احتجاجات الهند تخرج عن السيطرة.. هذا ما ينتظر المسلمين المضطهدين

سليمان حيدر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تأبه الحكومة الهندية لسقوط عشرات القتلى ومئات المصابين من المدنيين الذين خرجوا في أغلب المدن والولايات الهندية، رفضا للتعديلات التي تجريها الحكومة من آن لآخر على الدستور والقوانين الحاكمة للبلد الذي تخطى تعداد سكانه 1.3 مليار نسمة. 

فقد شهدت الأيام الأخيرة خروج الملايين إلى الشوارع الهندية احتجاجا على قانون المواطنة الجديد الذي سنته حكومة رئيس الوزراء الهندوسي ناريندرا مودي، حيث يهدد القانون الأقلية المسلمة في البلاد ويقلب الهوية العلمانية التي نص عليها دستور الدولة.

ومع امتداد المظاهرات إلى أكثر من 12 مدينة، فرضت الحكومة حظر التجول وأغلقت الإنترنت جزئيا، فيما أطلقت الشرطة النار على المتظاهرين في ولاية أسام، وضربت الطلاب العزل بالهراوات في نيودلهي، واستخدمت الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق الاحتجاجات في مدن وولايات أخرى.

وأدى التعامل العنيف من قبل الحكومة مع المظاهرات إلى مقتل أكثر من 25 شخصا على الأقل بالإضافة إلى اعتقال الآلاف من أغلب الولايات الهندية. 

استهداف المسلمين 

من خلال التعديلات التي أدخلها البرلمان الهندي على قانون الجنسية أو المواطنة، حاول إخفاء العنصرية الواضحة في القانون ضد المسلمين والإظهار بأن القانون الجديد يستهدف حماية الأقليات واللاجئين الأجانب المضطهدين.

وجرى اعتماد "العقيدة" شرطا في القانون الجديد للحصول على حق المواطنة ولم يجر ضم المسلمين ضمن تلك الأقليات، بل تم نزع الصبغة الشرعية عنهم. 

ويطبق القانون الجديد اختبارا دينيا على ما إذا كان يمكن للمهاجرين غير الشرعيين من الدول المجاورة الحصول على الجنسية الهندية وينطبق ذلك على الهندوس والمسيحيين والسيخ والبوذيين والبارسيين واليينيس ولكنه يستثني المسلمين. 

وسبق أن صرح مسؤولون حكوميون أن القانون يهدف إلى حماية الأقليات الدينية المضطهدة في بعض الدول المجاورة، لكنها لن تحمي المسلمين المضطهدين، بما في ذلك الروهينجا في ميانمار المجاورة.

ودافع وزير الداخلية الهندي عن تحرك حكومته بالقول: إن عدد الأقليات في باكستان وبنغلاديش انخفض إلى حد كبير على مر السنين بسبب قتلهم أو إجبارهم على تغيير دينهم وأن عددا منهم لجأوا إلى الهند. وعزا سبب تقديم مشروع القانون الحالي إلى فشل الحكومات في حماية حقوق وكرامة الأقليات في البلدين المذكورين.

وقال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال تجمع في نيودلهي بالتوازي مع استمرار المظاهرات في الكثير من المدن: إن "المسلمين المنحدرين من الأرض الهندية، والذين يعتبر أجدادهم أبناء وطننا الأم لا مبرر لقلقهم"، إلا أن هذه التصريحات لم تسهم في إخماد الاحتجاجات المتصاعدة في مختلف الولايات الهندية.

 

وجردت السلطات الهندية نحو 1.9 مليون مسلم في ولاية آسام الهندية من الجنسية الهندية قبل أسابيع، بسبب عدم قدرتهم على إثبات جذورهم الهندية أو إثبات وجودهم في الأراضي الهندية قبل عام 1971 وهو العام الذي أعلنت فيه بنغلاديش استقلالها عن باكستان.

واتخذت الهند تلك الخطوة، على الرغم من أن العديد من أولئك المسلمين مواطنون أصليون، لكن يفتقر معظمهم إلى الأوراق المطلوبة لإثبات جنسيتهم.

في حين أشارت صحيفة الجارديان البريطانية إلى أن 60 ٪ من أولئك الذين فشلوا في تقديم سجلاتهم كانوا من الهندوس وأنه تم إرسال العديد منهم إلى معسكرات الاعتقال التي شيدتها الحكومة. 

ويبلغ التعداد السكاني لولاية آسام الهندية نحو 32 مليون نسمة ثلثهم من المسلمين، وهو ثاني أكبر عدد للمسلمين بعد الجزء الهندي من ولاية جامو وكشمير. وتعود جذور عدد كبير منهم إلى مهاجرين أقاموا في هذه المنطقة عندما كانت تحت الاحتلال البريطاني.

