تماهيا مع الرياض.. هذه أسباب خفوت الصوت اليمني لنصرة فلسطين

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ لجوء الحكومة اليمنية إلى السعودية جراء انقلاب الحوثي في سبتمبر/أيلول 2014، شهد الموقف اليمني على المستوى الرسمي تراجعا في مواقفه تجاه القضية الفلسطينية.

الأعوام السابقة كانت تشهد مظاهرات حاشدة واحتجاجات واسعة في كافة المدن اليمنية، تتولى الحكومة الشرعية والأحزاب السياسية اليمنية مهمة تنظيمها نصرة للأقصى ودعما لغزة.

وكان اليمنيون على المستوى الشعبي من أشد المناصرين للقضية الفلسطينية ومن أكثر الشعوب تفاعلا معها، وهو ما ظل محل تقدير من الشعب الفلسطيني.

هذا الحراك شهد فتورا وتراجعا في السنوات الخمس الأخيرة، وصل ذروته مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 28 يناير/كانون الثاني 2020، عن "صفقة القرن".

ورغم خطورة الحدث وأهميته، وتأثيره الكبير على مسار القضية الفلسطينية، لم يشهد الشارع اليمني حراكا قويا، وجاء رد الفعل من جانب الحكومة الرسمية وقادة الأحزاب السياسية المقيمين في الرياض باهتا وخافتا في آن واحد.

في مقابل ذلك التراجع، خرجت مظاهرات حاشدة نظمتها جماعة الحوثي في صنعاء، رافضة لصفقة القرن ومؤكدة أن خطة ترامب "لن تحقق أهدافها التآمرية التي تصب في صالح العدو الصهيوني، وستفشل كما فشلت في غيرها".

وأشار المتظاهرون إلى أن "أبناء اليمن يرفضون كل ما ورد في الصفقة الأمريكية المعلنة جملة وتفصيلا ولن يقبلوا بتجزئة فلسطين ولا بيع القدس وأن فلسطين التاريخية ستعود بكامل أراضيها لأهلها".

القرار سعودي

الكاتب والصحفي اليمني شاكر خالد، عزا ذلك التراجع في الموقف اليمني تجاه القضية الفلسطينية إلى هيمنة القرار السعودي على القرار السيادي اليمني، الذي يعتبر أحد أهم ممولي صفقة القرن.

وقال خالد لـ"الاستقلال": "الحكومة اليمنية باتت مرتهنة كليا للقرار السعودي ليس فقط بالمواقف تجاه قضايا المنطقة ومنها صفقة القرن، اليمن كانت سباقة في سياق تصدير المواقف والفعاليات بشأن مناصرة القضية الفلسطينية سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي".

مضيفا: "كانت هذه المواقف محل اهتمام وتقدير الشعب الفلسطيني، والآن ليس سوى جماعة الحوثي هي من تختطف اللحظة وبرامج التعبئة الشعبية ضد أمريكا وإسرائيل، وستجد من صفقة القرن وسيلة أخرى للظهور كمدافع عن شرف القضية الفلسطينية في مقابل ارتهان الحكومة الشرعية للسعودية".

يتابع خالد: "الحقيقة أن السعودية أضحت قبلة نخب وأحزاب يمنية كثيرة خلال سنوات الحرب، أكبر الأحزاب اليمنية توجد قياداتها في السعودية، وهو ما عكس نفسه أيضا في طريقة ارتهانها لذات المواقف، حتى غدت أسيرة للرؤية السعودية في كل شيء".

يضيف الصحفي اليمني: "اللافت أن هناك حالة تماهي سعودي غير معلن مع هذه الصفقة، ولو كانت السعودية متصدرة لحملة الرفض، لرأينا من دون شك مواقف قوية رسمية وحزبية يمنية، لذلك تعد حملات الناشطين اليمنيين ومطالباتهم المستمرة بعودة الرئيس عبدربه منصور هادي والحكومة للعمل من داخل الأراضي اليمنية ليست من فراغ وهي تستهدف تحرير القرار اليمني من هيمنة السعودية".

ويختم حديثه: "هذه الهيمنة والتحكم ليست وليدة اللحظة، بل شهدته على مدى عقود، وتخللته حروب وتصفيات قادة سياسيين، لكنها لم تصل إلى هذه المرحلة من الهوان والارتهان الكلي للسيادة اليمنية، وصلت حد استهداف قيادات الجيش الوطني بغارات جوية متكررة، والتلاعب بسير المعركة مع الحوثيين والمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، وكذلك استغلال الثروات اليمنية والموانئ الإستراتيجية من دون أن تكون للرئاسة والحكومة موقف واضح تجاه كل العبث، ومن يعجز عن الدفاع عن قضايا وطنه بهذه الطريقة المخجلة فهو إلى ما سواها أعجز بكل تأكيد".

