لماذا لم تخرج تركيا وروسيا والصين من عباءة الدولار حتى الآن؟

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دول كثيرة أبرزها الصين وروسيا وتركيا لوحت مرارا بالخروج من عباءة الدولار، نتيجة تجاذبات سياسية واقتصادية مع الولايات المتحدة، وزادت حدتها عقب تولي الرئيس دونالد ترامب رئاسة البيت الأبيض مطلع عام 2017.

لكن في خضم تلك التلويحات لم تقدم أية دولة على اتخاذ خطوة صعبة كهذه، باستثناء إيران التي أعلنت في أبريل/نيسان 2018 تحولها إلى اليورو (عملة الاتحاد الأوروبي) لتسوية معاملاتها وحساباتها الخارجية.

القرار الإيراني جاء على خلفية تهديد ترامب - في أكثر من مناسبة - بفرض عقوبات اقتصادية عليها، إضافة إلى إلغائه الاتفاق النووي مع طهران، لكن سيطرة الدولار على سوق السلع الأولية في إيران جعلها ما زالت مستمرة حتى الآن.

عجز موسكو وبكين وأنقرة في الاستغناء عن عملة واشنطن العالمية، تطرح تساؤلات عدة حول الأسباب التي حالت دون تنفيذ تلك الخطوة حتى الآن؟

أسباب التأخر

الباحث الاقتصادي، أحمد مصبح، يقول في هذا الإطار: "ليس من السهل على الدول الثلاث تطبيق مثل هذه الخطوة، بل يمكن القول إنه من شبه مستحيل في ظل الظروف الحالية". 

مصبح في حديثه لـ "الاستقلال" أرجع السبب الأول والأهم إلى "هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي منذ ما يزيد عن 6 عقود، فهو يسيطر على قرابة 85% من المعاملات التجارية الدولية، إضافة إلى جملة صعوبات أخرى".

ويضيف: "من أبرز الأسباب هيمنة الدولار على التجارة العالمية، فمعظم دول العالم ليس لديها القوة السياسية أو الاقتصادية تشجعها على المضي قدما باتجاه هذا الإجراء".

وبالنسبة لروسيا والصين، بخلاف باقي الدول، فإن الدولار يهيمن على 92% من معاملاتها، فضلا عن أن الاحتياطات المالية المقومة بالدولار ترتفع إلى أكثر من 60% في العالم، حسب مصبح.

وفي يونيو/حزيران 2019 قررت روسيا والصين الاستغناء عن العملة الأمريكية في الحسابات التجارية بينهما، والاعتماد على العملات الوطنية، بموجب اتفاق حكومي، وفق ما ذكرت صحيفة "إيزفيستيا" الروسية.

الفترة الأخيرة شهدت حربا تجاريا بين الصين والولايات المتحدة

أما فيما يتعلق بتركيا فإن 40% من مديونيتها بالدولار، ولديها التزامات سابقة مقومة بالعملة ذاتها، لذلك فإن أنقرة لا تزال في حاجة إلى الورقة الخضراء للوفاء بالتزاماتها، ولا يمكنها الاستغناء عنها في الوقت الراهن.

ويزيد مصبح في سرد الأسباب، صعوبة تخلى تلك الدول عن الاقتصاد الأمريكي، حيث أن "الدولار له دور حاسم في تحديد أسعار السلع العالمية، خاصة أنه يتم تعيين أسعار النفط والغاز الدولية بهذه العملة".

ومن الأسباب أيضا، وفق مصبح، "غياب البنية التحتية التى يمكن من خلالها تطبيق مثل هذه الخطوة، ناهيك عن أن الشركات والبورصات العالمية لديها ثقة مطلقة باستقرار الدولار".

قرار سياسي

إجابة السؤال برأي الباحث الاقتصادي تكمن في "امتلاك دول العالم قرارا سياسيا، فتجارة الصين وروسيا وتركيا ليس بينها فقط، بل مع دول العالم التى لا تملك هي الأخرى قرارا كهذا".

ويضيف: "يمكن تنفيذ الخطوة عندما تتبنى الدول توجها تدريجيا بالعودة إلى نظام المقايضة على غرار اتفاق الاتحاد الأوروبي مع ايران (إنستيكس)، وهى آلية يتم من خلالها التجارة عبر مبادلة السلع بين الدول بعيدا عن النقود".

وإن طُبق الأمر -حتى لو جزئيا- فالاقتصاد الأمريكي سيمر بمشاكل كبيرة، حيث أن تقليص استخدام الدولار بنسبة بين 30% و40% سيؤدي إلى "مشاكل مستعصية"، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم الأمريكي، وهي أزمة حقيقة بالنسبة لواشنطن.

فعندما انتخب الأمريكيون ترامب نهاية عام 2016 كان هناك أسباب كثيرة وراء ذلك. يرى المحللون أن أهمها سياساته الحمائية، وما وعد به من انتعاش اقتصادي وخلق فرص عمل، بعد أن رفع شعار: "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى".

لكن، عندما بدأ ترامب يطبق سياساته، شعر كثيرون بالقلق من أن يكون لبعض تلك السياسات تأثير سلبي على الداخل الأمريكي، وهو ما تأكد يوما بعد الآخر، وفق ما يقول الكاتب "شريف عادل"، في مقال نشرته صحيفة "الاتحاد" الإماراتية.

المحلل والخبير الاقتصادي، حسام عايش، يؤكد أن استخدام العملات المحلية والاستغناء عن الدولار الأمريكي ليست بالفكرة الجديدة على العالم، لكنها أمر صعب على جميع الأطراف بما ذلك روسيا والصين وتركيا.