وتصر الحكومة الهندوسية على إعداد السجل الوطني للمواطنين الهنود كي يتسنى لها تحديد المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم أو سجنهم. 

الهند هندوسية

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإن قانون المواطنة الذي يصر عليه رئيس الوزراء الهندي وأقره البرلمان، هو جزء من مساعي "مودي" لتحويل الهند إلى مكان تكون فيه مرادفة للهندوسية.

ويمثل الهندوس هناك نسبة 80% مقابل 14% من المسلمين، بالإضافة إلى الأقليات الأخرى من البوذيين والسيخ والجينيين والمسيحيين. 

كما يرى الكثير من الهنود أن هذا القانون ينطوي على تمييز ضد المسلمين وينتهك الدستور العلماني للهند حيث يجعل الديانة أحد متطلبات الحصول على الجنسية، ويقول هؤلاء إن السجل الوطني المقترح للمواطنين قد يستخدم ضد الأقلية المسلمة.

وبالرغم من تصاعد الاحتجاجات ضد القانون إلا أن الحكومة الهندية تواصل خطواتها الساعية لتطبيقه، حيث وافقت في 25 ديسمبر/كانون الثاني على تخصيص أكثر من 87 مليار روبية (ما يعادل 1.23 مليار دولار)، لإجراء تعداد سكاني بالإضافة إلى اعتماد 39.4 مليار روبية لتحديث السجل الوطني للسكان بحسب تصريحات وزير الإعلام الهندي براكاش جافادكار. 

واعتبرت صحيفة "ذا صن أوف إنديا" في تقرير لها أن الحكومة الهندية الحالية عمدت إلى إصدار القانون الجديد لصرف انتباه المواطنين عن الإهمال الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وتذبذب الروبية (العملة الهندية) بالإضافة إلى وجود العديد من الصناعات على وشك الإغلاق.

وأشارت إلى أن الحكومة كان يجب عليها أن تعمل على هذه القضايا الملحة التي تحتاج إلى مزيد من التركيز بدلا من صرف انتباه الناس عن طريق جلب قوانين مثل قانون المواطنة المثير للجدل. 

صفيح ساخن

وتزداد التخوفات في الهند من خروج الأوضاع عن السيطرة مع اعتزام أعضاء في حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم الخروج في مظاهرات مؤيدة للتعديلات التي جرت على قانون المواطنة، بالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات الرافضة للقانون والتي أدت إلى اشتباكات عنيفة مع الشرطة. 

وذكر مسؤول بوزارة الداخلية الهندية أن الحكومة تتوقع من كل مسؤولي الأمن في الولايات العمل عشية عيد الميلاد وخلال أسبوع العطلات. 

فيما قال مسؤول أمني بارز في نيودلهي: إنهم يريدون من الشرطة منع انتشار العنف، وأضاف "لكننا ندرك كذلك أن الوضع قد يخرج عن السيطرة، لذلك سننشر قوات الأمن في الأسواق والأماكن العامة".

ومن المقرر خروج 20 مسيرة على الأقل سواء لتأييد أو لمعارضة قانون الجنسية في مدن مختلفة. ويستخدم المتظاهرون من الجانبين مواقع التواصل الاجتماعي لتشجيع الناس على الخروج في عيد الميلاد.

وقال أعضاء بارزون في حزب بهاراتيا جاناتا ممن يقودون مسيرات التأييد: إنهم يعتزمون التصدي لما يصفونه بأنه نقد مضلل للقانون، الأمر الذي يزيد من التخوفات من وقوع اشتباكات بين المؤيدين والمعارضين. 

سياسة الحزب الحاكم

يستلهم حزب بهاراتيا جاناتا الحكم في الهند سياسته من أفكار وأيديولوجية جمعية "راشتريا سوايا مسيفاك سانج" القومية الهندوسية؟

تدعو هذه الجمعية إلى فكرة بناء دولة هندوسية إلا أن الدستور الهندي قرر أن تبقى الهند دولة علمانية تخضع لسيادة القانون ويتمتع جميع المواطنين فيها بحقوق وواجبات بغض النظر عن دياناتهم وعرقهم ولغاتهم. 

وتقر المادة 14 من الدستور الهندي أنه "يجب على الدولة ألا تحرم أي شخص من المساواة أمام القانون أو المساواة في حماية القوانين داخل أراضي الهند" كما تنص المادة 15 من الدستور على حظر التمييز على أساس الدين أو العرق أو الطائفة أو الجنس أو مكان الولادة. 

