بدعم أبوظبي ورضا طهران.. خطة رئيس البرلمان لزعامة السنة بالعراق

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فجر صعوده المفاجئ إلى رئاسة البرلمان قبل أكثر من عام، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والشعبية، وأكد خصومه من أبناء جلدته السُنة، أن محمد الحلبوسي عقد صفقة مشبوهة بملايين الدولارات مكنته من التربع على كرسي السلطة التشريعية والرقابية في العراق.

لكن المال ليس كافيا في بلوغ منصب بهذه الأهمية، ما لم يكن مقرونا بدعم سياسي خارجي، ولا سيما في بلد مثل العراق، تفرض فيه التدخلات الخارجية إرادتها على القوى الداخلية، لكن الحلبوسي كان حالة فريدة أثارت الدهشة، بعدما دعمته دول متخاصمة فيما بينها، وهي السعودية والإمارات من جهة، وإيران وحلفاؤها من جهة أخرى.

"مقاول الأمريكان"

لم يعرف الحلبوسي المولود في الأنبار عام 1981، في الوسط السياسي، فكان يعمل في مجال المقاولات ويمتلك شركة خاصة اسمها "بيت الحديد المحدود" ونفذ عددا من مشاريع البنية التحتية بالفلوجة بطريقة أثارت جدلا كبيرا.

بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 واتساع نشاط الحلبوسي التجاري مع  قوات الاحتلال، أطلق عليه بعض سكان الأنبار لقب "مقاول الأمريكان" ودارت حوله شبهات فساد مالي.

الحلبوسي حاصل على بكالوريوس الهندسة المدنية من الجامعة المستنصرية في العام الدراسي 2001/2002، ودرجة الماجستير في الهندسة عام 2006 ودبلوم اللغة الإنجليزية من الجامعة نفسها.

كانت أول تجربة سياسية له، حين انتخب نائبا في البرلمان في الدورة البرلمانية 2014 إلى 2018، وشغل عضوية لجنة حقوق الإنسان في 2014-2015 واللجنة المالية في 2015-2016 ثم رئيس اللجنة المالية في 2016 -2017.

رغم صغر سنه وحداثة عهده بالسياسة، إلا أنها شهدت قفزات سريعة أوصلته إلى المنصب الأول المخصص للمكون السني- وفق عرف المحاصصة الطائفية المتبع بالعراق-، بعد تنافسه مع 7 نواب آخرين، من بينهم رئيس البرلمان السابق، أسامة النجيفي، ووزير الدفاع السابق خالد العبيدي.

وفي 29 أغسطس/آب 2017، انتخب مجلس محافظة الأنبار الحلبوسي محافظا خلفا لصهيب الراوي الذي أقيل من منصبه، جراء خلافات سياسية بين الكتل المتنافسة في المحافظة.

وقاد الحلبوسي قائمة "الأنبار هويتنا" في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في 12 مايو/أيار 2018، التي رشحته إلى منصب رئيس البرلمان في دورته الحالية.

وفي هذه الانتخابات حاز الحلبوسي على أعلى الأصوات بمحافظة الأنبار بعد فوزه بأكثر من 40 ألف صوت. لكن اتهامات كثيرة بالتزوير وشراء أصوات الناخبين، طالت "حزب الحل" الذي يعد الحلبوسي أحد قياداته في الأنبار.

في 15 سبتمبر/ أيلول 2018، انتخب البرلمان محمد الحلبوسي (38 عاما) المنحدر من محافظة الأنبار، أصغر رئيس له في تاريخ البلاد الحديث، بعد حصوله على أغلبية الأصوات بواقع 169 صوتا من إجمالي 298 صوتا.

صفقة فساد

وكذلك الحال، عقب إعلان فوز محمد الحلبوسي برئاسة البرلمان، كشف نواب ومسؤولون سابقون عن شرائه للمنصب عبر صفقة فساد كبيرة، بلغت 30 مليون دولار، دفعها لمنافسيه في كتلة تحالف "المحور الوطني"، مقابل انتخابه.

وكتب النائب السابق مشعان الجبوري على صفحته في "فيسبوك"، أن القيادي في تحالف "المحور الوطني" النائب محمد الحلبوسي "دفع 15 مليون دولار لشراء منصب رئيس مجلس النواب".

