حشر بالزاوية.. أطراف تخطط لتشويه دور تركيا في إدلب

12

طباعة

مشاركة

لم يعد يفصل قوات النظام السوري عن السيطرة على الطريق الدولي الذي يربط شمال البلاد بوسطها إلا كيلومترات عدة. كما أن قوات النظام لم تكتف بالتقدم، بدعم روسي مباشر، في تحد واضح للجانب التركي، بل إنها حاصرت نقطة مراقبة تركية جديدة، بعد فشل مباحثات في أنقرة بين وفدين، تركي وروسي، حول الوضع في محافظة إدلب ومحيطها، وهو ما فتح الباب أمام كل الاحتمالات، بما فيها المواجهة العسكرية.

وقال الكاتب علي شينار، في مقال بصحيفة "ملييت" التركية: إن الولايات المتحدة كانت من الدول المسارعة في تقديم واجب العزاء عبر القنوات الدبلوماسية سواء في مقتل الجنود الثمانية في إدلب أو ضحايا الزلزال في مدينة ألازيغ ونهاية بضحايا الانهيار الثلجي في فان شرقي تركيا.

وأضاف: كان لافتا أن الدعم الأمريكي الرسمي للحراك التركي في إدلب ينسال من مختلف القنوات خاصة في الأيام الخمسة الأخيرة التي شهدت توترا متصاعدا. وتابع: "بالطبع، من المهم أن تكون هذه الدعامات موجهة نحو العمل أكثر من العبارات المنمقة والرسمية، لكن الدعم الغربي من الضروري أن يكون أكثر قربا وحميمية".

بانتظار الموت

ونقل شينار عن نقيب الأطباء الاتراك وليد تامر، قوله: الكثير من الأشياء "المؤلمة"، حيث الناس هناك تنتظر الموت، ولكن السؤال هل سيموتون بالبراميل المتفجرة أو الصواريخ، أو سيموتون ببطء وعلى مهل!  ونحن نسمع لذلك – قال شينار –: لم نحتمل، ولا سيما وأن هذه المشاهد عاشها هو شخصيا. 

لقد أمهلت تركيا نظام الأسد حتى نهاية فبراير/ شباط الجاري، للانسحاب من نقاط المراقبة التركية في إدلب شمالي البلاد، وبينما ثمة آمال تتعلق باللقاءات التي ستجمع الطرفين التركي والروسي نهاية هذا الأسبوع، يضيف الكاتب: من الواضح أن ثمة حقيقة واحدة تتجسد في سورية وهي سياسة "المماطلة".

ونقل شينار عن جميس جيفري المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية، والذي قال: إن "الضربات المستمرة في إدلب والتي تزيد عن 200 ضربة جوية، أجبرت أكثر من 700 شخص التحرك والنزوح صوب الحدود التركية، وهذا الوضع سوف يخلق أزمة عالمية".

ورغم أن تركيا تحاول أن تجد حلا مع مختلف الأطراف، فمن جهة هي لا تكل وهي تتجول بين المنظمات الدولية، ومن جهة أخرى مباحثتها مع روسيا لا تتوقف، لكن بينما الحال كذلك لم تحرك الأمم المتحدة كمنظمة دولية ساكنا.

وقبل شهرين استخدمت كل من الصين وروسيا حق النقض الفيتو وأوقفا خططا، فضلا على أن يكون للغرب الجرأة في التحرك عسكريا إزاء هذه المجازر والضربات، خاصة وأنهم لا يريدون بأي حال الدخول في اشتباك مباشر مع روسيا، والخلاصة هنا أن الدعم العسكري الروسي والإيراني، المستمر للأسد، سيعمل على استدامة  النظام السوري الراهن سنوات وسنوات، بحسب الكاتب.

ونوه شينار إلى أن التواصل المتقارب مؤخرا بين واشنطن وأنقرة، ولا سيما التأييد الأمريكي لتركيا، يجب أن يتبع بخطوات عملية، وهي إدارة ملف التعامل مع "بي كاكا"، والعمل عن قرب في هذا المجال وغيره، ومع ضرورة الحصول على دعم أمريكي ودولي في مسألة إيقاف النار في سورية، وبذل المزيد من الجهود لإيقاف هجمات روسيا والنظام السوري ضد المدنيين، مع مراعاة الوحدة السياسية والسلامة الإقليمية لسوريا، وتنفيذ العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة وفقا للقرار 2254.

تطهير عرقي

أما الكاتب، أردان زينتورك، قال في مقال بصحيفة " ديرليش بوستاسي": إن الحدود التركية مع سورية باتت الأكثر أمانا جراء الهجمات المستمرة من قبل روسيا والنظام، مضيفا: أصبحت هدف المئات هو الوصول إلى المخيمات الآمنة التي تقيمها تركيها هناك، وهذا يعني أنهم بقوا بلا حيلة ولا قوة جراء الظلم الواقع عليهم.

وأضاف: "إنه لشعور غريب أن تقف أمام اللافتة المشيرة إلى إدلب، حيث لم يمر الشرق الأوسط فحسب بل خضع النظام العالمي الحالي لاختبار شديد "حتى لو الحرب المستمرة في سورية توصف بأنها حرب قذرة، فهي تعني أنها حرب هوية تطهير عرقي أيضا".

وبيّن الكاتب: قبل شهرين، كان عدد النازحين صوب الحدود نحو 270 ألف، وحاليا الرقم تجاوز المليون، واليوم بعد أن أخذ النظام سراقب وقبلها معرة النعمان وعينه على مركز مدينة إدلب، التي تبعد 7 كم، إذا ما حقق النظام مراده ونفذ خطته، المليون نازح وخلال أقل من 24 ساعة، سوف يرتفع الى 2 مليون نازح وربما ثلاثة ملايين.

