كما أجرى الوفد جولة ميدانية استمرت لساعات على الحدود المصرية مع القطاع.

أهداف الجدران

وفقا للمعطيات التي حصلت عليها "الاستقلال" من مصادر فصائلية في غزة فإن الخطة تتضمن تشييد جدار يمتد من منطقة معبر كرم أبو سالم جنوبا باتجاه معبر رفح البري شمالا، بطول يقدر بـ2 كيلو متر كمرحلة أولى.

أما المرحلة الثانية فتتضمن استكمال بناء الجدار من معبر رفح البري وحتى شاطيء البحر بطول 12 كيلو مترا، مع إضافة عدة نقاط مراقبة للجيش المصري على الحدود.

يقدر ارتفاع الجدار المرتقب تشييده بـ 6 أمتار فوق سطح الأرض، وبعمق 5 أمتار تحت الأرض، ويأتي كجدار ثان مواز للجدار الصخري القديم الذي أنشأته مصر على حدود قطاع غزة مطلع العام 2008، وتفصلهما مسافة لا تتجاوز 10 أمتار. 

تهدف هذه التحصينات المصرية إلى منع حالة التسلل من أي عناصر مسلحة من وإلى قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، إضافة لقطع شرايين ما تبقى من أنفاق لتهريب البضائع بين الطرفين، الفلسطيني والمصري.

سبق هذه الإجراءات قيام الجيش المصري بإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي المصرية على مرحلتين، الأولى تضمنت إنشاء منطقة عازلة بعمق 500 متر في العام 2014، ثم تلاها توسيع هذه المنطقة في 2017، لتصبح 1500 متر، كما جرى تهجير المئات من سكان المناطق الحدودية في مناطق الداخل المصري.

تسلل المسلحين

طلال أبو ظريفة، عضو القيادة السياسية للجبهة الديمقراطية، وعضو الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة قال: إن "الفصائل الفلسطينية في غزة على اطلاع كامل بما تشيده مصر على الحدود، وهي تتفهم دوافع ومنطلقات إقامة هذا الجدار حفاظا على الأمن القومي المصري".

وأضاف أبو ظريفة لـ"الاستقلال": "أكدنا لوفد المخابرات المصرية أن قطاع غزة سيبقى امتدادا للأمن القومي المصري، وسيكون حاميا لحدوده الشرقية من أي هجمات قد تشنها جماعات مسلحة تستغل وجود أي ثغرات على الحدود".

ولفت إلى أن "الطرف المصري لديه الحق الكامل في التصرف بما يراه مناسبا داخل حدوده، ما لم يمس ذلك سيادة غزة، أو يؤثر بشكل أو بآخر على حياة سكانه، كما أن الجانب المصري أعطى تطمينات بأن هذا الجدار لن يؤثر على تشغيل معبر رفح البري، أو يعيق وصول الشاحنات التجارية المصرية إلى القطاع".

وتبرر السلطات المصرية خطواتها على حدود غزة من منطلقات حماية أمنها القومي، حيث يتعرض الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء بين الفينة والأخرى لهجمات من جماعات مسلحة تتخذ من سيناء قاعدة لها، مستغلة المساحات الشاسعة وقلة انتشار الجيش في تلك المناطق. 

ورغم ما تسوقه السلطات المصرية من ذرائع لإقامة هذا الجدار، لكن السنوات السابقة لم تسجل أي حالات لتسلل من أفراد الجماعات المسلحة من وإلى قطاع غزة.

وهذا الأمر يدفع المراقبين لقراءة الخطوة المصرية على أنها متناغمة مع الموقف الإسرائيلي الذي يشيد على حدود غزة الشرقية تحصينات تمثلت في العمل بجدار خرساني بذات المواصفات التي تقيمها مصر على الحدود الجنوبية.

مبالغ فيها

خضر عباس الباحث في شؤون الأمن القومي يرى أن "الترتيبات المصرية على الحدود هي مصلحة للطرفين: مصر وحماس، فالأخيرة معنية بإظهار تعاونها الكبير في مكافحة ما يوصف بالإرهاب، وقطع أي شكوك حول وجود علاقة أو تواطؤ بين جماعات متشددة في سيناء تربطها علاقات مع غزة".

وأضاف لـ"الاستقلال": أن "التشديد المصري في تحصيناته على الحدود مبالغ فيها، بدليل أن حماس تراقب الحدود على مدار الساعة خشية تسلل جماعات مسلحة أو عناصر من الشاباك الإسرائيلي قد تساهم في زعزعة الاستقرار الأمني في غزة، ولم تسجل أي حالة تسلل لجماعات متشددة من سيناء إلى القطاع، أو العكس".

وأكد أن "تشييد الحدود الخرسانية يجري بين مناطق متنازع عليها، أو في حالة وجود صراعات دولية كالحالة بين فلسطين وإسرائيل، لكن العلاقة التي تربط مصر بغزة مختلفة كليا، لأنها مبنية على المصالح، وهنالك الكثير من النقاط المشتركة التي يتم التباحث بها دوريا".

لذلك كان على مصر أن تبادر لطرح أفكار مختلفة كتشكيل لجنة أمنية بينها وبين وزارة الداخلية أو حركة حماس لإدارة المناطق الحدودية، أو تنظيم دوريات على طول الحدود، وفق رأي خضر عباس.

مبادرة الجانب المصري بإقامة هذا الجدار يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين مصر وحماس فتورا في ضوء زيارة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية لإيران في يناير/كانون الثاني للتعزية بمقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس، كما أن تزامن هذا الإجراء في وقت الإعلان عن صفقة القرن يحمل الكثير من التساؤلات.

صفقة القرن

وتحت بند "خدمات عبر الحدود"، نصت صفقة القرن على تطوير المناطق الحدودية بين القاهرة وغزة، بهدف زيادة إمدادات الطاقة من مصر للقطاع بقدرة 100 ميغاواط، بتمويل يصل إلى 20 مليون دولار.

لكن صفقة القرن اشترطت لتنفيذ هذه المشاريع قيام مصر بإجراء ترتيبات لوجستية على الحدود لنجاح المشروع، وهو ما يعني أن تشييد مصر الجدار الخرساني، وإنشاء منطقة عازلة سيكون المرحلة الأولى لتطبيق ما جاء في الصفقة.

وتتضمن الصفقة المزعومة التي رفضتها كافة فصائل المقاومة، إقامة دولة فلسطينية "متصلة" في صورة أرخبيل تربطه جسور وأنفاق، وجعل مدينة القدس عاصمة غير مقسمة لإسرائيل.  وبحسب خطة "ترامب" تحتفظ إسرائيل بالأغوار، وبكامل الحدود الشرقية للضفة الغربية.

إياد القرا، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني قال لـ"لاستقلال": إن "الخطوة المصرية على حدود غزة، هي إجراء أمني، ولا تحمل أي دلالات سياسية مرتبطة بصفقة القرن، لكن ذلك لا ينفي بالضرورة وجود تقاطع في الرؤى السياسية للموقفين المصري والأمريكي بشأن ضبط الحدود".

في ضوء ذلك، قد يكون توقيت الإعلان المصري عن بناء جدار خرساني على حدود غزة بمثابة رسالة تهديد مصرية لحماس بتشديد الخناق عليها في ضوء تراجع العلاقات بين الطرفين، وأن دلالات هذا الإجراء ليست أمنية، بل سياسية، لأن حماس معنية بضبط الحدود لقطع أي محاولة تسلل من الجماعات المسلحة داخل غزة.