وأوضح أن "صفقة بين ثنائي الفساد والمحافظين السابقين (صلاح الدين والأنبار) أحمد الجبوري ومحمد الحلبوسي عقدت في منزل نائب يدفع بموجبها الأخير 15 مليون دولار للجبوري إضافة لترشيحه لتولي وزارة سيادية مقابل انسحابه من الترشح ليصبح هو مرشحا وحيدا لرئاسة البرلمان".

وبعد ذلك، غرد منافس الحلبوسي وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، قائلا: "لتفرح العائلة الفاسدة ببضاعتها التي اشترتها بـ 30 مليون دولار (كما يقال)، وليفرح الفاسدون الذين بدؤوا يتبادلون التهاني، وللعراق والعراقيين أقول: لكم الله فهو خير معين".

وقالت النائبة ماجدة التميمي عن تحالف "سائرون" المدعوم من التيار الصدري: "عملية التصويت في البرلمان شابها الشكوك وعلامات الاستفهام وسوء التصرف، لا سيما بعد تحول المجلس إلى بازار بيع وشراء".

وأضافت: "عملية التصويت لرئاسة المجلس جرت كالاتي: حينما ينادون على اسم النائب يتجه الأخير لأخذ ورقة التصويت بعدها يذهب مباشرة إلى محافظ صلاح الدين والنائب الحالي أحمد الجبوري (أبومازن) ليطلع على اختيار النائب، ثم يلتقط صورة للورقة لإثبات اختياره، ويضعها بعدها بالصندوق".

وأشارت التميمي إلى أن أغلب النواب لم يسمح لهم بالذهاب إلى صناديق الاقتراع بمفردهم دون المرور على "عراب الصفقة" أبومازن للاطلاع على اختيار النائب ثم يتجه بعدها للتصويت". على حد قولها.

وأكدت أنه حينما سألت النائب أحمد الجبوري عن سبب تجمع النواب عنده قبل ذهابهم لصندوق التصويت والإدلاء باختيارهم أجابني بالحرف الواحد: (إني شرّاي وأكو (هناك) ناس تبيع)".

وتابعت: "سألت إحدى النائبات عن سبب بيعهن دماء شباب العراق، أجابتني: "الفلبين نصبت رئيسا للوزراء لها وهو تاجر مخدرات ما المانع أن نقوم بتنصيب فلان" في إشارة للحلبوسي. وختمت التميمي: "العراق انباع، ولا يوجد تصويت حر، بل خزي وعار".

رجل الإمارات

كشف شخصيات سياسية وبرلمانية عن علاقة مريبة بين الحلبوسي والإمارات، إذ أنه يتردد بشكل سري بين الحين والآخر لزيارتها ولقاء شخصيات مهمة، حتى قبل تسلم المنصب.

أثارت الزيارات السرية، وآخرها في ديسمبر/ كانون الأول 2019، إلى دولة الإمارات، ثم الولايات المتحدة، موجة من سخط نواب بالبرلمان، خصوصا في ظل الظرف السياسي الراهن الذي تمر به البلاد من تظاهرات واحتجاجات تطالب بالإصلاح.

وأكد برلمانيون أن الحلبوسي اعتاد على تنظيم زياراته السرية والتي كان آخرها إلى أمريكا والإمارات، معتبرين أن هذه الزيارات لا تعبر عن رأي البرلمان، فيما طالبوه بالكشف عن مضامينها أمام البرلمان.

وقال النائب عن تحالف "سائرون" بدر الزيادي، المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر: إن "الحلبوسي يجري زيارات إلى دولة الإمارات، والولايات المتحدة، بشكل سري ومستغرب ومن دون علم البرلمان".

وفي حديث لـ"الاستقلال" كشفت مصادر سياسية طلبت عدم كشف هويتها لحساسية الموضوع، أن "حديثا يدور في الأروقة السياسية عن دعم تقدمه الإمارات للحلبوسي، لإعادة إعمار محافظة الأنبار وتهيئتها لتكون إقليما منفصلا".

وأكدت المصادر، أن "الحلبوسي زار الإمارات عبر الأردن، ثم انطلق إلى الولايات المتحدة بشكل سري، والتقى بكبار المسؤولين في الإمارات، دون الكشف عن تفاصيل الزيارة".