وكان الحزب الحاكم قد وعد بتنفيذ مخططه الذي أعلن عنه قبل الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو/أيار 2019.

وبعد الإعلان عن فوز حزب بهاراتيا جاناتا بالانتخابات سارعت الحكومة الجديدة بتنفيذ أجندتها التي جاء فيها أن الحزب سيبني معبد "رام" في "أيوديا"، مكان مسجد "بابري" بولاية أوتار براديش شمالي الهند وإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي التي كانت تمنح الحكم الذاتي لولاية جامو وكشمير.

وفي شهر أغسطس/آب الماضي، ألغت الحكومة المادة 370 من الدستور الهندي التي تنص على إعطاء ولاية جامو وكشمير حكما ذاتيا وتقسيم الولاية إلى منطقتين اتحاديتين يتم حكمها من العاصمة الهندية نيودلهي مباشرة، ما أدى إلى تصاعد التوتر مع جارتيها باكستان والصين حيث لا يزال النزاع مستمر حول كشمير المقسم بين الدول الثلاث.

ونشرت الحكومة الهندية المزيد من قوات الأمن واعتقلت المئات من السكان المسلمين والقادة السياسيين. ويرى محللون أن الحكومة تتخذ سياسة تستهدف المسلمين وتعارض مصالحهم، حيث جرى تهميش حوالي 180 ألفا من السكان من السجل الوطني للمواطنين منهم مسلمون وغيرهم.

وتشير التوقعات إلى أنه سيتم سجن اللاجئين غير الشرعيين في إحدى السجون الجاري بناؤها في مدن مختلفة وسيقبع المسلمون في السجون حتى إعلان أي بلد استعداده لقبولهم. 

تراجع شعبية الحزب

وبالتزامن مع الاحتجاجات المتصاعدة والتي تمثل تحديا كبيرا لرئيس الوزراء الهندوسي مودي، كانت هناك مفاجأة أخرى للحزب الحاكم تمثلت بالإعلان في 23 ديسمبر/كانون الأول الجاري خسارة حزب بهاراتيا جاناتا في انتخابات ولاية جاركاند بشرق البلاد أمام تحالف من حزب المؤتمر المعارض الرئيسي وتكتل محلي آخر.

وبحسب صحيفة الجارديان البريطانية فإن زعماء حزب بهاراتيا جاناتا قالوا: إن قانون الجنسية لم يكن مشكلة في انتخابات جاركاند، لكن زعيم حزب المؤتمر قال: إن النتائج كانت مفاجئة لحزب مودي الذي حصل فقط على 25 مقعدا من أصل 81 مقعدا في المجلس التشريعي للولاية.

وفاز حزب المؤتمر وحلفاؤه بـ47 مقعدا ، مما أنهى حكم حزب بهاراتيا جاناتا لمدة خمس سنوات في الولاية. ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2018، فقد الحزب السلطة في خمس ولايات هي ماديا براديش، راجستان، تشهاتيسجاره، ماهاراشترا وجاركاند، ما يمثل تراجعا كبيرا في شعبيته.

وبدأ التصويت في انتخابات جاركاند في 30 نوفمبر/تشرين الثاني أي قبل بدء الاحتجاجات وبالتالي فهي لا تمثل المزاج العام الحالي. غير أن هزيمة الحزب الحاكم تحولت إلى أداة في يد الأحزاب المعارضة لاستغلال الغضب الشعبي الحالي على قانون الجنسية لصالحه.

وبعد يوم واحد من إعلان فوز المعارضة بالانتخابات في ولاية جاركاند، كشف حزب المؤتمر الوطني، عزمه تنظيم مسيرة احتجاجية بالعاصمة نيودلهي، رفضا لقانون المواطنة المثير للجدل.

ودعا راؤول غاندي، الرئيس السابق للحزب، الشباب إلى المشاركة بأعداد كبيرة في المسيرة، ونشر تغريدة عبر حسابه على "تويتر" قال فيها: "في مثل هذه الأوقات، من الأهمية بمكان أن تظهر أنك هندي ولا تتسامح مع أن يتم تدميرك بسبب الكراهية".

إلا أن الشرطة منعت غاندي وشقيقته بريانكا غاندي من زيارة ميروت، وهي بلدة في ولاية أوتار براديش الشمالية.

ويرى مراقبون أن الأوضاع في الهند تتجه إلى التصعيد خاصة مع تمسك جميع الأطراف بمواقفها، فالحكومة مصرة على تنفيذ التعديلات التي أقرها البرلمان وماضية في تنفيذ أجندتها التي وعدت بها قبل انتخابات مايو/أيار الماضي. في المقابل يصر الشارع على إسقاط قانون الجنسية.