التعاون الاستخباراتي بين أمريكا وبريطانيا.. هل توقفه "هواوي"؟

12

طباعة

مشاركة

قرر رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أن يكون الاختبار الأول لسياسته الخارجية، بعد خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، تحدي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فسمح لعملاق الاتصالات الصيني "هواوي"، بالمشاركة في بناء شبكة "الجيل الخامس - 5G" للهاتف المحمول في بريطانيا.

فيما أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي، روبرت أوبرين، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، أن البيت الأبيض أبلغ الحكومة البريطانية بأن استخدام تكنولوجيا شركة "هواوي" الصينية في بناء شبكات الجيل الخامس للاتصالات سيمثل خطرا على أسرار أجهزة المخابرات البريطانية.

وذهب أوبرين إلى حد القول: إن القرار سيعطي الحزب الشيوعي الصيني فرصة الوصول إلى التفاصيل "الأكثر خصوصية" للمواطن في بريطانيا. واستغرب المستشار من اعتبار الأمر "قرارا تجاريا"، واصفا ذلك بـ"الصادم" لأن شبكة الجيل الخامس أمر يتعلق بالأمن القومي، على حد تعبيره.

ضغوط أمريكية

يدعي ترامب، أنه يخشى من أن الصين قد تستخدم "هواوي" للوصول إلى الاتصالات الغربية، وحذرت إدارته لندن من أن إعطاء "هواوي" دورا من شأنه أن يخاطر بالتعاون الاستخباراتي بين أمريكا وبريطانيا.

الضغوط الأمريكية لفرض الحظر على "هواوي" لم تكن الوحيدة التي تعرضت لها بريطانيا، وهو ما لوّح به سفير الصين في لندن، ليو شياو مينج، عندما قال: إن "الحظر سيضر بالتجارة والاستثمار الصينيين في بريطانيا، وأن ذلك سيرسل رسالة سيئة للغاية ليس فقط لهواوي ولكن أيضا للشركات الصينية".

تصريح وزير الاتصالات البريطاني، نيكي مورجان، أكد ما أشار إليه السفير، إذ قال عقب اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة جونسون: هذا حل خاص بالمملكة المتحدة لأسباب خاصة، و"للقرار علاقة بالتحديات التي نواجهها الآن".

تسعى بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي إلى تطوير علاقاتها التجارية والاستثمارية مع الصين، وحظر "هواوي" قد يكلفها مليارات الدولارات ويؤخر طرح شبكات الجيل الخامس بها، بحسب وزارة الاتصالات.

وتُستخدم معدات "هواوي" من قبل أكبر شركات الاتصالات في بريطانيا مثل "بريتيش تيليكوم" (BT)، و"فودافون" (Vodafone). 

هواوي

مساحة الأمان

الحكومة البريطانية عبرت عن حذرها من الخطوة التي أقبلت عليها، وصرحت أنها ستسمح لـ"هواوي" الصينية بـ"دور محدود" في بناء شبكات الجيل الخامس للهاتف المحمول.

وأضافت: أن "الموردين ذوي المخاطر المرتفعة" سيتم استبعادهم من الأعمال الحساسة ذات الصلة بالشبكات، وأن مشاركتهم ستقتصر على أعمال لا تتسم بالحساسية وبنسبة لا تتجاوز 35%، إذ ستُعالج البيانات، وستُحظر من جميع الشبكات والمواقع الحيوية مثل المواقع النووية والقواعد العسكرية، بحسب الحكومة.

بيان الحكومة البريطانية لم يذكر شركة "هواوي" بشكل صريح، لكن مسؤولي أمن الإنترنت البريطانيين قالوا: إنهم يتعاملون دائما مع الشركة بوصفها بائعا" عالي المخاطر".

أما "هواوي" فقالت: إنها مطمئنة من تأكيد حكومة المملكة المتحدة على أنها يمكن أن تواصل العمل مع عملائها للحفاظ على طرح "الجيل الخامس" على المسار الصحيح.

الحذر، هو نفس الموقف الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي في يناير/ كانون الثاني 2020، على لسان مفوضه للسوق الداخلية، تيري برايتون، متحدثا عن "مجموعة تدابير صارمة وحذرة"، قبل أن يشدد على أنه  "لن يتم استبعاد أي شركة في توصيات الاتحاد الأوروبي". 

وسعى التكتل الأوروبي إلى تنسيق موقف الدول الأعضاء بشأن شبكات الجيل الخامس، في محاولة لتجنب الانتقام المحتمل للولايات المتحدة أو الصين باستهداف أي دولة أوروبية على حدة.

فيما وافقت دول الاتحاد الأوروبي على الاستعانة بشركاء جديرين بالثقة في تطوير البنية التحتية التي تعتبر ضرورية للأمن القومي، وتعهدت بالنظر في قوانين البلد الأم للمورد قبل شراء منتجاته.

ليست بريطانيا الوحيدة التي عقدت اتفاقا مع "هواوي"، مؤكدة أن الأمن يمثل لها "أولوية قصوى"، بل أيضا العديد من شركات الاتصالات في مختلف الدول الأوروبية.

الأمن السيبراني

تحظى تقنيات الجيل الخامس بمزايا عالية لكن مخاطرها الأمنية عالية بالمقابل، وهو ما بيّنه تقرير أعدته دول الاتحاد الأوروبي حول مخاطر الأمن السيبراني لشبكات الجيل الخامس، عندما قالت: إن "اعتماد الخدمات الحيوية عليها يعني أن حدوث أي عطل في الشبكة من المرجح أن يؤدي إلى نتائج بالغة الخطورة".

