عامان في العزل.. لماذا لم يحقق الجيش المصري الأمن بسيناء؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور عامين على بدء عملية "سيناء 2018" العسكرية للجيش المصري، إلا أن حادث مقتل ضباط وجنود، في 9 فبراير/ شباط الجاري، بهجوم نفذه تنظيم "ولاية سيناء"، على كمين للجيش بمنطقة الجورة بالشيخ زويد، أعاد التساؤلات عن مدى نجاح العملية العسكرية.

الحادث الأخير يطرح أيضا تساؤلات عن جدوى عمليات التهجير القسري التي نفذها نظام السيسي في رفح والشيخ زويد والعريش، لخلق منطقة عازلة لأكثر من 55 كيلو متر، تحت مبرر تضييق الخناق على عناصر تنظيم الدولة، وأن الهدف منها، هو حماية الأمن الإسرائيلي، الذي أعلن رئيس الانقلاب بمصر، عبدالفتاح السيسي، أكثر من مرة أنه في مقدمة أولوياته.

تساؤلات أخرى تدور حول أسباب الصمت الدولي على عمليات الإبادة الجماعية والتصفيات والتهجير والإخفاء القسري والاعتقال العشوائي، والمحاكمات غير العادلة، وتدمير البنية الاقتصادية لسكان شبه الجزيرة المعزولة، رغم كثير من التقارير الدولية والمحلية التي كشفت مأساة سكان المنطقة على يد الجيش.

بين فكين

وفقا لتوصيف ناشطين من أهالي سيناء، فإنهم أصبحوا بين فكي الكماشة التي يقع الجيش في أحد أطرافها، وتنظيم الدولة في الطرف الآخر.

وحسب حديث للناشط السيناوي عيد المرزوقي لـ"الاستقلال"، فإن عدد المواطنين السيناويين الذين قتلوا على يد الجيش من جهة، وعلى يد التنظيم من جهة أخرى، يتجاوز عدد القتلى في المواجهات التي جرت بين الجانبين، ما جعل السبب في وجود التنظيم ووجود الجيش، هو تفريغ سيناء من أهلها والقضاء عليهم بالتصفية والتهجير وأمور أخرى".

المرزوقي كشف عن أزمة أخرى خلفتها العملية العسكرية، والتصرفات التي يقوم بها الجيش منذ سيطرة السيسي على الحكم بعد الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013، والتي ترتبط بشكل العلاقة بين الجيش والسيناويين، والتي كانت بالماضي في أقوى أشكالها، بينما الوضع الآن هو أن مجرد الاقتراب من رجال الجيش، في الشوارع أو الكمائن، فهذا معناه الموت المحقق.

ويشير الناشط إلى أن وجود مخطط لإجبار أبناء سيناء على الهجرة، سواء بالإجراءات القمعية المباشرة، كما جرى مع أبناء رفح والشيخ زويد وعدد من قرى العريش، أو من خلال تدمير البنية الاقتصادية الخاصة بهم، بحرق المزارع ومصادرتها وهدم البيوت والمتاجر، وفي النهاية لا يجد المواطن السيناوي قوت يومه، ما يجعله يضطر لترك أرضه ومزارعه وتجارته، حفاظا على حياة أبنائه وأسرته.

تطهير عرقي 

وفي الإطار ذاته، وصف الناشط السيناوي وعضو "لجنة الخمسين" لكتابة دستور 2014، مسعد أبو الفجر، ما تقوم به قوات الجيش والشرطة في سيناء بأنه "تطهير عرقي واضح لشعب سيناء".

وأوضح السيناوي مقطع فيديو بثه على صفحته بـ"فيسبوك" أن حجة "الإرهاب" الدائمة التي يستخدمها السيسي، لتبرير سياسة الإفقار التي ينتهجها تجاه الشعب، بـ"ضرورة" صرف أموال الحكومة على "المعارك" التي "يخوضها" الجيش ضد "الإرهاب" في شمالي سيناء.

وقال أبو فجر: أن "الجيش يعرف أعضاء تنظيم "ولاية سيناء" بالاسم، ولو كان راغبا في القضاء عليهم لاستطاع القيام بذلك في وقت سريع، ولم تكن المعارك تستمر لأكثر من 6 سنوات".