تجريم المظاهرات

كان التراجع في الموقف الرسمي اليمني تجاه القضية الفلسطينية، قد أتى متماهيا مع الموقف السعودي الرسمي تجاه صفقة القرن، وإن كانت الحكومة الشرعية قد رفضت صفقة القرن، إلا أن موقفها ذلك كان هو السقف الذي سمح لها باتخاذه والتصريح به، من دون السماح بتنظيم أي احتجاجات شعبية رافضة لصفقة القرن وإعلان ترامب.

وأعرب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن تأييده لصفقة القرن التي تقدم بها ترامب، وتقضي بتنازل الفلسطينيين عن أرضهم مقابل 50 مليار دولار، ناسفا بذلك المبادرة العربية للسلام التي تقدم بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 2002، عندما كان وليا للعهد.

المبادرة العربية للسلام نصت على حل عادل للاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، والانسحاب من كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد حزيران 1967، ومن ضمنها الجولان السوري المحتل، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، في مقابل أن يتم اعتبار الصراع العربي الإسرائيلي منتهيا، وبناء عليه تتمكن إسرائيل من إنشاء علاقات طبيعية مع نحو 57 دولة عربية وإسلامية.

وتأكيدا لتماهي الموقف السعودي مع صفقة القرن المعلنة مؤخرا، أعلنت الخارجية السعودية في 29 يناير/كانون الثاني 2019، عن تقديرها لجهود ترامب بشأن "صفقة القرن"، لتطوير خطة شاملة للسلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وأردفت: "كما تشجع بدء مفاوضات مباشرة للسلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تحت رعاية الولايات المتحدة، ومعالجة أي خلافات بخصوص الخطة عبر المفاوضات". 

ذلك الموقف السعودي الرسمي لم يسمح بتنظيم أي مظاهرات مؤيدة للقضية أو احتجاجات شعبية تستنكر حصار أهل غزة.

وراعت المؤسسة الدينية السعودية المزاج الرسمي للنظام السعودي، فدعت إلى عدم الخروج والتظاهر مع القضية الفلسطينية، وأفتى مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء عبدالعزيز آل الشيخ فتوى في عام 2009 قال فيها: إن "المظاهرات التي انطلقت في العديد من الدول العربية والإسلامية لنصرة الفلسطينيين في قطاع غزة مجرد أعمال غوغائية لا خير فيها، ولا رجاء منها".

وهو ذات الموقف الذي تريد السعودية تصديره لليمن الذي لطالما عرف بدعمه وتأييده للقضية الفلسطينية، وتفاعله مع المحاصرين في غزة.

صوت خافت

خفوت الصوت اليمني المناصر لفلسطين لم يكن أول تداعيات ارتهان القرار اليمني بموقف السعودية، بل سبقه موقف اليمن من أزمة الخليج واصطفاف حكومة هادي مع الرياض ضد قطر، وكذلك موقفها تجاه قمة كوالامبور (قمة إسلامية دعا إليها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد تركيا وقطر وباكستان وإندونيسيا في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019) التي رفضتها السعودية، وتبعتها اليمن كذلك.

وعلى مستوى حكومة هادي المقيمة في الرياض، ظهر الأمر بقوة وصلت إلى مرحلة إعلان هادي تبرأه من بعض الوزراء المناوئين للرياض.

فعقب تصريحات أصدرها وزير الداخلية اليمني، نائب رئيس الوزراء أحمد الميسري هاجم فيها التحالف العربي، وعلى رأسه السعودية، أصدرت الحكومة اليمنية بيانا تبرأت فيه من موقف الميسري وتصريحاته.

ونقلت تقارير صحفية عن مسؤول يمني قوله: إن "الحكومة الشرعية ترفض الإساءة للمملكة العربية السعودية تصريحا أو تلميحا"، واصفا الرياض بأنها "قدمت وتقدم أغلى ما لديها من أجل اليمن وشعبها الكريم والتي اختلطت دماء أبطالها الميامين بإخوانهم اليمنيين على تراب الأرض اليمنية في سبيل استعادة الدولة، ولازالت إلى هذه اللحظة تسطر صفحات ناصعة من الوقوف بجانب اليمن أرضا وإنسانا"، حسب وصفه.

بعدها تبرأت حكومة هادي من زيارة وزير النقل صالح الجبواني إلى تركيا، ولقائه عددا من المسؤولين الأتراك حيث بحث معهم إمكانية الاستفادة من الخبرة التركية في تشغيل الموانئ والمطارات اليمنية.

تزامن موقف حكومة هادي من الميسري والجبواني مع حملة إعلامية شنتها وسائل إعلام سعودية للنيل من الوزيرين اليمنيين، حيث هاجمت صحيفة "الوطن" الوزيرين وقالت: إنهما "يخترقان الشرعية ويعملان لصالح المحور القطري".وسبق أن أقال الرئيس هادي، اللواء محسن خصروف رئيس دائرة التوجيه المعنوي، وأحاله للتحقيق على خلفية تصريحات متلفزة أدلى بها خصروف وانتقد فيها السعودية، قائلا: "الحكومة الشرعية مرتهنة للقرار السعودي ولا تملك قرارها".