ونشر زينتورك في مقاله صورا له وهو يتجول في إدلب ووصفها بالمدينة الفارغة، وقال: "كان الصمت فيها مرعبا ومخيفا خاصة في الشوارع الجانبية، وعندما تصل إلى مخيمات اللاجئين في ريف إدلب، من الصعب للغاية تحمل رؤية مشاهد الدمار والمذابح".

وبدأ الكاتب يصف هذه المخيمات، بالقول: "عبارة عن شوادر ممتدة على مدى البصر، وأرضية من الطين المبللة بمياه الأمطار "الوحل"، وأقدام الأطفال النازحين عارية، أما الرجال فيحاولون الوقوف على أقدامهم لكن الجوع أنهكهم وانعدام العمل جعلت قواتهم تخور، يذهبون من الصباح للعثور على مياه نظيفة للشرب من مصادرها البعيدة ويعودون، فيما تذهب النسوة للبحث عن لقيمات توزعها عليهن القوات المسلحة التركية.

رمز الاضطهاد

ووصف زينتورك المعسكرات في إدلب بأنها "رمز للاضطهاد واليأس، وكان الأطفال الذين فتحوا أعينهم لحرب لم يعرفوا سببها هم الضحايا الرئيسيون؛ في وقت تعمقت فيه مأساة إنسانية كبيرة أمام أعين البشرية جمعاء. وتعمق الكاتب يصف الأطفال السوريين في المعسكرات، إذ أضحوا جلدا على عظم، في مستنقع من الوحل، بأقدام عارية، حيث يذهب عمرهم هباء دون أي ذنب اقترفوه.

وأخذ الكاتب يشرح رحلته إلى مركز مدينة إدلب على بعد 2 كليو متر من عمق المدينة، نظير لقاء تلفزيوني، حال دون إجرائه الحرب الدائرة هناك؛ إذ أعلنت المعارضة التي كانت تدافع عن المدينة ضد فاشية الأسد أن المناطق المرتبطة بالمدينة "مناطق عسكرية". لكن زينتورك سجل بعض من الملاحظات وهي على النحو التالي.

وأوضح أن الصورة الناتجة هي أن روسيا وإيران قد اكتسبتا وعيا مع لوقت خلال مباحثات  سوتشي - أستانا وخططتا بشكل رئيسي لمفاوضات اليوم، وفي الوقت الذي تبرر فيها روسيا والنظام السوري أن استهدافهم لإدلب هو استهداف "المنظمات الإرهابية" كهيئة تحرير الشام التي تعد امتدادا لتنظيم القاعدة، لم يحدث أن استهدفت طائرات النظام ولو لمرة واحدة، نقطة عسكرية تابعة لتلك الهيئة؛ كل الأضرار كانت من نصيب المواطنين المدنيين ومشافيهم والأفران التي تمدهم بالمؤونة والغذاء، حتى قوافل اللاجئين كانت مستهدفة ولم ينل "الإرهابيون" من هذه القذائف شيئا.

وتابع: الحقيقة، أن من يهرب من نيران الأسد وروسيا ليس هيئة تحرير الشام، فهم نجوا من كل تلك الضربات بشكل أو بآخر، لكن ملايين المدنيين يفرون بأرواحهم وأنفسهم من تلك الضربات إذ أن الحرب هناك ليست كالحرب في معناها التقليدي؛ هناك مذبحة شكلتها القوات الجوية الروسية والأسد والمدفعية الإيرانية.

لعبتان محتملتان

ولفت الكاتب إلى الطريقة التي تعمل بها الحرب تمضي بشكل رتيب. الطيارون الروس وطيران الأسد يقصفون المدنيين في قرية يستهدفونها، ويرهبون ساكنيها ويخوفنهم من الموت، فيخافون ويقومون بإخلاء تلك القرية، ويبقى المقاتلون من "هيئة تحرير الشام" الذين يطلبون طريقا ما أو مخرجا للانسحاب، وهكذا ينسحبون، بدون أي اشتباك ولا تدمير، الذي يكون من نصيب المدنيين وحدهم، وهذا ما سبب في نشر إشاعة أن تركيا تركت الناس وحدهم، بل وتسلم القرى تباعا للنظام.

وخلص الكاتب إلى أن هناك لعبتين من المحتمل أن تكون في المنطقة، وهي تسلل كل هؤلاء العناصر من "هيئة تحرير الشام" وبدعم سعودي إماراتي إلى تركيا، وقد يكون ذلك واضحا حين يأتي الإشارة من جهة ما "عالمية" لهؤلاء اللاجئين الذين يهدمون الجدر أو يقتحمون الجدر بالجرافات ليتخطى الحدود مئات الآلاف من اللاجئين في موجة هجرة جماعية وفي لحظة واحدة.

وأفاد بأن اللافت أيضا أن نظام الأسد – وعن وعي- يقوم بزيادة التطرف في المنطقة عن طريق ربط أهالي مدينة إدلب بـ"هيئة تحرير الشام"، وعن طريق هذه الإستراتيجية يستمر في هجومه وتتواصل ضرباته والحجة "استهداف الإرهابيين في المنطقة" ومن جهة أخرى يعملون على إحراج تركيا وحشرها في الزاوية.

واختتم الكاتب، قائلا: تركيا لا يمكن أن تسمح أن يستمر الوضع على هذه الشاكلة، والحل يجب أن يرى النور وهو غالبا سيكون عسكريا، وتأخر هذه الحل مع التركيز على الدبلوماسية أملا في الوصول الى حل يعقد المشكلة أكثر وأكثر، ففي اللحظة التي نسمح فيها للنظام بإمساك الطريقين السريعين (إم-4) و (إم-5)، فإن هاتاي المدينة التركية سوف تتعرض للخطر.