وأضاف إن استخدام كلمة "الإرهاب" في شمال سيناء، محض "سخافة"، مشيرا إلى أنه شارك في اجتماع عشائري جمع شيوخ القبائل والمخابرات العامة في 2014، حيث أبدى سكان الإقليم استعدادهم لطرد التنظيم، لكن النظام رفض ذلك، وفي المقابل تم  تصفية عدد من رموز المجتمع السيناوي الذين عرضوا المساعدة للتخلص من "الإرهاب".

ولفت إلى أن الحرب على "الإرهاب" مجرد حجّة من النظام لارتكاب جريمة التطهير العرقي بحق سكان شمال سيناء، عبر تعرضهم للإهانة والقتل، لمآرب متعلقة بصفقة القرن، وتصفية القضية الفلسطينية، مؤكدا أن سيناء تحولت لمحرقة للجنود المصريين غير المؤهلين للقتال، والمتروكين في أماكن خطرة، بسبب الفساد وعدم جدية الجيش في محاربة الإرهاب.

التهجير القسري

على مدار 5 سنوات متصلة أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تقارير عدة عن الكارثة التي تحدث في سيناء على يد قوات الجيش من جهة، وأنصار تنظيم الدولة من جهة أخرى، إلا أن التقارير الاستقصائية التي أصدرتها المنظمة بعد بدء العملية العسكرية للجيش في 9 فبراير/ شباط 2018، كشفت عن جانب آخر يتم تدبيره لأهالي سيناء، وهو عزلهم عن العالم الخارجي، في إطار الخطة الموضوعة لتهجيرهم قسريا.

ولخطورة ما يحدث في سيناء، طالبت المنظمة في تقرير أصدرته في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، الأمم المتحدة بإرسال بعثات تقصي حقائق للوقوف على ما يجري في سيناء وتوثيق الجرائم المرتكبة على أيدي السلطات المصرية، وجلب مرتكبي هذه الجرائم الى العدالة، حيث لا يمكن للحكومة المصرية التي ارتكبت هذه الجرائم أن تقوم بالتحقيق فيها كونها طرفا في الجريمة.

وذكر تقرير المنظمة أن القرار الذي أصدرته الحكومة المصرية بتهجير مواطني شمال سيناء على مساحة ١٣.٥ كيلو مترا ونشر القوات المسلحة لإجبار الأهالي على ترك منازلهم، يتم تعريفه في القانون الدولي والدستور المصري بأنه إخلاء وإجلاء قسري في حق المواطنين بالمخالفة للأعراف والمواثيق الدولية.

وانتقدت المنظمة الحقوقية الدولية، ما أسمته بـ"الصمت الدولي عن سياسة العقاب الجماعي في سيناء والتهجير القسري لسكانها"، وقالت المنظمة: إن ذلك يعتبر "جريمة دولية وتواطؤ ضد حقوق ساكنيها، ويهدد بشدة كيان الدولة المصرية".

وأشارت إلى أن "استخدام العنف والقتل والتهجير لن يؤدي الى استقرار الوضع في سيناء، لأنه لم يبن على قوانين، ولم يحترم حقوق سكانيها بل سلبهم الحق في الحياة والحق في السكن والحق في الأمان وقام بعزلهم وحصارهم وتجويعهم بشكل جماعي وغير إنساني، ولم تضمن لهم الدولة أي نوع من الحماية، بل كانت الدولة هي المنتهكة لحقوقهم ومجاهرة بذلك".

انتهاكات بشعة

ورصد تقرير آخر لـ"هيومن رايتس ووتش" أصدرته في مايو / أيار 2019، العديد من جرائم الحرب التي يتعرض لها أبناء سيناء تحت مبرر محاربة تنظيم الدولة، ووثق التقرير الذي حمل عنوان "اللي خايف على عمره يسيب سينا"، أكدت فيه أنه "على مدار عامين جرائم تشمل الاعتقالات الجماعية التعسفية، والإخفاء القسري، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القضاء، وهجمات جوية وبرية غير قانونية ضد المدنيين".

ووفق التقرير الذي صدر في 134 صفحة، نتيجة مقابلات أجرتها المنظمة مع 54 من سكان شمال سيناء خلال الفترة من 2016 وحتى 2018، فإن قوات الأمن المصرية تعاملت بازدراء تام لحياة السكان، عوضا عن حمايتهم، وحولت حياتهم اليومية إلى كابوس مستمر من الانتهاكات.