وفي 12 يوليو/ تموز 2018، قال محافظ نينوى الأسبق القيادي في تحالف "القرار العراقي": إن الحلبوسي، يدلي بتصريحات يهاجم فيها اجتماع تحالف "القرار" في تركيا، إرضاء لدول أخرى.

واستغرب النجيفي، اتهامات الحلبوسي، لتحالف "القرار" بأنه ليس عراقيا بعد عقد اجتماع لقياداته في تركيا، كاشفا أن "الحلبوسي قبل أيام كان في الإمارات وكان يبحث العملية السياسية في العراق وتشكيل الحكومة مع الإمارات، فكيف يتحدث بمثل هذا الكلام".

وقال محافظ نينوى الأسبق: "هذا التصريح غير ناضج وغير مسؤول، وجاء من أجل كسب رضا بعض الدول"، في إشارة إلى الإمارات والسعودية اللتين دعمتا الحلبوسي في وصوله إلى رئاسة البرلمان.

الزيارة الوحيدة المعلنة للحلبوسي لدولة الإمارات، كانت في 8 يونيو/ حزيران 2019، إذ نشرت وكالة الأنباء الإماراتية، أن رئيس البرلمان العراقي التقى بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وتباحثا في عدد من القضايا والمستجدات التي تشهدها المنطقة، وتطرق الجانبان إلى العلاقات بين دولة الإمارات والعراق و"إمكانات تطويرها وتنميتها خاصة في المجالات البرلمانية".

ضرب المنافسين

ومنذ وصوله إلى رئاسة البرلمان، سعى الحلبوسي إلى تزعم المكون السني، ضاربا منافسيه وخصومه من السياسيين السنة، وذلك برفع الحصانة عنهم لإحالتهم على القضاء بتهم تتعلق بالفساد.

وقرر البرلمان برئاسة الحلبوسي الذي يتزعم تحالف اتحاد القوى (40 نائبا من السنة)، رفع الحصانة عن 8 من النواب السنة المناوئين له في 20 أغسطس/آب الماضي.

ومن أبرز هؤلاء النواب، غريمه في "تحالف القرار" النائب طلال الزوبعي الذي كان قد طعن في شرعية انتخاب الحلبوسي رئيسا للبرلمان، بعدما كشف عن دفع رشاوى كبيرة تصل إلى 30 مليون دولار لبعض النواب مقابل الحصول على المنصب.

وفي 30 سبتمبر/ أيلول 2019، كشف تقرير لموقع "المونيتور" الأمريكي عن صراع بين 3 أطراف سنّيّة بارزة، على زعامة المشهد السنّي، في مقدمتها اتحاد القوى العراقية بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ويدّعي أنه يمتلك 40 نائبا من المحافظات السنّيّة، وكتلة المحور بزعامة خميس الخنجر.

أما الطرف الثالث، فهي جبهة "الانقاذ والتنمية" بزعامة رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي، والتي تتبنّى المطالبة بحقوق النازحين والمغيّبين السنّة وتحسين الأوضاع في المحافظات المحررة من تنظيم الدولة.

ورأى التقرير، أن "اللافت هو أن الخلافات بين هذه الأطراف ظهرت بعد تشكيل الحكومة الاتحادية والصراع على المناصب المهمة، فانشقاق الحلبوسي عن الخنجر ومحافظ نينوى السابق أحمد الجبوري كان بعد اعتراض الأول على ترشيح منصور المرعيد إلى منصب محافظ نينوى، وهو سنّيّ ينتمي إلى تحالف عطاء بزعامة فالح الفيّاض (شيعيّ) مدعوم من قبل الخنجر.

فيما ضم تحالف النجيفي شخصيات وأحزاب ترى أنها لم تحصل على استحقاقها في المناصب العامة واحتكار السنّة في تحالف البناء (كتل الخنجر والحلبوسي) كل المناصب التنفيذية المهمة".

ولفت "المونيتور" إلى أن "الحلبوسي يبرز بالمقابل على أنه الزعيم الشاب القادر عمليا، ومن خلال منصبه وتكتله الكبير في البرلمان، على تحقيق ما يمكن للمحافظات السنّيّة، وأن حملة الإعمار التي شهدتها محافظة الأنبار تعود إلى الجهود التي بذلتها كتلته المسيطرة أيضا على مجلس المحافظة".