ويقول عايش في حديث لـ "الاستقلال": "حجم التبادل التجاري بين دول العالم والولايات المتحدة -على وجه التحديد- ضخم جدا، ومن الأفضل أن يتم بالدولار لأنه العملة التي يتم تداولها عالميا، وتستخدم بشكل كبير في العمليات الاقتصادية".

التخلي عن الدولار ليس بالأمر السهل على جميع الأطراف

العملات المحلية

ويشير إلى أن حوالي 100 دولة في العالم تستخدم العملات المحلية في التبادل التجاري مع الصين مثلا، لكن ذلك يعني أن الأمر محصور حتى على صعيد التحكم بأسعار صرفها.

هذا أمر ممكن كما يقول عايش، "لكنه مرتبط بحجم التجارة بين تلك الدول، والكيفية التي تجري عملية التبادل من خلالها، لافتا إلى أن الاستقرار السياسي والعلاقات المتذبذبة تحد من المضي قدما باتجاه استخدام العملات المحلية".

ويزيد القول: "نحن نتحدت عن مئات مليارت الدولارت في التبادل التجاري، والأولوية في ذلك استخدام الدولار الأمريكي، وبالتالي فالتضحية بالدولار ليس بالأمر السهل".

التهديد باستخدام العملات المحلية أو المضي قدما بهذا الاتجاه، له أسباب- برأي عايش- مرتبطة بالعلاقات المتوترة مع أمريكا، فالدول الثلاث عانت من أزمات وحروب تجارية مع واشنطن كما حدث مؤخرا.

ويستطرد موضحا أن "واشنطن فرضت عقوبات ورسوما جمركية على أنقرة، كما أن روسيا تعاني من الأمر ذاته خاصة في مسألة تصدير الغاز إلى أوروبا، الأمر ذاته بالنسبة للصين التي خاضت حربا تجارية مع الولايات المتحدة".

بناء على ما تحدث به، فإن لكل دولة أسبابها ومشاكلها التي تدفعها إلى التلويح بالاستغناء عن العملة الأمريكية حتى ولو بشكل جزئي، لكن يؤكد مجددا أن ذلك ليس بالأمر السهل.

لكل دولة أسبابها ومشاكلها التي تدفعها إلى الاستغناء عن الدولار

ضرر قائم

وبنظر المحلل الاقتصادي فإن إقامة علاقات مع دول تختلف فيما بينها على مستوى النشاط الاقتصادي والعلاقات الدولية التجارية، يحد من استخدام العملات المحلية، إضافة إلى معدلات التضخم والنمو المترتبة على ذلك.

ويؤكد أن الاقتصاد الأمريكي الذي يشكل 24% من اقتصاد العالم يمكنه الاستغناء عنه، لكن الأخير لا يقدر على خطوة كهذه، وبالتالي تأثير التخلي عن الدولار على واشنطن سيكون محدودا.

ويستدرك عايش: "لكن التأثير سيكون على التبادل التجاري، وقدرة الدول الثلاث على إقناع الآخرين، كالاتحاد الأوروبي واليابان، في التخلي عن الدولار والاستعانة بعملاتها المحلية في تسوية العمليات التجارية".

التأثير يتضح من زاوية النظام المالي العالمي الذي يقوم بالأساس على العملة الأمريكية، فمن لا يريد استخدام الدولار -الذي تتم عبره 90% من المعاملات التجارية- سيحرم نفسه من مزايا هذا النظام، وفق عايش.

أما الضرر، حسب رأيه، "سيكون إذا لم تستطع روسيا والصين وتركيا إقناع باقي الدول بالسير على نفس الطريق، كما أن عدم تحقيق ذلك سيحرمها من التكنولوجيا المتطورة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والعديد من التقنيات العسكرية المتطورة".

ويضيف: أن "الدول تحرص دائما على أن تكون ضمن النظام المالي العالمي الذي تتحكم فيه واشنطن بشكل كبير، وفي حال التخلي عنه يجب أن يكون هناك نظام بديل فعال قادر على تلبية احتياجات المنسحبين".

ما البديل؟

يرى عايش أن "تلك الدول تحاول إقامة أسواق مشتركة تتبادل فيها السلع والمنتجات بعملاتها المحلية، كما أن بعضها يلجأ إلى معيار الذهب في علاقاتها التجارية، فضلا عن بنوك خاصة للتعامل فيما بينها".

وإيجاد نظام مالي يحدد لتلك الدول سعر صرف موحد، بحيث لا يرتفع ولا ينخفض، يمكنها من الاستغاء عن الدولار والتعامل بعملات غيره مثل اليورو الذي تستخدمه دول بشكل محدود، كما يقول.

ويشدد عايش على أن انسحاب أي دولة من هذا النظام "ليس بالأمر اليسير"، لأن الولايات المتحدة عندما تريد معاقبة دولة ما فإن الإجراء الأول الذي تتخذه هو حرمانها من النظام المالي  العالمي.

ومن أجل التخلي بشكل تدريجي عن الدولار والتحول إلى عملات دولية أخرى، فإنه من الواجب أن تسعى الدول الثلاث إلى تدويل عملتها لتصبح قابلة للصرف العالمي.

كما أنه يمكن لهذه الدول أيضا اللجوء إلى سلة من العملات تجعل الدولار الأمريكي واحدا منها، لكن من دون أن تكون هي العملة الوحيدة، وبذلك تكون قادرة على التعامل بعملات أخرى بعيدا عن الورقة الخضراء.

ويختم عايش قوله بالتأكيد على أن "العالم مطالب بالبحث عن نظام مالي جديد، وهذا يحتاج تنسيقا عالميا يتحمل جميع العواقب التي قد تفرزها خطوة التخلي عن الدولار ".