وكشف التقرير قيام الجيش المصري باحتجاز المعتقلين، في عزلة عن العالم الخارجي وفي ظروف بالغة السوء، بعيدا عن أي إشراف قضائي، كما احتجزت قوات الجيش والشرطة أطفالا لا تتجاوز أعمارهم 12 عاما مع الرجال البالغين، كما احتجزت مئات النساء.

أمن إسرائيل

في حديثه الشهير لقناة "سي بي إن" الأمريكية، مطلع يناير/ كانون الثاني 2019، كشف السيسي عن وجود تعاون كبير مع القوات الإسرائيلية في العمليات الدائرة بسيناء، ولكن الأخطر من حديث السيسي الذي حاولت السلطات المصرية منعه من البث أكثر مرة، هو أنه فتح الباب لسياسيين وعسكريين إسرائيليين للكشف عن شكل هذا التعاون بين الجانبين.

ويكشف التعاون أن الهدف لم يكن محاربة ما لا يزيد عن ألفي مسلح ينتمون لتنظيم الدولة، وإنما هناك أهداف أخرى مرتبطة بأمن إسرائيل، مثل خنق الرئة التي كانت تتنفس منها غزة، وتضييق الخناق على حركات المقاومة التي كانت سيناء مسرحا هاما لها في الحصول على الأسلحة، إضافة للحديث المتزايد عن دخول سيناء ضمن تفاصيل صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي مؤخرا.

ووفقا لما سبق، فقد كشف رجل المخابرات الإسرائيلي، يوني بن مناحيم، في مقال مطول على موقع "المعهد المقدسي للشؤون العامة"، عن نجاح المخابرات الإسرائيلية، في اختراق المجموعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء، من خلال تجنيد عملاء تابعين لها في تلك التنظيمات، لتقديم المساعدة للجيش المصري في عمليته العسكرية، وإحباط نقل شحنات الأسلحة إلى قطاع غزة، ومنع تنظيم الدولة من إقامة قواعد عسكرية له على الحدود المصرية الإسرائيلية.

وأوضح بن مناحيم، أن ما قد يؤكد نجاح المخابرات الإسرائيلية في اختراق بعض المجموعات المسلحة في سيناء، هو أن الهجمات الجوية التي نفذها الطيران الإسرائيلي في الآونة الأخيرة هناك، امتازت بالدقة والنجاح الكبيرين، حيث استهدفت مواقع جديدة لهذه التنظيمات ليست معروفة سابقا، ووجد الجيش المصري صعوبات في الوصول إليها.

أما موقع “يسرائيل ديفينس” العبري، فأكد أن لواء "فارن العسكري" التابع للجيش الإسرائيلي، تدرب مؤخرا على سيناريوهات الدخول في مواجهات مع تنظيم الدولة بسيناء، تحسبا لقيام الأخير باستهداف إسرائيل.

وحسب سيناريوهات متعددة ناقشتها الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، فإنهم يتوقعون تسلل تنظيم الدولة، للمستوطنات القريبة من الحدود المصرية الإسرائيلية وإطلاق النيران والصواريخ والاشتباك بتلك المنطقة.

ورأى المراقبون أن إسرائيل طورت من سياستها تجاه سيناء خلال الأشهر الماضية، رغم العملية العسكرية للجيش المصري، حيث لم يقتصر الوجود الإسرائيلي على فرقة (ساجيا) الإسرائيلية المسؤولة عن تأمين القطاع الحدودي مع سيناء، ليضيف إلى الفرقة لواء (فارن) للمساعدة في تأمين هذه المنطقة.

الجبهة السرية

ولعل أخطر ما تم كشفه في هذا الإطار، ما أكده موقع "والا" العبري، في فبراير / شباط 2019، بأن سيناء، كانت واحدة من عدة جبهات سرية وضعتها رئاسة الأركان الإسرائيلية، لتقليم أظافر حركة حماس الفلسطينية، وأنه على مدار 4 سنوات بدأت في 2015، استطاع الجيش الإسرائيلي تدمير العشرات من شحنات الأسلحة التي كانت في طريقها إلى غزة، عن طريق سيناء، كما تم تدمير حوالي 15 ألف صاروخ نوعي.

وبحسب الموقع الإسرائيلي، فإن العملية العسكرية للجيش المصري في سيناء كانت غطاء للحرب التي مارسها الجيش الإسرائيلي، ضد حماس، وهو ما أشار إليه محلل الشؤون العسكرية بالموقع، أمير بوخبوط، بأن محاربة تنظيم الدولة "كانت مجرد ذريعة".


المصادر