في 2019، نشرت قناة "سي إن إن" الأمريكية تقريرا يفيد بأن هواوي قد تتحكم عبر أبراج اتصال الهواتف المحمولة بالموجات الصوتية المحيطة في المنطقة، في ولاية مونتانا الأمريكية، وذلك لعرقلة عمل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والموجودة في قاعدة قريبة تابعة للقوة الجوية. كما يمكنهما شن هجمات إلكترونية على البنية التحتية الأمريكية كشبكة الكهرباء. 

وقال الخبير في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، جيمس لويس، للقناة: "نعرف أن الصينيين منخرطون في عملية تجسس كبرى ضد الولايات المتحدة، لذا علينا أن نسأل أنفسنا: هل نشعر بالاطمئنان لو سمحنا لهواوي بالسيطرة على أنظمة الهواتف المحيطة بأهم قواعدنا العسكرية؟".

خبراء تكنولوجيا أشاروا إلى أن عددا من هواتف "هواوي" تتضمن تطبيقات تحتوي على خاصية "الأبواب الخلفية"، التي تمكّن المستخدم من تجاوز إجراءات أمنية في حالات الطوارئ، ما يتيح للشركة أن تستعيد سيطرتها على الأجهزة بسهولة واختراق المعلومات الموجودة بداخلها.

ويمكن تعريف الحرب السيبرانية على أنها: "هجوم متعمد بغرض تعطيل عمل أو خداع أو إضعاف أو تدمير أنظمة الكمبيوتر وشبكات الاتصالات والمعلومات والبرامج الموجودة في تلك الأنظمة أو الشبكات التي مر من خلالها"، بحسب كتاب "حروب الجيل الخامس: أساليب التفجير من الداخل على الساحة الدولية".

للهجمات التي تدخل ضمن الحروب السيبرانية تداعيات كارثية، وفق المصدر ذاته حيث "اعتبرتها وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة أكبر من تهديدات الأمن القومي الأمريكي". 

كسر الهيمنة

عارضت الولايات المتحدة بشدة مشاركة "هواوي" في إطلاق شبكات الجيل الخامس، وحثت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على استبعاد عملاق الاتصالات الصيني من المشاركة.

وتقول واشنطن: إن "الشركة تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي"، وهي ادعاءات ينفيها مسؤولو هواوي والحكومة الصينية.

يعتقد المحلل في مجال التكنولوجيا، إديسون لي، أن ضغوط الولايات المتحدة على هواوي هي محاولة لكسر الهيمنة العالمية المحتملة للصين على سوق الجيل الخامس.

معتبرا أن سبب الحرب التكنولوجية هو ادّعاء الولايات المتحدة أن التقدم التكنولوجي الصيني مبني على سرقة حقوق الملكية الفكرية وعلى الإعانات الحكومية الكبيرة، ورأيها بأن تكنولوجيا الاتصالات الصينية ليست آمنة وأنها تشكل تهديدا للأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها.

أطلقت شركات الاتصالات الصينية خدمات الجيل الخامس في أكثر من 50 مدينة صينية، وأنشأت "هواوي" 50 ٪ من تلك الشبكة.

وزارة الإعلام الصينية كشف أنه خلال 20 يوما فقط، سجلت البلاد أكثر من 800 ألف مشترك في هذه الخدمة، ويتوقع المحللون أن يكون لدى الصين ما لا يقل عن 110 ملايين مستخدم لتقنية الجيل الخامس في عام 2020.

"هواوي" رائدة في تقنية الجيل الخامس، فهي المزود الوحيد القادر على إنتاج جميع عناصر هذه الشبكة من حيث النطاق والتكلفة، وعدم التعاون معها قد يجعل العالم يتحمل كلفة البقاء في المؤخرة، بحسب أحد المحللين الذي يشير إلى أن رفض أمريكا التعامل مع الشركة تحتم عليها إيجاد بدائل يمكن أن تكون أكثر تكلفة وأقل تطورا.

سباق الصدارة

ستوفر شبكات الجيل الخامس للإنترنت، سرعات فائقة للاتصالات تصل لعشرين ضعفا سرعة نظيرتها المستخدمة اليوم، وتكمن عبقريتها وحساسيتها في الطفرة التي سيُحدثها في مجالات عديدة، والنطاق الأوسع لاستخدامه المنتظر أن يشمل كافة أنواع البنى التحتية والصناعات، إذ يساعد على متابعة سير المرافق العامة والآلات بالمصانع بشكل مباشر عن بُعد، وربما التحكم فيها.

الاقتصادي الأمريكي، جيفري ساكس، نشر مقالا يصف فيه ما يجري بين البلدين بـ"الحرب الاقتصادية الطائشة"، وأن إقصاء "هواوي" من تطوير الجيل الخامس في دول كبرى هو هدف ترامب.

وسعيا للسيطرة على هذه الثورة الجديدة، دعمت الولايات المتحدة - التي تتجنب الحكومة فيها عادة دعم جهود القطاع الخاص - شركات للقيام بالكثير من التجارب لتطوير "جي 5"، لضمان تفوقها في هذا المجال.

وستكون للدول التي تملك أكبر الشبكات بداية قوية في تطوير التقنيات التي تمكنها بسرعة أكبر في الهيمنة على صناعة هذه التكنولوجيا، إذ يمكن عن طريق الجيل الخامس أن يكون لدى وكالات الاستخبارات الوطنية والجيوش ميزة في التجسس على شبكات البلدان المنافسة أو تعطيلها.